عشية العشرة الثانية من شهر رمضان المبارك


دُعيت ومجموعة من الطلبة للإفطار الرمضاني عند أحد الزملاء الذين يسكنون بالقرب من الجامعة عندما كنت طالبا في الجامعة قبل حوالي (٢٤) سنة ، فلما جُهزت وجبة الإفطار ،سألت مباشرة عن والده لكي يحضر معنا ، وقتها تحدث الطالب أن والده غير متعود الجلوس مع الشباب الذين يأتون إلى بيته لأسباب صحية علاوة على أنه يتعرض للإحراج عند جلوسه مع الشباب ، وقتها شعرت بالغضب وأقسمت وألحت على حضوره لتناول الإفطار معنا ، فلما سمع صوتي وإلحاحي جاء وتعذر قائلا:" أنتم شباب و يجب أن توخذوا راحتكم ، أنا مريض بالرعاش ولا آخذ راحتي ، فقد أسبب لكم الإحراج " فقلت له "فيك البركة يا عم جلوسك معنا يفرحنا "، وقتها شاهدت الزملاء ومعهم زميلي الذي دعانا للإفطار في حالة انزعاج واستياء وكانوا ينظرون لي بنظرات الإستياء ، فلما شاهد الختيار إلحاحي له بالجلوس، فجلس معنا وتعمدت أن أجلس بجانبه لغاية في نفس يعقوب حتى أساعده في تناول الطعام وإشعاره بالطمآنينة .

كان الختيار مرتبكا لحظة جلوسه معنا، وكان ابنه يناظرني باستياء على إصراري على والده بالجلوس معنا ، فلم هممنا بتناول وجبة الإفطار ارتجفت يد الختيار ، ووقعت قطعة من اللحم من فمه على ثوبه، فقمت بسرعة بالتقاطها فأكلتها حتى لا يشعر بالإحراج ، فاستغرب الزملاء ومعهم الختيار قائلا:" لماذا فعلت هكذا يا ابني ليش عملت هيك -الله يسامحك- ؟! فقلت له:" أنتم كبار السن بركة، والأكل معكم مكسب، وأردت أن أتبرك بقطعة اللحم التي نزلت من فمكَ، لعلنا نصبح مثلك في الحكمة والكياسة والفهم والإدراك، يا عم أقسم عليك أن تدعني اطعمك بيدي هذه رغبتي " فوافق الختيار على استحياء ، وقمت بإطعامه بالمعلقة وما يقع منه على الأرض أتناوله واكله .

كان الختيار طيلة الجلسة يناظرني بنظرات مستمرة ، ويحدق بي طويلا ، ويراقب حديثي عندما أتحدث ، شعرت وقتها بالإحراج من نظراته ، خشيت أنني سببت له الإحراج ، فقد كان على مدار الجلسة يسأل عن اسمي واسم والدي وعشيرتي، فلما غادرنا أحببت أن أودعه ، وكان في غرفة ثانية ، أصابني الفضول لسؤاله عن السبب في نظراته لي واستفساره عن اسمي طيلة الجلسة، بينما آخرون من الطلبة كان يهمشهم في الحديث والسؤال ، فأجاب وهمس في أذني بعد أن أخذني بعيدا عن ولده والطلبة قائلاً بلهجة عامية :" طول عمر ابني بعزم أصحابه على الغداء و الإفطار وجلسات القهوة ولعبة شدة وبتشجيع مني كوني مقتدر ولله الحمد وما عمر واحد من أصحابه سأل عني أو كلف نفسه يحكي لابني أين والدك لكي نتعرف عليه كما أنني تفاجأت بقيامك بأكل الطعام الذي يقع مني هذا الفعل لا يفعله شاب عادي بسيط إنما رجل عنده بعد النظر والحكمة و هذا نادر ما يحدث ، كما أنني استغربت تصرفك من دون الجيل الذي كان يحضر عند ولدي باستمرار وكذلك عندنا في البيت ففي الولائم التي نقيمها في البيت أجلس وحدي بالغرفة لاتناول الطعام دون أن يلح علي الأقرباء أو حتى من يزورنا في البيت كانوا يقولون اتركوه لوحده يأخذ راحته وكنت أشاهدهم وهم يدخلون البيت و شعرت أنهم لا يقدرون الكبير ولا صاحب البيت ، لهذا استغربت منك التصرف هذه المرة وما فعلته من اكلك بقايا الطعام الذي يسقط مني وقيامك بإطعامي وهذا التصرف لا يفعله إلا إبن شيخ مصيت بين الناس ، فعرفت أنك لست من الذين يحضرون دائما عند ولدي ، فأحببت أن أعرف أسمك ونسل والدك وعشيرتك الطيب، وقتها شعرت أن الجيل الحالي لسا في خير ، كنت اعتقد أن إبني ومن يأتي عنده يمثلون هذا الجيل الذي لا يحترم الكبير ، فلما شاهدتك ايقنت أن الدنيا لسا بخير " .

فقلت له: ياعم أنت بمقام والدي وما فعلته هو من باب الإحترام لمكانتك، وأردت أن أرسل رسالة للزملاء ولابنك أن احترام الكبير في السن واجب أخلاقي وديني حتى لو كان كبير السن مريضا ، وقتها أعجب الختيار بحديثي وأعجب كذلك بردي على ابنه والزملاء الذين كانوا يقفون بعيدا عن سبب حديثه الجانبي معي، فقلت لهم:" يريد الحج أن يستفسر عن صديق له في محافظتي غادر إلى رحمة الله .

وعندما هممت بالخروج شكرته بحرارة وقبلت رأسه ، فقال وهو يضحك ويبتسم :" وكمان قبلة على الرأس لا هيك كثير .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات