عندما تصبح الاعتصامات مهزلة


عندها، لن يستطيع صاحب قرار أيّا كان إصدار ما يناسب المسار الوظيفي من نقل موظف، أو رئيس قسم، أو مدير من مركزه إلى موقع آخر خوفا من قيام عصبته الوظيفية أو الشلليّة أو العشائرية من تنفيذ اعتصام للمطالبة بإعادته؛ وكأن الاعتصام وما يرافقه من فعاليات سيصبح الهراوة والعصا التي ستعيق عجلة الحياة ومناشطها الوظيفية وغير الوظيفية. وسنعود سنين عديدة إلى الوراء، إلى عهد ما قبل الدولة المدينة بمؤسساتها الحكومية وشبه الحكومية والخاصة التي تدير شؤون البلاد والعباد، بل وسنعود إلى عصر الشّطار والقبضايات والفتوات و(السلبطة) على الناس بالخاوات وغيرها إنْ تطوّرت موضة الاعتصامات لتحيد عن الدرب الذي يُفترض السير فيه من مطالبة بالحقوق، أو الاعتراض على نهج سياسي أو اقتصادي أو غيرهما مما له مساس مباشر وغير مباشر بمصالح المواطنين عامة. والأنكى من هذا هو استحداث مراكز قوى جديدة تضرّ ولا تنفع، بحيث يكبر هذا الموظف شيئا فشيئا ليصبح فوق القانون والتعليمات، وفوق المساءلة إذا جنح يوما ما في أدائه الوظيفيّ، لنصنع علينا فرعونا يضاف إلى فراعين من قبله.
وسأضرب مثلا على مثل هذا، وهو أنّ بعض المدارس في وزارة التربية والتعليم أصبحت تنسب إلى مديرها أو مديرتها، وتمّ نسيان اسم المدرسة الأصلي الرسمي أكان صحابيا جليلا أم رمزا وطنيا. وعند نقل مدير أو مديرة من مدرسته/مدرستها تقوم القائمة على رأس مدير التربية الذي أجرى مثل هذا النقل لأسباب يراها للصالح العام فنّيا أو إداريا، وكأنّ المدرسة أصبحت ملكا من الممتلكات الخاصة لبعض المديرين أو المديرات، بل وكأنّ المدرسة ستتوقف عجلاتها عن المسير إذا انتقل منها هذا المدير، وأخذ بزمام أمرها زميل آخر. لذا، يقال أحيانا: هذه مدرسة فلان بن علان، وتلك مدرسة فلانة ابنة علان.
وإنْ بقي الحال على هذه الحال (ستنفلت) الأمور في البلد بكلّ ما في هذه الكلمة من معنى ودلالات؛ فطلاب الصف السابع شعبة ب سيعتصمون مطالبين بتغيير عريف الصّف، في حين ينظم طلاب الصفّ العاشر شعبة أ اعتصاما جماهيريا في ساحة المدرسة للمطالبة بـــِ ( شيل المدير من شروشه). وسيكوّن (شمّيمين) الآغو والتنر جماعة أو مجموعة تعتصم أمام سجن قفقفا لمطالبة القضاء بالإفراج عن زملائهم المسجونين، أمّا الذين يتاجرون بحبوب الهلوسة، فسينشؤون تنظيما مسلحا يعتصم أمام دائرة الجمارك يطالبون فيه بغض الطرف وتسليك أمورهم. إلى جانب تجرؤ الحيتان والفاسدين في يوم ما على تنظيم اعتصام يحشدون فيه زبانيتهم للمطالبة باسترداد النفوذ الذي كانوا يتمتعون به أيام باعوا فيها مؤسسات البلد وألحقونا فيها دار البوار. عندئذٍ سنكون بحاجة إلى إضافة أسماء عديدة للتواريخ والأشهر كي تتسمّى بها هذه المجموعات؛ بدءا من كانون الثاني وليس انتهاء بكانون الأول لأننا سنضطر إلى الاستعانة بالأشهر العربية من محرم إلى صفر، وبالأعداد والأرقام ذات المنزلة والمنزلتين وذلك بسبب تنوع هذه الاعتصامات وتعدد أسمائها. ومسمياتها.
لقد سرّنا زمن كانت فيه الاعتصامات في طريقها القويم، ولكني أتوجّس خيفة من أزمان تسيء لنا إنْ( فلتت) الأمور من عقالها. وهذا المعنى مقتبس من جانب خفيّ في قول أبي البقاء الرندي
هي الأمور كما شاهدتها دول.................. من سرّه زمن ساءته أزمان



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات