الغزاوية


ألملم المشاهد التي تأتي من غزة في ذهني, الغريب أني طوال هذه الأزمة لم أشاهد رجلا يرتدي بدلة وربطة عنق, بالمقابل كل من يطلون على الشاشة في إسرائيل يرتدون ربطات العنق والبذلات...

كان بودي أنا أشاهد سيارة (جي كلاس) أو مرسيدس متوسطة الموديل تجوب شوارع غزة, بالمقابل حين كان يأتي القصف على تل أبيب.. كل السيارات التي تعرض موديلاتها فوق (2020).. كان بودي مثلا أن اشاهد في غزة, سيدة تحمل في يدها ولو علبة ماء أو (مطرة) بالمقابل كلما كانوا يعرضون هروب اليهود من قصف القسام, كنا نشاهد النساء في الكيان يهربن وهن يحملن عبوات (ستاربكس)... أو عبوات مشروب الطاقة.

كان بودي أن أشاهد شابا من غزة يضع (تاتو) على يده, بالمقابل كل المناظر التي تعرض عن جنود جيش الكيان, وصورهم العائلية... تظهر فيها أجسادهم وهي (مرشومة) بالتاتو.. حتى أن والدة مجند أسير لدى القسام ظهرت أمس تستجدي, ظهرت وكانت رقبتها ممتلئة (بالتاتو)..

لما أشاهد سيدة واحدة في غزة من دون (حجاب).. ربما يسقط جراء القصف, ربما من نوبات الهلع يتم نسيانه, مع ذلك كل النساء اللواتي ظهرن.. كلهن ظهرن بالحجاب, بالمقابل المشاهد التي تظهر من (ريشون ليتسيون) كلها مشاهد: (شورتات, ملط, حلاقة ع الصفر...ألخ).

الإسلام الموجود في غزة هو إسلام مدني ومرن, في غزة لم تقطع اليد لأن أحدهم سرق.. لم تضرب المرأة بل بالعكس كرمت, لم يقوموا بتنفيذ الإعدامات على طريقة «داعش».. في غزة قدموا الإسلام بطريقة رائعة, والأهم أنهم لم يقوموا بمحاولات تصديره.. بل ظل الإسلام هناك مرنا ولم يصادر حرية المجتمع ولم يغلق الأفواه, بالمقابل إسرائيل هي الصورة الحقيقية للرأس مالية البشعة المتوحشة القاتلة... ومجتمعات الإستهلاك والرفاه وتكدس رأس المال... ماذا كانت النتيجة, كانت أن محافظة صغيرة لا يتعدى حجمها حجم مدينة مرسيليا الفرنسية استطاعت هزيمة نظام عالمي عمره أكثر من مئة عام.. هذا ما يزعج أميركا, حتمًا ما يزعجها هو النموذج الاجتماعي والإسلامي المعتدل الذي أنتج في غزة, والذي استطاع أن يضع قضيته على طاولات كل مواقع صنع القرار, وعلى كاميرات الإعلام...

غزة لم تعلمنا النصر, ولم تعلمنا فلسطين فقط.. غزة علمتنا أن المجتمعات الفقيرة والمؤمنة والملتزمة والخالية من الرفاه, تستطيع أن تنتصر.. غزة أسست نموذجا اقتصاديا وأيدلوجيا في هذا العالم, يتفوق على الإشتراكية وينتصر على الرأسمالية... ومن الممكن أن نسميه (الغزاوية)..

بعد عشرين عاما وفي نماذج الحكم التي مرت على العالم, صدقوني أن جامعات الغرب ستدرس: الإشتراكية, الجمهورية.. الأنظمة الرأسمالية, وستدرس (الغزاوية) كنموذج في بناء المجتمعات والحرب.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات