تقييم الدورة الاستثنائية لمجلس الأمة


صدرت الإرادة الملكية السامية قبل أيام بفض الدورة الاستثنائية لمجلس الأمة، والتي جرى عقدها بعد انتهاء الدورة العادية الثانية للمجلس وقبل بدء دورته الثالثة المقبلة والأخيرة مطلع شهر تشرين أول القادم.
ومن خلال تتبع مجريات هذه الدورة الاستثنائية التي أُسدل الستار على مجرياتها مؤخرا، نجد بأنها كانت "استثنائية" في مجالات عدة؛ أولها من حيث طبيعتها كدورة برلمانية استثنائية يجيز المشرع الدستوري الدعوة إليها وفق إجراءات محددة واردة في المادة (82) من الدستور، وثانيها من حيث ماهية القوانين التي قام مجلس الأمة بإقرارها خلال فترة انعقادها، والتي جاء بعضها على درجة عالية من الأهمية، وذلك نظرا لارتباطها الوثيق بالنشاط اليومي للأفراد.
فقد أقر مجلس الأمة في الدورة الاستثنائية الماضية مشروع قانون الجرائم الإلكترونية الجديد الذي يعد من أكثر القوانين ارتباطا بالحياة اليومية للواطنين، وذلك بسبب التوسع في ظاهرة المواقع الالكترونية واستعمال وسائل التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى إقرار مشروع قانون معدل لقانون السير الذي تضمن تشديدا في العقوبات الجزائية المقررة على مخالفات السير.
في المقابل، لم تحظ مشاريع قوانين أخرى بالأهمية السياسية والشعبية ذاتها، وإن كانت قد أثارت جدلا ونقاشا حول بعض بنودها وأحكامها كمشروع قانون الملكية العقارية المعدل، ومشروع قانون حماية البيانات الشخصية الذي هو تقني بطبيعته، يتضمن مصطلحات فنية يصعب على المواطن العادي فهمها واستيعابها.
أما ما تبقى من مشروعات قوانين في الدورة الاستثنائية، فقد تعامل معها مجلس الأمة بكل سلاسة ويُسر، كقانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وقانون المحاكم الشرعية، وقانون إلغاء قانون اتفاقية انتاج البترول في منطقة الجفر.
وتظهر الصفة "الاستثنائية" الثالثة للدورة الماضية، في أنها قد تكون من الدورات الاستثنائية النادرة التي يتمكّن فيها مجلس الأمة من التعامل مع جميع مشروعات القوانين التي وردت في الإرادة الملكية السامية التي انعقدت هذه الدورة بمقتضاها. فالسوابق الدستورية تشير إلى أن نسبة إنجاز مجلس الأمة في الدورات الاستثنائية السابقة ليست بالكبيرة، وأنها تقتصر فقط على عدد محدود من مشروعات القوانين الواردة في الإرادات الملكية السامية.
ومن مميزات الدورة الاستثنائية الماضية الظهور التشريعي اللافت لمجلس الأعيان، وبالأخص في يتعلق بقانوني الجرائم الإلكترونية وحماية البيانات الشخصية، حيث لم يتردد المجلس في رفض التعديلات المقترحة من مجلس النواب وتعديلها بشكل ساهم في تجويد هذه النصوص القانونية المستحدثة.
فقد أثبت المجلس المعين علو كعبه في مجال التشريع وبالأخص على مستوى لجانه النيابية، حيث أدخلت اللجنة القانونية تعديلات جوهرية على مشروع قانون الجرائم الإلكترونية الجديد تتعلق بتخفيض قيمة الغرامات المالية المقررة، وإعطاء قاضي الموضوع الحق في "تفريد" العقوبات الجزائية بين الحبس أو الغرامة.
وكذلك الحال بالنسبة لقانون حماية البيانات الشخصية، حيث أقرت لجنة الخدمات العامة في مجلس الأعيان تعديلات جوهرية على مشروع القانون تتعلق بتسمية أعضاء مجلس حماية البيانات الشخصية واسناده لمجلس الوزراء، وإضافة بنود جديدة تعطي الحق للجهات التابعة للبنك المركزي بإجراء المعالجات وتبادل البيانات داخل الأردن وخارجه.
وتبقى "السلبية" الأهم التي رافقت الدورة الاستثنائية الأخيرة هي ذاتها التي تصاحب الدورات الاستثنائية التي يتم الدعوة إليها، والمتمثلة بغياب الرقابة السياسية على الحكومة والاكتفاء بالوظيفة التشريعية خلالها. وهذا الوضع الدستوري يعد تطبيقا للقرار التفسيري الصادر عن المجلس العالي لتفسير الدستور رقم (4) لسنة 1995، الذي قيّد مجلس النواب في دورة الانعقاد الاستثنائية بالنظر في الأمور التي دُعي من أجلها وتحددت في الإرادة الملكية الصادرة بدعوته.
وعليه، فإن الحاجة ماسة إلى مراجعة أحكام الدورة الاستثنائية بحيث تشمل إلى جانب العمل التشريعي ممارسة الدور الرقابي على الحكومة؛ فمسؤولية الوزراء أمام مجلس النواب تعد من الركائز الأساسية لنظام الحكم النيابي البرلماني الكامل الذي كرسته المادة الأولى من الدستور الأردني.


* أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية
laith@lawyer.com





تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات