أي موقع للهدنة الإعلاميّة في زمن الحرب؟


جراسا -

في كلّ مرّة تندلع حرب وتستمرّ نزاعات دامية بين متقاتلين محليّين أو بين دول وكيانات، من مثل الحرب على غزّة اليوم، تتكثّف الجهود الدوليّة لوضع حد للقتال وتجهد المنظّمات الإنسانيّة للتدخّل وإطلاق نداءات وقف إطلاق النار أو الاتّفاق على هدنة موقّتة تتاح من خلالها إقامة حوارات بين المتنازعين بهدف وقف الحرب، ومن ثمّ الجلوس إلى طاولة التفاوض للبحث في حلحلة القضايا الخلافيّة وإيجاد مخارج حلول من خلال وسيط حيادي، غالباً ما تربطه صلات وعلاقات اقتصاديّة وسياسيّة أو مصالح مشتركة تصبح مهدّدة في حال استمرار ظروف الحرب.

ترافق التدخّلات الدّوليّة لوقف النّزاعات مفاوضات لوضع قواعد لإيجاد ظروف لهدنة عسكريّة، تتوقّف خلالها الأعمال الحربيّة، بهدف توفير الوقت اللازم لإنضاج الحوار ووضع أسس لتفاهمات ممكنة يتلاقى حول بنودها أطراف النزاع. غير أنّ ما يحصل في حرب غزّة أو في الحرب على غزّة، لا يعدو أن يكون نوعاً من هدنة إنسانيّة، ترتكز على نتائج وتفاصيل ما يحدث من مجازر وإبادات للمدنيّين، تستهدف دور العبادة من كنائس ومساجد، إضافة إلى المستشفيات ومراكز تجمّع المدنيين ومراكز الإيواء. هذا ما حرّك المجتمع الدّولي الشّعبي وجعله قوة ضاغطة على الحكومات والأنظمة التي لم تعد قادرة على الاختباء وتجاهل مشاهد القتل التدميري المباشر على الهواء، وكأنّنا أمام نقل وتغطية مباشرة لحروب علنيّة، تُستخدم فيها أنواع الأسلحة المختلفة ويحكمها وضع عدم تكافؤ الفرص ولا توازنات القوى بين منظّمة "حماس" وإسرائيل المعتدية.

إنّ تقويم ظروف الهدنة الزمنيّة الموقّتة، هو أنها الهدنة الأولى منذ اندلاع الأحداث ويغلب عليها الطّابع الإغاثي والإنساني، بدليل ما تمّ البناء عليه من موجبات لطلب إعلان الهدنة وتوقيتها ومراحل بدئها ومراقبة تنفيذها ورصد كلّ ما يمكن أن يهزّ مرتكزاتها، الأمر الأكثر لفتاً للانتباه، هو عدم تحديد الجهة المُناط بها مراقبة تنفيذ مراحل الهدنة، وما يترتّب على الطرف الذي لا يلتزم بها من عواقب.

ينتج من هذا الوضع الأمني القلق، ما يترافق مع عمليّة تنفيذ الهدنة ميدانياً، من تغطيات إعلاميّة لمناطق الحروب وساحات المعارك والمناطق السكنيّة التي تعرّضت للقصف، من مقابلات ميدانيّة مع الأهالي، كشهود وضحايا، وتأثير كلامهم الانفعالي المبرّر على ظروف استمرار الهدنة ونجاح مراحلها، وما إذا كان للعمليّات الإعلاميّة تأثير مشابه على العمليّات العسكريّة، من قتل للمعنويّات وإمعان في الإحباط. فما نشاهده من حملات وعمليّات ميدانيّة مرافقة للهدنة، يوحي حتى الآن وكأنّ الهدنة التي أُعلِنَت، هي لتفقّد الأهالي أملاكهم ودفن ضحاياهم، مع ما يُعلنه البعض من أنّهم ينتهزون الهدنة للهروب والانتقال من مكان خطر إلى مكان أكثر أمناً، وكأنّ الهدنة أشبه بإعطاء فرصة للنجاة من الأحداث فقط، بدليل أن لا مفاوضات مُعلنة ترافق مفاصل الهدنة، بل مجرّد إعلان نيات ومزايدات إعلاميّة وتحذير من مَغَبّة إعادة التقاتل.

مع كلّ مرحلة من مراحل الحرب والإعلان عن الهدنات العسكريّة، تترافق عمليّة مراقبة الهدنة من أطراف النّزاع وجهات المراقبة مع هدنات إعلاميّة موازية تتّخذ صفة المراقبة والشاهد على الأحداث. ومن شأن التقويم الدائم لظروف تطوّرات الهدنة الحربيّة ومراحلها، أن يساعد على ضبط الخروق والتحذير من التداعيات وإعادة اشتعال الأمور، إن لم يتمّ تدارك الوضع من خلال وضع استراتيجيّة عمل تنفيذيّة للهدنة يكون للإعلام فيها دور محوري يرتكز على تقنيّات الرصد اللحظوي ويتحمّل مسؤوليّة الإبلاغ عن الخروق وتسجيلها والتعاطي مع الأحداث بحياديّة موضوعيّة عالية، تؤهّل الوسيلة الإعلاميّة لأن تكون بمثابة الادّعاء العام أي (القضاء الواقف)، الذي عليه أن يدّعي باسم الحقّ العام ويدافع عن مصالح الشّعب، ويترك للقضاء الجالس مسؤوليّة إصدار الأحكام.

فإلى أي مدى تلتزم وسائل الإعلام اللّبنانيّة، التلفزيونيّة خاصة، ميثاق شرف إعلام الهدنة والحرب والسلام؟

يلعب الإعلام دوراً مهماً في مواكبة الأحداث التي ترافق عمليّة الانتقال من زمن الحرب إلى زمن السلم، لذلك يفترض بإعلام الهدنة مقاربة الواقع بأخلاقيّة مهنيّة ملتزمة تعكس متطلّبات صعوبة المرحلة، وتداعياتها الإنسانيّة والاجتماعيّة والسّياسيّة.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات