حوارية الملك مع الشباب والحزب الذي نريد


منذ أكثر من عشرين عاماً مضت نشطت جماعات وشخصيات وطنية في تأسيس أحزاب سياسية تحت مسميات وطنية ، أخذ منظروها يبشرون بمبادئها بين أوساط النخب الثقافية ، ومنح القائمون عليها ـ وهم متنفذون وأصحاب قرارـ تسهيلات جمة ، بقصد حشد القوى لمنافسة التيارات الفكرية الإسلامية والقومية ، والحدّ من خطابها الإعلامي المؤثر ـ أنذاك ـ وبدا جلياً أن الأحزاب الجديدة راحت تستقطب أنصارًا لها من الذين يشكلون ثقلاً اجتماعياً ، باتباع أساليب مختلفة أهمها الإغراءات المتنوعة.
وعلى إثر مقولة الملك الراحل ـ الحسين ـ رحمه الله ـ((كثرة الازدحام تعيق الحركة)) تنبه مجموعة من مؤسسي الأحزاب إلى ضرورة التكاتف والتوحد بإطارات توفيقية لتصليب الموقف الحزبي وطرح برامج أكثر إقناعاً، غير أن هذه التجربة باءت بالفشل ، بعد أن انشغل منظروها بالتصارع على السلطة وحاول كل طرف أن يستميل منتسبي الحزب إليه ، لينكشف الأمر مبكراً في أن النخب يريدون تجيير الأحزاب لمصالحهم الضيقة ، بعيداً عن هموم المواطن ومشكلاته، وعندها أظهر الناس رفضهم للأحزاب منذ الأشهر الأولى.
نسوق هذه المقدمة عطفاً على ما ورد في حديث جلالة الملك في ملتقى الشباب الأول في البحر الميت ، عن أهمية الانخراط في العملية السياسية من خلال الأحزاب ، وسؤاله عن الحزب الذي يريده الشباب.

إن التركيبة التنظيمية للأحزاب في الأردن تبدأ من قمة الهرم حيث يجتمع بعض الأشخاص ويتداولون أفكرهم ، ثم يجعلون من أنفسهم هيئة تأسيسية تحظى بامتيازات يحرم منها الأعضاء المسجلون لاحقاً ، ويتناوبون على زعامة الحزب ـ أحياناً ـ مستأثرين بما تدره قيادته من منافع شخصية ونفوذ ، فيما يصبح الأعضاء العاملون مجرد أرقام تنظيمية تستخدم (وقوداً) لمرجل أصحاب الرأي .
ويبقى في اعتقاد الإنسان الأردني شيء من إرث الماضي الذي ورثه الأبناء عن الآباء ، عن خطر الانخراط بالأحزاب ، والمرتبط بالملاحقات الأمنية ، والتضييق على كل من له علاقة تنظيمية حزبية ، ويعود ذلك إلى ارتباط ذهنية الناس بالفترة التي نشطت فيها الأحزاب ذات الفكر القومي والبعثي والشيوعي والإسلامي وغيرها ، والتي كان أغلب منتسبيها أدوات بأيدي الدول التي ترعاها وتتبناها وتعمل على تصديرها وحمايتها ، ومع أن تلك الصورة غير واقعية الآن ، ولم تعد جزءاً من الواقع حالياً، إلا أن تأثيرها ظل يلقي بظلاله على شريحة كبيرة في المجتمع.

ولا شك في أن وجود قيادات حزبية تتربع على هرم التنظيمات السياسية قادمة من مواقع مسؤولية هامة في الدولة ، أفقد الشباب الحماس لدخول الأحزاب ، لأن الحزب بهذه التركيبة لا يضمن لهم تحقيق الذات ، ولا يشبع غرورهم ، ولا يضمن له دوراً قيادياً مستقبلياً ينسجم مع فكره ومبادئه وأحلامه ، بل سيظل فيها تابعاً ومنفذاً لبرامج لا يشرك في صياغتها ، وهو أمر يتماثل مع الأحزاب الفكرية التقليدية التي تهيمن عليها قيادات عجوزة لا تمكّن الشباب من أخذ فرصتهم ليكونوا في الصفّ الأول من الحزب.

إن الحزب الذي يريده الشباب ـ باعتقادي ـ هو الحزب الذي تنبثق رؤاه من ذهنية شابة متقدة ، تؤمن بالتغيير البناء ، وتعمل على الإصلاح بأفكار تصدر عن همومهم وطموحاتهم كممثلين لأكبر شريحة اجتماعية، يكون لهم الدور الرئيس في صياغة أطرها وفي توليد أدواتها ، وابتكار أساليبها ، يكون فيها هرم الحزب مقلوباً ، أي ينطلق من القاعدة ، التي تؤسس وتبني وتقود بشكل جماعي ، وهو أمر قد لا يتحقق بسهولة ما لم يسخر الشباب طاقاتهم وإبداعاتهم ، وينبذون ما علق بعقولهم من أفكار تشتت ولا تجمع ، وتفرق ولا توحد ، مقتنعين بأن الوطن كل الوطن هو ميدان خدمة وتضحية ، يتنافس على توطيد دعائمه كل المؤمنين به ، وإلا ظلت الأحزاب بشكلها الحالي مهيمنة على الخطاب الإعلامي الحزبي العقيم ، وبقيت منابره السياسية شكلية غير فاعلة ، ووسيلة لإظهار أن في الأردن حراكاً حزبياً فاعلاً يكسر به الجمود الذي ينتاب مشروع توطيد أركان الديمقراطية ، والإصلاح السياسي المنشود.

Kh.darabseh@yahoo.com



تعليقات القراء

هاني شريعة
لا بد من التخلص من تحكم بعض الشخصيات بالشباب وعلى الشباب مسك زمام الأمور والتخطيط لإنشاء أحزاب تلبي جميع مطالبهم كما أراد جلالة الملك وتتسم بروح الشباب لا أن يكون المطلوب منهم مجرد التسجيل بهذا الحزب الذي أسسه معالي أو دولة .
15-06-2011 06:28 PM
إربداوي
أشكرك يا أستاذ درابسه على التحليل الجيد ، لكن ألا تعتقد أننا بحاجة إلى زمن طويل حتى نقتنع بالحزبية في بلد يهمه تأمين لقمة العيش؟؟؟؟؟ظ
15-06-2011 06:30 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات