الآن فهمتكم .. من أنتم؟


بعد ثلاثين عاما من حكم زين العابدين أقرّ واعترف بأنه قد فهم شعبه، وبعد أربعين عاما يتساءل القذافي عن هؤلاء الجرذان الذين لم يعرفهم من قبل، وكأنه كان يحكم قوما آخرين طوال هذه السنين. هذان مثالان شاهدان على قصر نظر بعض الحكام الذين لايتجاوز قدرة بصرهم التقارير المقدمة إليهم من بطانات تكرشت بطونهم بمال السّحت، وغصت جيوبهم وأرصدتهم وأرقام حساباتهم المصرفية الفلكية من غصة المحرومين، وأنين المرضى، وغضبة الجياع المدفونة، وإحباط الشبيبة الذين يتأبطون شهاداتهم يتسكعون بين الأزقة والزواريب وأرصفة الشوارع دون عمل، وحرقة الأهل الذين باعوا البطانية والشرشف ليعلموا هؤلاء الفتية الذين آمنوا بربهم ووطنهم فوجدوا أنفسهم يرفلون في شماشير العوز والفاقة، وأولاد علية القوم وسفلته يتوارثون الجاه والوجاهة والغنى والضياع والمزارع والفلل وما طالته أذرعتهم من حلوق وحلاقيم المعذبين في الأرض وجرذان الوطن كما ينظر إليهم.
إن أبسط بديهيات العلم والمنطق هو أن لا نتيجة دون سبب، فما بالك إن كان للنتيجة الراهنة ألف سبب وسبب؛ فهذه الثورات الدموية وما وصلت إليه من حرب أهلية في ليبيا، وأخرى مرشحة في اليمن- لاقدر الله تعالى- وإفرازات طائفية في مصر، ونذر طائفية أخرى في البحرين والكويت، ودماء تراق من درعا إلى حماة، ومسيرات واعتصامات في الأردن ضد الفساد وحثالته الذين ما زالوا بين ظهرانينا؛ في يمناهم النفوذ وفي يسراهم المال، وما بين اليمين واليسار عهر في المبدأ وموات في الضمير. كلّ هذا لم يأتِ من فراغ؛ فالمواطن الذي يعض الصوان في صباحه والقرطيان في مسائه لايمنعه هذا من تمييز الغث ومكمنه، ولا من معرفة الحرامية والسرسرية ومغاراتهم. ولن يزداد المواطن سوى احتقان فوق عديد من احتقانات تسرطنت وتراكمت على مدار سنين نهبت فيها مقدرات البلد وساكنيه، فحورب هذا المواطن العربي أنى كان بغذائه وشرابه ودوائه وتراب بلده في الوقت نفسه تماما يرى المليارات والملايين في حساب العديد من المسؤولين الذي دخل بعضهم النفوذ بحال وخرج منه بمليار حال وحال، فأرهقوا البلد بالدين والمديونية؛ تارة بما اختلسوه رشوة وسمسرة، وتارة بالخصخصة ومفرداتها، وتارة بالسطو على تراب البلد وشجره وحجره وبشره الذين ضاقت بهم الدنيا بما رحبت، فانفجروا براكين هادرة في العواصم والمدن العربية، ليقع بعضهم في ظل هذا الوضع بين أنياب وحش أشد فتكا ووحشية ممثلا في الغرب وأمريكا الذين ينادون بديمقراطيات كديمقراطية العراق التي تتشظى إلى إثنيات ومذاهب وأعراق لم نسمع عنها من قبل لاجهلا بها بل جهلا بوجهها الدميم الآخر الذي خضع إلى عملية تقبيح في صالونات الديمقراطية التي جلبت إلى بلادنا بأيدي جلادينا. فهاهم زعماء أوروبا ومسؤولوها يتقاطرون على بنغازي، فما أن تحلق طائرة بسمسار سياسي غربي حتى تحطّ أخرى وعلى متنها سماسرة آخرون ليساوموا الثوار، ويقطفوا ثمر الدماء الليبية. وإن كان هذا مثال فهناك أمثلة أخرى قد تكون مستترة يجلوها قادم الأيام.
الشعوب كلها دون استثناء مرادها الاستقرار والأمن وتحقيق العدل والعدالة وما يرافق هذا من معان أخر، والشعوب كلها دون استثناء إن صمتت على ضيم فلا يغرنك صمتها إن طال أو قصر، والشعوب كلها قادرة على تحمل العيش حتى وإنْ ضنك وقسا، ولديها حبال وأحزمة تشدها على بطنها الضامر إن مرّ البلد بضيق وعسرة، ولكن الشعوب كلها دون استثناء لن تقبل أن تشدّ بطونها وبطون عيالها في الوقت ذاته التي يتنعم فيه سفلة القوم بمقدرات الوطن والمتاجرة به وتحويله إلى بقرة حلوب لهم ولأبنائهم وذراريهم وذرياتهم.
أيها الحكام العرب؛ هل ندلكم على تجارة رابحة في الدنيا والآخرة؛ تاجروا بشعوبكم كرأس مال حلال، وليس كسلعة في سوق النخاسة، ومواخير البطانات الفاسدة التي تدقّ الإسفين بعد الإسفين في نعش عروشكم من خلال حجب بصركم عن شعوبكم، وحجب بصركم عن ممارساتهم وشركاتهم وملياراتهم؛ هؤلاء هم أعداؤكم حقيقة فاحذروهم وأقيموا عليهم حدّ السحل بالشوارع العامة. أمّا الشعوب فهي نصيركم، فأقبلوا عليهم وتقربوا منهم، وأقيموا لهم المكانة التي تليق بهم.
اللهم لا تحملنا ما لا طاقة لنا به........ صدق الله العظيم



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات