الأحزاب السياسية توفق أوضاعها


مع انتهاء المدة الزمنية التي حددها قانون الأحزاب السياسية الجديد رقم (7) لسنة 2022 للأحزاب المؤَّسسة قبل سريان أحكامه لكي تقوم بتوفيق أوضاعها، أعلنت الهيئة المستقلة للانتخاب أن عدد الأحزاب السياسية التي قامت بالتصويب قد بلغ (26) حزبا، وبأن حزبا واحدا قد استكمل عقد مؤتمره التأسيسي.
وبهذا يكون عدد الأحزاب السياسية الأردنية قد انخفض في حدود النصف عما كان عليه الوضع قبل إقرار القانون الجديد، وأن الأحكام التشريعية المستحدثة قد ساهمت في الإبقاء على الأحزاب السياسية القادرة على القيام بدورها الحزبي والسياسي في المرحلة القادمة على الأقل.
ومن المتوقع أن تشهد الأشهر القليلة القادمة حدوث انخفاض آخر في عدد الأحزاب السياسية القائمة، وذلك مع قرب انتهاء الموعد الدستوري لمجلس النواب الحالي، وبدء التحضير للانتخابات النيابية القادمة، حيث ستعي الأحزاب السياسية أن فرصها في المنافسة على المقاعد الوطنية الحزبية وحصول مرشحيها على تمثيل في المجلس القادم ستزداد في حال تشكيل ائتلافات حزبية أو تحالفات سياسية. وهذه التشاركية في العمل الحزبي ستزيد من فرص اندماج الأحزاب أو دمجها مع بعضها البعض وفق أحكام القانون.
وما سيعزز من احتمالية تعاون حزبي سياسي في الانتخابات القادمة أن قانون الانتخاب الجديد لعام 2022 قد اشترط نسبة حسم معينة (عتبة) للقوائم الحزبية المترشحة على مستوى الوطن، وذلك بواقع (2,5%) من مجموع عدد المقترعين في الدائرة الانتخابية العامة. فهذا الموقف التشريعي الإيجابي سيعمل على تقليل تواجد الأحزاب السياسية داخل المجلس النيابي القادم من حيث العدد وزيادة عدد المترشحين الفائزين من كل حزب سياسي.
وتبقى الملاحظة الأهم التي تتعلق بمصير الأحزاب السياسية بعد انتهاء فترة تصويب الأوضاع، أن (7) أحزاب سياسية لم تتقدم لتوفيق أوضاعها نهائيا، وأن أحد الأحزاب قد اختار أن يحل نفسه اختياريا. فهذه الأرقام تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن المنظومة التشريعية السابقة التي كان تحكم عملية تأسيس الأحزاب السياسية لم تكن بالمثالية، بدلالة أنها قد أفرزت أحزابا لم تكترث بالاستمرار في العملية السياسية، وفضلت الانسحاب من المشهد العام عند أول عقبة إجرائية تمثلت بضرورة توسيع قاعدة الأعضاء فيها، وتدعيم الحزب بنسبة من الشباب والمرأة والأشخاص من ذوي الإعاقة.
إن الشروط التي فرضها قانون الأحزاب السياسية الجديد لعام 2022 على الأحزاب القائمة قبل نفاذه ليست بالتعجيزية، وإنما اقتصر أثرها على زيادة العدد الإجمالي للأعضاء المنتسبين، والحرص على تفعيل مشاركة الشباب والنساء فيها. وهذا الأمر لم تقو عليه عدد من الأحزاب السياسية، التي اختارت أن تتخذ موقفا سلبيا تمثل بحل نفسها اختياريا أو الاستسلام لواقعها السابق، وعدم السعي نحو استقطاب أعضاء جدد في الحزب خلال سنة كاملة.
إن قانون الأحزاب السياسية القديم لعام 2015 كان يشترط في الأعضاء المؤسسين لأي حزب ألا يقل عددهم عن مائة وخمسين شخصا، وكان يعطي الحق لخمسة من الأردنيين على الأقل الراغبين في تأسيس حزب سياسي أن يقوموا بإخطار رئيس لجنة شؤون الأحزاب بذلك، على أن يتقدموا بطلب تأسيس عند استكمال الشروط المنصوص عليها في هذا القانون، وذلك خلال مدة لا تزيد على سنة واحدة من تاريخ الإخطار.
وقبل ذلك، كان قانون الأحزاب السياسية لعام 2012 يشترط ألا يقل عدد الأعضاء المؤسسين لأي حزب عن خمسمائة شخص من سبع محافظات، وألا تقل نسبة النساء بينهم عن (10%)، ونسبة المؤسسين من كل محافظة عن (5 %). وهو العدد ذاته الذي كان يشترطه قانون الأحزاب السياسية السابق لعام 2007.
إن البداية الضعيفة للأحزاب السياسية بموجب التشريعات القديمة قد ساهم في تأسيس أحزاب أردنية ليس لها أي ثقل أو قبول شعبي، ولا أدل على ذلك أنها قد خرجت من السباق الوطني لعدم قدرتها أو حتى رغبتها في زيادة عدد منتسبيها.
وعليه، فإن الزيادة التي قررها قانون الأحزاب السياسية الجديد في عدد الأردنيين الراغبين في تقديم طلب خطي لتأسيس حزب سياسي بواقع ثلاثمائة شخص، واشتراطه ألا يقل عدد الأعضاء المؤسسين في المؤتمر التأسيسي عن ألف شخص من شأنه أن يقصر الحق في تكوين الأحزاب على الكيانات التي تلقى أفكارها وبرامجها وحتى أعضاؤها قبولا واستحسانا شعبيا إلى حد مقبول.
إن الازدحام الحزبي الذي كانت تشهده الدولة الأردنية قد بدأ يقل تدريجيا، حيث أنه من المتوقع أن يشهد العدد الكلي للأحزاب السياسية انكماشات لاحقة في ضوء زيادة عدد المقاعد الحزبية في القوائم الوطنية عند انتخاب مجلس النواب العشرين والمجلسين اللاحقين له.

* أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية
laith@lawyer.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات