الانتفاضات ونشوة الانتصار


الآوضاع المأساوية التي اخترقت وزعزعت العالم ككل والشرق الأوسط على وجه الخصوص مثل موجات تسونامي، جعلتنا أن نراجع آرآءنا السابقة ونغيربعضها .... وأقول لو حدثت حوالي 20 حالة إجهاض في القرن العشرين المرحوم لكان وضع سكان الأرض مختلف بزاوية 180 من يومنا هذافعلى سبيل المثال لا الحصر كنت أنا أعتقد باستمرار وعلى الدوام أن عملية إجهاض التى حدث فى الدول العربيه للنظام الفساد,....
لا أحب أن أذكر شخصيات أمثال صدام حسين وعلي حسن المجيد أو الحبيب البورقيبة أو.. الخ لأنهم أموات دخلوا التاريخ ولكن أقول: بالله عليكم لو أن أم علي عبدالله صالح العنيد أجهضت حملها قبل 69 سنة من الآن، هل الدولة اليمنية ذات 25 مليون نسمة كانت تعاني اليوم من الإقتتال الداخلي؟! في نفس العام أي عام 1942 لو كانت والدة معمر القذافي أجهضت حملها، هل شعب الدولة الليبية الغنية بالنفط كانت تعاني من الوضع البائس الذي يذكرنا بفيلم أسد الصحراء؟!.
وأتساءل وأقول قبل تأريخ مولد الشخصيتين المذكورتين وبالتحديد قبل 83 عاماً من الآن، لو كانت والدة حسني مبارك أجهضته، هل أكثر من 85 مليون مواطن مصري فقير وبائس، كانوا يعانون من حوالي 30 من حكمه الحديدي؟!.
لا نبعد كثيراً وبعد سنتين من مولد مبارك، لو كان أم حافظ الأسد الراحل أجهضته واشغتلت بدلاً من ذلك بزراعتها لتتقن فيها، هل أكثر من 25 مليون شخص سوري كانوا يعانون من حكمه وحكم أبناءه الدكتاتوري الذي جعلوا سوريا مزرعة كبيرة تمتلكها عائلتة الأسد؟!.
ولوكانت في عام 1936 أم زين العابدين بن علي توكلت على الله وأجهضت إبنها، هل حوالي 10 ملايين من الشعب التونسي كانوا يعانون من قرابة ربع قرن من حكمه الإستبدادي؟!.
ومن هنا أقول ما أدراك ما الشعوب .. عندما تغضب .. عندما تطغى

عندما تسلب حريتها عنوة .. وعندما تداس كرامتها دوسا .. وعندما تطغى السلطة فتسحق الشعوب بطغيانها تطغى الشعوب ... وطغيان الشعوب اشد صنوف الطغيان , فمن يقف أمام تسونامي الشعوب .. يا للهول .. من يخاطب الذات اللاشاعرة كي تشعر .. من يناقش عقلا جماعيا غير مجسد في أي فرد ؟ من يمسك يد الملايين ؟ من يسمع مليون كلمة من مليون فم في وقت واحد ؟ من في هذا الطغيان الشامل يتفاهم مع من , ومن يلوم من ؟ ومن المن ذاته ؟ الشعوب لاتطغى الا إذا نفذ صبرها وتيقنت ان السلطة التي تحكمها تخدعها , لا تتحرك إلا أذا طفح الكيل , لا تصرخ إلا أذا جراحها تنزف والسلطة تستمتع بألمها وتعتاش على آهاتها وصرخات الاه والاخ .. هذه الصرخات تتراكم في الصدور والأنفس فتضيق بما فيها فتنفجر .. فيتحول ما فيها الى بركان يحرق او يدمر او ينتحر حرقا او شنقا .. عندها يحدث الطغيان .. طغيان الشعوب على الحكام ورموزهم وحاشيتهم .. فلا تبالي بما سيحدث حيث تتساوى عندها كفتي الموت والحياة .ان القراءة الموضوعية لما يحدث في الفضاء الإسلامي والعربي في مسببات الثورات والانتفاضات والحركات الاحتجاجية الشعبية وفي تسلسلها الزمني وترتيبها المكاني من المحيط الى الخليج وبصورة وصوت ومشاهد بدت متطابقة في اغلب مساراتها ابتداء من شعاراتها التي تفاوتت من ( الشعب يريد إسقاط النظام ... الى الشعب يريد تغيير النظام ... الى الشعب يريد الإصلاح والتغيير ) واتخذت هذه الشعوب من يوم الجمعة (لما له رمزية عند المسلمين) انطلاقة لمطالبها فكانت (جمعة الغضب .. جمعة الرحيل .. جمعة الكرامة .. جمعة الحق .. جمعة الإصلاح .. جمعة نصرة المعتقلين .. جمعة الشهداء) وأجمعت هذه الشعوب بتوارد وخواطر روحانية اخترقت الحدود والحواجز واتخذت من ساحات عامة معروفة تاريخيا مقرا لانطلاقها وثورتها فكانت (ساحة التحرير) جامع لتجمع الشعوب في اتخاذ شعار التحرير والخلاص تجسيدا لمطالبها ضد الظلم والفساد والسلطة الطاغية .اذن نحن امام عصر جديد هو عصر الشعوب .. والتاريخ سيسجل لاول مرة عودة الشعوب الى الصدارة وان صوتها هو الراجح والغالب وهو الذي يملي على الحكام والطغاة تصرفاتهم .. وهو الذي هزم الطغاة وأزاحهم وأسقطهم عن كراسيهم العاجية .. والتاريخ سيسجل ان مقادير الأمم لم تعد تحسم في مجالس الحكم وإنما في روح الشعوب ... حياكم ربنا العالي وحماكم .لقد كان البوعزيزي (رحمه الله) البداية في إشعال فتيل الثورة في تونس الخضراء وهبت الجموع تنادي الحرية فكان النداء (اذا الشعب يوما اراد الحياة فلابد ان يستجيب القدر) .. وسقط الصنم والطاغية في تونس .. وبدأت رحلة الجموع نحو فضاء الحرية وهدمت حاجز الخوف واخترقت جيوش الظلام والامن والحديد .. وكشفت عن صدورها واستقبلت رصاصات الطغيان .. وسقط الشهداء .. والرحلة لم تتوقف .. حملوا الشهداء وازدادوا إصرارا .. فقد تحررت العقول والقلوب .. وتحرر الشجر والماء والأرض .. وتحررت طيور الحب والسلام من بطش وسجن حكام قساة وفاسدين ... تحررت أخيرا من حكام طواحين الهوا.. حكام العبث والخديعة .. حكام الفساد .. نعم .. ثارت الشعوب لإطاحة فرعون وقارون وهامان . والى مصر المحروسة كانت ساحة التحرير تشهد أروع وأجمل تعبير لشعب النيل في تصديه للطاغية وجلاوزته وبلطجته , فكانت وحدة الهدف والانتماء لمصر رايتهم , وقدموا اروع صورة لوحدة الشعب في صموده وتحديه وإصراره وعناده في التمسك بمطلب الخلاص وسقوط نظام .. لم نتخيل ولا اعتقد انه تخيل يوما ان يسقط بهذا الشكل المخزي والفاضح لسلوكه الاستبدادي والذي تفنن في ممارسة كل أنواع البطش والتعذيب والبلطجة ضد شعبه . والى ليبيا التي ابتليت بحاكم فاق وتفوق على كل حكام الاستبداد والفساد والاجرام والجنون والوحشية عبر التاريخ ... ان نظام ألقذافي سجل الرقم القياسي في الإجرام السياسي والانفصام العقلي والجنون السلطوي والتفنن في استخدام اساليب التعذيب والاحتيال وشراء المرتزقة لإبادة شعبه في سابقة لم يشهدها تاريخ الطغاة مثيلا لها , وما زالت المقاومة الليبية الباسلة تقاوم وتتصدى لهذا النظام الذي تجرد من الأخلاق والشرعية. وانطلقت ثورات الشعوب بنفس الهدف والغاية في اليمن تطالب بالرحيل لنظام استمر اكثر من ثلاثين عاما , ولا ادري ما بال هؤلاء الحكام في الإصرار على البقاء رغم رفض شعوبهم لهم .. ولماذا هذا الإدمان على السلطة ؟ وبالتأكيد ان علاج إدمان السلطة يكون غاية في الصعوبة , فالسلطة شهوة من اقوى شهوات النفس في حياة الإنسان وخاصة حين يتجاوز الحاكم مرحلة الشباب , حيث تتفوق عليه غرائز جمع المال وغريزة السلطة . وتستمر رحلة الانتفاضات والاحتجاجات الشعبية بقادة من نوع اخر وهم القيادات الشبابية .. لقد اثبتوا الشباب ان الأمة بخير والأمل معقود عليهم وانهم قلبوا المعادلات والاستراتيجيات وأعادوا العافية لأمة كانت تحتضر .. امة كانت تنتظر شبابها الواعي والشجاع .. فالأمة التي أنجبت الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم امة حية لا تموت . والى الخليج حيث سلطنة عمان والكويت والسعودية والبحرين والعراق .. حيث تفاوتت المطالب بين الإصلاح والتغيير وتعديل الدستور , ومكافحة الفساد ومعاقبة الفاسدين ..الى المطالبة بإطلاق سراح المعتقلين وغلق السجون السرية والعلنية , ووقف انتهاكات العنف ضد المتظاهرين .. لقد تجاوزت المطالبات من الخبز والكرامة الى الحرية والخلاص... امتدت هذه الشرارة الى بلاد الشام والدعوة الى الإصلاح السياسي والاقتصادي وتحسين المستوى المعيشي والتوظيف .ان الاستجابة لمطالب الشعوب باتت ضرورة على الحكام التعامل معها بجدية وليس بإطلاق الوعود او دفع المكرمات المالية او خفض سعر الطحين او السكر او الاستعانة بالعبارة الأسطورية (سوف.. وسوف .. وسوف ) او الإعلان عن الخطط الإصلاحية الوهمية او منحهم جداول زمنية لتحقيق وعودهم , او تنويم وتخدير الشعوب وتضليل الشعوب بجدلية شرعية وعدم شرعية حقهم في الحرية والكرامة والعيش الكريم . وهنا يكون الاختبار الحقيقي لهذه الأنظمة وحكامها : فهي أما تثبت أنها أنظمة تقوم على قواعد ديمقراطية سليمة وتعمل وفقا لدستور حقيقي تحترمه ولا تغيره حسب رغبتها واحتياجاتها.. أنظمة تقوم على الإرادة الجماعية للشعب ومؤسساته وتضمن تداول السلطة بشكل سلمي حتى تتجدد دمائها من وقت لآخر بشكل صحي بعيدا عن المغامرات والمهاترات .. بحيث تبدو لكل مراقب انها سلطة منطقية شفافة وشريفة ومتناسقة مع أهدافها وغاياتها ومع مصالح شعوبها.. او أنها أنظمة غير منطقية وتصرفاتها غامضة وفجائية وغير مفهومة .. تخضع لمزاج فرد على رأس السلطة ولا يمكن التنبؤ باتجاهاتها او قراراتها وهي في حالة تخبط واضطراب وتنتقل من فشل الى فشل حتى تصل الى الانهيار .ويبدو ان مشتركات ثورات الشعوب هي في تصديها لأنظمة او سلطة من النوع الأخير .. سلطة تزييف الوعي الشعبي ,, فهذه النوع من الأنظمة هي الشائعة حاليا فهي عملت على تشكيل نوع من الوعي الشعبي او الجماهيري لكي يقبل منظومتها السلطوية وتوجهاتها ومصالحها , أي خلق وعي جماهيري زائف ومضلل مفاده إظهار انجازاتها وتبرير أفعالها وتحويل هزائمها الى انتصارات تاريخية كما انها تقوم بإضفاء صفات البطولة والحكمة والتضحية على رموز السلطة وتضع صورهم وتماثيلهم في كل مكان ( وهو ما يسمى في علم النفس :الإعلان بالغمر او الإعلان بالتكرار والإلحاح ) فحيثما ذهبت يطالعك وجه القائد او الزعيم او تطالعك اقواله وانجازاته وتوجيهاته .. ويبدو ان عملية التزييف الوعي قد نجحت ولهذا استمر الحكام لسنوات طويلة تقارب الأربعين عاما .. الا ان هذا التزييف تراكم مع حجب الحقيقة بدأ الشعب يجد نفسه في حالة من الاضطراب والتناقض وتكرار الكوارث والهزائم .. وتراجع التنمية وازدادت البطالة وارتفعت معدلات الفقر .. وهنا اقترب الخطر حيث اكتشفت الشعوب انها تعرضت لحالة من الخداع المنظم خاصة وهي تعيش حياة تعسة من العوز والفقر والحرمان وجرح الكرامة .. هنا شعرت الشعوب بالغضب لسببين الأول هو خداعها والكذب عليها بالوعود والبيانات الإصلاحية , والثاني هو شقاؤها الذي تعيشه في كل لحظة .. عندها يحدث الانفجار طلبا بالثأر ممن خدعوا وزيفوا وأفقروا واعتقلوا وقتلوا وعاثوا بالأرض فسادا وطغيانا وامتلأت سجونهم بالأبرياء وجيوبهم بالأموال , والغريب ان هذا النوع من السلطة او الأنظمة تدرك جيدا سيكولوجية شعوبها وتعرف انها ربما يطول سكوتها وخضوعها ولكنها لاتدرك لحظة انفجارها ,, فالشعوب حين تستشعر الظلم او الطغيان او أهدار الكرامة قد تسكت لبعض الوقت ولكنها عند نقطة معينة تسمى ( النقطة الحرجة ) تنفجر انفجارا مفاجئا (او يبدو مفاجئا) فتتحول هي الأخرى الى طغيان مقابل يدمر السلطة ويمتد لأبعد من السلطة يسعى نحو التدمير والتغيير ولايوجد ميزان حساس في هذه الظروف يوائم بين قدر التدمير للأبنية السلطوية القائمة والمرفوضة وبين قدر التغيير المطلوب . وهذا ما اشرنا له في مقالات سابقة حول مابعد الانفجار وخصوصا ان هناك من المتطلعين الذين يحاولون ركب هذه الموجات التغييرية او تجييرها لصالحهم .. نعم نحن نخشى استغلال الانتهازيين والمستفيدين وأصحاب الأجندة الخارجية من ان يتحول العمل البطولي الشعبي والشبابي بالدرجة الأولى الى ابتلاعه ثم القفز فوق حواجز سلطوية أشنع وأقسى من الأولى .. وهنا لا بد للشعوب عندما تثور ان يكون لها كتلة جماهيرية او مايطلق عليها الكتلة القائدة الحرجة التي تمارس القيادة وتعمل بشكل ممنهج ومرتب على إزاحة النظام او الضغط عليه للتغيير والإصلاح . وقد أثبتت دراسة حديثة ان 90% من هذه الاحتجاجات تطالب بالديمقراطية والحرية وتغيير الحكام وبدت مطالب التغيير تتفوق على مطاليب الرفاه والتوظيف.. ودراسة أخرى أكدت ان شباب الفيسبوك والتويتر سيكونون هم الكتلة الحرجة التي ستراقب الأداء السلطوي وفي إشارة واحدة منها تحرك ( بالماوس ) تقلب الأنظمة وتسقطها .. والاهم من هذا ان صحوة الشعوب من الغيبوبة والتنويم السلطوي لمدركاتها أضحت بعد كسرها لحاجز الرعب والخوف لم تعد تبالي لانها وجدت طريقا للتغيير في ساحات التحرير . ومهما قيل وسيقال عن هذه المرحلة المهمة في تاريخ الشعوب .. فلا جدال ولا مناص .ولكنني في الحقيقة بعد مدة قصيرة أميل رأسي وأرميها لأن قيمة لكل هؤلاء الطاغية لا تصل الى قيمة حياة شهيد نزفت دمائه على ارض الوطن من أجل كرامة نفسه وكرامة الشعبه وضد حكم الفاسد
أذا الشعب يوم أراد الحياة .. فلا بد أن يستجيب القدر ... فكل كلمة من ذلك البيت لها مكانها وتفسيرها في ذلك الواقع الذي نعيشه قبل وخلال وبعد ثوراتنا الشعبية ... نعم ... نحن شعوب عظيمة باحثة عن الحرية والحياة ... إستجاب لنا القدر عندما صنعنا إرادة التغيير فقط .... عندما طلبنا البحث عن الحرية .... التي لا تأتي طوعاً ... بل من خلال العناء والإكراه.
من منا لم يتضامن مع أشقائه العرب في تونس وفي مصر وفي ليبيا ... من منا لم يتأثر لما شاهده من مشاهد قتل للأبراء وتعذيب للمتظاهرين ... من منا لن تحدثه نفسه قائلة : وددت لو كنت في تونس الان ... وددت لو كنت في مصر الان ... وددت لو كنت في ليبيا الان ... وددت لو كنت تونسياً أو مصرياً أو ليبياً .... لعشت نشوة الانتصار ولشربت من كأس الحرية ... ليس مهما ً التمني وليس الأمر بيدنا أن نصنع أقدارنا طالما اننا عرب ... فعلى الأقل يستطيع المرء منا ان يقول ... أنا عربي ولو لم أكن عربياً لوددت ان اكون
و هذه بداية النهاية



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات