السبب صاروخ


إنا لست ممن سبق لهم أن ضرب (صاروخا) أو جلس في (غرزه) ولكن طبيعة عملي السابق جعلتني اجلس مع هؤلاء أوقات طويلة استمع إلى قصصهم التي يروونها عن (الصواريخ) (والغرز) والشم والتعاطي وما أوصلتهم إليه هذه الآفة التي بدت تغزو شريحة ليست بالقليلة من شبابنا مثل السرطان الذكري الذي ينتشر في الجسد بسرعة فائقة حتى يقتله.

حتى اليوم نسمع تصريحات المسؤولين في إدارة مكافحة المخدرات في مديرية الأمن العام بأن الأردن هو بلد مرور للمخدرات وليس مقرا لها وهنا اسمحوا لي أن أخالفكم الرأي فالأردن أصبح وبلا شك مقر وبيئة خصبة لهذه الآفة التي تلتهم يوميا الكثير من شبابنا، ولا أثق كثيرا بتلك الإحصائيات التي تطلق هنا وهناك وهي ليست قريبة من الواقع الذي نشاهده يوميا.

المخدرات بجميع إشكالها تجدها في متناول الشباب بغض النظر عن مصدرها أو نوعها, ومن السهل جدا الحصول عليها وفي إي وقت فهي تصل إلى التجمعات الشبابية بكل يسر وسهولة وبسرعة فائقة، وكأن انشغالنا في بعض الأمور الداخلية جعل مشكلة المخدرات من المشاكل الثانوية التي لاتحوز على اهتمامنا، ولعل غياب الشفافية والمصداقية في طرح هذا الموضوع قد قلل من أهميتها.

تجار هذه الآفة أو (المروجون) كما يسمونهم أصبحوا ضليعين وخبراء في كيفية التوزيع والترويج وصيد الضحية فهناك دفعة مجانية تعطى لمن هم اصغر منهم والذين يسمونهم تجار (القطاعي) والذين يبدأون بصيد الضحية (بصاروخ) مجاني أو (شمه) (عالطاير) أو (حبة) تخفف المعاناة وتنسي الهموم وتجعل المزاج (رايق عالآخر) ومن هنا تبدأ المعاناة والبحث عنها مرة ثانية ولكن هذه المرة لن تكون مجانية بل مقابل الثمن والكارثة الكبرى هي البحث عن كيفية الحصول على الثمن وغالبا مايبدأ المتعاطي بسرقة بعض مقتنيات منزله وبيعها للحصول على (شمه) إلى أن ينتهي به الأمر إلى عمل المستحيل للحصول عليها، وهنا يبدأ مسلسل السرقات والسلب والنهب والقتل فمعظم هذه القضايا التي تسجل حاليا في المحاكم هي تحت تأثير المخدرات أو بسببها.

آن الأوان أن نكون صريحين مع أنفسنا ونعترف أن هذه الآفة أصبحت خطرا محدقا بأبنائنا ولابد أن نتصدى لها من جميع المواقع, وان يقوم كل منا بدوره الصحيح، فدور الأسرة هو مراقبة الأبناء مراقبة حثيثة من حيث اختيار الابن للأصدقاء وتوقيتات خروجه وعودته ومراقبة ما يستجد من سلوك على تصرفاته، ودور المدارس والجامعات أيضا بنشر التوعية من خلال المحاضرات والندوات للتعريف بهذه الآفة وسبل تجنبها والتعريف أيضا بأساليب مروجيها ومصائدهم.

لا أنكر دور مكافحة المخدرات في هذا الجانب فقد اشترك مجموعة من ضباطها وأفرادها في عمل مسرحي رائع كان يعالج هذه المشكلة من جميع نواحيها الاقتصادية والأخلاقية فقد قام ممثلوه بدور كبير في إيصال الرسالة وبشكل بسيط إلى طلاب المدارس والجامعات والتجمعات الشبابية في جميع محافظات المملكة، بالإضافة إلى المعارض والكتيبات والمنشورات والمحاضرات التي تقوم بها دائرة مكافحة المخدرات بين الحين والأخر، ولكن يبقى هذا الدور ناقصا إذا لم تعالج المشكلة من جذورها بتشديد الرقابة على الحدود مع الدول الأخرى والاستفادة من التحقيق مع المتورطين للحصول على معلومات تدل على من يسمونهم (هوامير) المخدرات وتفعيل العقوبات الرادعة للمتعاطين والتجار وعزلهم في مراكز إصلاح خاصة لإبعادهم عن باقي نزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل حتى لايتمكنوا من (تجنيد) أعداد اكبر لهذه الغاية، وان تتضمن هذه المراكز مستشفى علاجي للمدمنين منهم.

لابد أن نعترف بخطورة هذا الداء وان نعترف أيضا أننا أصبحنا مقرا له وليس ممرا مع اعتذاري الشديد لعطوفة مدير الأمن العام الذي شغلته أحداث الشارع عن هذه المشكلة التي لا تقل أهمية عما يحدث فيه.

helalajrami@yahoo.com





تعليقات القراء

ناصرالسواعير
الاخ هلال العجارمه سلمت يمناك على هذه المقال الرائع الذى جعلني اتنفس الصعداء لانك وضعت يدك على الجرح
28-05-2011 11:33 PM
فيصل الحلاحله
الله يعطيك العافي استاذ هلال على الطرح القيم والمهم ويايت يشو لنا صرفه مع التعليله اللي اسمها مخدرات (الاستكازه) يعني والله الواحد صار ياخف يطلع برا البيت من القضايا اللي نشوفها ونسمع فيها بين قوسين بطل يامن على صاحبو اذا صاحي او مستكيز .... وبعدين شو مال الضريبه المدفوعه اهون بلا ..على كل حاال الله يعطيك الف عافيه والله يكثر من امثالك دام نزف قلمك الحر المدافع عن شبابنا ...تقبل مروري
28-05-2011 11:34 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات