بيت البيدر المسكون .. الجزء التاسع
وقف سنحاريب قائد جيوش الملك ابياشال ملك اشور في خيمته مع انليل قائد الفرسان في وسط المخيم العسكري يتباحثان في امور الغزو المرتقب على مملكة صور بالغد، كانوا على مسير يوم من المملكة فقط، و كانت جيوشهم على اهبة الإستعداد لغزو المملكة حال وصولهم الى مشارفها، نظر الى مجسم الأرض على الطاولة امامهم الذي تضمن كمية رمال كبيرة، فكان يرمز الى ساحة المعركة امام ممكلة صور، و كان بجانب ضلع من اضلاعه الخشبية مربع صغير يرمز الى مملكة صور، و كان امام المربع بعض من بحص الأرض كرمز الى جيوش صور، و كان على بعد ذراع منهم مقابل لهم كمية بحص اكبر ترمز الى جيوشهم الكبيرة، ارتفعت بالخلفية اصوات صرخات الجند و التحام سيوف كثيفة و كتئابهم تتبارز و تتدرب لمعارك الغد، كان الحراك و التدريبات يملأ المخيم من حولهم فالنصر لم يكن خيار لديهم، بل كان هدف منشود لا خيار آخر مقابله، نظر سنحاريب الى المجسم امامهم لبعض الوقت ثم قال بكل عزم "لا اظنهم ند الى فرساننا، نحن نجحنا بعامل المفاجئة، زحفنا صوبهم من دون سابق انذار، حتى لن يتسنى لهم طلب المساعدة من اي مملكة آخرى، عدد جيشهم قد يكون اقل من جيوشنا،"
قال انليل و هو يتأمل المجسم "عدد سكان مملكتهم اصغر من عدد جيوشنا، جيوشهم لن تتعدا العشرين آلف مع فرسانهم، كل معلوماتنا عن صور تشير الى ان نسمتهم لا تتعدا الثلاين ألف، فكم ستبلغ جيوشهم و المؤهلين للقتال؟ ثلثي عدد السكان؟ الباقي سيكون النساء و المسنين و الأطفال،"
قال سنحاريب "لا اظننا بحاجة الى تحليل للمعركة اكثر من هذا، سنبدأ بوابل من الأسهم المشتعلة بالنيران، قالتتقدم في جيوشنا رماة الأسهم اولا لفترة، اريد سحق المدينة و سكانها بالكامل، ثم و هم بوسط الفوضى سنحرك فرساننا ليقاتلوا فرسانهم، و بعد ذلك و مشاتنا تأخذ قيلولتها سنوقظها لتتحرك للإستحواذ على الأرض، فبهذه الخطوة سنبعث مرسالنا الى مولاي ابياشال و نَزُفً له خبر نصرنا، و لكن لا تسنا، و نحن نفتك بالمدينة عليك بتحريك فرقة خاصة لمداهمة القصر و اسر اليسار، مولاي يريدها على قيد الحياة و لكن مذلولة بين ايدينا،"
قال انليل و التسائل يملأ وجهه "اهي بهذا الجمال يا سيدي ليحرك مولاي جيش بهذا الحجم ليذلها و يجلبها الى دياره مكبله بالسلاسل؟"
اجاب بنبرة عسكرية"اوامرنا ان نسحق صور و نجلبها بأي شكل الى بلادنا،"
سار انليل الى مدخل الخيمة و نظر االى الأفق البعيد، قال و الحسرة تملأ كيانه "سيدي نحن على يقين اننا اقوى من صور، و لكن هذا لا يعني ان دخولنا على صور سيكون سهلا، سنخسر رجال كثيرون امام جيوشهم، هل تعتقد ان ملكة بحجم و سمعة اليسار ستجعل دخولنا الى بلادها سهل، هل افقد جمال اليسار صواب مولاي ابياشال،"
سار سنحاريب نحو انليل و وضع يده على كتفه و قال "عندما يُغْرَمْ رجل بإمرأة، و تشتعل بداخله الرغبة لمعاشرتها، لن يهدأ قبل ان ينال مراده منها، نحن كقادة للفرسان علينا طاعة اسيادنا، هم ملوك و شأنهم كبير في ديارهم فاليصفوا حسابتهم كما يحلو لهم، نحن علينا الطاعة فقط، "
نظر انليل الى سنحاريب و قال "لأجل إمرأة ستتقاتل اقوى جيوش عالمنا، لا بد ان جمالها ساحر الى درجة كبيرة،"
فجأة ارتفع بالمخيم اصوات الضحكات من حولهم، كانت ضحكات نسائية ممزوجة مع ضحكات للرجال، انتشرت من حولهم رائحة اللحم المشوي و رائحة النبيذ بقوة، شعر سنحاريب بجوع فجأة فقد كان على افطار الصبح منذ شروق الشمس، قال لأنليل "هيا بنا لتناول الغذاء، باقي القادة قد يكونوا بإنتظرنا، يجب ان نكون مع رجالنا لنتغذا معهم و نرفع معنوياتهم للحرب،"
"اكيد سألحق بك في خيمة طعام القادة بعد قليل،" ذهب سنحاريب و بقي انليل بمفرده بالخيمة، قال في ذاته "ماذا سيكون رد اليسار على الثلاثة رسل التي ارسلناها الى مملكتها في الفجر،"
*********************************************
نظرت أليسار و هي جالسه على عرشها الى مدير ديوانها هانيبعل و الى قدموس قادئد من قادة جيشها و هما يقتربان منها برفقة بغض من الأغراب، ساروا ببطئ نحوها الى ان وصلا بالقرب منها، انحنيا هانيبعل و قدموس امامها ثم قال هانيبعل "مولاتي اليسار، هاؤلاء الرجال وفد من جيوش اشور، و قالوا انهم يحملون رسالة من الملك ابياشال اليكم،"
وجهة اليهم اليسار نظرة حادة و وبختهم قائلة "الا تعلمون كيف تقدموا الإحترام للملوك! هيًا لا تضيعوا وقتي، قولوا ما عندكم، فبعد ما اقترفه مليككم مع مملكتنا لست مجبرة بتحمل وقاحة من احد، فوصول جيوشكم الى مشارف ميدنتنا من دون اية مقدمات او توترات بين مملكتنا و مملكتكم خطوة اشبه ما تكون بالغدر لنا!"
قال أحد الجنود "نحن لا نحني جيباهنا الا لمولاي ابياشال، و نحن جند و رُسُلٌ فقط و نحمل رسالة من مولاي ابياشال اليكِ، و لكن قبل ان نخبرك مضمونها نريد ضمانات ان نكون بمآمن و نحن نخرج من مملكتكم،"
"ما هي رتبتك يا هذا؟!"
"انا جندي من حرس قائد الجيش،"
صرخت آمره "ملككم وقح جدا، ايرسل لي جنود برتب وضيعة ليخاطبونني!"
قال الجندي "هل نفهم منك انك ترفضين الرسالة؟"
وقفت من على عرشها و سارت نحو الوفد و النظرات الغاضبة تشع من عينيها، وقفت امامهم و قالت "لا يهمني ما يقوله ملككم التافه لي، فيبدو انه واهم بأن ملكة من ملكات صور ستنصاع الى اوامره، الا يعلم شِيَمَ الملوك و اعرافها، فجأة استلت سيفا من على جنب قدموس فركع امامها قدموس صارخا "مولاتي، ارجوكِ اعيدي لي السيف!!!"
صرخت بوجه الجندي "ما رَكَعَتْ يوما ملكة فينيقية الا للآلهة، و لن اغير هذا الأمر في ايامي،" رفعت السيف و قطعت راس الجندي الذي كان يخاطبها، سال شلال من الدماء من رقبته و رأسه يتدحرج على الارض، وقعت جثته على الأرض امام الجمع، ابتعد عنها الوفد قليلا و الدماء تنهمر من سيفها، رمت السيف ارضا و صرخت بوجه الرُسُلِ قائلة "اذهبا بجثت كلبكم هذا و قولا لقائد كلابكم التي نسمع نباحها على مشارف مملكتنا ان مملكة صور اما تعيش مرفوعة الرأس و اما تموت و هي تقاتل، و اطلبا منه ان يخبر ابياشال انني سأبقى حُلُمْ عشيقة في حياته، فَمُتْ في غيظك"،
التقط الجُنْد رأس زميلهم المقطوع و جثته و غادرا بسرعة مع هانيبعل قصرها، نظر قدموس الى مذبحة الدماء من حوله و قال ببعض القلق "مولاتي بهذه الحركة قد اعلنت الحرب على مملكة ابياشال رسميا، جيوشنا تتجمع في داخل صور و خارجها و نحن نتلكم الآن، نصاب جيشنا خمس و عشرون ألف جندي، فاعْلَنْتُ التعبئة العامة لكل شاب من عمر السابعة عشرة فما فوق، كما ان هنالك اعداد كبيرة من النساء اعلنت رغبتها بالقتال مع جيشنا، و لكن لماذا قطعت رأس الجندي؟ كنت تستطيعين ارسالهم خائبين الى ديارهم من دون هذه المذبحة،"
"قدموس، عندما تجلس على هذا الكرسي لا وقت لديك لتكون ضعيف او جبان، خصوصا امام خصوم عنيدين، نحن قد نخسر هذه الحرب و لكن خسارتنا و نحن نقاتل فيها رفعة لنا اكثر من خسارتنا و نحن مذلولين، كنت على وشك بالأمس اخذ قرار خاطئ، و لكن بعد اللغة التي تكلموا معنا بها اخذت قرار لا رجعة به، اريد الغجتماع مع قادة الجيش في الحال،"
"سأدعوهم اليكِ في الحال، سمعا و طاعة، و قد رتبت امر السفن كما طلبتي،"
"صدقني سيخسر ابياشال نصف جيشه قبل ان يدخل مدينتي،"
"خطتك رائعة مولاتي، حينما اطلع عليها هانبيعل و قائدنا سر بها كثيرا،"
غادر قدموس بلاطها بسرعة و هي تتأمل منظر الدماء على الارض، سارت نحوها و وقفت بجانبها، بصقت عليها و داستها بقدمها، ثم عادت الى عرشها، قالت في ذاتها "لن اخسر مملكتي قبل ان اشك حربة لئيمة بقلبك يا ابياشال انت و قائد جيشك، سَيُسَحْق نصف جيشك في مملكتي، سأبقى غَصًةٌ لئيمة بحياتك،"
******************************************
وقف انليل على المدخل الرئيسي للمخيم العسكري الضخم ينظر الى الأفق البعيدة، كانت الحراسة المشددة تحيط به من كل جوانبه نظرا لضخامته فوقف جندي مدجج بالسلاح كل مئتي ذراع بترقب لاي تحركات مشبوهة حول المخيم، ارتفع بالمكان بشدة اصوات إلتحام السيوف لجنود كانت تتدرب على المبارزة، فقرر سنحاريب التحرك صوب مملكة صور بالغد عند شروق الشمس، كانت صيحات القتال تملأ المكان من حين لآخر فكانت التمارين مكثفة لشتى الظروف التي قد تواجهم بالغد، و امتزجت اجواء القتال بضحكات نسائية رقيقة كانت ترتفع من بعض الخيم فمخيم كهذا بضخامته لن يخلو من الميسر و المسكرات خصوصا أن رحلتهم الى صور كانت طويلة، فمضت بهم ايام طويلة منذ انطلاقهم من مملكتهم فكان من المستحيل ترفيه الرجال و تصبيرهم على رحلة كهذه من دون عدد من الجواري لتخدم حاجتهم اثناء السفر، كانت برفقتهم ألف جارية اللائي سُبينَا اثناء غزواتهم خصيصا لمتاع الجنود، كان بعضهن فائقات الجمال فكانوا من اصول متنوعة، فانحدرن من بلاد اليهودية و من غزواتهم لبعض قبائل الجزيرة العربية، و بعضهن سُبينَا من غزواتهم لبلاد فارس،
كان بتفكير عميق عن نتائج الحرب التي ستدور بالغد بالرغم من كل التوقعات التي كانت لصالحهم، فرافقهم لجبهة القتال رماة للأسهم و للحراب، و رافقتهم ثلاثة آلأف عربة قتال و آلآلف مؤلفة من خيرة رجال مملكتهم كمشاة، رافقهم امهر الفرسان المدربين على القتال على الجياد، و بالرغم من عدد جنودهم الذي بلغ اربعين ألف الا انه انقبض قلبه لأكثر من مرة و هو يحلل خططهم بالهجوم على ممكلة صور، كان يعلم بخبرته ان الذي يبادر بالهجوم دائما هو من يخسر الأكثر في المعركة حتى و إن كانت النتيجة محسومة لصالحه، فلذلك فكر بأكثر الخطط متانة كي لا يتكبدوا خسائر بالارواح كبيرة بالمعركة،
فجأة شاهد و هو يقف على مسافة قريبة من المخيم حركة بالافق البعيد، كانت اشبه بغيمة تراب صغيرة تقترب منهم، كان يقف على مسافة بضعة اذرع من المدخل الرئيسي للمخيم فأمعن النظر بالأفق ليحاول معرفة من القادم اليهم، فجأة اشًرَ بيده الى جندي كان بالقرب منه، فاقترب منه، سأله "اترى ما ارى؟ انظر،"
نظر الجندي الى الجهة التي اشر اليها انليل، قال بعد برهة من الزمن "انهم جنود، هم يقتربون بسرعة الى المخيم يا سيدي،"
فجأة توضحت الرؤية امامهم، كان هنالك جنديين على حصانين يسرعون نحوهم، راقبهم الى ان اقتربا اليهما ليتأكد انهم من جنودهم فلباسهم العسكري كانا اشوريا، فجأة أمر الجندي "استقبلهم و اعطهم الطعام و الماء ريثما اذهب و احضر سيدي القائد سنحاريب ليقابلهم، فهم رسلنا الذين ارسلناهم الى صور،"
دخل انليل الى المخيم و سار بسرعة كبيرة نحو خيمة سنحاريب، كانت على مسافة مئة ذراع الى داخل المخيم و كانت اكبر خيمة فيها، فكان يجتمع بقادة جيوشهم فيها، اسرع وسط الخيم المشيدة بكثافة جنبا الى جنب فكان لا بد من الإستماع اللى رد اليسار عليهم، اقترب اخيرا من خيمة سنحاريب و لكن ليوقفه حارسين، قال له احدهم و هو يؤدي له التحية العسكرية "سيدي مشغول و منع دخول الضيوف الى خيمته، اجابه انليل "الأمر مهم، ابتعد عن طريقي،" ابعد انليل الحارس وسط اعتراضه و دخل على الخيمة،
كان سنحاريب برفقة ثلاثة جوراي، انتشرت من حوله الموسيقى حال دخوله الخيمة فتوقف لبعض الوقت امام الجمع ليتنبه لوجوده قائده، كانت جارية ترقص امام سنحاريب بينما عزفتا الآخريات الحان موسيقية، انتظر لبعض الوقت الى ان تنبه الجمع له فأشر سنحاريب الى الجاريات لتتوقف الموسيقى و الرقص على الفور، ارتسمت على وجهه تعابير الإنزعاج و هو يقول لأنليل "هل هنالك امر مستعجل يا أنليل؟"
قال له "وفدنا الى صور عاد للتو،"
فجأة سمع الجمع فوضى بالمخيم خارج الخيمة، سأل مستغربا "ما الذي يحصل؟"
اجاب أنليل "لا اعلم فتركت الجنود يستبقلون الوفد الذي ارسلناه،"
صرف سنحاريب النساء و توجه مع انليل الى خارج الخيمة، ارتفعت كالعادة اصوات التحام السيوف بقوة من حوله بينما سار نحو منتصف الميخم بعزم ليعرف ما كان يحصل، ارتفع من حين لآخر من بعض الخيم ضحكات رجولية ممزوجة مع ضحات نسائية ناعمة، فكر في ذاته و قال "لولا الميسر لما استطاع جندي واحد ان يرابط في المخيم قبل الحرب المرتقبة، و لكن علي ان امنع السكر و الميسر منذ الليلة ليكونوا الجنود متأهبين للمعركة منذ الليل،" سار مع انليل الى ساحة في منتصف المخيم تجمهر بها عدد كبير من الجنود، نظر بصدمة عنيفة الى الجنديان الذان كانا يقفا بجانب جثة مرمية على الأرض، ركع عندها و امسك رأس الجثة التي انطلقت منها رائحة كريهة، كانت العينين بالوجه مفتوحة فتأمل نظرات الرعب المرسومة عليها، و كأنها رأت كارثة قبل فصلها عن جسدها، وقف و صرخ بالقوم "ماذا حصل معكم بصور!!!"
اجابه احد الجنديين بقليل من الرهبة "سيدي الملكة اليسار استشاطة غضبا بسبب رتبنا المتواضعة، فقد توقعت وفدا رتبه العسكرية ارفع ليخاطبها، و حينما رفضنا احناء جبيننا كما أمرتم لعرشها رفضت الإستماع الى رسالة مولاي ابياشال، و استلت سيف معاونها وقطعت رأس رفيقنا، و طلبت منا ان نسلم مولاي ابياشال رسالة،"
غلت الدماء بعروق سنحاريب، فلم يعجبه رسالة اليسار اليهم، قال بنبرة غاضبة "ما هي رسالة اليسار الينا؟"
اجاب الجندي الآخر "اذهبا بجثت كلبكم هذا و قولا لقائد كلابكم التي نسمع نباحها على مشارف مملكتنا ان مملكة صور اما تعيش مرفوعة الرأس و اما تموت و هي تقاتل، و اطلبا منه ان يخبر ابياشال انني سأبقى حُلُمْ عشيقة في حياته، فَمُتْ في غيظك"،
صرخ سنحاريب بغض شديد "يا عارهة صور!!!!!"
اجاب انليل "يا سيدي ماذا كنت تتوقع من ملكة نحن بحرب معها!"
"هذه اهانة لنا و لرئس بلادنا و لشعبنا!!! انليل!!! سرجون قائد مشاتنا!!! لملموا الخيم و استعدوا للرحيل من الأن صوب صور!!! اريد سحق هذه المدينة و حجارة صورها و بيتها الى إربا صغير، سأترك مدينتهم خرابا في اقل من نصف نهار!!! اريد اليسار مكبلة بالسلاسل جارية عند قدماي انا و ابياشال!!! هل ستربينا هذه العاهرة!!!"
قال انليل "سأبلغ قائد مشاتنا سرجون بالحال!!!"
صرخ سنحاريب مهددا "سأجعلك تركعين عند قدماي و ساعاشرك يا اليسار مثل عاهرات حرم نسائي الليلة و سأعيدك ذليلة كبلة بالسلاسل الى بلادنا كما يريد مولاي!!! هيا!!! المخيم فاليتحرك الآن!!!"
************************************
حاول تيم النهوض في مشفى معبد عشتار حين رؤيته اليسار تدخل الى الغرفة، و لكنه شعر بضعف كبير فلم يستطع، اقتربت اليه اليسار بسرعة مبتسمة و جلست على حافة سريره قائلة "لا تتحرك يا تيم، اشكر الآلهة ألف مرة انك ما زلت على قيد الحياة،"
بادلها الإبتسامة قائلة "شكرا لمجيئك، اخبروني انك زرتيني ثلاثة مرات منذ الأمس و لكن كنت شبه غائب عن الوعي بسبب ارتفاع درجة حرارة جسمي،"
دست جبينه بيدها و سألت "كيف تشعر الآن؟"
"انا بحال افضل،" وضع يده على معدته فوق طعنة السيف و أكمل "تأتيني آلآم من حين لآخر من الجرح و لكن سرعان ما تخف بفضل عشبة يغليها لي الطبيب هنا و يسقيني من منقوعها،"
قالت بقليل من القلق "تيم، هنالك جيش كبير على مشارف بلادنا، اتتذكر ابياشال؟"
"قال لي عاشرباص عنهم، و لكنني لا اتذكر وجود اية توترات بيننا، ما الذي قلب حالهم؟"
"ابياشال عرض علي الزواج قبل رحيله، و قد رفضته، و ظننت ان الموضوع انتهى عند ذلك الحد، و لكن يبدو انه ذهب و هو يرغب بمعاشرتي، هذه الجيوش لتديمر مدينتتا اذا رفضت الذهاب معهم مذلولة الى بلادهم، ارسلوا لي وفدا تضمن اهانة بالغة لعرشنا،"
قال بصوت مرهق "ماذا كان ردك عليهم؟"
"شعرت بثورة غضب عارمة حينما قدموا الى بلاطي، فرفضت الإستماع الى رسالة ابياشال و رددت لهم الإهانة، قل لي يا تيم اكان يجب ان اذهب معهم لأنقذ مدينتي؟ هل تهورت بردة فعلي ام انني تصرفت الصواب، شعرت بالإستفزاز منهم و ثأرت لكرامتي و لكرامة بلدي،"
اكمل تيم "و اذا ذهبت معهم، ما الضمانات انهم لن يهاجموننا بكلا الحالتين، من يرسل جيشا بهذا الحجم هو لتدميرنا سواء قبلت عرضهم ام لا يا اليسار، حسنا فعلتي، أؤكد لك انك فعلت الصواب، نحن لطالما كنا امة مرفوعة الرأس، اما نحيا بكرامة او اما نموت رافضين المذلة،"
"سأذهب لمقابلة قادة جيوشي فقد وضعت معهم خطة للمعركة مع العدو،"
حاول تيم النهوض و لكنه تألم، حاولت اليسار منعه و لكنه قال لها "لا مجال لمكوث الرجال بالأسَرٍةِ و بلادنا في خطر، سمعت من عاشرباص ان نساءنا تسلحنا بالسيوف مع الرجال للقتال، هل تظنين انني اوافق على النوم؟ سأذهب معك...و لكن، الن تفتقدي شقيقك؟"
نظرت اليسار الى الأرض لبرهة من الزمن ثم اجابت "شقيقي، أه، هل لي شقيق،"
"انه متعب بسبب مضاعفات خطيرة اصابت الجروح بوجهه، قد لا يعيش،"
نظرت الى تيم و الدموع في عينيها، قالت "لم اقصد، فقد استفزني كثيرا،"
اجاب "انه على حافة الموت..."
"ابقى في مكانك، سأعود بعد قليل، تحت امرك حبيبي، سألقي عليه نظرة،"
تركت اليسار غرفة تيم الخاصة التي كان يرقد بها، و دخلت غرفة آخرى كانت تفصلها باب عن غرفة تيم، كان شقيقها نائم بالسرير، كانت تلف وجهه بعضا من الأقماط المشبعة بمنقوع اعشاب خاصة للجروح، اقتربت منه بضعة خطوات و قالت بصوت رقيق "بيغماليون، شقيقي،"
فتح عينيه قليلا و نظر اليها، مكث من دون حديث لبضعة ثواني ثم قال "شقيقتي، اشعر و كأن نهايتي قد اقتربت،"
اجابت بصوت رقيق "اطلب لك الشفاء من الألهة،"
"اشعر بتعب شديد بجسمي، هنالك شيئ لا تعرفينه يا شقيقتي، سامحيني، و لكن يجب ان اعترف لك بأمر ما..."...يتبع
وقف سنحاريب قائد جيوش الملك ابياشال ملك اشور في خيمته مع انليل قائد الفرسان في وسط المخيم العسكري يتباحثان في امور الغزو المرتقب على مملكة صور بالغد، كانوا على مسير يوم من المملكة فقط، و كانت جيوشهم على اهبة الإستعداد لغزو المملكة حال وصولهم الى مشارفها، نظر الى مجسم الأرض على الطاولة امامهم الذي تضمن كمية رمال كبيرة، فكان يرمز الى ساحة المعركة امام ممكلة صور، و كان بجانب ضلع من اضلاعه الخشبية مربع صغير يرمز الى مملكة صور، و كان امام المربع بعض من بحص الأرض كرمز الى جيوش صور، و كان على بعد ذراع منهم مقابل لهم كمية بحص اكبر ترمز الى جيوشهم الكبيرة، ارتفعت بالخلفية اصوات صرخات الجند و التحام سيوف كثيفة و كتئابهم تتبارز و تتدرب لمعارك الغد، كان الحراك و التدريبات يملأ المخيم من حولهم فالنصر لم يكن خيار لديهم، بل كان هدف منشود لا خيار آخر مقابله، نظر سنحاريب الى المجسم امامهم لبعض الوقت ثم قال بكل عزم "لا اظنهم ند الى فرساننا، نحن نجحنا بعامل المفاجئة، زحفنا صوبهم من دون سابق انذار، حتى لن يتسنى لهم طلب المساعدة من اي مملكة آخرى، عدد جيشهم قد يكون اقل من جيوشنا،"
قال انليل و هو يتأمل المجسم "عدد سكان مملكتهم اصغر من عدد جيوشنا، جيوشهم لن تتعدا العشرين آلف مع فرسانهم، كل معلوماتنا عن صور تشير الى ان نسمتهم لا تتعدا الثلاين ألف، فكم ستبلغ جيوشهم و المؤهلين للقتال؟ ثلثي عدد السكان؟ الباقي سيكون النساء و المسنين و الأطفال،"
قال سنحاريب "لا اظننا بحاجة الى تحليل للمعركة اكثر من هذا، سنبدأ بوابل من الأسهم المشتعلة بالنيران، قالتتقدم في جيوشنا رماة الأسهم اولا لفترة، اريد سحق المدينة و سكانها بالكامل، ثم و هم بوسط الفوضى سنحرك فرساننا ليقاتلوا فرسانهم، و بعد ذلك و مشاتنا تأخذ قيلولتها سنوقظها لتتحرك للإستحواذ على الأرض، فبهذه الخطوة سنبعث مرسالنا الى مولاي ابياشال و نَزُفً له خبر نصرنا، و لكن لا تسنا، و نحن نفتك بالمدينة عليك بتحريك فرقة خاصة لمداهمة القصر و اسر اليسار، مولاي يريدها على قيد الحياة و لكن مذلولة بين ايدينا،"
قال انليل و التسائل يملأ وجهه "اهي بهذا الجمال يا سيدي ليحرك مولاي جيش بهذا الحجم ليذلها و يجلبها الى دياره مكبله بالسلاسل؟"
اجاب بنبرة عسكرية"اوامرنا ان نسحق صور و نجلبها بأي شكل الى بلادنا،"
سار انليل الى مدخل الخيمة و نظر االى الأفق البعيد، قال و الحسرة تملأ كيانه "سيدي نحن على يقين اننا اقوى من صور، و لكن هذا لا يعني ان دخولنا على صور سيكون سهلا، سنخسر رجال كثيرون امام جيوشهم، هل تعتقد ان ملكة بحجم و سمعة اليسار ستجعل دخولنا الى بلادها سهل، هل افقد جمال اليسار صواب مولاي ابياشال،"
سار سنحاريب نحو انليل و وضع يده على كتفه و قال "عندما يُغْرَمْ رجل بإمرأة، و تشتعل بداخله الرغبة لمعاشرتها، لن يهدأ قبل ان ينال مراده منها، نحن كقادة للفرسان علينا طاعة اسيادنا، هم ملوك و شأنهم كبير في ديارهم فاليصفوا حسابتهم كما يحلو لهم، نحن علينا الطاعة فقط، "
نظر انليل الى سنحاريب و قال "لأجل إمرأة ستتقاتل اقوى جيوش عالمنا، لا بد ان جمالها ساحر الى درجة كبيرة،"
فجأة ارتفع بالمخيم اصوات الضحكات من حولهم، كانت ضحكات نسائية ممزوجة مع ضحكات للرجال، انتشرت من حولهم رائحة اللحم المشوي و رائحة النبيذ بقوة، شعر سنحاريب بجوع فجأة فقد كان على افطار الصبح منذ شروق الشمس، قال لأنليل "هيا بنا لتناول الغذاء، باقي القادة قد يكونوا بإنتظرنا، يجب ان نكون مع رجالنا لنتغذا معهم و نرفع معنوياتهم للحرب،"
"اكيد سألحق بك في خيمة طعام القادة بعد قليل،" ذهب سنحاريب و بقي انليل بمفرده بالخيمة، قال في ذاته "ماذا سيكون رد اليسار على الثلاثة رسل التي ارسلناها الى مملكتها في الفجر،"
*********************************************
نظرت أليسار و هي جالسه على عرشها الى مدير ديوانها هانيبعل و الى قدموس قادئد من قادة جيشها و هما يقتربان منها برفقة بغض من الأغراب، ساروا ببطئ نحوها الى ان وصلا بالقرب منها، انحنيا هانيبعل و قدموس امامها ثم قال هانيبعل "مولاتي اليسار، هاؤلاء الرجال وفد من جيوش اشور، و قالوا انهم يحملون رسالة من الملك ابياشال اليكم،"
وجهة اليهم اليسار نظرة حادة و وبختهم قائلة "الا تعلمون كيف تقدموا الإحترام للملوك! هيًا لا تضيعوا وقتي، قولوا ما عندكم، فبعد ما اقترفه مليككم مع مملكتنا لست مجبرة بتحمل وقاحة من احد، فوصول جيوشكم الى مشارف ميدنتنا من دون اية مقدمات او توترات بين مملكتنا و مملكتكم خطوة اشبه ما تكون بالغدر لنا!"
قال أحد الجنود "نحن لا نحني جيباهنا الا لمولاي ابياشال، و نحن جند و رُسُلٌ فقط و نحمل رسالة من مولاي ابياشال اليكِ، و لكن قبل ان نخبرك مضمونها نريد ضمانات ان نكون بمآمن و نحن نخرج من مملكتكم،"
"ما هي رتبتك يا هذا؟!"
"انا جندي من حرس قائد الجيش،"
صرخت آمره "ملككم وقح جدا، ايرسل لي جنود برتب وضيعة ليخاطبونني!"
قال الجندي "هل نفهم منك انك ترفضين الرسالة؟"
وقفت من على عرشها و سارت نحو الوفد و النظرات الغاضبة تشع من عينيها، وقفت امامهم و قالت "لا يهمني ما يقوله ملككم التافه لي، فيبدو انه واهم بأن ملكة من ملكات صور ستنصاع الى اوامره، الا يعلم شِيَمَ الملوك و اعرافها، فجأة استلت سيفا من على جنب قدموس فركع امامها قدموس صارخا "مولاتي، ارجوكِ اعيدي لي السيف!!!"
صرخت بوجه الجندي "ما رَكَعَتْ يوما ملكة فينيقية الا للآلهة، و لن اغير هذا الأمر في ايامي،" رفعت السيف و قطعت راس الجندي الذي كان يخاطبها، سال شلال من الدماء من رقبته و رأسه يتدحرج على الارض، وقعت جثته على الأرض امام الجمع، ابتعد عنها الوفد قليلا و الدماء تنهمر من سيفها، رمت السيف ارضا و صرخت بوجه الرُسُلِ قائلة "اذهبا بجثت كلبكم هذا و قولا لقائد كلابكم التي نسمع نباحها على مشارف مملكتنا ان مملكة صور اما تعيش مرفوعة الرأس و اما تموت و هي تقاتل، و اطلبا منه ان يخبر ابياشال انني سأبقى حُلُمْ عشيقة في حياته، فَمُتْ في غيظك"،
التقط الجُنْد رأس زميلهم المقطوع و جثته و غادرا بسرعة مع هانيبعل قصرها، نظر قدموس الى مذبحة الدماء من حوله و قال ببعض القلق "مولاتي بهذه الحركة قد اعلنت الحرب على مملكة ابياشال رسميا، جيوشنا تتجمع في داخل صور و خارجها و نحن نتلكم الآن، نصاب جيشنا خمس و عشرون ألف جندي، فاعْلَنْتُ التعبئة العامة لكل شاب من عمر السابعة عشرة فما فوق، كما ان هنالك اعداد كبيرة من النساء اعلنت رغبتها بالقتال مع جيشنا، و لكن لماذا قطعت رأس الجندي؟ كنت تستطيعين ارسالهم خائبين الى ديارهم من دون هذه المذبحة،"
"قدموس، عندما تجلس على هذا الكرسي لا وقت لديك لتكون ضعيف او جبان، خصوصا امام خصوم عنيدين، نحن قد نخسر هذه الحرب و لكن خسارتنا و نحن نقاتل فيها رفعة لنا اكثر من خسارتنا و نحن مذلولين، كنت على وشك بالأمس اخذ قرار خاطئ، و لكن بعد اللغة التي تكلموا معنا بها اخذت قرار لا رجعة به، اريد الغجتماع مع قادة الجيش في الحال،"
"سأدعوهم اليكِ في الحال، سمعا و طاعة، و قد رتبت امر السفن كما طلبتي،"
"صدقني سيخسر ابياشال نصف جيشه قبل ان يدخل مدينتي،"
"خطتك رائعة مولاتي، حينما اطلع عليها هانبيعل و قائدنا سر بها كثيرا،"
غادر قدموس بلاطها بسرعة و هي تتأمل منظر الدماء على الارض، سارت نحوها و وقفت بجانبها، بصقت عليها و داستها بقدمها، ثم عادت الى عرشها، قالت في ذاتها "لن اخسر مملكتي قبل ان اشك حربة لئيمة بقلبك يا ابياشال انت و قائد جيشك، سَيُسَحْق نصف جيشك في مملكتي، سأبقى غَصًةٌ لئيمة بحياتك،"
******************************************
وقف انليل على المدخل الرئيسي للمخيم العسكري الضخم ينظر الى الأفق البعيدة، كانت الحراسة المشددة تحيط به من كل جوانبه نظرا لضخامته فوقف جندي مدجج بالسلاح كل مئتي ذراع بترقب لاي تحركات مشبوهة حول المخيم، ارتفع بالمكان بشدة اصوات إلتحام السيوف لجنود كانت تتدرب على المبارزة، فقرر سنحاريب التحرك صوب مملكة صور بالغد عند شروق الشمس، كانت صيحات القتال تملأ المكان من حين لآخر فكانت التمارين مكثفة لشتى الظروف التي قد تواجهم بالغد، و امتزجت اجواء القتال بضحكات نسائية رقيقة كانت ترتفع من بعض الخيم فمخيم كهذا بضخامته لن يخلو من الميسر و المسكرات خصوصا أن رحلتهم الى صور كانت طويلة، فمضت بهم ايام طويلة منذ انطلاقهم من مملكتهم فكان من المستحيل ترفيه الرجال و تصبيرهم على رحلة كهذه من دون عدد من الجواري لتخدم حاجتهم اثناء السفر، كانت برفقتهم ألف جارية اللائي سُبينَا اثناء غزواتهم خصيصا لمتاع الجنود، كان بعضهن فائقات الجمال فكانوا من اصول متنوعة، فانحدرن من بلاد اليهودية و من غزواتهم لبعض قبائل الجزيرة العربية، و بعضهن سُبينَا من غزواتهم لبلاد فارس،
كان بتفكير عميق عن نتائج الحرب التي ستدور بالغد بالرغم من كل التوقعات التي كانت لصالحهم، فرافقهم لجبهة القتال رماة للأسهم و للحراب، و رافقتهم ثلاثة آلأف عربة قتال و آلآلف مؤلفة من خيرة رجال مملكتهم كمشاة، رافقهم امهر الفرسان المدربين على القتال على الجياد، و بالرغم من عدد جنودهم الذي بلغ اربعين ألف الا انه انقبض قلبه لأكثر من مرة و هو يحلل خططهم بالهجوم على ممكلة صور، كان يعلم بخبرته ان الذي يبادر بالهجوم دائما هو من يخسر الأكثر في المعركة حتى و إن كانت النتيجة محسومة لصالحه، فلذلك فكر بأكثر الخطط متانة كي لا يتكبدوا خسائر بالارواح كبيرة بالمعركة،
فجأة شاهد و هو يقف على مسافة قريبة من المخيم حركة بالافق البعيد، كانت اشبه بغيمة تراب صغيرة تقترب منهم، كان يقف على مسافة بضعة اذرع من المدخل الرئيسي للمخيم فأمعن النظر بالأفق ليحاول معرفة من القادم اليهم، فجأة اشًرَ بيده الى جندي كان بالقرب منه، فاقترب منه، سأله "اترى ما ارى؟ انظر،"
نظر الجندي الى الجهة التي اشر اليها انليل، قال بعد برهة من الزمن "انهم جنود، هم يقتربون بسرعة الى المخيم يا سيدي،"
فجأة توضحت الرؤية امامهم، كان هنالك جنديين على حصانين يسرعون نحوهم، راقبهم الى ان اقتربا اليهما ليتأكد انهم من جنودهم فلباسهم العسكري كانا اشوريا، فجأة أمر الجندي "استقبلهم و اعطهم الطعام و الماء ريثما اذهب و احضر سيدي القائد سنحاريب ليقابلهم، فهم رسلنا الذين ارسلناهم الى صور،"
دخل انليل الى المخيم و سار بسرعة كبيرة نحو خيمة سنحاريب، كانت على مسافة مئة ذراع الى داخل المخيم و كانت اكبر خيمة فيها، فكان يجتمع بقادة جيوشهم فيها، اسرع وسط الخيم المشيدة بكثافة جنبا الى جنب فكان لا بد من الإستماع اللى رد اليسار عليهم، اقترب اخيرا من خيمة سنحاريب و لكن ليوقفه حارسين، قال له احدهم و هو يؤدي له التحية العسكرية "سيدي مشغول و منع دخول الضيوف الى خيمته، اجابه انليل "الأمر مهم، ابتعد عن طريقي،" ابعد انليل الحارس وسط اعتراضه و دخل على الخيمة،
كان سنحاريب برفقة ثلاثة جوراي، انتشرت من حوله الموسيقى حال دخوله الخيمة فتوقف لبعض الوقت امام الجمع ليتنبه لوجوده قائده، كانت جارية ترقص امام سنحاريب بينما عزفتا الآخريات الحان موسيقية، انتظر لبعض الوقت الى ان تنبه الجمع له فأشر سنحاريب الى الجاريات لتتوقف الموسيقى و الرقص على الفور، ارتسمت على وجهه تعابير الإنزعاج و هو يقول لأنليل "هل هنالك امر مستعجل يا أنليل؟"
قال له "وفدنا الى صور عاد للتو،"
فجأة سمع الجمع فوضى بالمخيم خارج الخيمة، سأل مستغربا "ما الذي يحصل؟"
اجاب أنليل "لا اعلم فتركت الجنود يستبقلون الوفد الذي ارسلناه،"
صرف سنحاريب النساء و توجه مع انليل الى خارج الخيمة، ارتفعت كالعادة اصوات التحام السيوف بقوة من حوله بينما سار نحو منتصف الميخم بعزم ليعرف ما كان يحصل، ارتفع من حين لآخر من بعض الخيم ضحكات رجولية ممزوجة مع ضحات نسائية ناعمة، فكر في ذاته و قال "لولا الميسر لما استطاع جندي واحد ان يرابط في المخيم قبل الحرب المرتقبة، و لكن علي ان امنع السكر و الميسر منذ الليلة ليكونوا الجنود متأهبين للمعركة منذ الليل،" سار مع انليل الى ساحة في منتصف المخيم تجمهر بها عدد كبير من الجنود، نظر بصدمة عنيفة الى الجنديان الذان كانا يقفا بجانب جثة مرمية على الأرض، ركع عندها و امسك رأس الجثة التي انطلقت منها رائحة كريهة، كانت العينين بالوجه مفتوحة فتأمل نظرات الرعب المرسومة عليها، و كأنها رأت كارثة قبل فصلها عن جسدها، وقف و صرخ بالقوم "ماذا حصل معكم بصور!!!"
اجابه احد الجنديين بقليل من الرهبة "سيدي الملكة اليسار استشاطة غضبا بسبب رتبنا المتواضعة، فقد توقعت وفدا رتبه العسكرية ارفع ليخاطبها، و حينما رفضنا احناء جبيننا كما أمرتم لعرشها رفضت الإستماع الى رسالة مولاي ابياشال، و استلت سيف معاونها وقطعت رأس رفيقنا، و طلبت منا ان نسلم مولاي ابياشال رسالة،"
غلت الدماء بعروق سنحاريب، فلم يعجبه رسالة اليسار اليهم، قال بنبرة غاضبة "ما هي رسالة اليسار الينا؟"
اجاب الجندي الآخر "اذهبا بجثت كلبكم هذا و قولا لقائد كلابكم التي نسمع نباحها على مشارف مملكتنا ان مملكة صور اما تعيش مرفوعة الرأس و اما تموت و هي تقاتل، و اطلبا منه ان يخبر ابياشال انني سأبقى حُلُمْ عشيقة في حياته، فَمُتْ في غيظك"،
صرخ سنحاريب بغض شديد "يا عارهة صور!!!!!"
اجاب انليل "يا سيدي ماذا كنت تتوقع من ملكة نحن بحرب معها!"
"هذه اهانة لنا و لرئس بلادنا و لشعبنا!!! انليل!!! سرجون قائد مشاتنا!!! لملموا الخيم و استعدوا للرحيل من الأن صوب صور!!! اريد سحق هذه المدينة و حجارة صورها و بيتها الى إربا صغير، سأترك مدينتهم خرابا في اقل من نصف نهار!!! اريد اليسار مكبلة بالسلاسل جارية عند قدماي انا و ابياشال!!! هل ستربينا هذه العاهرة!!!"
قال انليل "سأبلغ قائد مشاتنا سرجون بالحال!!!"
صرخ سنحاريب مهددا "سأجعلك تركعين عند قدماي و ساعاشرك يا اليسار مثل عاهرات حرم نسائي الليلة و سأعيدك ذليلة كبلة بالسلاسل الى بلادنا كما يريد مولاي!!! هيا!!! المخيم فاليتحرك الآن!!!"
************************************
حاول تيم النهوض في مشفى معبد عشتار حين رؤيته اليسار تدخل الى الغرفة، و لكنه شعر بضعف كبير فلم يستطع، اقتربت اليه اليسار بسرعة مبتسمة و جلست على حافة سريره قائلة "لا تتحرك يا تيم، اشكر الآلهة ألف مرة انك ما زلت على قيد الحياة،"
بادلها الإبتسامة قائلة "شكرا لمجيئك، اخبروني انك زرتيني ثلاثة مرات منذ الأمس و لكن كنت شبه غائب عن الوعي بسبب ارتفاع درجة حرارة جسمي،"
دست جبينه بيدها و سألت "كيف تشعر الآن؟"
"انا بحال افضل،" وضع يده على معدته فوق طعنة السيف و أكمل "تأتيني آلآم من حين لآخر من الجرح و لكن سرعان ما تخف بفضل عشبة يغليها لي الطبيب هنا و يسقيني من منقوعها،"
قالت بقليل من القلق "تيم، هنالك جيش كبير على مشارف بلادنا، اتتذكر ابياشال؟"
"قال لي عاشرباص عنهم، و لكنني لا اتذكر وجود اية توترات بيننا، ما الذي قلب حالهم؟"
"ابياشال عرض علي الزواج قبل رحيله، و قد رفضته، و ظننت ان الموضوع انتهى عند ذلك الحد، و لكن يبدو انه ذهب و هو يرغب بمعاشرتي، هذه الجيوش لتديمر مدينتتا اذا رفضت الذهاب معهم مذلولة الى بلادهم، ارسلوا لي وفدا تضمن اهانة بالغة لعرشنا،"
قال بصوت مرهق "ماذا كان ردك عليهم؟"
"شعرت بثورة غضب عارمة حينما قدموا الى بلاطي، فرفضت الإستماع الى رسالة ابياشال و رددت لهم الإهانة، قل لي يا تيم اكان يجب ان اذهب معهم لأنقذ مدينتي؟ هل تهورت بردة فعلي ام انني تصرفت الصواب، شعرت بالإستفزاز منهم و ثأرت لكرامتي و لكرامة بلدي،"
اكمل تيم "و اذا ذهبت معهم، ما الضمانات انهم لن يهاجموننا بكلا الحالتين، من يرسل جيشا بهذا الحجم هو لتدميرنا سواء قبلت عرضهم ام لا يا اليسار، حسنا فعلتي، أؤكد لك انك فعلت الصواب، نحن لطالما كنا امة مرفوعة الرأس، اما نحيا بكرامة او اما نموت رافضين المذلة،"
"سأذهب لمقابلة قادة جيوشي فقد وضعت معهم خطة للمعركة مع العدو،"
حاول تيم النهوض و لكنه تألم، حاولت اليسار منعه و لكنه قال لها "لا مجال لمكوث الرجال بالأسَرٍةِ و بلادنا في خطر، سمعت من عاشرباص ان نساءنا تسلحنا بالسيوف مع الرجال للقتال، هل تظنين انني اوافق على النوم؟ سأذهب معك...و لكن، الن تفتقدي شقيقك؟"
نظرت اليسار الى الأرض لبرهة من الزمن ثم اجابت "شقيقي، أه، هل لي شقيق،"
"انه متعب بسبب مضاعفات خطيرة اصابت الجروح بوجهه، قد لا يعيش،"
نظرت الى تيم و الدموع في عينيها، قالت "لم اقصد، فقد استفزني كثيرا،"
اجاب "انه على حافة الموت..."
"ابقى في مكانك، سأعود بعد قليل، تحت امرك حبيبي، سألقي عليه نظرة،"
تركت اليسار غرفة تيم الخاصة التي كان يرقد بها، و دخلت غرفة آخرى كانت تفصلها باب عن غرفة تيم، كان شقيقها نائم بالسرير، كانت تلف وجهه بعضا من الأقماط المشبعة بمنقوع اعشاب خاصة للجروح، اقتربت منه بضعة خطوات و قالت بصوت رقيق "بيغماليون، شقيقي،"
فتح عينيه قليلا و نظر اليها، مكث من دون حديث لبضعة ثواني ثم قال "شقيقتي، اشعر و كأن نهايتي قد اقتربت،"
اجابت بصوت رقيق "اطلب لك الشفاء من الألهة،"
"اشعر بتعب شديد بجسمي، هنالك شيئ لا تعرفينه يا شقيقتي، سامحيني، و لكن يجب ان اعترف لك بأمر ما..."...يتبع
تعليقات القراء
أكتب تعليقا
تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه. - يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع |
|
الاسم : | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : | |