مجلس التعاون الخليجي والهوية الأردنية


أفاق الشعب الأردني، وكذلك المغربي والخليجي، على نبأ مفاجئ يعلن ضم كل من الأردن والمغرب، إلى مجلس تعاون دول الخليج العربي! كان الخبر مفاجئاً للجميع؛ تاركاً شعوب تلك الدول منقسمة ما بين بعض مستبشر بهذا القرار، وآخر مشكك في ما وراءه، إلى الحد الذي جعل كثيراً من المحللين والمراقبين، غير قادرين على إصدار حكم أو تحليل دقيق لهذا القرار، ولكن أكثر التحليلات منطقية وأقربها إلى فؤاد المواطن العربي، التحليل الذي يشير إلى أن قرار الضم هذا، كان براجماتياً (مصلحياً) يهدف إلى تحقيق التعاون الأمني بين تلك الدول، للمحافظة على صمود أنظمتها في وجه ثورات الشعوب العربية، وفي وجه التهديد الإيراني.
وفي نظرة عميقة إلى واقع الدول العربية الاثنتين والعشرين؛ سنجد أن قرار ضم الأردن والمغرب إلى دول الخليج، هو الأقرب إلى التحليل السابق لذلك القرار المفاجئ؛ فمشهد الدول العربية الحالي من حيث واقع أنظمتها ومستقبلها، يمكن أن يتجلى في ثلاث صور:
الصورة الأولى: دول سقطت أنظمتها كلياً أو جزئياً، وهي خمس دول جمهورية: تونس، ومصر، وليبيا، واليمن، وسورية .
الصورة الثانية: دول منظومتها الأمنية غير مستقرة، ويمكن أن تشهد توترات في أي وقت، وهي تسع دول جمهورية: العراق، لبنان، الصومال، السودان، فلسطين، الجزائر، موريتانيا، تشاد، جيبوتي .
الصورة الثالثة : دول منظومتها الأمنية مستقرة أو شبه مستقرة، وهي ثماني دول ملكية أو أميرية: السعودية، وقطر، والكويت، والبحرين، والإمارات، وعُمان، والأردن، والمغرب .
إذاً يبدو قرار ضم الأردن والمغرب إلى دول الخليج العربي، كان بناء على القراءات الثلاث السابقة لواقع الدول العربية، التي أعلن مجلس التعاون الخليجي قراره في ضوئها، وأن أنظمة الخليج وربما الأردن والمغرب كذلك، أدركت أهمية هذا الضم في تجنيبها وباء الثورات العربية، وما آل إليه حال النظامين التونسي والمصري، وكذلك الخطر الإيراني المحدق في الأفق العربي .
وبالعودة إلى الأردن تحديداً، والى دراسة قرار ضمها إلى دول الخليج، فهناك الكثيرون في الأردن ممن يتطلعون بشوق إلى تنفيذ ذلك القرار؛ بدءاً من أولئك الذين يطمحون إلى سيارات غير مجمركة مع وقودها مخفض السعر، ومرورا بمن يتلهفون إلى سهولة المرور والإقامة والحصول على فرص العمل بعد سنوات من البطالة، وانتهاء بالمتعطشين للاستثمارات الخليجية وتحريك عجلة العقارات المتشنجة (طبعا هذا إن كان قرار الضم سينطبق على الأردن والمغرب بحذافيره كما ينطبق على غيرهما من دول الخليج المعروفة، وقد وعد الشعب الأردني قبل معاهدة السلام بكثير من الآمال ولم تتحقق تلك الآمال) وفوق كل ذلك يمكن عدّ قرار الضم هذا، بصيص أمل في عين كل مواطن عربي حلم بزيادة مساحة الوحدة العربية، التي فشلت جامعة الدول العربية في تحقيقها .
غير أن النظر إلى قرار الضم هذا بعين الأمل والرضا، قد لا يكون كذلك بالنسبة للهوية الأردنية، وهي الهوية التي ظلت تعاني التهميش والتهديد بالطمس حتى على أرضها وأمام شعبها، وهي الهوية التي عملت أجندة خفية على التلاعب بها والحرص على عدم ظهورها بنسخة واحدة أو أقل عدد من النسخ، وجعل كل فئة اجتماعية تمارس نسختها كما يحلو لها، من أجل زيادة الشرخ بين فئات الشعب، وجعله منقسماً ومتخبطاً، بينما يمارس أصحاب النفوذ سيادتهم وهيمنتهم دون رقيب أو حسيب .
وإذا عُدّت النكبة في السنة الـ48 والنكسة في السنة 67، وكذلك حرب الخليج في السنة 91، ومعاهدة وادي عربة في السنة 94، وحرب العراق الأخيرة في السنة 2003، أنها جميعا محطات مؤثرة في تركيبة المجتمع الأردني وهويته (طبعا نقدنا هنا لغياب برامج الوحدة الوطنية الرسمية داخل الأردن، وليس لتلك الأحداث بذاتها) فإنه يخشى أيضا من أن يكون ضم الأردن إلى دول الخليج العربي، محطة أخرى من المحطات المؤثرة سلباً في هويته وتركيبته الاجتماعية (طبعا في ظل غياب مشروع الوحدة العربية) .
فإذا كانت آخر لهجة أردنية ظهرت من 19عاما فقط، وهي اللهجة المعروفة بـ(لهجة عمان الغربية) التي جاءت بعد حرب الخليج عام 91 وجاءت معها ثقافة جديدة للمجتمع الأردني، فمن المحتمل أن يجيء قرار ضمنا إلى دول الخليج بالمخدرات والمشروب البحريني وروسيات دبي والدعارة المرافقة لهما، ومن المحتمل أن يصبح الأردن محجاً للسعودية ودول الخليج بدلاً من الحجاز، وبيت الله الحلال الذي تمارس فيه شعائر الفساد والرذيلة والانحلال، وقد نشهد إقامة المزيد من النوادي الليلية والكازينوهات التي تليق بنا كدول خليجية !
إذا انضمام الأردن المتأخر إلى دول الخليج إلى جانب المغرب، يشكل أملاً في توسيع دائرة الوحدة العربية، ويمكن أن يكون مخرجا اقتصاديا لكلتا الدولتين (الأردن والمغرب)، وحائط صد أمام الخطر الإيراني؛ غير أن ما نخشاه كأردنيين غيورين على وطننا وهويتنا (في ظل غياب الوحدة العربية) هو زيادة التعدي على الهوية الأردنية، وعلى أصالتها وحفاظها، وجعلها أكثر تشتتا . وما نخشاه أيضاً ظهور تابعيات من بعض كبار الساسة والمسؤولين الأردنيين إلى متنفذين وأصحاب رؤوس أموال خليجيين !

Ebnalss7raa@hotmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات