حرب "فيلادلفيا" .. رهان سياسي أم صراع عسكري؟


جراسا -

محاولات السيطرة المطلقة على محور "فيلادلفيا"، أو "صلاح الدين"، الواقع في المنطقة الحدودية بين الدولة المصرية والمناطق الفلسطينية المحتلة، يحمل مجموعة من المنطلقات السياسية والعسكرية التي تتضمنها أجندة الأهداف الإسرائيلية، منذ عملية "طوفان الأقصى" في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.

احتلال محور "فيلادلفيا"، يُعتبر قضية شديدة الصعوبة، نظراً لخضوعه لاتفاقية "معاهدة السلام" الموقّعة بين القاهرة وتل أبيب في 26 آذار (مارس) 1979، والتي نصّت على إنشاء منطقة عازلة منزوعة السلاح، بطول 14 كلم على طول الحدود بين الطرفين، فضلاً عن خضوعه لمبادئ وأحكام "اتفاقية فيلادلفيا" في أيلول (سبتمبر) 2005، التي تمثل ملحقاً أمنياً لـ"معاهدة السلام"، وعلى إثرها انسحبت إسرائيل من المحور، وسلّمته مع معبر رفح إلى السلطة الفلسطينية، ثم آلت مسؤوليته إلى حركة "حماس"، بعد سيطرتها على الحكم في غزة عام 2007.

تلويح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بالسيطرة على محور "فيلادلفيا" يحمل في طياته توظيفاً سياسياً موجّهاً إلى المجتمع الإسرائيلي، لإطالة أمد الحرب ومحاولة استعادة شعبيته، في ظل إخفاقه سياسياً وعسكرياً في تحقيق أية انتصارات ملموسة خلال حربه على قطاع غزة، وفشل سردياته في إقناع الرأي العام الداخلي، وعجز حكومته عن تقديم أية أطروحات حول خطة الوضع النهائي في غزة بعد الحرب، فضلاً عن ارتفاع كلفة الخسائر الاقتصادية الأولية التي قُدّرت بأكثر من 50 مليار دولار، وفقاً لتقديرات البنك المركزي الإسرائيلي.

في ظل موقف "القاهرة"، الصامد والرافض لأية تجاوزات أو تمركزات عسكرية في محيط محور "فيلادلفيا"، لما يمثله من تهديد مباشر لسيادتها الوطنية، طرحت "تل أبيب" مساعيها التفاوضية في شكل إجراءات تدريجية، بدأتها بطرح المشاركة في مراقبة المنطقة الحدودية، ووضع مستشعرات على طول المحور، مروراً بطلبها إرسال طائرات استطلاع مسيّرة إلى المنطقة للتعامل مع أية خروقات أمنية، فضلاً عن تقديم مشروع بناء جدار أرضي مضاد للأنفاق على امتداد الحدود المصرية، انتهاءً بتنفيذ عملية عسكرية، تذرّعاً بتدمير الأنفاق الرابطة بين قطاع غزة وشمال سيناء.

مبررات الجانب الإسرائيلي مجرد سياقات وهمية، إذ أنّها تناست أنّ الدولة المصرية عملياً أحكمت قبضتها على المنطقة الحدودية منذ عام 2013، وقضت على أية تمركزات جغرافية للتنظيمات التكفيرية في الداخل السيناوي، وأقامت جداراً حديدياً عازلاً لمنع تسلل العناصر المسلحة إلى داخل أراضيها، فضلاً عن حفرها لقناة عرضية ممتدة من ساحل البحر شمالاً حتى معبر رفح جنوباً، لإعاقة أية محاولات لبناء الأنفاق مرّة أخرى.

استهدفت تل أبيب، محور "فيلادلفيا" مرات عدة خلال الأشهر الماضية، للضغط على مواطني غزة ودفعهم نحو التهجير، ما اعتبرته القاهرة تهديداً لسيادتها، وخطاً أحمرَ لن تسمح بتجاوزه، فضلاً عن أنّه يمثل خرقاً للملحق الأمني والعسكري لـ"معاهدة السلام"، في ظل خضوعه لاتفاقية ثنائية، تُلزم ترتيب الأعمال العسكرية بين الطرفين قبل تنفيذها عملياً، إذ سمحت "اتفاقية فيلادلفيا"، المعروفة بخطة "فك الارتباط"، بانسحاب إسرائيل من قطاع غزة في أيلول (سبتمبر) 2005، وتمركز 750 جندياً مصرياً مسلّحين بسلاح خفيف، والمشاركة في مكافحة الأنشطة المعادية المتعلقة بالتهريب، والتسلل والإرهاب بين الدولتين.

تعمل إسرائيل على فرض واقع جيوبوليتيكي، من خلال احتلال محور "فيلادلفيا"، وتحقيق مجموعة من الأهداف المباشرة، منها عزل قطاع غزة، وقطع اتصالاته عن العالم الخارجي، وتحجيم النشاط المسلح لفصائل المقاومة الفلسطينية مستقبلاً، والتحكّم المباشر في "معبر رفح"، البري بديلاً عن السلطة الفلسطينية أو حركة "حماس".

الأهداف الأخرى غير المباشرة تتمثل في التحرّش العسكري بالقاهرة، في إطار توسعها في السيطرة على الأراضي الحدودية، وإنهاء أي وجود فلسطيني رسمي في المنطقة العازلة بين قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء، تحت مزاعم استهداف الأنفاق الحدودية وتوجيه "ضربة استراتيجية"، لحركة "حماس"، والحدّ من قدرتها العسكرية، وتهيئة الظروف من أجل عودة الجماعات المتطرّفة إلى سيناء، التي تضع على أجندتها شكلاً مواجهة الكيان الإسرائيلي.

لم يخل بنك الأهداف الإسرائيلية من المشاريع التي تخدم مخيلة اليمين المتطرّف، المهيمن حالياً على القيادة السياسية والعسكرية، الذي يضع في مقدمة أولوياته زعزعة الاستقرار في دول المنطقة العربية، وتمزيقها إلى دويلات منتهية الفاعلية العسكرية والسياسية، ويُمهّد لبناء دولة "إسرائيل الكبرى"، ذات النزعة الدينية والقومية، في إطار صناعة صورة قومية محمّلة بـ"عباءة الضحية"، أمام منابر المجتمع الدولي.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات