دردشة عن تأميم قناة السويس مرتين


كان الرائد الأول لهذه التحركات بإمتياز الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، فحين قرر تأميم قناة السويس و رفض تجديد الإمتياز للشركة الفرنسية بإدارة شؤنها كان قد عزز من سيادة الدولة المصرية على اراضيها و زاد من نفوذ الدولة المصرية استرايجيا و هيمنتها على ترابها الوطني، فإن اخذنا الإبعاد التاريخية لإنشاء هذه القناة الذي ابتدأ في عام 1854 حيث تم منح الشركة الفرنسة بقيادة دي لسبس حق انشاء القناة، و حيث اخذت الشركة من الدولة العثمانية حق ادارة شؤونها ل99 عاما، سنتأكد من مصريتها تماما، فمسارها عاجلا ام آجلا كان سيوجهها نحو تمصيرها، فاستغرق بناءها 10 اعوام، و لأنه بهذه العهود القديمة من الزمن لم تمتلك الدُوَل آليات انشاء حديثه استخدمت الدولة اعدادا ضخمة من العمالة حيث مات 120 ألف عامل مصري اثناء انشاءها، تخضبت طينتها بدماء الآلأف الذين عملوا فيها الى ان اصبحب ملاحيا جاهزة، شقها و صنعها أهل مصر و المساكين الذين سخرتهم الدولة العثمانية الإمبريالة لإنشاءها، فإن كانت نوايا نابليون في القرن الثامن عشر خالية من اية اهداف سيئة لإنشائها رأينا صراع داميا عليها بعد عهده للهيمنة عليها نتيجة العصور الإمبريالة التي كانت لا تزال تتحكم بسياسة الدول العظمة للمنطقة، فبالرغم من استخدام الشركة الفرنسية للعمالة المصرية بصنعها الا حقوق تجديد الإمنتياز عليها لم تستمر كما كانت تأمل،

في عام 1956 كانت الدولة المصرية قد ابتدأت عهد جديدا من الديمقراطية بعيدا عن عهد الممالك و الإمبريالية التي دمرت مواردها و استنزفت طاقاتها البشرية و الوطنية بشكل كبير، فشعرت القيادة المصرية بأنه حان الأوان لهذه الدولة أن تعلن سيادتها على كافة اراضيها و بأن يكون لها كينونتها الخاصة على امتداد ترابها الوطني، و هذا لن يكون مكتملا من دون اعلان ضم قناة السويس لأراضيها، حيث انها اساسا بنيت على ارض مصرية بسواعد مصرية و تحت ادارة اجنبية ارادت عبثا الإستمرار بإدارتها، ففي ثورة يوليو المباركة عام 1952 قرر الضباط الاحرار المضي قدما بثورة تاريخية كتب على اثرها لمصر ان تستقل و تصبح جمهورية كبرى بالمنطقة، و اصبح لها استقلاليتها بعيدا عن الإنتداب الأجنبي الجائر، و انهت و لو بصورة غير مباشرة عهد الإمبريالية بمنطقة الشرق الأسوط بأكملها، و كان هذا الأمر مِنْ المُتَوَقًعْ ان يواجَهْ بعدم رضا من قبل الدول التي ارادت ان يستمر نفوذها بالمنطقة، فكان ميلاد الكيان الصهونية يحتم عليها التواجد بالشرق الأوسط لحمايته و حماية مصالحه، كما نه لا يجب ان ننسا هنا ان بعد مشاركة اميركية بالحرب العالمية الثانية و فوز دول التحالف على الجيوش النازية اختلفت لهجة السياسة الخارجية الأمريكية بالمنطقة، فأصبحت طامحة بفرض هيمنتها على هذه المنطقة عموما نظرا لبدء عصر الحرب البادرة بينها و بين الإتحاد السوفيتي و نظرا لإرادتها بحماية الدولة الصهونية، و لا يجب نسيان ايضا ان بعد هذه الحرب الكبيرة و نتيجة للحلف الكبير الذي ساد بينها و بين بريطانية و بسبب المآسي الذي تحملتها دول التحالف من الجيوش النازية انبثق عهد من الترابط بين امريكا و بريطانيا و اوروبا استمر لعقود طويلة، فكان لا بد لهذا التحالف ان يستمر حتى مع الدول الأروربية التي تأذت من النازية كي لا تعود ظروف الحرب العالمية من جديد على الساحة العالمية، فلذلك فرض هذا المناخ السياسي السائد بالمنطقة معارضة حديدية لقرار تأميم قناة السويس، مما لا شك به انه كان هنالك احداث آخرى ساهمت بزرع مناخ خصب لإندلاع الحرب الثلاثية على مصر حينها، فعلى سبيل المثال لا الحصر توقيع اتفاقية الجلاء سنة 1954، و الروح الوطنية التي كانت تسيطر على الشارع المصري بأستقلال مصر عام 1956 و الذي حجمت الهيمنة البريطانيا عليها، مما جعل اسرائيل تشعر بعدم الإرتياح لأستقلال مصر، فأصبحت مصر سيدة قرارها مما دفعها لتعزيز تراسنتها العكسرية و شراء السلاح من فرنسا، رأينا بالمقابل مصر تطلب شراء السلاح من امريكا و بعضا من حلفئها، و لكن قوبل هذا الطلب بالمماطلة، فكان الغرب يسير نحو منع أي دولة عربية من امتلاك سلاح اقوى من اسرائيل، و لم يردع هذا الأمر الرئيس جمال عبدالناصرإطلاقا، فكان يعرف جيدا ان استقلال دولته لا يجب ان يتأثر بأي معارضة من الخارج، فتوجه للإتحاد السوفيتي و طلب المعونة العسكرية بخطوة استراتيجية قوية حجمت قرار البيت الابيض الاخير، فعزز تراسنت مصر العسكرية،

نحن نتكلم عن عهد فولاذي ارادت به مصر تكوين نفسها كدولة عظمة بالمنطقة، فلذلك حفزت الروح الوطنية للرئيس الراحل جمال عبدالناصر هذا التحرك الإستراتيجي ، فاثبت للغرب ان مصر لن تهزم سياسيا بهذه السرعة، و على الضوء ان امريكا كانت تخوض حرب باردة مع السوفيت لم يعجبها اتجاه دولة كبرى بالمنطقة مستلقة كمصر للتعاون مع غريمها، فتمعنوا جيدا بعد تأميم قناة السويس التحالف الثلاثي الذي اراد تحجيم مصر بالمنطقة و الضرر بمصالحها، فكانت الحرب على تمصير القناة شرسة جدا، و بالرغم من حجم هذه الحرب و ثقلها على مصر و الدمار الوحشي الذي الحقته بالمدن و المدنيين الا ان بلاد النيل خرجت منتصرة سياسيا منها، فكل من اسرائيل و بريطانيا و فرنسا سعت للإنتقام من مصر لاسباب استراتيجية اختلفت فينم بينها، و لكن كان الهدف حقيرا و هو تدمير ارادة مصر بفرض هيمنها على السويس، و بقي النفوذ المصري يهيمن على اراضيه بالكامل الى حرب 1967 ، حيث فقدت السويس من ام الدنيا لفترة بسيطة، و لكن...

في عام 1973، ثأرت مصر للسويس من جديد في حرب اكتوبر، و انتزعتها من اسرائيل بعد نكسة ال67، فالعلاقات الثنائية مع الدولة السوفيتية اثمرت بقرار الرئيس الراحل انور السادات شراء السلاح منها، عسكريا السلاح الإسرائيلي هو امريكي و بريطاني، و الند الوحيد له بالعالم هو السوفيتي، فكان قرار الراحل انور السادات في محله، فقرار شراء السلاح ساعد الجيش المصري ببناء سيادة قوية له بالمنطقة، و لعل قرار غزو الجيش الإسرائيلي أثناء عطلة رسمية له كان قرار عسكريا في مكانه، فاغار الجيش المصري بقوة على خط بارليف و حطمه و كَبًدَ الجيش الإسرائيلي خسائر ضخمة في صفوف جيشه، و للمرة الثانية بعد حرب الكرامة بالأردن في سنة 1968 حطم الجيش المصري صورة الجيس الإسرائلي بأنه جيش لا يهزم،

ساعد الجيش المصري في بلوغ النصر خطط عسكرية مُحْكَمَة جدا، فخبرته بخوض المعارك مكنته من الفوز، و استعداده و تمرينات الجيش و دراسته لكيفية تحطيم خط بارليف ساعده كثيرا فكانت التدريبات تسري على قدم و ساق للتحقق من افضل طريقة للإنتصار، فلا مجال اثناء الحرب للأخطاء لأنك يا مؤمن امام معركة حاسمة اما ان تبلغ النصر بها او اما ان تخسرها، و الصيد من وراء هذه الحرب كانت اراضي شعرت مصر انها إنْتُزُعَتْ منها بصورة همجية، سيناء كانت يجب ان تعود الى مصر باي ثمن، و فعليا في ساعة الصفر شنت مصر هجوما مدروسا هزت توازن العدو استراتيجيا و عسكريا به و نجحت بمساعيها لإسترداد قناة السويس...

برأيٍ تم تأميم قناة السويس مرتين، مرة في حرب ال56 حيث نجحت سياسيا مصر بضمها الى اراضيها، و مرة ثانية حينما استعادتها بعد حرب ضروس انتصرت بها خير انتصار في اكتوبر، فبالمرة الأولى انتزعتها من الشركة الفرنسية و بالمرة الثاينة من الكيان الصهيونية لتعطيه درسا لن ينساه، مما لا شك به ان قناة السويس و سيناء ستبقى مصرية، فتراب قناة السويس تخضب بدماء آلآف الفلاحين الذين خفروها بظروف قهرية في القرن التاسع عشر، و قد تخضب مرة ثانية بدماء آلآف الجنود حين اختاروا التضحية بأرواحهم فداءا لأراضي عاشوا بها ابا عن جد و امتزجت تربتها بَعَرَقِهِمْ و تعبهم هم يزرعوها و يبنوا مدنهم بها، فتاريخ المصريين على اراضيهم يعود الى ستة آلآف سنة متواصلة سكنوها و ازدهرت حضاراتهم المتتالية بها، ابتدأت الحياة بها فرعوينة منذ اربعة آلآف سنة قبل الميلاد...و استمرت منذ تلك الفترة الى ايامنا الحالية...سيناء مصرية و التاريخ يشهد على ذلك...







تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات