كن قلم رصاص


م. أنس معابرة

يعجبني كثيراً قلم الرصاص، فيه الكثير من الحسنات التي تدفعنا الى إستخدامه، بل إنني ما زلت أفضّله على غيره من الأقلام ذات الأشكال المختلفة والألوان البرّاقة، فللبساطة أحياناً رونق جميل.

لا يشدك في قلم الرصاص جمال كتابته، وبساطة شكله فقط؛ بل له الكثير من المميزات التي أذكر منها:

كتابة قلم الرصاص قابلة للمسح، بمجرد أن تخطئ في الكتابة؛ ما عليك إلا أن تستخدم الممحاة لتُزيل الخطأ، وتُكمل الكتابة. تخيل أن النفوس البشرية تتعامل بنفس الطريقة، نمسح أخطاء الآخرين ويمسحون أخطائنا بكل بساطة، وتتسامح الأنفس وتلتقي الأرواح بكل حب.

قلم الرصاص لا يكل، ما إن تنتهي إبرته الرصاصية حتى يعاود العمل من جديد، القليل من البريّ ويعود إلى عمله بصمت، له نَفَس طويل في الجد والمثابرة. تخيل أن نكون مثله؛ نعمل بجد وإجتهاد من بداية حياتنا إلى نهايتها، ونتفانى في العمل كقلم الرصاص، نعمل بهدوء وصمت، ونحقق الكثير من الإنجازات.

قلم الرصاص لا ييأس، قد تنكسر إبرته، البري يعود به كما كان، قد ينكسر القلم كله، يصبح لديه إبرتان بدل من إبرة واحدة. تخيل أن نكون مثله؛ أن نتحمل المصاعب التي تواجهنا في حياتنا، وأن نواجه التحديات بقلوب مؤمنة وعقول متفتّحة، أن تكون المصائب بدايات جديدة لنا، ننطلق منها إلى تحقيق أحلامنا، بدل أن نتقوقع على أنفسنا، ويقتلنا اليأس.

قلم الرصاص يؤمن بأن الأخذ قد يعني العطاء أحياناً، وبأن الألم قد يكون دواءً، فالمبراة قد تأخذ بعضه، ولكنها تعطيه القدرة على الكتابة، وتعصره في داخلها، لتزيد من جماله، وتعلُّق الكاتب به، تماماً كالدواء؛ مر الطعم، ولكنه يساعد على الشفاء. تخيل أن نكون مثله، نؤمن بأن للمصائب جانب مشرق دوماً، نبحث عن الشعلة وسط الظلام، ونحول المحن إلى منح، ونؤمن بالعطاء قبل الأخذ، ونخرج من المصائب دائماً أصلب وأقوى من ذي قبل.

قلم الرصاص يحافظ على رصاصه داخل أسطوانة من الخشب، لا يقوى الرصاص على مقاومة ظروف الكتابة وحده، سيتساقط فتاتاً بين يديّ الكاتب لو كان كذلك، يحتاج الرصاص إلى درع واقٍ من الوسط المحيط لكي يتمكن الكاتب من الإمساك به والكتابة. نحن أيضاً؛ لدينا ما يحتاج إلى درع في مواجهة البشر، لدينا أسرار لا يجب أن يطّلع عليها أحد، ولدينا أخلاق نحفظها من الانحراف والتأثّر بأقارب وأصدقاء وجيران وزملاء السوء، ولدينا عادات وتقاليد إنْ تخلّينا عنها ننهار، تماماً كما ينهار الرصاص دون القالب الخشبي.

وددتُ أن أقول لك عبر هذا المقال: عزيزي القارئ؛ حاول أن تكون قلم رصاص.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات