كسر التكاليف



يميل الإنسان بطبعه الى الاجتماعية، والى تكوين العلاقات والروابط مع الآخرين، ويصبح همُّ الإنسان الأكبر وهو يتقدّم في العمر هو أن يتقبّله الآخرون، وأن يشاركوه أنشطته ومشاعره وأفراحه وأحزانه، ومما لا شك فيه؛ أن الإنعزال هو أشد أنواع العذاب للإنسان، لدرجة أننا جعلناه عِقاباً للمخالفين للقوانين، والمتجاوزين للتعليمات في السجون.

لا يعني للإنسان شيئاً أن يحقق الأهداف المتعددة، أو أن يحصل على الثروة والسلطة والشهادات دون أن يجد من يشاركه فرحته، لذلك نشعر بالحنان دائماً الى والدَينا، لأنهم أول من يشاركوننا نجاحنا، أو يخففون مصابنا في حال الإخفاق.

وبما أن الوصل والتواصل والإتصال هو الوسيلة المثلى للتقارب مع الآخرين، كان لا بد من القيام بذلك على أكمل وجه، فقد جعل الهاتف العالم قرية صغيرة، وبإمكانك آداء الواجب مع قريب أو صديق بكل سهولة ومهما تباعدت المسافات، فهي لم تعد حاجزاً بين الناس، فتقارب القلوب يقضي على المسافة بين الأجساد مهما طالت.

وبما أن المسافات لم تعد عذراً لضعف التواصل مع الآخرين؛ برزت أسباب أخرى تباعد بيننا وبين من نحب من الأهل والأقارب والأصدقاء، وتشكّل التكاليف العبء الأكبر من هذه الأسباب.

الكثير منا قد لا يذهب للمشاركة في الأفراح أو المناسبات من حوله لعجزه عن تحمّل التكاليف، ولو افترضنا أنه يتوجب على الإنسان المشاركة في مناسبة أو زيارة أسبوعياً فهذا يعني أربع مناسبات في الشهر، ولو كانت متوسط تكلفة الزيارة الواحدة عشرة دنانير - وهو رقم قليل بالقياس الى التضخم الموجود حالياً - فهذا يعني 50 ديناراً شهرياً، أي ما لا يقل عن عشرة بالمئة من راتب من الفئة المتوسطة.

وفي الحقيقة أن اللوم يقع على الجانبين، فالأول قد يتعذر بأنه غير قادر على المشاركة أو الزيارة لأنه يعجز عن التكاليف، والثاني قد يطلب الحضور من الناس دون تكاليف، ثم لا يرحم المقصّر منهم بالكلام عنه وشكواه لغيره.

إن الحل الأمثل لكسر تكاليف المناسبات والزيارة هو إدامة التواصل والزيارة، فلو كانت زيارتك لأرحامك أسبوعية؛ لما احتجت الى هدية في كل زيارة، ولكنك تخجل أن تذهب لزيارة الأرحام مرة واحدة في العام فقط دون أن تتكلف الهدايا والحلويات، ولو داومت على حضور الإجتماعات والأفراح والمناسبات دون تكاليف، لأدرك الناس أن تشارك بحضورك وبما تستطيع، ولعذرك محبوك عن التكاليف المادية التي لا تقدر عليها، ولكن تغيبك الدائم عن مناسبات الناس يدفعك الى الإفراط في التكاليف المادية لتعويض ما فاتك، وما قصّرت فيه في سابق الأيام.








تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات