مصر تحتضن أول رحلة لجوء في التاريخ


جراسا -

يحتفظ التاريخ بشواهد أول رحلة لجوء في التاريخ الإنساني، في زمن ما قبل الميلاد، مع خروج العائلة المقدسة، تحت ستار ليل بلا قمر، من بيت لحم إلى المحروسة مصر، لانقاذ السيد المسيح ـ عليه السلام ـ طفلا رضيعا، من بطش الملك الدموي هيرودس، الذي أمر بقتل أطفال بيت لحم، خشية تحقيق نبوءة نهاية حكمه!.

وتحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، مساء اليوم الأربعاء، بذكرى مجيء العائلة المقدسة إلى مصر (في الأول من شهر يونيو/ حزيران)، بعد أن قطعت مسافات طويلة ومرهقة ومحفوفة بالمخاطر عبر الصحراء والهضاب والجبال والوديان القاحلة وعلى امتداد نحو 775 كم ـ 481 ميلا ـ من فلسطين إلى مصر.. وأصبح هذا اليوم «عيد دخول العائلة المقدسة إلى أرض مصر»، أحد الأعياد السيدية الصغرى، لدى الكنيسة القبطية في مصر.


وسجل القرآن الكريم المشهد في الآية 50 سورة المؤمنون «وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَىٰ رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ»، وفسّر البعض المقصود بالربوة ذات قرار ومعين هى أرض مصر التى لجأت إليها العائلة المقدسة، وهى أرض بها نبات وربى، ومن المعروف أن العائلة المقدسة (السيدة مريم العذراء، والقديس يوسف النجار، والسيد المسيح طفلًا رضيعًا صغيرًا )، استراحت بعد عبورها سيناء وصحراء مصر تحت ظل شجرة بحديقة البلسم، التى أنشأتها كليوباترا السابعة (69 – 30 ق.م) بموقع حيّ المطرية حاليا، وقد جاءت العائلة المقدسة مصر بعد إنشاء حديقة كليوباترا بخمسين عامًا.

وتعتبر شجرة المطرية هى الشجرة الوحيدة الباقية من حدائق البلسم، وقد جلب أنطونيو أشجار البلسم من منطقة أريحا الفلسطينية، لتزرع فى مصر من أجل محبوبته كليوباترا.


وجاء في إنجيل «متى»، إن المسيح عليه السلام ولد في عَهْدِ الْمَلِكِ هِيرُودُسَ، الذى حكم من 37 قبل الميلاد إلى 4 قبل الميلاد، لذلك قد يكون سيدنا المسيح عليه السلام قد ولد ما بين 6 -4 قبل الميلاد، وقتئذ جرت مذبحة أطفال بيت لحم، التى أمر بها هيرودس في الأيام الأخيرة من حكمه بسبب سؤال المجوس الذين أتوا من المشرق يبحثون ويتساءلون عن مولد السيد المسيح: أين هو المولود ملك اليهود. لأنهم رأوا نجمة.. وكان هذا هو الدافع لهم للقيام برحلة طويلة كهذه من بلاد فارس شرقا إلى فلسطين غربا، إذ كانوا متحمسين للسجود للطفل كإله.

حينئذ توهم الملك هيرودس أن مملكته ستتعرض للخطر، لذلك سأل علماء الناموس في الأمة اليهودية: أين توقعوا أن يولد المسيح؟ وعندما علم أن نبوة سبق وأن أعلنت بأن بيت لحم كان يجب أن تكون محل ميلاده، أصدر مرسومًا بقتل جميع أطفال بيت لحم وما حولها من الذكور، ومن أبن سنتين فما دون، بحسب الزمان الذي تحققه من المجوس، ظنًا منه بأن يسوع – كان محتملًا فعلًا – سوف يشترك مع سائر الأطفال الذين في سنة في نفس المصير.



وقد اشتهر «هيرودس» بتعطشه لسفك الدماء، الذي ظهر فى مواقف عديدة، كما كان شديد الخوف من أي مؤامرة على عرشه. وقد جعلته تصرفاته المتهورة – فى أيامه الأخيرة، وقد قارب السبعين من العمر – يبدو مجنونا، ويعاني النزاعات والمؤامرات في بيته وأسرته والتي ذهبت ضحيتها بعض زوجاته وثلاثة من أبنائه بما فيهم ابنه البكر أنتيباتر. ويروى عن الامبراطور أغسطس (أول إمبراطور للإمبراطورية الرومانية)،أنه قال معلقاً على ذلك: «خير للمرء أن يكون خنزيراً في حظيرة هيروديس من أن يكون أحد أبنائه».

وجاء في انجيل متى 2 ـ 13 «إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ لِيُوسُفَ فِي حُلْمٍ قَائِلًا: «قُمْ وَخُذِ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَاهْرُبْ إِلَى مِصْرَ، وَكُنْ هُنَاكَ حَتَّى أَقُولَ لَكَ. لأَنَّ هِيرُودُسَ مُزْمِعٌ أَنْ يَطْلُبَ الصَّبِيَّ لِيُهْلِكَهُ» ..ولجأت العائلة في رحلة الهرب من فلسطين إلى مصر لطريق مجهول للكثيرين في ذلك الوقت، خاصة أنهم هاربون من شر هيرودس، وذلك حسبما هو موضح بالمصادر التاريخية القبطية وأهمها ميمر البابا ثيؤفيلس الثالث والعشرين من باباوات الإسكندرية (384 ـ 421 م) ومنها السنكسار القبطي.
بداية رحلة العائلة المقدسة



وانطلقت رحلة العائلة المقدسة، من بيت لحم إلى غزة حتى محمية الزرانيق (الفلوسيات) غرب العريش بـ37 كم، ودخلت مصر عن طريق صحراء سيناء من الناحية الشمالية من جهه الفرما (بلوزيوم) الواقعة بين مدينتى العريش وبورسعيد.

ودخلت العائلة المقدسة مدينة تل بسطا (بسطة) بالقرب من مدينه الزقازيق بمحافظة الشرقية وتبعد عن مدينة القاهرة بنحو 100 كم من الشمال الشرقى، وكانت المدينة مليئة بالأوثان وعند دخول العائلة المقدسة المدينة سقطت الأوثان على الأرض فأساء أهلها معاملة العائلة المقدسة فتركت العائلة المقدسة تلك المدينة وتوجهت نحو الجنوب، حتى وصلت بلدة «مسطرد – المحمة» وتبعد عن مدينه القاهرة بنحو 10 كم تقريبًا.

وكلمة المحمة معناها مكان الاستحمام، وسميت كذلك لأن العذراء مريم أحمت هناك السيد المسيح وغسلت ملابسه، وفى عودة العائلة المقدسة مرت أيضًا على مسطرد.


ومن مسطرد انتقلت شمالاً إلى بلبيس (فيلبس) مركز بلبيس التابع لمحافظة الشرقية وتبعد عن مدينة القاهرة حوالى 55 كم تقريبًا، واستظلت العائلة المقدسة عند شجرة عرفت باسم شجرة العذراء مريم ومرت العائلة المقدسة على بلبيس ايضًا فى رجوعها.

ومن بلبيس رحلت العائلة شمالاً بغرب إلى بلدة «منية سمنود »، ثم عبـرت العــائلة المقـدسـة نهـر النيــل إلى مـدينة سمنـود داخـل الدلتا واستقبلهم شعبها استقبـالاً حسنًا فباركهـم السيد المسيح.

ويوجد بالمدينة ماجور كبير من حجر الجرانيت يقال إن السيدة العذراء عجنت به أثناء وجودها.. ويوجد أيضًا بئر ماء باركه السيد المسيح بنفسه.
ومن مدينة سمنود رحلت العـائلة المقدسة شمالاً بغــرب إلى منطقة البرلس حتى وصلت مدينة «سخا»، حاليًا فى محافظة كفــر الشيخ.

وقد ظهر قدم السيد المسيح على حجر ومنه أخذت المدينة اسمها بالقبطية وقد أخفى هذا الحجر زمنًا طويلاً خوفًا من سرقته فى بعض العصور واكتشف هذا الحجر ثانية منذ نحو 14 عاما فقط، حسب ما جاء على الموقع الرسمى للهيئة العامة للاستعلامات.


ومن مدينة سخا عبرت نهر النيل (فرع رشيد) إلى غرب الدلتا وتحركت جنوبًا إلى وادى النطرون، ومن وادى النطرون ارتحلت جنوبًا ناحية مدينة القاهرة وعبرت نهر النيل إلى الناحية الشرقية متجهه ناحية المطرية وعين شمس.. وفى المطرية استظلت العائلة المقدسة تحت شجرة تعرف إلى اليوم بشجرة مريم.

ووصلت العائلة المقدسة إلى مصر القديمة وتعتبر منطقة مصر القديمة من أهم المناطق والمحطات التى حلت بها العائلة المقدسة فى رحلتها إلى أرض مصر، ولم تستطع العائلة المقدسة البقاء فيها إلا ايامًا قلائل، داخل الكهف (المغارة) التى لجأت إليه، ويعتبر من أهم معالم العائلة المقدسة بمصر القديمة.

وارتحلت العائلة المقدسة من منطقة مصر القديمة متجهة ناحية الجنوب، وقد أقلعت فى مركب شراعى فى النيل متجهة نحو المعادي حاليا، وبعد ذلك وصلت العائلة المقدسة قرية دير الجرنوس (أرجانوس) مركز مغاغة، ومرورا بالبهسنا حتى بلدة سمالوط، ومنها عبرت النيل ناحية الشرق إلى جبل الطير، ثم عبرت النيل من الناحية الشرقية إلى الناحية الغربية واتجهت نحو أشمون، واتجهت جنوبًا حوالى 20 كم ناحية ديروط الشريف، ثم غادرت ديروط الشريف إلى قرية قسقام (مركزالقوصية حاليا) حيث سقط الصنم معبودهم وتحطم فطردهم أهلها، وهربت العائلة المقدسة من قرية قسقام (القوصية)واتجهت نحو بلدة «مي» وتقع على بعد 7 كم غرب القوصية، وقد أكرم أهل مير العائلة المقدسة أثناء وجودها بالبلدة.



ومن مير ارتحلت إلى جبل قسقام حيث يوجد الآن دير المحرق.. ومنطقة الدير المحرق هذه من أهم المحطات التى استقرت فيها العائلة المقدسة حتى سمى المكان بيت لحم الثاني. يقع هذا الدير فى سفح الجبل الغربى المعروف بجبل قسقام، ويبعد نحو 12 كم غرب بلدة القوصية التابعة لمحافظة أسيوط على بعد 327 كم جنوبى القاهرة،

مكثت العائلة المقدسة نحو سته أشهر وعشرة أيام فى المغارة التى أصبحت فيما بعد هيكلاً لكنيسة السيدة العذراء الأثرية فى الجهة الغربية من الدير، ومذبح هذه الكنيسة حجر كبير كان يجلس عليه السيد المسيح. وفى هذا الدير ظهر ملاك الرب ليوسف فى حلم قائلا: «قم وخذ الصبى وأمه واذهب أرض اسرائيل لأنه قد مات الذين كانوا يطلبون نفس الصبى».
وفى طريق العودة سلكوا طريقًا آخر انحرف بهم إلى الجنوب قليلا حتى جبل أسيوط المعروف بجبل درنكة وباركته العائلة المقدسة حيث بنى دير باسم السيدة العذراء يقع على مسافة 8 كم جنوب غرب أسيوط، ثم وصلوا إلى مصر القديمة ثم المطرية ثم المحمة ومنها إلى سيناء ثم فلسطين حيث سكن القديس يوسف والعائلة المقدسة فى قرية الناصرة بالجليل، لتنتهى رحلة المعاناة بعد 3 سنوات ونصف السنة.. رحلة شاقة تحف بها مخاطر ورعب وقلق من عيون هيرودس.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات