تطوير العملية التشريعية في الأردن


تعتبر العملية التشريعية هي الركن الأساسي في أي نظام ديمقراطي، وذلك لما تفرزه من تشريعات وضعية تختلف في تراتبيتها وفق سلم الهرم التشريعي، الذي يعلوه الدستور ثم القانون العادي فالأنظمة والتعليمات. كما تنبع أهمية هذه الوظيفة الدستورية من أنها تُعبر عن تشاركية بين السلطات الثلاثة في الدولة؛ فالسلطة التنفيذية ممثلة بمجلس الوزراء تقترح مشاريع القوانين وتحيلها إلى السلطة التشريعية لمناقشتها وإقرارها، ليأتي فيما بعد دور السلطة القضائية التي تقوم بتطبيق هذه التشريعات على المنازعات المعروضة أمامها.
وعادة ما يتم تسليط الضوء على مراحل العملية التشريعية في مشروعات القوانين الهامة والمثيرة للجدل، كتلك التي جرى إقرارها خلال الدورة الاستثنائية الحالية لمجلس الأمة، حيث جرى اتهام الحكومة بأنها قد تأخرت في إقرار البعض منها وإرسالها إلى مجلس النواب، وبأنها لم تقم بنشرها على الموقع الإلكتروني لديوان التشريع والرأي للاطلاع والتعليق عليها. كما طالت هذه الانتقادات مجلس الأمة لسرعة إقرار هذه القوانين من خلال لجانه النيابية وعلى مستوى المجلسين.
إن هذا الواقع يدعونا إلى التأمل في واقع العملية التشريعية في الأردن من حيث إجراءاتها ومراحلها المختلفة، كما هي واردة في التشريعات الوطنية ذات الصلة كالدستور والأنظمة الداخلية لمجلسي الأعيان والنواب.
وفي هذا السياق، نجد بأن العملية التشريعية قد جرى تنظيمها بنصوص قانونية متوافقة مع أحكام الدستور وذلك بدءا من مرحلة صياغته وإعداده، حيث تنص المادة (11) من نظام ديوان التشريع والرأي رقم (1) لسنة 1993 وتعديلاته على أن يقوم الديوان بنشر مشروع القانون الذي يحال إليه من رئيس الوزراء على موقعه الالكتروني لمدة لا تقل عن عشرة أيام، وذلك لتمكين المواطنين والمختصين من الاطلاع عليه وإبداء ملاحظاتهم حوله، على أن يستثنى من هذا الحكم المشروعات التي يقرر رئيس الوزراء إعطاءها صفة الاستعجال .
كما تظهر صفة الاستعجال كاستثناء واضح وصريح على مجريات العملية التشريعية في الأنظمة الداخلية لمجلسي الأعيان والنواب، حيث تعتبر هذه الصفة مبررا للخروج عن القواعد العامة في التشريع. فالمادة (76) من النظام الداخلي لمجلس النواب تنص على ألا يوضع أي مشروع قانون قيد البحث والمذاكرة في المجلس ما لم تكن نسخة من المشروع والأسباب الموجبة لوضعه قد وزعت على كل عضو قبل ثمان وأربعين ساعة على الأقل من البدء بالمذاكرة فيه، إلا إذا كانت هناك أسباب اضطرارية تستدعي النظر فيه بصفة الاستعجال.
كما يتسع نطاق "صفة الاستعجال" ليشمل التعامل مع تقارير اللجان النيابية، حيث تنص المادة (79/1) من النظام الداخلي لمجلس النواب على أن تُطبع تقارير اللجان مرفقا بها نصوص مشاريع القوانين وتعديلاتها واقتراحات اللجنة وتُوزع على الأعضاء قبل البدء في مناقشتها بمدة لا تقل عن خمسة أيام، إلا إذا قرر المجلس إعطاء الموضوع صفة الاستعجال فيبحثه فورا.
إن الخروج عن القواعد العامة في التشريع بحجة الاستعجال في إقرار القانون قد يكون له ما يبرره في بعض الظروف والحالات، إلا أن هذه السلطة المطلقة في تقرير هذه الصفة لمشروع القانون لإخراجه عن الإطار العام للعملية التشريعية دون تقديم الحجج والمبررات المقنعة يتسبب بحالة من الاعتراض الشعبي. فمشروع القانون قد يكون ايجابيا من حيث نصوصه وأحكامه، إلا أن التعاطي التشريعي معه بطريقة استثنائية بحجة الاستعجال في إقراره قد يؤدي إلى تبعات سلبية على التشريع نفسه وعلى الجهات الدستورية التي أعطت القانون صفة الاستعجال.
وعليه، فإن تطوير العملية التشريعية في الأردن يستلزم النظر بموضوعية إلى الحق المقرر للسلطتين التشريعية والتنفيذية في إعطاء مشروع القانون صفة الاستعجال، بحيث يتم ممارسة هذا الحق في أضيق الحدود والمناسبات، مع إلزامية تقديم ما يبرر اسقاط صفة الاستعجال على مشروع القانون.

* أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية
laith@lawyer.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات