الحاجة إلى مراجعة قانون الدفاع


بعد صدور الإرادة الملكية السامية بالموافقة على قرار مجلس الوزراء وقف العمل بقانون الدفاع، تكون الدولة الأردنية قد طوت صفحة استثنائية من تاريخها السياسي والقانوني امتدت لأكثر من ثلاث سنوات، جرى خلالها تطبيق أحكام تشريع استثنائي أعطى الحق لرئيس الوزراء في إصدار أوامر دفاع أوقفت العمل بالقوانين العادية، وذلك إلى المدى التي كانت تتعارض معها.
إن قانون الدفاع الحالي الذي تقرر وقف العمل به قبل أيام قد صدر في عام 1992، إلا أنه قد جرى تطبيقه لأول مرة في عام 2020 وذلك لمواجهة جائحة كورونا. بالتالي، فإن طبيعة هذا التشريع الذي يتم اللجوء إليه في حالات الطوارئ الاستثنائية التي تمتاز بمحدودية وقوعها، يقضي بوجوب الاستفادة من التجربة السابقة لتفعيل قانون الدفاع، وذلك بهدف الوقوف على مكامن الضعف والقصور فيه، والعمل على مراجعة نصوصه وأحكامه لغايات تجويدها وتحديثها.
إن أبرز الملاحظات القانونية التي رافقت سريان قانون الدفاع تمثلت في الوقوف على الطبيعة القانونية لأوامر الدفاع التي كان يصدرها رئيس الوزراء. فالمادة (8) من قانون الدفاع تنص صراحة على جواز الطعن بأمر الدفاع أمام القضاء الإداري، معتبرة إياه من قبيل القرارات الإدارية التي تصدرها سلطة إدارة بما لها من صلاحيات بمقتضى القوانين والأنظمة، والتي تؤثر على المراكز القانونية للأشخاص المخاطبين فيها.
في المقابل، فإن هذا الحكم التشريعي يتناقض مع الأثر الدستوري المترتب على إعلان العمل بقانون الدفاع كما حددته المادة (124) من الدستور، والذي يتمثل بإعطاء رئيس الوزراء صلاحية إصدار أوامر دفاع توقف العمل بالقوانين العادية.
وعليه، فإن التساؤل الأبرز يتعلق بمدى قانونية اعتبار أوامر الدفاع قرارات إدارية وفي الوقت ذاته أن يُعطى لها الأثر الدستوري بتعطيل نصوص القانون. فكما هو معلوم أن القانون لا يجري تعطيله أو إلغاؤه إلا بقانون من ذات المرتبة، وأن المادة (5) من القانون المدني تنص على أنه لا يجوز إلغاء نص تشريعي إلا بتشريع لاحق ينص صراحة على هذا الإلغاء، أو يشتمل على نص يتعارض مع نص التشريع القديم، أو ينظم من جديد الموضوع الذي سبق أن قرر قواعده ذلك التشريع.
كما أن الطبيعة الإدارية لأوامر الدفاع كما قررها قانون الدفاع تتعارض مع ما كانت تتضمنه الأوامر الصادرة من صور لأفعال جرمية وعقوبات جزائية عليها من حبس وغرامة لا ترد بالعادة في أي قرار إداري. وهذا ما يدعو المشرع الأردني إلى مراجعة قانون الدفاع لإعادة النظر في طبيعة أوامر الدفاع لاعتبارها من قبيل الأعمال التشريعية حتى وإن صدرت عن السلطة التنفيذية.
ويمكن في هذا السياق الاسترشاد بموقف محكمة العدل العليا التي اعتبرت القوانين المؤقتة التي يصدرها مجلس الوزراء في غياب مجلس النواب من قبيل الأعمال التشريعية وليست قرارات إدارية تقبل الطعن أمامها. ففي قرارها رقم (41) لسنة 1963، تمسكت المحكمة بالمعيار الموضوعي دون الشكلي، وقضت بأن القوانين المؤقتة التي تصدرها السلطة التنفيذية هي أعمال تشريعية لا يمكن الطعن فيها بالإلغاء أمام محكمة العدل العليا.
ومن المشاكل القانونية التي رافقت تطبيق قانون الدفاع الاختلاف بين رجال القانون في تفسير حكم المادة (11) منه التي اعتبرت جميع العقود التي يخل أي من أطرافها بتنفيذ ما جاء فيها من التزامات بسبب أوامر الدفاع موقوفة بحكم القانون، وذلك إلى المدى الذي يكون فيه تنفيذ العقد متعذرا.
كما كان هناك حالة من عدم الفهم القانوني وبالنتيجة عدم التطبيق لحكم المادة (9) من قانون الدفاع التي تُعطي الحق لكل من اتخذ بحقه أي إجراء بموجب القانون أو أي أمر صادر بمقتضاه بأن يطلب من رئيس الوزراء التعويض، حيث يلزمه القانون الحالي تحديد مقداره وتأديته خلال مدة لا تتجاوز ستين يوما من تقديم الطلب بالتعويض، على أن يكون للمتضرر في حال عدم موافقته على القيمة المقررة للتعويض الحق بإقامة الدعوى لدى المحكمة المختصة للمطالبة بالتعويض العادل.
ويبقى الحكم القانوني الأبرز المتعلق بقانون الدفاع، والتي أثبتت التجربة السابقة الحاجة إليه، ضرورة تقييد سريان قانون الدفاع بفترة زمنية معينة يتم عند نهايتها تقييم الوضع العام وإصدار القرار بتمديد العمل بقانون الدفاع من عدمه. فإعلان العمل بقانون الدفاع يجب أن يرتبط ابتداء بمدة زمنية معينة تكون خاضعة للتمديد من عدمها وفقا لمقتضى الحال، وذلك صونا للحقوق والحريات من الوضع التشريعي الحالي، الذي يقرر صلاحية مطلقة للسلطة التنفيذية في استمرار العمل بقانون الدفاع للفترة التي تراها مناسبة، وبشكل يعتبر اعتداء على صلاحيات السلطة التشريعية في إصدار القوانين وتطبيقها.
إن انتهاء العمل بقانون الدفاع يجعل من الأهمية بمكان اخضاع نصوصه وأحكامه لدراسة قانونية موضوعية، بهدف تفادي الأخطاء والإشكاليات التي رافقت عملية تطبيقه خلال السنوات الثلاثة الماضية.

* أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية
laith@lawyer.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات