تمرّد هادئ يحلّ محل الاحتجاجات الإيرانية الصاخبة


جراسا -

بعد أربعة أشهر من الاحتجاجات التي اجتاحت إيران، مهّدت حملة القمع والاقتصاد المتدهور الطريق أمام تمرد أكثر هدوءاً، برز في تغير نمط عيش الكثير من الإيرانيين.

وفي وقت لا يزال الطلاب يتجمعون من حين إلى آخر في الجامعات والمدارس الثانوية، ويردد آخرون شعارات من فوق أسطح المباني والشرفات، تراجعت الاحتجاجات المنظمة تراجعاً كبيراً. وأصبح الإيرانيون الذين لا يزالون مستعدين للتظاهر ينضمون إلى مجموعات صغيرة، تنتشر حول طهران ومدن أخرى مع القليل من التنسيق.



في المقابل، تخرج الاف النساء في طهران من منازلهن من دون الحجاب الإلزامي، وهو أحد أشكال العصيان المدني الذي لن يتمكن من إطاحة النظام، لكن احتواءه لن يكون مهمة سهلة.



ولا يزال السخط من رفض الحكومة النظر في مظالم المتظاهرين يتصاعد، ويرجح ناشطون أن تطلق موجة تظاهرات جديدة.


وكانت الاحتجاجات أطلقت في منتصف أيلول (سبتمبر)، على خلفية مقتل الشابة الإيرانية الكردية مهسا أميني على يد "شرطة الأخلاق". وسرعان ما تحولت المطالبة بالحرية إلى دعوات للإطاحة بالقيادة الدينية، في أحد أكبر التحديات التي تواجه الجمهورية الإسلامية منذ تأسيسها قبل أربعة عقود.



والحكومة الإيرانية، التي لم تكن تتوقع ردة فعل شعبية مماثلة، ردت بقوة صادمة. وتسبب الرصاص المطاطي والكريات المعدنية بإصابة مئات المحتجين بالعمى. وألقت السلطات القبض على الآلاف خلال الاحتجاجات والدعوات إلى الانضمام إليها. وحُكم على ما لا يقل عن 16 شخصاً بالإعدام، نفذ منهم 4 أحكام. وقدرت جماعات حقوقية مقتل أكثر من 500 متظاهر.



مع تقلص احتمالات إطاحة حكام إيران، قلة من المواطنين على استعداد للمخاطرة بحياتها للمحاولة.



ويرى بيمان جعفري، مؤرخ تاريخ إيران الاجتماعي وأستاذ مساعد في كلية وليام آند ماري في ويليامزبرغ أن الكثيرين من الإيرانيين توصلوا إلى استنتاج مفاده أن النظام غير قابل للحياة، لكنهم لم يخلصوا إلى أن هذه الثورة قابلة للحياة.





وقال أكاديميون ودبلوماسيون غربيون وناشطون إن ذلك ترك الاحتجاجات بدون دعم شعبي كافٍ للتنظيم لإضرابات وطنية وتظاهرات حاشدة، وهي تحركات قد تؤدي إلى الإطاحة بالقيادة الإيرانية.



مع ذلك، من المرجح أن تستمر الاحتجاجات، التي يدفعها جيل أصغر وأكثر علمانية من الإيرانيين الذين يفوق عددهم الطليعة المسنة للثورة الإسلامية عام 1979.



ويبقى تحدي المتظاهرين للقوانين التي تفرض الحجاب الالزامي على النساء تهديداً لإحدى الركائز الأيديولوجية للجمهورية الإسلامية.



وداس متظاهرون على صور المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي وطردوا المسؤولين من مدارسهم، مرددين شعار "إمرأة، حياة، حرية"، وهي أعمال غير مسبوقة في إيران.



وأمرت السلطات هذا الشهر الشرطة بفرض غرامات على النساء اللواتي يخالفن قواعد اللباس في البلاد، وعقوبات على سيارات الأجرة والمطاعم التي تسمح للنساء بالدخول بدون حجاب. لكن فعالية هذه لاجراءات ضئيل حتى الساعة.



وفي أحد مقاييس التحول العلماني لإيران، انخفض الدعم للحجاب من 85 في المئة بعد الثورة الإسلامية عام 1979 إلى حوالي 35 في المئة، وفقاً لمسح أجراه مركز أبحاث البرلمان الإيراني عام 2018.



وكانت تجربة الأشهر الماضية نقطة اللاعودة لبعض النساء. ونسبت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية إلى متظاهرة العقد الثالث من عمرها قولها إنها اعتادت على التجول في طهران بدون حجاب، لتدرك كيف كانت مرغمة على التكيف مع أوامر النظام. واعتبرت الناشطة أن استخدام قوانين اللباس أداة لقمع النساءأفقده قيمته القانونية، مشيرة إلى أنها لم تعد خائفة، وأقل ما يمكنها فعله هو التضامن مع الآخرين من خلال التخلي عن الحجاب.



وتكمن المشكلة في أن الحركة المناهضة للحكومة لم تعتمد برنامجاً سياسياً قادراً على توحيد الإيرانيين. فبينما يعارض الملايين الجمهورية الإسلامية، ينقسمون بشأن البديل.



الغذاء والحرية

فاقم التضخم وهبوط العملة الإيرانية الأزمة الاقتصادية التي اعتبرها خبراء اقتصاديون ومتظاهرين تصعب امكانية الحفاظ على الحركة المناهضة للحكومة وتوسيع الدعم الشعبي.



وكان العمال والتجار وأصحاب الأعمال من بين الأكثر تضرراً من الأزمة الاقتصادية في إيران. وهم يشكلون المجموعات التي سيحتاجها المحتجون لإحداث تغيير في القيادة الإيرانية.



وأوضح ناشط إيراني أن الضغط على المواطنين بشأن كيفية إطعام أطفالهم يقلص امكانية تفكيرهم في الاحتجاجات.


وفقدت العملة الوطنية حوالي 30 في المئة من قيمتها منذ منتصف أيلول (سبتمبر)، وسجلت انخفاضاً قياسياً الأسبوع الماضي عند 450 ألف مقابل الدولار.



انقسام المعارضة

وصلت القيادة الدينية الإيرانية إلى السلطة في الثورة الإسلامية عام 1979. وبدأ الاقتصاد الإيراني ينمو. وأدى الحظر النفطي الذي فرضته الدول العربية الأعضاء في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، واستهدف حلفاء إسرائيل خلال حرب تشرين الأول (أكتوبر) 1973، إلى ارتفاع أسعار النفط الخام.



وانضم أصحاب المتاجر والنقابات في إيران إلى المتظاهرين في انتفاضة استمرت عاماً وانتهت عهد الشاه محمد رضا بهلوي.



وعام 2009، تظاهر مئات الآلاف من الإيرانيين ضد التزوير المزعوم لنتائج الانتخابات، وهو ما عرف باسم "الحركة الخضراء". لكن هذه الحركة، التي تضم الطبقة المتوسطة من الإيرانيين والطلاب، سقطت بين يدي القوات الحكومية.


وخلال موجة الاحتجاجات الأخيرة، أضرب عمال النفط من أجل تحسين الأجور وظروف العمل، لكنهم لم ينضموا إلى أولئك الذين يطالبون بتغيير النظام.



ويعود نجاح ثورة 1979 إلى حد كبير إلى أن ملايين الإيرانيين من مختلف الانتماءات السياسية توحدوا وراء زعيم واحد، وهو المرشد الإيراني السابق آية الله روح الله الخميني، الذي كان في المنفى في فرنسا في حينه. وتفتقد الاحتجاجات الحالية إلى زعيم مماثل، ما يعقد أي جهد لبناء مجموعة سياسية منافسة للحكومة.



وينقسم الإيرانيون في الخارج حول كيفية تعامل الغرب مع إيران. يدعم أحد الجانبين الدبلوماسية، مثل الاتفاق النووي لعام 2015، فضلاً عن تخفيف العقوبات، بينما يشدد الجانب الآخر على أن إجراءات مماثلة لن تؤدي إلا إلى استمرارية الجمهورية الإسلامية. في المقابل، يؤيد فرض العقوبات وقطع العلاقات الدبلوماسية وإغلاق السفارات الغربية في طهران.

ومنذ أيلول (سبتمبر)، تعمقت الخلافات. وتلقى أعضاء جماعات الضغط والصحافيون والمحللون الإيرانيون في الولايات المتحدة وأوروبا الذين يدعمون الدبلوماسية تهديدات بالقتل وكُشف عن معلوماتهم الشخصية عبر الإنترنت. وتلقت جامعة شيكاغو في الخريف الماضي تحذيراً من وجود قنبلة تستهدف صحافي إيراني، ما أدى إلى عقد حلقة نقاش حول الاحتجاج عبر الإنترنت بدلاً من المشاركة الفعلية.


في المقابل، لاقى الشاه رضا بهلوي دعم الإيرانيين المقيمين في الخارج عبر مواقع التواصل الاجتماعي. لكن كثيرون لا يزالون يعارضون العودة إلى النظام الملكي.

نتيجة للانقسامات، يبدو أن أكثر أحزاب المعارضة تنظيماً خارج إيران هو "حركة مجاهدي خلق"، إلا أنها لا تحظى بدعم يذكر بسبب دعمها للزعيم العراقي السابق صدام حسين خلال حربه مع إيران التي استمرت ثماني سنوات في ثمانينيات القرن العشرين، وأسفرت عن مقتل مئات الآلاف من الإيرانيين. وصنفت الولايات المتحدة الحركة كمنظمة إرهابية حتى عام 2012.

قال طالب متظاهر أن كثيرين يرددون أنهم إن قتلوا في التظاهرات، ستموت عائلاتهم من الجوع.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات