مكاسب صينية ومخاوف أمريكية بعد تقارب السعودية وإيران


جراسا -

لا تزال أصداء الإعلان المفاجئ عن التقارب بين السعودية وإيران تحت رعاية صينية، مستمرة وتطرح تساؤلات جديدة عن تأثيره على الدور الأمريكي في المنطقة ومدى فعالية خلال الفترة الماضية.

وعكست هذه الخطوة زيادة رغبة الصين للتواجد في الشرق الأوسط، وتعزيز موقعها في مواجهة الولايات المتحدة بحسب آراء محللين، رأوا أن هناك اختبارات أمام بكين لتثبت نفسها كقوة في تلك المنطقة.


زيارة تاريخية وإنجاز مهم

وجاء هذا الإعلان بعد زيارة مهمة أجراها رئيس الصيني، شي جين بينغ، إلى المملكة العربية السعودية وقمة عقدها مع قادة وزعماء دول مجلس التعاون الخليجي، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، وأيضا بعد زيارة الرئيس الإيراني إلى بكين في فبراير/شباط.

وساطات مرتقبة

مع دخول الصين إلى الشرق الأوسط بدور سياسي، وليس اقتصادياً كالمعهود، يبرز على الساحة العديد من التساؤلات عن مدى التأثير الذي يمكن أن تدخله بكين على الأوضاع المتأججة على عدة ساحات، ولعل أولها الساحة اليمنية وهي أول ما يهم الرياض، كونها عانت من الهجمات الحوثية المتكررة على المنشآت النفطية التابعة لشركة “أرامكو” وعلى مطاراتها باستخدام مسيرات إيرانية الصنع، بالإضافة إلى التوترات الحدودية.

وعلى هذا الصعيد، كان الدور الأمريكي محدودا، ولم يترجم إلى تدخل مباشر يمنع هذا التهديد.

كما لم تقدم إدارة بايدن – ومن قبله ترامب، الدعم اللازم لتأمين السعودية لأراضيها، ما جعل الرياض تدرك ضرورة تنويع ركائزها الأمنية والسياسية على الصعيد العالمي.

لذا فإن تمديد وقف إطلاق النار قد ينتقل بسلاسة إلى طاولة الصين التي رعت من قبل المحادثات بين الرياض وطهران.



إيران والعقوبات

دخول الصين على الساحة الآن هو محل ترحاب من الرياض، وأيضا من طهران التي تعاني من العقوبات الأمريكية وتصف واشنطن بـ”الشيطان الأعظم”، ورحبت إيران بالوساطة الصينية واعتبرتها تُساهم في حماية المصلحة العامة لكل الدول التي تسعى لتحقيق مصالحها في استقرار وأمان، بحسب تصريحات المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، ناصر الكناني.

وعلى الرغم من ترحيب الإدارة الأمريكية بهذا التقارب الذي قالت إن من شأنه خفض التوترات في الخليج، إلا أن معهد دراسات الأمن القومي في إسرائيل (INSS) المتابع لهذا التطور، أكد أن التدخل الصيني يجب أن يكون موضع استياء وقلق لواشنطن.







وتسود تساؤلات أخرى عن مدى قدرة الصين، العضو الأساسي في مجلس الأمن، في التعامل مع ملف العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران، وهل سيُفتح الأمر حلبة مواجهة جديدة من واشنطن التي تقود فرض العقوبات في وقت تراجع في أوروبا هذه الخطوة باستمرار.

ففي الوقت الذي تتواصل في الجهود لإحياء الاتفاق النووي، يمكن للصين أن تدخل طرفا في الوساطة مع الغرب لتحريك إنجاز في الاتفاق، وهو الأمر الذي سيؤثر بالتأكيد على نفوذ واشنطن التي لن تتخلى عن دورها وريادتها بسهولة.



القضية الفلسطينية

مع إعلان التقارب السعودي الإيراني، تعالت الأصوات داخل إسرائيل المنددة به، وتبادلت الأطراف السياسية إلقاء التهم على بعضها بعضا، فالفريق المعارض ألقى باللائمة على الحكومة الحالية، برئاسة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بينما اتهم الفريق الحكومي الائتلاف الحاكم السابق، برئاسة نفتالي بينيت ويائير لابيد.

يتزامن هذا مع زيادة الضغوط الأمريكية على الحكومة الإسرائيلية، سواء بسبب الانتهاكات والتصريحات المتطرفة لوزراء اليمين أو بسبب الاحتجاجات في الشارع المنددة بالسلطة.

ويزداد القلق السياسي الإسرائيلي من تراجع دور حليفتها واشنطن في المنطقة، خاصة أن هناك دعوات فلسطينية منذ سنوات بضرورة دخول أطراف أخرى غير الوسيط الأمريكي المنحاز لإسرائيل لهذا الملف لمحاولة الدفع به قدماً.







ودائما ما تؤكد الصين دعمها للقضية الفلسطينية، وحقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على حدود يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

لذا فإن دخول الصين في المنطقة قد يجعل لها موطئ قدم قد يمتد إلى فلسطين، وهو الأمر الذي سيكون بالتأكيد على حساب الدور الأمريكي الذي يعد الرئيسي في هذا الملف.



الساحة اللبنانية والحرب السورية

وليست دمشق بعيدة عن هذا الدور الصيني المرتقب، حيث تتمتع الصين بعلاقات جيدة مع إيران، وهو ما يفتح لها أبواب التعاون والدخول إلى تلك الدول.

ففي لبنان، التي تعاني في الأساس من أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية، يمكن للصين – عبر التفاهم مع إيران- الدعوة لعقد اجتماع بين الأطراف السياسية للتوصل لاختيار رئيسا للبلاد بعد انتهاء ولاية ميشال عون ودخول البلاد في فراغ رئاسي.



إلا أن أغلب الظن، أن الدور الاقتصادي سيكون الأبرز في هذا الملف، حيث سيفتح لها المجال للدخول بترحاب في بلد يعاني أزمات اقتصادية طاحنة.

ويرى محللون أن التقارب السعودي الإيراني سيؤثر على لبنان بكل تأكيد، وسيفتح الباب لعودة الدعم السعودي لبيروت بعد أزمات تسبب فيها الحكومات اللبنانية السابقة، ومن المؤكد أن الدخول الصيني للبنان سيكون أيضا مؤرق للغرب، خاصة واشنطن وباريس.

أما على الساحة السورية، فإن من شأن هذا الاتفاق أن ينعكس إيجابياً على الحكومة السورية بعد أن بدأت العلاقات تعود مع دول الخليج مؤخراً، فالصين – بعلاقاتها مع إيران وسوريا – يمكن أن تتسلل كشريك في محادثات السلام مستقبلية بين الحكومة والمعارضة، كما أن يمكن أن تساعد دمشق ماليا وعسكرياً لمواجهة التنظيمات الإرهابية المنتشرة في أراضيها.







أيضا، في يناير/كانون الثاني 2022، وقعت دمشق مذكرة تفاهم مع الصين بهدف ضم سوريا رسمياً لمبادرة “الحزام والطريق”؛ الأداة الصينية الممولة بقيمة تريليون دولار أمريكي بهدف التنمية الاستراتيجية في “آوراسيا وإفريقيا”، ما غذى التكهنات حول طموحات الصين المستقبلية في سوريا وفقا لـ(COAR Global).

والتدخل الصيني في تلك المنطقة سيكون مؤرقاً للولايات المتحدة، التي تعاني في الأساس من وجود روسيا وإيران في المنطقة، فرغم دعمها للأكراد إلا أن هناك حالة من الغضب الكردي تجاه واشنطن بسبب عدم الدعم الكافي لمواجهة الهجمات التركية.



بلاد الرافدين

تعد العراق أبرز ساحات المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران، لذا فإن التقارب بين الرياض وطهران سيكون مؤثرا على بغداد.

وكعادتها، تضخ الصين استثمارات في العديد من دول العالم، ومن بينها العراق، حيث أكدت دراسات عدة أن بلاد الرافدين كانت الهدف الرئيس لمبادرة البنية الأساسية “الحزام والطريق”.







وأشار محللون أن زيادة الاستثمار الصيني في العراق عقب انسحاب المستثمرين الأمريكيين منها، كما سعت بكين لترسيخ وجودها في تلك الدولة الغنية بالنفط والفقيرة في البنى التحتية، فبالإضافة إلى عمل شركاتها في مجال النفط، تبني مدارس ومطاراً في مشاريع يحتاج إليها العراق.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات