المرافي و قصته مع الطعام .. !



في أول أشهر تعييني معلما في ملاك وزارة التربية قبل (٢١) سنة تحديدا عام (٢٠٠٢) كلفت بالإشراف على رحلة مدرسية وقتها كان مدير المدرسة متخوفا من إشرافي على الرحلة المقررة إلى العقبة ؛ كوني تعيين جديد و لا أملك خبرة ولكون المعلمين رفضوا الذهاب معي بسبب أن الرحلة المقررة هي للصف الرابع الأساسي ، وثانيا بسبب أن المعلمين في المدرسة أغلب خدمتهم طويلة ولا يحبون الرحلات مع الطلاب ، حيثُ اقنعوا المدير بالموافقة قائلين :" ما شاء الله عليه دون أن يعرفونني رغبة منهم في تفادي الذهاب معي ، فقد كانت الرحلات في ذلك الوقت متعبة ومسؤولية خاصة إذا كانت إلى العقبة لوجود البحر ، بالفعل ذهبت مع الطلبة إلى العقبة وأخذت معي إبن أخي في الصف السابع لغاية في نفسي، حيث اوصيته بمسؤولية وهي مجرد ما ندخل المطعم ونطلب وجبات للطلبة على نفقتهم يقوم بجمع ما تبقى من طعام لأنه مدفوع ثمنه من قبل الطالب ، وثانيا أن الطلبة كانوا في حالة إشباع بسبب السفر وتناول الفطور و البسكويت والحلويات والعصائر في الباص قبل وجبة الغداء لذلك سيتركون الوجبة ، وثالثا أن ظروف الناس صعبة في ذلك الوقت ولعل الوالد أحرج من إبنه عندما شاهد جميع الطلبة يشاركون في الرحلة، ورابعا وهو الأهم من باب الحفاظ على النعمة لكي لا ترمى في مكب النفايات .

بالفعل ما توقعته حدث فقد ترك أغلبية الطلبة وجباتهم على الطاولات، بإستثناء القليل جدا من الطلبة الفقراء ، عندما هموا بالنهوض عن الطاولات ، وقتها قمت بالإشارة بالغمز لإبن أخي لكي يجمع الوجبات ويقوم بإضافتها على بعض لتسهيل حملها كوني احرج من ذلك لأنني معلم وربما يفسروها تفسيرات خاطئة ، وقتها كان عمال المطعم يتطلعون لي باستغراب لتصرفي احسستهم إني غير مكترث ولكن داخليا خجلان ، فلما خرجنا من المطعم وضعنا الوجبات في الحافلة وكان السائق يضحك لتصرفي .

عندما حل المساء وهممنا بالعودة إلى الطفيلة شعر الطلاب بالجوع، وقالوا:" بدنا نشتري سندويشات جعنا يا أستاذ " فقلت لهم :" ما في ولا شراء خلص وقفناه أنتم تركتوا وجباتكم على الطاولات وأنا جمعتهن والآن سوف اقوم بتوزيعها عليكم ، الجعان يوكل وبالفعل وزعتها عليهم وبقي القليل من وجبات احتفظت بهن لطالب فقير واعطيته اياهن بالخفية عندما نزل كونه جعلته آخر النازلين .

رحم الله والدتي كانت تأكل طعام اﻷمس البائت قبل طعام اليوم (الطازج) وكانت تبلل الخبز اليابس بالماء وتأكل منه ولا ترميه وكانت لا تأكل حتى نشبع ، ومن ثم تقوم بلملمة الفتات بيدها من أرز و خبز ومن بقايا الطعام وتأكله، وتغضب أشد الغضب أن رمي شيء من الطعام وكان والدي كذلك ولكن أمي أشد في الحفاظ على النعمة منه ، وكانت تكثر من ترداد أحاديث وأقوال عن الحفاظ على النعمة والمحافظة عليها ، وقد تعلمت منها هذه الصفة حتى أنني اقوم بمكافأة الأبناء بالمال والشراء لهم لكي يأكلوا الأكل البائت ؛ لأنني لدي قناعة تامة من حافظ على النعمة رزقه الله وزاده من نعيمه والعكس صحيح والعياذ بالله ، حتى أنني دأبت عندما أقوم بعمل افطار لمجموعة من أصدقائي خارج البيت عن روح والدتي انتظر بالأخير لكي أكل جميع ما تبقى حيث اتذرع أمامهم بأنني أحكي تلفون أو انشغل في أمر ما أو أنني انتظر أحد الأصدقاء حتى أنني أمنع أصدقائي من تنظيف ما تبقى من طعام أقول لهم :" اتركوه هذا طعام ملبى لوجه الله عن روح والدتي لا يجوز وضعه في كيس النفايات أخذه معي للقطط المتواجدة في حديقة منزلي ، فأنا أعلم خطورة رمي الأكل وعدم المحافظة عليه وكنت اتضايق بسبب مشاهدتي لوجبات الثلاثة الفطور والغذاء والعشاء التي يقوم بها الناس ويلقونها في مكب النفايات .

ايها الإخوة والأخوات اكرموا نعم الله بالمحافظة عليها وعدم رميها في مكب النفايات وداوموا بإستمرار على شكر ربكم عليها ، فالنعم لا تدوم للذي يفرط فيها ، كما قال رسول ألله ﷺ:« اخشوشنوا ... فان النعم لا تدوم »
وقال تعالى: ( وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ ءَامِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍۢ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَٰقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلْجُوعِ وَٱلْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ)

انتبهوا لأنفسكم ، وكرموا نعم ربكم ولا تهينوها ، يهينكم ويحل غضبه عليكم .

يقال أن دولة الصومال كانت غنية جدا فيها مزارع وأبل وماشية وبقر كثير حتى إن الرجل إذا استيقظ من النوم يريد الأكل، كان يذبح كبشا فيأخذ منه الكبد فيفطر عليه ثم يرمي باقي الكبش في الزبالة. فزالت النعم عنهم وتوالت النقم حتى أصبحوا لا يجدون شيئا ياكلوه .

كما يقال لما بلغ الترف بأهل العراق أنه كل ما ينزل على المائدة يرفع ما بقي منه إلى الزبالّة حتى اندثر عندهم مصطلح ( اﻷكل البايت ) فابتلاهم الله بالحصار ثلاث عشرة سنة حتى صاروا يأكلون الخبز ألاسود يابس!! ومات لهم مليونا طفل من الفقر والمرض...

ويقول كاتب سوري : لما صرت أرى في بلدتي دمشق وضواحيها الخبز في الحاويات بكثرة ورأيت امرأة فقيرة سقط منها رغيف خبز فتركته على اﻷرض ومضت ورأيت آخر يبعد ما سقط منه على الأرض بطرف قدمه بل إنني رأيت بعيني رجلا يمسح حذائه بقطع من الخبز الابيض ويلمعها به مع شديد الأسف و وصل الهدر إلى مستويات مخيفة جدا في بلدي وفق كلام الكاتب يقول :" أيقنت بعدها أننا مقبلون على أيام سوداء سنشتهي بها هذه الخبزات التي كنت أراها في الحاويات..

روادتني عناوين كثيرة واحترت في اختيارها ولكن اترك الإختيار للقارىء ....مثل العاقل تكفيه الإشارة، لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين ، لا تكن نسخة مطابقة لغيرك ، حافظوا على نعم الله خوفا من غضبه وعقابه وعناوين أخرى.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات