اليوم العالمي لحرية الصحافة


ﯾﺻﺎدف هذا اليوم الثالث من شهر أيار ذكرى اليوم العالمي لحرية الصحافة، حيث أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة هذه المناسبة ابتداء من عام 1993، وذلك بناء على التوصية المقدمة إليها من المؤتمر العام لليونيسكو الذي عُقد في مدينة ويندهوك في دولة ناميبيا في التاريخ ذاته من عام 1991.

وتأتي الذكرى السنوية لهذا العام لتجسد مرور ثلاثة عقود على إقرار اليوم العالمي لحرية الصحافة، حيث رافق هذه الفترة الزمنية حالات من المد والجزر تمثلت بزيادة الصعوبات والتحديات التي يواجهها العاملون في مجال الصحافة والإعلام. فخلال الثلاثين سنة الماضية، كان للتطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية تأثيرات جمّة على الحرية الصحفية، البعض منها إيجابيا تمثل بظهور وسائل الإعلام المستقلة التي أصبحت تنافس المحطات الإعلامية الرسمية، وانتشار اﻟﺗﻘﻧﯾﺎت اﻟرﻗﻣﯾﺔ الحديثة اﻟﺗﻲ أتاحت اﻟﺗدﻓﻖ اﻟﺣر ﻟﻠﻣﻌﻠوﻣﺎت ﻋﺑر وسائل التواصل الاجتماعي وشبكات اﻹﻧﺗرﻧت.

في المقابل، فإن تزايد حدة الأزمات التي يواجهها اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟدوﻟﻲ، والتي تتمثل بالحروب والصراعات الداخلية والخارجية، قد ساهم بحد كبير في زيادة حالات العنف والإضرار بالحرية الصحفية وبالعاملين فيها. كما ضاعف الانتشار السريع والواسع للمعلومات المضللة وغير الصحيحة على الشبكة العنكبوتية من فرص الاضطرابات المجتمعية والتهديدات على الأمن والسلم الوطني، وﻣﺎ استتبع ذلك من وقوع تهديدات حقيقية على الأسس التي تقوم عليها المبادئ الديمقراطية وسيادة القانون في معظم دول العالم.

والأردن كغيره من دول العالم، تجتاحه حالة من التغييرات الجوهرية في مفهوم حرية الصحافة ونطاقها والعناصر المكونة لها، فالصحافة التقليدية بمفهومها القديم قد تغير، وآلية انتقال الخبر وتداوله قد اختلفت بشكل كامل. فبعد أن كانت الجهات الرسمية والحكومية هي المصدر الأساسي الذي كانت تستقي منه الجماهير الأخبار والمعلومات، أصبحت المصادر الإعلامية الخاصة هي الوجهة الرئيسية لكل من يرغب في استيقاء المعلومات عن آخر الأخبار والتطورات المحلية والعالمية.

وحرية الصحافة كغيرها من الحريات الدستورية تبقى دائما في دائرة الخلاف بين الأشخاص المنشغلين فيها والمهتمين بها والسلطات الإدارية المختصة. فالفرد يتطلع دوما بحكم طبيعته البشرية إلى توسيع دائرة الممارسة والتطبيق، والتحرر من القيود والضوابط التي تفرضها الإدارة العامة، مستشهدا بعنان السماء ومتطلعا إليها عند الحديث عن نطاق الحرية الصحفية.

في المقابل، فإن الجهات الإدارية والأمنية وحتى القضائية منها تعتبر التطورات التقنية الحديثة وسرعة انتشار الأخبار والمعلومات تهديدا حقيقيا للمهام والواجبات الملقاة على عاتقها في مجال الحفاظ على الأمن والسلامة العامة، وفي الفصل في القضايا ذات الأبعاد السياسية والاجتماعية الهامة. فكُثرت في الآونة الأخيرة القرارات القضائية بحظر النشر في إجراءات التحقيق والتقاضي في عدد من الدعاوى الجزائية التي أخذت أصداء سياسية وشعبية واسعة.

إن تكريس الصورة المستحدثة لحرية الصحافة يقتضي من طرفي المعادلة، الصحفيون والرأي العام من جهة والسلطات الحكومية المختصة من جهة أخرى، التروي والتعقل في التعاطي مع هذه المَكِنة الدستورية التي ترتبط ارتباطا وثيقا بالعديد من الحقوق الفردية الأخرى كالحق في الانتخاب والتعبير عن الرأي، والحق في الاجتماع وتشكيل الأحزاب السياسية.

كما أن الترتيب الحالي لحرية الصحافة في الأردن على التصنيفات الدولية ليس بالمرتفع، حيث عادة ما يكون للملاحقات القضائية بحق عدد من الصحفيين والناشرين تأثيرات سلبية على الرأي العام الدولي جراء تناقل هذه الأخبار وتغطيتها خارج الإطار الوطني. في المقابل، فإن المتغيرات الدستورية الإيجابية في مجال حرية الصحافة والإعلام كما عكستها التعديلات الدستورية لعام 2011 لم تأخذ نصيبها الكافي من التوضيح والتفسير.

فبعد أن كانت المادة (15) من الدستور بحلتها قبل التعديل تجيز تعطيل الصحف وإلغاء امتيازها وفق أحكام القانون، ومن خلال أي سلطة إدارية ضبطية مقرر لها هذا الحق بموجب التشريع المعني، أصبح النص الحالي بحلته المعدلة في عام 2011 يحظر تعطيل الصحف ووسائل الإعلام أو إلغاء ترخيصها إلا بقرار قضائي وفق أحكام القانون. فأضحى القضاء الوطني هو الجهة المختصة بإصدار القرارات المتعلقة بوقف وتعطيل الصحف ووسائل الإعلام.

إن اﻻﺣﺗﻔﺎل ﺑﺎﻟذﻛرى اﻟﺛﻼﺛﯾن لليوم اﻟﻌﺎﻟﻣﻲ ﻟﺣرﯾﺔ اﻟﺻﺣﺎﻓﺔ ھو دﻋوة ﻟﺣرﯾﺔ اﻟﺻﺣﺎﻓﺔ اﻟﺣدﯾﺛﺔ، التي هي بحاجة إلى مراجعة مشتركة من قبل الدولة بأجهزتها وإدارتها المختلفة بضرورة احترام النصوص الدستورية التي تكفل حرية الصحافة، ومن قبل الإعلامين والنشطاء السياسيين بأهمية الحرص على أخلاقيات مهنة الصحافة والوعي بتأثيراتها السياسية والأمنية، لنصل في النهاية إلى مفهوم الحرية الصحافية المسؤولة.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات