المنسف


لماذا يحرك اللبن في المنسف، قبل الغلي؟

الأردنيون إذا سألتهم عن مؤسس النظرية النسبية قد لايعرفون، إذا سألتهم عن عدد محافظات المملكة قد يتلكئون..لكن هذا السؤال إذا قدمته لأي أردني سيجيبك على الفور إجابة صحيحة وهي: حتى لاينفصل الماء عن الجميد...

المنسف يقوم على الحركة، نظرية طبخ المنسف كلها قائمة على الحركة..بمعنى أن تحريك المزيج في الطنجرة هو الأساس في منحك هذه الوجبة السحرية التي تشعرك بالدوخان..بالمقابل إذا تركتها للنار ستتمرد عليك وسيقوم الجميد بالإنفصال الماء.

والأردني أيضا يشعر بالخزي إذا قام أحدهم مثلا بإضافة (مكعب ماجي) للمنسف..ويشعر بالألم الشديد إذا اجتهدت سيدة وإضافت الكركم، وحتى المنتجات الصناعية من الجميد والتي تعرض في الأسواق اندحرت أمام المنتج البلدي المتمثل (بالزعاميط).

شخصية مجتمعنا تشبه شخصية المنسف، هي قائمة على الحركة وعدم التقوقع...والأردني شخصيته أيضا تشبه المنسف، فهو الأغلى دما..هو الأكثر كرما وهو مثل الجميد حين يغلي تفوح رائحته لمسافات بعيدة...بطولات الأردني كذلك لا تتوقف عند جغرافيا أو إقليم.

أنا لا أقبل في السياسة مثل أن نتحول من نظرية المنسف إلى نظرية (السباغيتي)...أشعر أنها لاتناسبنا، هل تستطيع مثلا أن تتناول (سباغيتي) بيدك؟...هل تستطيع مثلا أن تقوم بوضع قطعة لحم من الطبق أمام صديقك...هل مثلا تجرؤ أن تقول في السباغيتي لجارك على الطاولة: (شرب ع المواكل)...إذا المنسف ليس وجبة غذائية هو ثقافة وسيكولوجيا وهوية..وشرح لمعنى الدولة ومفهوم الهوية وأنماط الشخصية.

أنا لم اتقبل الحالة الليبرالية في الأردن، لأنها تشبه وجبة (تشيز برغر)..حينما تأكلها لا تشعر بالشبع الكامل، ولا بالجوع..وتحس أن المعزب (همولة)..تخيل مثلا أن تقوم بدعوة مسؤول وتقدم له (تشيز برغر)؟....أنا أيضا لا أؤمن بنظرية من يقول: (هاي امكانياتنا)..أو أن يستعمل فرضية: (الأردن بلد صغير محدود الإمكانيات)...هذه مقولات الضعفاء، فلو عادوا لتاريخ المنسف لوجودوا أن هذه (الوليمة) كان لها أبعاد سياسية خطيرة، فعبرها تمت الصلحات..وحل كثير من العقد والتحديات، إذا المنسف حطم المستحيل...

يبقى الجميد هو الصلب العزيز الغالي الأثمان، في ذات الوقت يبقى هو الذي يجمع ولا يفرق..هو الذي يحدد السلوك والشخصية واللقاء، هو الذي لايقبل إلا اللحم البلدي..ويرفض المستورد، تخيلوا حتى الجميد يرفض التيارات الليبرالية...

لقد شكلت من ذاتي في عالم الصحافة (منسفا)...راقبوا مقالي، كنت أحسه أحيانا مثل القدر حين يفور به الشراب...أنا معجب بأن أكون كذلك، وأقبل أن يلتهمني الكل...لهذا عرفت أن أفرق بين مقالات كتبت على طريقة (المرس)..وما كتب على طريقة (الهرس)...

عرفتم الان سبب انحيازي لغزة، لكل ما فيها....لأني من شخصية المنسف ومن تفاصيله ومن غليانه، ولست بحاجة لأن أصعد طائرة كي أراها من الجو..غزة تأتيني في الحلم، غزة معي في المقال وفي فنجان القهوة..في دمعي وفي فرحي..في كل خفقة من دمي وفي كل إغفاءة..وفي كل صبح.

أنا المنسف.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات