سفربرلك ربيع الثورات العربية!


إن مقولة السفربرلك " التجنيد الإجباري " التي أنتجتها الدولة العثمانية باسم الحرب المقدسة أو الحرب الدينية ، ضد أعداء الدين والإسلام طغى على الأرض الأردنية ، وخاصة على الفلاحين ، فأفرغت الأرض من أهلها ونهبت خيراتها بحجة الحرب المقدسة ، وقد تمثل هذا في القرى والريف الأردني من الشمال مرورا بالوسط فالجنوب ، إنهم الفلاحون الذين كانوا يمثلون جلدة الأرض الوجودية التي أبت أن تنقرض ، وهذا ما طبق أيضا في بلاد الشام ومصر والعراق ، فعانى المشرق العربي معاناة لا يحسد عليها، وفي الأردن ناحت النساء في كل بيت في القرية والأرياف ، بسبب لعبة السفربرلك والحرب المقدسة.
وهاهي الأنظمة العربية تستولد سفربرلك الدولة العثمانية التي تلعنه الشعوب العربية، لأن السفربرلك كان يستدعي حربا لم تكن تعني العرب لا من قريب أو بعيد ، ولكنها تعني الدولة العثمانية التي قوقعت اللغة العربية أكثر من 400 عام وصار العربي في آخر الركب ، ولو كانت الدولة العثمانية تهتم في اللغة العربية ، لكانت لغتنا العربية تسود الآن أراض كثيرة ، تستدر علينا الحسد والغيرة ، ولربما تغير وجه التاريخ ليس بما هو عليه الآن.
ليس هذا هو الموضوع المراد مناقشته بقدر ما أن مقولة السفربرلك هاهي تنتج في الأوطان العربية مرة أخرى ، بطرق مختلفة ، ولكنها بأهداف محددة. وسفربرلك أنطمة الدول عربية هو تجنيد إجباري وتجييش إجباري.
إن الثورات العربية التي أنتجتها الأنظمة العربية بالأفعال الشنيعة التي ارتكبتها ، وترتكبها في أشكال غاشمة ، فتزداد الظلمة التي تحيط بالشعوب العربية ، ما بين فقر وفساد وسرقة وضياع حقوق مادية ومعنوية ، وحتى ضياع الأوطان أحيانا ، أو ما يفكر بضياعها تحت مسميات أوطان بديلة وأوطان أقليات.
إن الزمن الماضي الطويل والممتد لعشرات السنين - منذ الاستقلالات الكرتونية التي تغنى بها العرب ، مدفوعة بتغن لا يكل ولا يمل وهو غناء الأنظمة العربية – مكث على عقول العرب بفجائعية قد لا يستوعبها العقل العربي المغيب في عتمات الفساد ، والذي يبدأ بسرقة لقمة الخبز وتضييع الأوطان ، وينتهي بحكم عائلات وتوريث ، ولهذا كان لا بد للثورات العربية أن تحدث بعدما وصل الضغط إلى انفجار لا مهادنة فيه ، ولا رجعة عنه ، فكان السفربرلك " التجنيد الإجباري " لصالح الشعوب العربية ، وهي تمط أعناقها إلى شيء أهم كثيرا من لقمة الخبز ، إنها الحرية ، فبالحرية يبدأ الحصول على كل شيء وأولها لقمة الخبز.
إن السفربرلك الذي أنتجته الأنظمة العربية لم يكن دائما إيجابيا لها كما هي حال الثورات العربية - الربيع العربي - المتأججة ، والتي خلقت وضعا متأرجحا للأنظمة النرجسية ، وهي تكاثر حولها الحاشية مثل الفطريات من مختلف الأجناس والمنابت ، وهي تتغنى أنا ربكم الأعلى ، فتكاثرت الحاشيات كأعشاب البحر التي تقتات على كل شيء ، وتحجب الضوء تماما ، وهذا يعني الموت المحقق لشعوب بأكملها. ونتيجة للأسباب الكثيرة التي تبدأ بسرقة الأموال وتضييعها وتضييع الأوطان والشعوب ، يبدو أن السفربرلك العربي - وهنا الثورات العربية - كان إيجابيا لصنع حياة جديدة يستدعيها الإنسان الحر.
هناك سفر برلك " تجييش " آخر مارسته الأنظمة بأنواع شتى ، للوصول إلى سبيل واحد ، وهو البقاء ، و لا شيء غير البقاء، ولكنه سلبي. إن سفربرلك صراع البقاء على عقول الشعوب العربية ، من قبل أفراد وعائلات تتصور الدنيا على أنها سادة وعبيد - كانت الأنظمة العربية هي السيد والشعوب العربية هي العبيد - ينادي بإبقاء السادة والعبيد ، وتمثل ذلك بـ:
أ - تجييش " البلطجية " : فاستعانت الأنظمة العربية البلطجية ببلطجية ، والذين صورتهم بأنهم من الشعوب العربية الرافضين للثورات العربية ، وهم بالتالي من المطبلين للعبودية فيستمرئون العبودية ويعبدون السادة ، ومهما كانت هذه المقولة صحيحة فهؤلاء جزء من السفربرلك ، جزء من الحاشية التي تنتابهم هلوسات تقسيم الكعكة " الوطن " بين فلان وفلان... إن سفربرلك البلطجية تمثل بلغات أخرى مثل :
1- وقعة الجمل في ميدان التحرير في مصر .
2 - القناصة في تونس وتكررت الصورة في اليمن، ليبيا وسوريا وستتكرر في أوطان أخرى .
3- الرمي والقذف بالحجارة كما حدث في مصر ، الأردن ، سوريا ، واليمن وستكرر.
4- الشبيحة في سوريا .
5- العنترية كما تسمى في لبنان.
ب - تجييش الصورة لصالح الأنظمة: إن الأنظمة في ظل صرخة سلمية ، ارتأت أن تزحزحها عن مغزاها الحقيقي ، وهو مطالب الشعوب العربية العادلة ، والتي تتمثل بالحياة الكريمة ليس غير ذلك ، فاختلقت الأنظة مشاجب تعلق عليها أهداف هذه الثورات، لتبقى لها السيادة كسادة على شعوب عربية كعبيد ، فتمثل بإدعاءات تسم الثورات العربية بـ:
1- المندسين : ليكون الخطاب المنقول داخليا وخارجيا، لأنظمة عربية تملك سيادة الخبر وإذاعته ، وأن من يقوم بهذه الثورات هم أناس مندسون ومخربون ويجب محاربتهم ، فقامت الأنظمة بتجييش الإعلام العربي المريض، وهذا ماحدث في مصر ، واليمن وسوريا والأردن وليبيا.
2- الخونة : وتمثلت هذة المقولة المفجعة في خطاب الأنظمة العربية ، وهم يكيلون التهم للشعوب العربية بأنها متآمرة على الأنطمة بالتعاون مع أطراف ودول أخرى، وهذا ما حدث في سوريا واليمن ، وليبيا ومصر.
3- القاعدة والسلفيين : فتنادى أصحاب الأنظمة العربية بمقولة قد تروق للخارج أكثر من الداخل ، فاتهموا الذين يقومون بالثورات العربية هم من القاعدة ، وتمثل ذلك في اليمن ، مصر، وليبيا وسوريا.
ج - تجييش المرتزقة : لم توفر الأنظمة العربية جهدا إلا واتبعته من أجل الانقضاض على الشعوب العربية ، وهي تلعب معها لعبة السيد والخادم ، فما كان منها إلا أن جندت مرتزقة ؛ لتحارب شعوبها ، وتعمل فيهم القتل والذبح ، وتمثل بشكل جلي وواضح في ليبيا التي استوردت المرتزقة الأفارقة ومن الصرب ، وما فعلته سوريا كما أشيع باستيراد مليشيات حزب الله.
د - تجييش الدبابات : لم تكتفي الأنظمة العربية بسفربرلك البلطجة ، والصورة الإعلامية ، والمرتزقة، فصارت تتغاوى لصنع سفربرلك نهائي يجز الحياة نهائيا ، إنه سفربرلك " تجييش " الدبابات ، نزلت الدبابات التي اشتراها الشعب العربي من لقمة الخبز ، والذي أبقته ما بين فقر ومرض وتهميش ، كما زين له النظام العربي مسميات الممانعة والمقاومة والجبهوية والكمبرودورية ، ليبقى السيد النظام العربي ويبقى العبد الشعب العربي. فكان لا بد من أن لقمة الخبز التي سلبت من الأفواه ، لتشترى بها دبابة توجه إلى صدور الشعوب أخيرا والمحرومة دوما ، فسالت الدماء ، إنه سفربرلك آخر جديد ومتجدد، طالما افتعلته أحيانا الأنظمة العربية التي تسمي نفسها الثورية ، ولكن أن تستعمل بهذه الطريقة في ظل عالم التقنيات والصورة ، ستكون سابقة يسجلها التاريخ بكثير من الحبر الدموي.
إن سفربرلك تجييش الجندي العربي - في بعض الدول العربية مثل ليبيا وسوريا واليمن، ضد الشعوب العربية - الذي يضغط على الزناد هو مشارك في لعبة البقاء ما بين سيد وخادم ، لكن الخادم " الشعب العربي " والذي يشار إليه من قبل السيد بنوع من الاحتقار هو صاحب الأرض، وهو الوجودية الكاملة غير المنقوصة ، بل على العكس تماما، إن بعض الأنظمة العربية هي منقوصة الوجودية أصلا، وكل الشعوب العربية كاملة الوجودية.
وبسبب هذا التنازع ما بين النقص والوجودية ظهر سفربرلك الدبابة ، فتمثل بصور دموية كبيرة وهمجية في ليبيا وسوريا واليمن ، وهناك أنظمة عربية أخرى تتحسس بنادقها ، ولن تتأخر كثيرا في استخدام سفربرلك دبابة خلقته الأنظمة بكل ظلمها وغشميتها ، ويقابله صرخة الشعوب العربية في وجه الدبابة " سلمية " وهي تعني بالتالي الحوار والحرية.


Em:buqasem_21@yahoo.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات