ثمن الكرامة


قد يعتبر البعض أن الخطوة التي أقدمت عليها الفصائل الفلسطينية في غزة بهجومها على المستوطنات المحاذية لقطاع غزة بأنها ضرب من الجنون، واستفزاز لقوة الجيش المحتل، وأنهم لم يقدّروا جيداً تبعات خطوتهم هذه، وما نراه اليوم من غارات جوية على المدنيين الأبرياء في قطاع غزة هو نتيجة لتلك الخطوة غير المدروسة.

ولكن من يعرف أهل غزة جيداً يعلم تماماً أن هؤلاء القوم لهم حسابات تختلف كثيراً عن حساباتنا نحن، وذلك لأن لهم باع طويل في الصراع الذي يخوضونه من أجل الحياة.
يمكن القول أن الجيل الذي أقدم على الهجوم على المستوطنات هو الجيل الثالث في قطاع غزة، فالأجداد وجدوا نفسهم مهجّرين من أرضهم وموضوعين في سجن كبير جداً أُطلق عليه قطاع غزة.

الآباء لم يفقدوا الأمل في العودة إلى ديارهم، والتخلص من الحياة المستحيلة في مكان ضيق لا يكفي لربع ساكنيه، يغالبون أنفسهم بين الدعوة إلى الصبر ساعة، وإطلاق الدعوات إلى الله ساعة أخرى.

أما الجيل الثالث فهو جيل ولد في القطاع، ونما وترعرع في القطاع، وعلم تماماً أنه ممنوع من الصحة والتعليم والسفر والحياة الكريمة، لا يعترف أحد بوثيقة سفره، وتقفل معظم دول العالم أبوابها دونه، فكان لا بد من تغيير الوضع القائم، حتى لو كان الثمن غالياً، وشعارهم في ذلك: السير نحو المستقبل الغامض خير من الوضع الحالي.

إن ما نراه اليوم من تصعيد قامت به المقاومة في غزة هو نتاج تراكم سبعة عقود من التهجير والتضييق والظلم والحرمان، هو نتاج تصرفات المحتل الغاصب تجاه شعب بأكمله، يزيد من معاناة الفلسطينيين كل فترة، فكان لا بد أن يصل بهم الضغط إلى لحظة الإنفجار.

لم يعد هنالك بيت في قطاع غزة إلا وقدّم شهيداً واحداً على الأقل، هنالك بعض الأسر قد قدمت العديد من الشهداء، وهنالك أسر قد انقطعت إلى الأبد بعد أن استشهدوا جميعاً، وبالتالي لا يمكن النظر إلى الشهداء اللذين يتساقطون هناك يومياً على أنهم من أثمان الحرب.

إن الشهداء اللذين يتساقطون على أرض غزة والضفة الغربية هم شكل من أشكال النصر، بل إن دمهم الطاهر يساعد في تنظيف ما لحق بكرامة العروبة من عيوب، ويحرك تلك الضمائر التي ماتت أو أوشكت على الموت.

لقد أعاد أهل غزة إلى قلوبنا الأمل، بضعة مقاتلين محاصرين منذ عقود وبإمكانيات بسيطة، تمكنوا من التغلب على أقوى جيوش المنطقة، تمكنوا من إخضاع التكنولوجيا الحديثة وكاميرات المراقبة ومستشعرات الحركة والطائرات المسيرة وأجهزة الاتصال الحديثة لمعايرهم هم.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات