قضية الدقامسة تفضح المسكوت عنه


قبل بضعة ايام، كانت الفجيعة في انتظاري، حين قفز قانون العفو العام عن المقاتل البطل احمد الدقامسة، وتجاهل لهفته على الحرية والانعتاق، وتركه نزيل السجن، وقعيد المرض، ورهين القهر والضيم والاحباط. كان المأمول، بل كان المطلوب، ان يتصدر هذا المقاتل الشجاع قائمة المشمولين بالعفو، وطليعة الفائزين بجائزة الحرية، ليس لانه امضى القسط الاكبر من مدة محكوميته فحسب، وانما لانه لا يستحق عقوبة السجن اصلاً، فامثاله من الرجال المفعمين بروح الوطنية يستأهلون اكاليل الغار واوسمة التكريم والفخار، وليس الحبس والعقاب والاضطهاد. كان في ذهن حسين مجلي، وزير العدل السابق الذي وضع مشروع قانون العفو العام، ان يكون المعتقل الدقامسة اول المستفيدين من هذا القانون، واول العائدين الى احضان اسرهم ودفء احبائهم، واول المرشحين لرد الاعتبار وتعويض سنوات الحبس والاعتقال.. ولكن يبدو ان مجلي قد دفع ثمن انحيازه لهذا البطل الاسير، ولكن بذريعة اخرى وتحت عنوان مختلف. ويشهد الله الواحد الاحد انني كنت مطلعاً على تفاصيل معاناة الاخ مجلي بهذا الخصوص، وكنت مقتنعاً ان هذا الرجل قد وضع العقدة في المنشار تماماً.. فاما ان يندرج اسم الدقامسة في لوائح المشمولين بهذا العفو، واما ان يستقيل هو من موقع وزير العدل، دون تردد او ابطاء.. ولعل هذا ما دفعني الى القول له، حين جاءني بعد ساعة من تقديم استقالته، ان احمد الدقامسة وليس خالد شاهين، هو الذي اخرجك من الحكومة. جملة من المسؤولين الكبار كانوا يرغبون في اطلاق سراح الدقامسة ضمن سياق العفو العام، وكانوا يريدون الظهور امام الرأي العام الاردني بمظهر تحرري واستقلالي في صناعة القرار، غير انهم سرعان ما اذعنوا للضغوط الاسرائيلية والامريكية التي تقاطرت تباعاً على عمان، لجهة استثناء المقاتل الدقامسة من نعمة العفو العام، والابقاء عليه داخل جدران السجن حتى وان لم يتبق من محكوميته غير بضعة اشهر. استثناء الدقامسة من قانون العفو امر مؤلم ومحزن وباعث على الفجيعة القلبية، غير ان ابعاد هذا الاستثناء ودلالاته اكثر قهراً وايلاماً.. ذلك لانها مؤشر شديد الوضوح على بؤس سياستنا الخارجية، وضعف سيادتنا الوطنية، وشدة تبعيتنا للاجنبي، وهزال استقلالية قرارنا، وهشاشة مناعتنا حيال الضغوط الاسرائيلية والاملاءات الامريكية والاوروبية. فاذا كان مشروع اعفاء الدقامسة من بضعة اشهر تبقت له في السجن، قد ادى الى كل هذه الضغوط والتدخلات الخارجية، واذا كانت دوائرنا الحاكمة لم تستطع الصمود في مثل هذه القضية المحرجة والماثلة للعيان.. فاين هي السيادة والكرامة والارادة المستقلة؟؟ وكيف يكون الحال مع القضايا السرية والمسائل الاستراتيجية ؟؟ ولماذا كل هذا التبجح والادعاء والطرب السياسي حول تمسكنا بالحرية والهوية الوطنية ورفض التدخل في شؤوننا الداخلية ؟؟ هذه هي عقابيل معاهدة وادي عربة المشؤومة التي وقفنا في وجه ابرامها منذ البداية، وقلنا في هذا المنبر عام 1994 انها استعمار من نمط جديد، وخطيئة سوف تجر علينا الكثير من المآسي والويلات، ومصيدة سوف تصادر سيادتنا وتعمق تبعيتنا للاعداء، وتنأى بنا عن الاختيار الحر والالتزام القومي والاسلامي. هذه وغيرها هي مفاعيل معاهدة السلام المزعوم والموهوم.. السلام الذي يمنعنا من اطلاق سراح سجين اوشك على انهاء مدة محكوميته.. السلام الذي يبيح لصهيوني مأفون يدعى ارييه الداد ان يقرر مصير الاردن نيابة عن اهله.. السلام الذي يسوغ التنازل عن القدس وضفة الاردن الغربية الى جانب منطقتي الباقورة والغمر في ضفته الشرقية.. السلام الذي يحول بلادنا الى جسر تتسلل منه السلع والبضائع والمجاميع التجسسية الصهيونية الى ساٌّئر ارجاء الوطن العربي. اما املاءات السيدة امريكا فحدث عنها ولا حرج، خصوصاً وانها اكثر من مكشوفة وعلنية، اذ ليس في حياتنا السياسية والاقتصادية والاعلامية والتعليمية مفصل واحد يخلو من اوامرها ونواهيها وتدخلاتها، وليس في بلادنا مكان قصي او قريب لم يدنسه افراد السفارة الاميركية بعمان وعملاء المخابرات المركزية، وليس بين ظهرانينا سر يخفى على تلك السفارة، او امر يثير حفيظتها، او قرار يتم من وراء ظهرها. طبعاً، هذا هو ثمن المعونات المالية والعينية الهزيلة التي تقدمها لنا واشنطن، وثمن سكوتها عن المماطلة والتسويف في عملية الاصلاح السياسي والتحول الديموقراطي، وثمن ضغوطها على مجلس التعاون الخليجي لقبول الوجود الاردني بين صفوفه. الغريب ان كل هذا الخراب في سياستنا الخارجية، وكل هذا التمادي في تبعيتنا للمراكز الاجنبية، وكل هذا التدني في منسوب سيادتنا الوطنية، لا يلفت نظر قوى المعارضة السياسية، ولا يثير احتجاج الاحزاب الوطنية والنقابات المهنية والنخب الثقافية، ولا يحفز احداً على الخروج في الناس شاهراً صوته بالرفض والاعتراض والانتقاد.. فالكل صامت كأن على رؤوسهم الطير، او كأن ما يجري يخص اهل افريقيا وليس الاردن، او كأن هذا الواقع قدر لا راد له، ولا جدوى من مقاومته ومصادمته والوقوف ضده. كلنا انصرفنا عن الشأن الخارجي الى الموضوع الداخلي، وانشغلنا - ولعلهم اشغلونا عمداً - بالهموم الاقتصادية، والقضايا المطلبية، ودوامة الاصلاح السياسي، والتشكيل الوزاري، ومحاربة الفساد، وقوانين الاحزاب والانتخابات، ولجان الحوار الوطني والتعديلات الدستورية، وما شابه من عمليات تقطيع الوقت، وحل الكلمات المتقاطعة، ودق الماء في الاناء. نعرف ان المتطلبات الداخلية مهمة وملحة، وندرك ان السياسات الخارجية مجرد انعكاس للاحوال الداخلية، ونطالب دوماً برفع وتائر النضال الشعبي لتحسين الاوضاع المعاشية، وتحصيل المزيد من الحقوق والحريات السياسية.. غير ان كل ذلك لا يجوز ان يلهينا عن متابعة السياسات الخارجية، ويبعدنا عن متابعة ومراقبة علائق بلادنا بالاقطار العربية والبلدان الاجنبية، ويحول بيننا وبين دب الصوت عالياً ضد مناهج التبعية والتذيل والالتحاق بالدوائر والمحافل الاستعمارية. وبعد.. المجد لك يا اخي احمد الدقامسة، لانك حر في سجنك بينما الآخرون من ادعياء السيادة ليسوا كذلك، وانت قوي في موقفك بينما مواقف الكثيرين اوهى من خيط العنكبوت، وانت واثق من نفسك ومحبوب من امتك بينما غيرك مسكون بالرعب ومحروم من الاحترام.. ويكفيك فخراً واعتزازاً ان عواصم الصهيونية والامبريالية قد جفلت امام حريتك، وتصاغرت بين يدي معنويتك، واستماتت للابقاء على اعتقالك، وكشفت ان >روشتة< حقوق وحريات الانسان ممنوعة من الصرف لكل من يعادي اسرائيل !!



تعليقات القراء

الدقامسة
شكرا استاذنا العزيز لقد وضعت القارئ في حقيقة ما يجري فوراء الكواليس
21-06-2011 01:35 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات