بيت البيدر المسكون .. الجزء السابع


ضغط سعيد المفتاح الكهربائي لجرار محله، فارتفع صوت محركه الكهربائي و هو يسحب الجرار الى الأسفل، توقف حينما لامس الأرض فوضع المفتاح بالقفل و اقفله ثلاثة مرات، بعد تعرض محله للسرقة زاد اجهزة الأمان على مداخل المحل، فأصبح للجرار محرك كهربائي يفتحه و يقفله بالإضافة الى قفله التقليدي، و كان ايضا على المدخل جهاز انذار يعمل على الأشعة تحت الحمراء، فإذا قطع المدخل احدهم و الإنذار يعمل كان يصدر رنين عالٍ بالحي، كانت تعقيدات لا بد منها فالجريمة اصبحت بإزدياد مع تردي الاحوال المعيشية بمناطقهم.

وقف في منتصف محله الكبير يتأمل محتوياته، فضم سبعة خزائن كبيرة للكتب مع التوسعة التي صنعها منذ بعضة ايام، فاعادت للمحل هيبته كمكتبة كبيرة، كانت الخزائن تلف جدرانه المستطيلة بالكامل و كان بالمنتصف ثلاثة طاولات صغيرة مستطيلة الشكل تضم عدة كتب جديدة، كان المحل فسيح لإستقبال الزبائن فكان كافيا لإستعاب عشرين شخص بالوقت الواحد، كان يعلم انه مع مرور الوقت سيحتاج الى بائعة لتساعده بالمحل فلن يستطيع تلبية احتياجات الجميع بمفرده ان بلغ الضغط ذروته، و لكن الذي اراحه النظام الذي كلف شركة به عما قريب، فبعد اسبوع سيمر به مندوب لشركة سيعرض عليه نظام باركود ليضعه على كتب المحل مع نظام حاسوب، فعند تمرير باركود كل كتاب بمحله على سكانر سيرفع الحاسوب خطر ان يرن جهاز انذار خاص به اذا حمل احدهم الكتاب و خرج به من دون ان يدفع ثمنه، سيكون حينها قد وجد مساعدة له لتساعده بمهام وضع الباركود على كتب المحل.

منذ ان تحدث مع ضابط الأمن و شعر بأن هنالك امر لم يكتشفه عن المحلات التي ورثها عن اهله، امسك المفتاح الذي وجده بصندوق والده منذ بضعة ايام و قرأ الورقة مرة آخرى، "كنز الثقافة الفينيقية"، شعر و كأنه راى الكتاب في مكان ما و هو يرتب المكتبه و لكن لم تسعفه ذاكرته الى اين شاهده بالضبط، كان المحل يعج بالكتب و المراجع الأكاديمية و العلمية، جلس على كرسي عند المكتب و فكر في ذاته لعله يتذكر شيئا، نظر الى رف كان عليه كتب تاريخية عن لبنان، و لكن فكر في ذاته قائلا "لا ليس هنا،" نظر الى خزانه آخرى كان عليها ارفف عن كتب لتعلم لغات الفرنسية و الإيطالية و الإنجليزية، شعر بانه من الممكن ان يجده بينهم، فربما كونه كتاب يعلم لغة بالرغم من قدمه الا انه من الممكن انه وضعه بينهم، نهض من مكانه و توجه صوب كتب اللغات، قرأ بتأني الكتب الموجودة الى ان وجده، ابتسم من الفرحة و هو يسحبه من مكانه، عاد الى الكرسي و فتحه باحثا وراء اي شيئ مميز، طالع اول بضعة صفحات ليتوقف فجأة عند عبارة كانت مكتوبة بخط يد والده، كان يعرف خط يده جيدا فكان بارعا بالكتابة باللغة العربية و كان يجيد كتابت الأحرف بصورة جميلة، قرأ بإستغراب "ابحث تحت المكتب، فهنالك وضعتها كي لا انساها،"

فكر في ذاته قائلا "هنالك سر ما دفين بحياة والدي، و حَلُهْ بهذه المحلات،" تذكر جيدا انه وجد الكتاب اساسا على مكتب والده، و لكنه حينما اعاده مع الكتب كان مشغولا بأمر ترتيب المكتبة لدرجة انه نسي امر الصندوق و الورقة بالأحرف الفينيقية، تذكر الأمر كله حينما تكلم مع الضابط بخصوص السرقة، وضع الكتاب على المكتب و ركع امامه، نظر بالأسفل فوجد مفتاح آخر بورقة مثنية ملتصقة في اسفله، نزعه من اسفل المكتب بهدوء كي لا تمزع الورقة و ازال المفتاح منها، كان مفتاح قديم اكبر من المفاتيح الجديدة التي يتعامل بها، فكان لقفل قديم، كان مكتوب على الورقة "الخارطة موجودة في داخل الغرفة المظلمة، قِفْ عند الباب، و امشي اربعين خطوة في منتصف المحل، ثم إلتفت الى اليمين، سِرْ عشرين خطوة و ستصل الى خزانة من خزائن الكتب، تحتها هنالك اربعة بلاطات سترتفع ان فتحتها بالمفتاح،" نظر الى المكتبة بإستغراب، فجاة فكر في ذاته "لما هذا التكتم عن غرفة مبهمة بالمحل؟" كان يعلم ان والده مثقف كبير و لم يتكتم على غرفة سرية بهذا الشكل الا خوفا من امر ما، نهض و الفضول يدفعه نحو معرفة الحققة، سار الى مدخل المحل و سار كما امره والده، توقف عند الخطوة العشرين و نظر من حوله فكان بمنتصف المحل بالضبط، ابتسم لبراعة والده بحسبة عدد الخطوات اللازمة، اكمل المسير و هو يَعِدْ الخطوات الى ان وصل الى آخر خطوة، عَدً اربعين و وقف بالضبط عند خزانة في آخر المحل، استدار الى اليمين و سار عشرين خطوٍة، وصل الى خزانة حائط، فجأة شعر بشيئ تحت قدميه لم يشعر به من قبل، كانت بلاطة من البلاطات تتحرك قليلا تحت قدميه، سار نحو الخزانة و حركها من مكانها، كانت ثقلية بعض الشيئ مع حمولة كتبها و لكنه استطاع مع قليل من الحذر تحريكها الى ان استطاع رؤية البلاط بالكامل من تحتها، كان هنالك اربعة بلاطات تتحرك قليلا بمكانها، كان بأحداها قفل لمفتاح، اخرج المفتاح الكبير من جيبه و الذي وجده تحت المكتب، كان بطول راحة يده، ادخله بالقفل و حاول تحريكه الى اليمين، كان القفل مليئا بالصدأ فلم يكن مَرِناً ببادئ الأمر، و لكن حركه بضعة مرات الى اليمين ففتح و سمع عدة طقطقات ثم ارتفعت الاربعة بلاطات مع بعض، كانت ملتصفة بعضها ببعض و كأنه باب كبير، رفع سعيد الباب و نظر الى الداخل، كان هنالك سِلًمْ ينحدر الى الأسفل و لكن وسط ظلام دامس، اشعل كشاف هاتفه الخلوي و اضاءه قليلا، لم يكن طويلا، شعر بالفضول لمعرفة السر وراء هذه الغرفة و لما تكتم على امرها والده وسط تعليمات كثيرة لبلوعها، نظر الى الداخل فرأى ارض فسيحة يغطيها البلاط الزهري، وضع قدمه على اول درجة بالسلم و فحصها، كانت متينة فلم تهتز تحت وزنه نهائيا، شعر بالآمان و نزل الأدراج بحذر حتى وصل الى اسفل الغرفة، اضاء المكان من حوله بكشاف هاتفه الخلوي، كانت عرفة عادية بحجم غرفة نوم تحتوي على مكتبتين بنية اللون مليئة بالكتب في زاوية من الزواية، وكان فيها مكتب اسود اللون غير مرتب مليئ بالأوراق، تنبه الى وجود مفتاح ابيض على الحائط فضغطه، اضاءت انارة قوية الغرفة فاستطاع رؤيتها بالكامل، سار نحو مكتب والده و تأمل محتوياته، تفاجئ بوجود خارطة قديمة جدا مصنوعة من ورق البردي في منتصفه، و كانت بضعة مراجع مفتوحة حولها، كان هنالك سخان كهربائي من الزجاج فارغ مع مرتبان نسكافيه من نوع كلاسك بجانبه، كاناعلى منضدة في زاية قريبة للمكتب، ابتسم للقهوة فكان والده يعشق مذاق النسكافيه الكلاسك، كان لا يغير طبعه فكان يشرب فنجان منه بعد الظهر دائما او حينما يسهر بالمحل، كان هنالك وعاء صغير به سكر متحجر من قدمه على المنضدة، امسكه و حاول سكب قليل منه بيده و لكنه لم يتحرك من مكانه، حتى مرتبان النسكافيه كان منتهي الصلاحية منذ عشرة سنين، توضح له ان والده لم يدخل هذه الغرفة منذ زمن بعيد، كانت الغبائر تملأ المكان و انتشر بالزوايا بيوت صغيرة للعناكب، لم يكن بالغرفة الا الخزائن و مكتب خشبي متوسط الحجم و منضدة القهوة، كانت الجدران تكسوها طبقة نظيفة من الأسمنت و كانت مطلية باللون الأبيض، سار نحو المكتب و جلس على الكرسي بحذر شديد خوفا من ان يقع عنه، اكتشف انه بحالة جيدة فوضع كل وزنه عليه و هو مرتاح البال، نظر الى الخريطة جيدا، كانت كبيرة بحجم ورقة بيضاء كاملة و كان القِدَمُ واضح عليها، كان لونها خليط بين الزهري و الرملي، امسكها برفق خوفا من انهيار اي جزء منها، كانت خريطة لمنطقة جغرافية فهم من محتواها انها للجنوب اللبناني، فكانت كلمات باللغة الفينيقة تشير الى مملكة صُورْ، و من ثم شاهد الى يسار الكلام ثلاثة خطوط مموجه كان يعلم انها اشارات قديمة تشير الى البحر، نظر الى اسفل الورقة فكان هنالك علامة اكس و كلمات بالفينيقية تشير الى وجود كنز الملكة أليسار، لاحظ وجود علامات تمزق بأسفلها، فشعر و كأن هنالك بقية لم تكن موجوده،
فجأة نظر الى الخريطة بتمعن شديد، دل منظرها على كم هي عتيقة، و الملكة أليسار ملكة فينيقية عظيمة و لكنها اشبه بالأسطورة فذكرت فقط بكتب لمؤرخين قدماء عاشوا قبل الميلاد، لو كانت ورقة البردي هذه ذات قيمة حقيقية لكانت اول دليل ملموس على ان أليسار ليست اسطورة بل ملكة حقيقية، بحث بالكتب على طاولة ابيه فكانت جميعها تاريخية حول الفينيقين و انجازاتهم التاريخية، فجأة وجد دفتر كتب عليه كلمة يوميات، فتحه و ابتدأ بتصفح صفحاته ليكتشف بأنه تضمن سلسلة من اليوميات لوالده، صدم بما قرأ فكانت اولى تدويناته موجهة له، دمعت عينيه هو يقرأ لوالده :
"بني الحبيب سعيد، لا تتقاجئ بأنني علمت بأنك ستكون الأول بين اشقائك لتكتشف هذا المكتب الذي انشأته ليكون مقرا سريا لي، فأعلم ما يدور بنفس كل من اولادي فأنتم فلذات اكبادي، أعلم ان الغربة أخذت اشقائك بعيدا...بعيدا جدا...و ابعد مما كنت اتخيل عن لبنان، و اعلم انك الوحيد الذي بقيت بتواصل مع اصولك في بلدك حيث تكرار اتصالاتك و زياراتك لنا قالت الكثير عن مكنونات اشتيقائك لبلدك، لذا كان عندي يقين بأنك قد تكون اول من سيفتح هذا الدفتر الذي كتبته اساسا بعد سنين طويلة قررت ان امكثها بعيدا عن عملي، ففي يوم من الأيام دخلت مكتبي ام تمام، و هي معروفة ايضا بساحرة الضيعة، كنت لأول مرة اتعامل معها او حتى اراها عن قرب، كانت إمرأة بالخمسين من العمر حسنة الهندام و الإطلالة، و لكن سمعتها يا بني سيئة جدا فقيل انها تصنع الحُجُبْ و السحر لابناء الضِيَع المحيطة بنا، و بأنها تتعامل مع عالم الأرواح و الجن، وقفت حينها عند طاولة كنت ارتب عليها دفعة كتب جديدة اتتني من ناشرٍ في بيروت، و بعد ان ألقَتْ التحية سألتني عن مكان للتحف العتيقة في عين ابل او المناطق المحيطة بنا، قلت لها انها غير موجودة على علمي، اخبرتها انني لا اتعامل بهم و نصحتها ان تتجه الى بيروت، اجابتني بأنها لا تذهب الى بيروت و بأن لديها خريطتين قد تكون نادرتين وجدتهما بالصدفة داخل مزهرية كبيرة اثرية تلقتها كهدية من احدا صديقاتها، اخبرتها بانه لي مشوار عمل لبيروت بحكم عملي و قد استطيع خدمتها، تفاجئت بحجم الثقة التي وضعتها بي و اعطتني خريطة من الخريطتين، يبدو ان سمعتي الطيبة بالضيعة خدمتني حينها، كانت موضوعة داخل ملف نايلون شفاف، طلبت مني ان اعرضها على احدا خبراء المحلات، بني حينما امسكتها شعرت بكم هي خارطة اصيلة و عتيقة، لولا امسكتها بألسلوب رقيق لكانت تمزقت بين يداي، أَعَدْتُهَا الى الملف و وعدتها خيرا، و ذهبت الى بيروت و سألت اصدقائي عن محل للتحف ذات مصداقية و سمعة جيدة، فأخبروني عن محلات الأرز الأبيض للتحف القديمة، و قالوا لي انه لأحد ابناء ضيعتي، و قابلت مالك المحل قبل عدوتي الى عبن ابل بيومين، و اخذت رأيه بالخريطة، لم انسى ردت فعله حينما رأها معي، توسعت عينيه و ارتسمت علامات الصدمة على وجهه، و كأنه اكتشف كنز ثمين للتو، فحصها بعدسة مكبرة و نصحني بالذهاب بها الى السلطات المختصة لأنها تعد من الممتلكات الاثرية للدولة، شكرته على صنيعه و قلت له بأنني سأخبر مالكتها بما نصحني، كان اسم مالك المحل منيب دياب، كان انسان لطيف معي و اعطاني كرت عمله، تكلمت معه لبضعة دقائق بحكم انه من ابناء عين ابل، و حيث اعطيته كرت العمل الخاص بي و من ثم عدت الى عين بل، و حاولت الإتصال بأم تمام لأخبرها بعودتي و لكن اخبرتني والدتك انها توفيت اثناء سفري، بالحقيقة لم تكن هذه هي المشكلة الأكبر، فلم اكن اعلم ان منيب كلف احدهم في عين ابل بملاحقتي داخل البلدة، و تفاجئت بمنيب يزورني بالمحل بعد ثلاثة ايام من عودتي، و سألني عن امر الخريطة كثيرا، انقبض قلبي في صدري لِلَهْفَتَهُ عليها، قلت له انني اعدتها الى ام تمام قبل وفاتها، و لكنه ابن ضيعة و كان يراقبني، فاكتشف كذبتي و قال لي ان ام تمام توفيت قبل عودتي الى عين ابل، و مع مرور الايام تبين لي انني وقعت بين براثن عصابة صائدي كنوز اثرية، منطقتنا با بني مليئة بالذهب العثماني القديم و المرصود، و هنالك الاثار و التحف التي على الأكيد لا تزال دفينة منذ عتقية الأزمان بباطن الأرض تنتظر العلماء و منقبوا الأثار لإكتشافها، و لكن الحروب الاهلية و المشاكل السياسية المتوالية في بلادنا لم تسمح للكثير من البعثات بالعمل كما يجب، حاولت مراوغتهم كثيرا الا انهم ابتدأوا بمضايقتي، حتى ضابط المركز الأمني لم يتعاون معي حينما ابلغته عنهم فتبين لي انه يتلقى اكرامات من ايلي حبيقه ليتستر على حفرياتهم بالجنوب لأكتشاف الكنوز و الاثار، بني هاؤلاء الناس يبيعون اثار بلادنا و تحفنا النادرة بالسوق السوادء فلعدة مرات عرض منيب علي مبلغ هائل من الأموال لإعطيه الخريطة و لاساعدعم بفك رموزها و البحث معهم عن الكنز الدفين، انظر الى الأسفل فسترى ان عليها علامات تمزق، و كأن نصف الخريطة لا يزال بين اغراض ام تمام، قد يكون لا يزال بمنزلها، بني خِفْتُ ان اذهب الى بيروت مرة ثانية لأسلم الخريطة الى الجهات المعنية، فقد يلحقوا بي بهدف اذيتي، فلذلك اغلقت مكتبتي في آخر ايامي و اعتكفت العمل، ففضلت ان تبقى هذه الخريطة في مكتبي السري تهترئ عليه بدل من ان يستخرج اللصوص كنوزنا ليبيعوها لاعداء بلادنا، اما في ما يتعلق بقصة عليسة او أليسار ملكة صور، فبعد ان طالعت كتابات المؤرخين عنها، هذه هي قصتها، ففي غياهب تاريخ بعيد للبناننا العزيز...
مملكة صور الفينيقية، القرن التاسع قبل الميلاد، قصر الملكة عليسة (و المعروفة بإليسا و اليسار تاريخيا)،
نظر الفارس برهبة من وراء الأشجار التي كان يختبئ خلفها الى التلة المجاورة بالأفق البعيد، كانت تفيض بفرسان و مشاة و عرباةٍ لجيش كبير جدا، كانوا يسيرون بعتادهم صوب تلته التي كانت على مسافة نصف نهار مسير منهم، كانوا من كثرتهم يغطون تفاصيل التلة امامه فلم يَبَنْ لها تضاريس للتربة و لا لصخروها إطلاقا، بل تحول لونها الى الرملي و البني جراء لباس الجنود و لون الأحصنة التي كانوا يجرونها معهم، حتى شجرها تاه بين فرق الجند و هي تسير بعزم شديد صوبه، شعر بالأرض ترتجف من تحته بسبب قوام الجيش فقدرهم بخبرته العسكرية بنحو الأربعين الف، فكانوا على التلة اشبه ببيوت نمل البراري وهي تهاجم طعامها على الأرض، ارتجف قلبه من الخوف من اصواتهم و دقات طبولهم فكانت كالرعد الجبار ترتفع من التلة البعيدة بإقاعاتها العسكرية، و كانت تنذر بكارثة كبرى على مدينتهم، فجأة لمح اعلام ترفرف في الهواء بيد فرسان اشعرته لونها و اشكالها الى جنسية الجنود، كانت بعيدة جدا و لكن تَمَعًنَ بها الى ان توضح له اصولها، فشعر بأنها تشبه اعلام مملكة الأشوريين، كانت هذه الجيوش ذائعة الصيت بقوتها و ضرباتها الساحقة على المدن التي تهاجمها،
فجأة جرى بكل عزم صوب حصانه الذي كان على مقربة منه، كان يجب ان يصل الى صور بأقرب فرصة ممكنه، كان على بعد ثلاثة ايام سفر من مدينته، و لكن الجيوش ورائه كانت تزحف بسرعة اقل منه نظرا لحجمها، فكان يلزمها ستة ايام لتصل الى مدينته، لذلك كان يجب ان يتحرك الآن صوب صور ليصل بسرعة و لينذر مدينته بالكارثة القادمة، ركب على ظهر الحصان و شد لجامه بشدة و اداره صوب الطريق الصحيح، صهل بقوة من عزم اللجام و لكنه سيطر عليه و اسرع بالطريق الصحيح، ارتفعت بالأجواء صوت حوافره و هو يعدو بسعرة بالطريق، كان يعلم بأن توقيت وصوله الى مدينته سيكون فارقا هام بين الفوز او الخسارة بهذه الحرب التي يريدون فرضها عليهم، و الكارثة الأكبر انهم ببضعة ايام لن يستطيعوا تنظيم جيش بنفس قوة هذا الجيش الجرار الذي ابصره للتو، كان قوام جيش صور كبير يبلغ عشرين ألف و لكن تن ظيم جيش ليواجه ما قد رأه يلزم وقت و هذا ما لم يملكوه، لحسن الحظ كان برحلة استكشافية لحدود بلادهم فلو اجل هذه الرحلة للغد لكانت الكارثة الكبرى، كان يجب ان يسافر ليلا نهارا من دون توقف ليقطع اكبر مسافة ممكنة قبل ان يرتاح كي يقترب بأسرع وقت ممكن من مدينته الغالية، قال في ذاته "فالتساعدني الآلهة على الوصول بالوقت المناسب،"
******************************
قصر أليسار في مملكة صور
جلست أليسار على عرشها محاطة بلفيف مهيب من وزراء مدينتها و عائلتها الملكية، وقفت مجموعة من وصيفاتها على يمينها و يسارها ينظرن الى اناقتها و هي بثوبها الملكي الخمري تنتظر مراسم وضع التاج على رأسها، انطلقت تمتمات من الحشود من الصالة الفسيحة امامها فكان لفيف كبير من نبلاء بلدها مع نسائهم يترقبون الأحداث و ينتظرون زوج خالتها الكاهن الأعظم عاشر باص لتلبيسها تاج المُلْك المرصع بالأحجار الكريمة على رأسها، فحينها ستبدأ اكبر احتفالات بتاريخ مملكة صور منذ تأسيسها، كانت الصالة بابهى زينتها فانتشرت بين الحضور موائد الغذاء التي اعتلتها اشهى المأكاولات و الذبائح و اقداح النبيذ المعتق، فاحت رائحة الطعام الطيبة بكافة اروقة القصر فكان الطهاة قد احسنوا اعداد الولائم العظيمة على شرف حفل التتويج، عُلِقَتْ ستائر خمرية على الجدران حولها تحمل رسمة الأسدين الذان يتواجها فكانت هذه العلامة الملكية لسلالتها، انتظر خارج القصر آلآف من اهالي مملكة صور يترقبون سماع الهتفات من داخل القصر ليحفتلوا بملكتهم الجديدة، فبعد وفاة والدها منذ اربعين يوما قررت مع كاهن المعابد في مدينتها ملئ الفراغ القيادي و البدء بطقوس التتويج المعهودة، فمملكة بحجم صور من دون قائد قد تعني الفوضة الرئاسية و قد تثير اطماع شخصيات معينة حولها كانت تعلم بمطامعهم، رعدت الهتفات في باحات القصر الخارجية من الأهالي و هم يهتفون "عاشت أليسار!!! عاشت مليكتنا الجديدة!!! عاشت أليسار!!!" وسط تصفيق حار كلما ذكر اسمها، كان السوق الرئيسي بعطلة رسمية فاجتمع تجاره امام المدخل الرئيسي للقصر منتظيرين الأخبار الجديدة حيث اعلن القصر عن عطلة مدتها ثلاثة ايام للمناسبة،
فجأة دخل صالة القصر الرئيسية الكاهن عاشر باص و بيده تاج ذهبي مرصع بالأحجار الكريمة، سار بخطوات بطيئة عكست سنوه الكثيرة بهذه الحياة، مال على عكاز خشبي في كل خطوة كان يأخذها و ارتعشت يداه التي امتلأت بالتجاعيد و هو يمسك بالتاج الذهبي، كان بالثمانين من العمر و كان ذو لحية طويلة رمادية و شعر شائب و انحناء بالظهر و اجفان ثقيلة تغطي نصف عينيه من شدة الأرهاق، كانت الأحجار الكريمة على التاج تلمع بشدة من اشعة الشمس التي ملئت صالة القصر حينما جر ساقيه ليكمل أخر خطواته و يتوقف بجانب عرش أليسار، رفع يده اليمنى و اومئ للناس ليهدأوا، فتح فاه قائلا بصوت يرتجف "ايها الحضور، يا اهل صور العظماء، يا رعايا مملكة صور حفظتكم الآلهة و رعتكم من كل مكروه، انتم تعلمون ان مولاي الراحل ادونيس ابن الملك العظيم اوتو مؤسس هذه الديار اختار بحضوري ككاهن للمعابد و كشخص مقرب من العائلة المالكة و بحضور لفيف من وزرائه الأكارم ابنته الغالية أليسار لتخلفه على حكم هذه البلاد بما انها الأكبر سنا و الأكثر حكمة برأيه في عائلتها، طالبا منا ايضا ان نحترم ارادته و هو على فراش الموت، فتبعاً لذلك و بعد مرور اربعين يوما و التي هي ايام النوح و الحداد المتعارف عليها على فراقه، و عملا بطلب مولاي الراحل اعتكفت على السجود امام تمثال الإلهة عشتروت لمدة ثلاثة ايام، و بعد تقديم القربان و البخور في معبدها في مدينتنا و بعد ان قدمتُ الصلاوات الحارة، اكرمتنا الآلهة بموافقتها على ان تعتلي أليسار عرش مملكة صور، لم استلم بحياتي ككاهن اشارة واضحة من الألهة عشتار كالتي استلمتها اليوم لذلك اخترت ان اخاطبكم بما حصل معي بالصباح الباكر بالأمس، قدمتُ كبش مسمن امام تمثال عشتروت، و سميته أليسار على اسم مليكتنا، و ربطه لثلاثة ايام امام تمثالها مصليا و طالبا منها مشورتها بترسيم مليكتنا، ليومين لم تكلمني عشتروت إطلاقا بخصوص الكبش فابتدأ الحزن يملأ قلبي بأنها قد لا تعطينا رضاها على ترسيم ملكتنا أليسار، و لكن في اليوم الثالث و انا اتعبد و أصلي امام تمثالها الكبير بوضح النهار دخل علينا حنش كبير من الباب الرئيسي للمبعد، خفت جدا و انا انظر الى حجمه فكان كفيلا ان يخنق رجل بالغ، لم ارى بحياتي في بلادنا وحش بحجمه، فاقتربت لأنقذ الكبش منه و لكنه كان اسرع مني، و كأنه دخل خصيصا للكبش، فاقترب منه بسرعة و حاول لف جسمه حوله، ابتدأ الكبش يصرخ و ابتدأ بضربه بساقيه بقوة دفاعا عن نفسه، و رأيت ما لم اكن اتوقعه، فبدلا من ان يخنق الحنيش الكبش انهال عليه ضربا بساقيه حتى قضى عليه، حملت الحنيش بيداي ميتا و رميته بالبراري البعيدة، الكبش مازال حيا بين ممتلكات المعبد، هذه اشارة من آلهتنا عشتار بأنها تبارك ترسيم أليسار ابنة الملك الراحل ادونيس، و تقول لنا عشتروت بأنها ستنصرها على أعدائها و لن تقع مدينتنا لطالما كانت هي مليكتنا في ايدي اعدائنا، فاليسمح لي مجلس الوزراء و شقيق الملكة أليسار بغماليون العظيم و افراد العائلة المالكة الكرام ان اضع تاج المُلْك على رأس أليسار" انطلقت بقاعة القصر الملكي بقوة هتافات التأيد من الجمع الغفير و زغاريت الأفراح من النساء الحاضرة، سار عاشرباص صوب أليسار و وضع التاج على رأسها، و ما ان سمعت الآلوف صيحات الأفراح من داخل القصر حتى انطلقت في باحته الخارجية صيحات الأفراح بالأنباء، هتفت الجموع بالداخل و الخارج "عاشت أليسار!!! عاشت أليسار لها كل المجد و الولاء و الطاعة!!!" انتشرت الزغاريت من نساء صور و هن يحتفلن خارج القصر، و انتشر الخبر بين اهالي المملكة بسرعة الصاعقة فعمت الفرحة و الزغاريت احياء صور بالكامل، فجأة خرج جندي مع ثلاثة جنود و وقف امام الجمع الغفير خارج القصر قاائلا بصوت جهوري "بمناسبة تتويج مولاتي الملكة أليسار اليوم ملكة على ممكلة صور قررت مولاتي اكرام كل أُسَرْ صور بمبلغ خمسين دينار لكل اسرة توزع من قبل مندوبين سيمرون بكل المنازل،" ارتفعت الهتافات عاليا و الجندي يلف ورقة البردي بين يديه و يعود الى داخل القصر، تحولت مملكة صور الى مهرجان كبير من شمالها الى جنبوها و شرقها الى غربها و الناس تحتفل بمناسبة التتويج، تحولت ساحات سوق المملكة الكبيرة الى موائد قَدًمَ فيها القصر موائد و ذبائح للناس بالمجان، قام عشرات من اهالي صور بوضع تماثيل للإلهة عشتار لإكرامها على موافقتها على تتويج اليسار ملكة، رقصة النساء فرحا بأثواب ملونة و بهيجة حول التماثيل و جلست جموع آخرى تأكل من على الموائد بالأسواق المناسف و الأكباش المحمرة،
حتى قوافل التجار التي كانت تزور صور من اراضي الفراعنة و العراق و بلاد فارس و بلاد اهل مكة و الحجاز، شاركت اهل المدينة افراحها فقدموا باقات الورود و الذهب و الفضة عند قدمي تماثيل عشتار، اخذ بعضهم نساء كن يرقصن امام التامثيل و جلسوا معاهم يتسامرون مبتهجين بالمناسبة، تحول السوق الى مهرجان افراح كبير فكان هنالك كبير لبلادهم و مليكة قديرة لتدير شأنهم،
وقف مقتضى بعيدا مع جماله و اعوانه الثلاثة ينظرون الى الناس تحتفل بالتتويج، كانت الساحة ضخمة و كبيرة لتناسب حجم تجارة المدينة، فكانت تستوعب ألفي نسمة مع الأكشاك و المحال التي كانت تبنى و تنصب من حين لآخر، و كانت لها عدة مداخل تناسبا مع عدد الأحياء العديدة بالمملكة، سمع اهازيج الافراح و الطبول و الزغاريت فشعر كم كان الجمع كبير من حوله، كان يعلم انه بمدينة يسكنها ناس مسالمين بسيطاء ذاع صيتهم بين ممالك الشرق بالاصالة و اكرام الضيف و النخوة و الشهامة، فكانت صور من اكبر الممالك التي اعتاد على زيارتها في تجارته بين بلاد فارس و نينوى و اربيل و ضواحيها، و كان يعلم كم احبوه ناسها و اهلها فكان له اصدقاء غالبا ما يزورهم كلما كان قريب من المدينة، و لكنهم كانوا وثن بالنسبة اليه، فكان ايمانه بالله كبيرا، شعر كم كان هنالك امور قد لا يوافق عليها ان ابصر النور يوما بإرادة الله، و لكن رغم ذلك وداعة اهل القرية و طيب استقبالهم له جنبه الأفصاح عن معتقداته، فكان تاجر بينهم ليس الا،
لم يكن يعلم بانه سيؤمن بالله يوما من الأيام، فكان بالماضي و لفترة طويلة وثنيا مثلهم و كان يعبد بعل و عشتار و يقدم للآلهة القرابين و النفائس من اسفاره، بل كان يحمل معه اينما ذهب في كيس قماش من اكياسه تمثالا لعشتروت اهداه اياه تاجر من اصدقائه في صور منذ سنتين، فقال له هذه لتحميك الآلهة الكريمة من قطاعين الطرق و اللصوص و وحوش الصحراء، و كذا كان حاله منذ نشأته الى ايام شيخوخته الى ان صادف نبي من انبياء الله، فكان في بلاد اليهودية يوما و صادف واعظ كان يعظ بالناس في هيكل عظيم كانوا اليهود يتعبدون به، فاقترب منه و وقف وسط جمع غفير و سمع له و لكلامه الذي كان يفيض حبا بالله، انشرح صدره حينما سمع كلام النبي و اقترب منه و تعرف عليه، جلس معه وقت لوقت اطول في ذلك اليوم و تحدث معه حول امور كثيرة، و منذ تلك اللحظات اصبح يمر كل ثلاثة اشهر باليهودية ليسمع وعظ هذا النبي عن الله، و بعد سنتين من الزمن اصبح مؤمنا بالله و دفن الآلهة التي كان يعبدها و اصبح ينظر الى السماء ليصلي لله الواحد له المجد، ساعده النبي فقفم امور كثيرة و تقرب منه كثيرا و اصبح صديق حميما له، و في ليلة من الليالي كان نائما في خيمته مع مساعديه، حلم بكائن خفي يخاطبه بان لا يذهب الى بلاد اليهودية، و قال له الكائن ان يذهب الى صور بدلا من اليهودية، استيقظ من النوم و هو حائر بأمر الحلم فلم يحلم حلما مثله بالماضي إطلاقا، و بعد ان بدل وجهة سفره الى صور سمع من تجار في سوق صور بمشاكل كثيرة باليهودية حيث تعرضت بلادهم لهجوم من المملكة الأشورية، شكر الله على الإلهام و شعر بأن الله قبل توبته و ايمانه،

نظر الى معاونيه و قال لهم "هيا بالجمال الى خارج اسوار المدينة، لا سوق اليوم لذلك وجب علينا الإنتظار ليومين لنرى ما سيحدث، سنذهب حيث نخيم دائما، الى الساحل القريب من المملكة، اشتقت الى اصوات امواج hgبحر و هي تداعب بحنو رمال الشط الذهبية، لن نكون بعيدين عن المملكة و عن دوريات الفرسان التي تسهر لتحرس المكان، لو جلبوا لنا طعاما فخذوه شاكرين، فالطعام من خليقته الله للإنسان و هم يطبخون من فيض بركات الله في هذه الدنيا، لا ضرر من مشاركة الناس فرحتهم، لكن اوصيكم ان لا تشتروا تماثيل من عندهم، و لا تحنوا جباهكم لألهتهم بالسوق، افهمتم يا رفاقي؟" اطاعوا الجمع كلام مقتضى و ساروا معه بالجمال في ممرات المدينة نحو بوابة من بواباتها الكبيرة،
كانت شمس الظهيرة شديدة بعض الشيئ فسارت النسوة بالألبسة الفضفاضة و الشفافة التي تبرز سيقانهم و صدورهم بالأحياء، نظر احد معاوينه الى مجموعة منهن و هي تسير بجانبهم وسط الحشود التي تتدفق الى السوق للأحتفال، غمز احدا الجميلات فضحكت له، شعر مقتضى بالأمر و قال ناهيا "يا ثائر تقول احدا ايات اسفار اليهود احذر جمال الأجنبية، يا بني اغضض بصرك فتسلم من مشاكل كثيرة اثناء سفرك،"
اجاب ثائر مستغربا "و لكن كيف عرفت؟ انا غمزتها فقط،"
ضحك مقتضة قائلا "كنت شابا في يوم من الأيام و الطيش كان صديقي لفترة من الفترات، انا اعمى النظر و لكن لست اعمى البصيرة، ارى بقلبي في هذه الايام، جمال نساء صور و هذه المناطق ذائع الصيت، و لكن لهم عادات و تقاليد تختلف عنا،"
قال له سيف بخوف "خذ عكازك لئلا تقع،"
اجاب مقتضى "شكرا بني،" امسكها و ابتدأ بتحريكها امامه لكي لا يصطدم بأحدا، اكمل لمعاونيه، "الجمال سلاح ذو حدين و له اكثر من مفهوم، هنالك جمال الإمرأة الخارجي الذي غالبا ما يشد الرحالة حينما يزورون المدن الأجنبية لبلادهم، اما هذا فيزول مع الزمن كعشب الأرض اليابس، اما جمال النفس عند المرأة فيدوم معها مادامت على قيد الحياة، الزموا آدابكم مع النسوة قدر المستطاع فالله يطلب الحلال لا النزوات لتكون صلاواتنا مقبولة لديه،"
عبروا البوابة الرئيسية التي تطل على شط صور الفسيح، تعالت بالأجواء اصوات الأمواج و هم يقتربوا اكثر فأكثر من الشط فابتسم مقتضى لأصواتها، استنشق نسيم البحر الرطب و قال أمرأ "لنسير لمسافة ثم نخيم على الشط، و لكن لا تخيموا بالقرب من الأمواج، اشتقت لك يا صور و لشواطئك الرحبة فعلا!"
سأل داود "يا معلم لماذا هذا البعد عن الشاطئ؟"
"والدك امهر صيادين مدن اليهودية و انت لا تدري؟"
"لم اعمل معه كثيرا فامضيت وقت برفقتك اكثر من الصيد مع والدي،"
"البحر له مد و جزر، فنريد ان نسلم من مد و جزر المياه،"
"فهمت الآن، هذه الأمور افهمها، ظننت ان هنالك أمر أخر،"
توقف معاونيه بعد بضعة دقائق من المسير و قال ثائر له "يا معلم اظننا وجدنا نقطة جيدة لنقيم خيمنا، أظنها بحسب مشتهى قلبك،"
"هيا يا اولادي، انزلوا خيمنا،"
ركعت الجمال امام الشباب و ابتدأوا بإنزال الأمتعة عنها، فجأة سمع مقتضى اصوات لمركب تزحف على الشط، التفت خلفه و قال بلهجة اهل صور "يا سيد!"
فجأة تنبه له صياد كان يدفع بمركبه على جانب من جوانب الشط، كان عل بعد خمسين مترا منهم، اجابه "نعم يا سيد! اني اسمعك!"
قال لثائر "تعال معي ريثما ينجزا مهامهم زملائك،" سار مقتضي و ثائر وسط الرمال الجافة بالقرب من البحر، فجأة هب نسيم نشط بالأجواء فاغلق مقتضئ عليه عبائته و سار بعزم صوب الصياد، قال لهم و هم يقتربوا مُرَحِباً "اهلا و سعلا بكم، هل انتم ضويف علينا،"
توقفوا عنده و اجاب مقتضى "نعم يا سيد، يلزمنا بعض من السمك لعشاء الليلة، اتعطينا مما رزقتك السماء؟"
كان الصياد رجل طويل القامة عريض المنكبين قوي البنية، كان ذو بشرة سمراء من كثرة عمله تحت الشمس بالبحر، كان يكسو رأسه شعر اسود كثيف و كانت عيناه عسليتان، تفحص القوم الذين يكلمونه جيدا ثم اجاب بعد برهة من الزمن "انا لا مانع لدي، و لكنني لم اخرج شباكي بعد من القارب، فكف عرفت ان برفقتي زواده دسمه،"
اجاب مقتضى "من عزمك وانت تشد المركب، فالأعمى يا بني يعطيه الإله الذي اعبد حواس آخرى لتعويضه عن بصره، كنت تشد المركب بعزم المنتصر،"
ضحك الصياد و قال "كلما ازداد المرء بالسن ازداد خبرة بالحياة، لا بد و ان لك على البحر لتفهم لغتي مع مركبي، اهلا و سهلا بكم في مملكة صور العظيمة،" اخرج شباكه فبرزت عضلات يديه القوية و هو يسحبها و يضعها على الرمال امام ثائر و مقتضى، قال لثائر "خذ ما تريد فانا ابيع ما جنيت اليوم بنصف سعري احتفالا بتتويج مليكتنا اليسار اليوم،"
اجاب مقتضى، "من صوتك انت شاب يافع في مقتبل العمر، كنت في ايام الشباب تاجر و رحالة اتنقل من بلد الى آخر، فتارة كنت اذهب عبر السفن الى جزر يونانية بعيدة اتاجر بما تعرض لزوارها و تارة كنت اركب سفن الصحراء اذهب الى البلاد البعيدة ابتاع ما استطيع بيعه في بلاد آخرى، فلي على البحر و سفنه،"
اخذ ثائر خمسة سماكات و وضعهما بكيس قماش كان يخصصه للطعام، سأل الصياد "كم تريد يا سيدي؟"
اجاب "اربعة دنانير،"
مد يده مقتضى و اعطاه المال، قال للصياد "اتمنى لك دائما الحظ بصيدك،"
"شكرا لك يا عم، بركات الألهة معكم،"
حرك مقتضى عصاه فوق الرمال و سار مع ثائر، سار على قدر العزم التي اعطته سنيوه الكثير بهذه الحياة، سأل ثائر "انه رجل طيب، اكرمنا كثيرا،"
"بني المشكلة انه بسيط الحال يريد الرزق الحلال، اما الطماع فهذا الذي تأتي شباكه دائما بالصيد القليل، المتواضع يكرمه الله،"
"أسأل يا معلم عن الأغنياء، كيف يكرمهم الله رغم طمعهم،"
"بني ان اكرم الله مرءا فاعلم بأنه يريد ان يلفت انتباهه الى طريق الصلاح، فلا تحتار بمن يكرم الله، فله هدف ليجعل الناس تتوب، ليرى الناس نور طُرُقِهِ، تقول كتب اليهود ان غضب الله كالنار الآكله، لذلك يرأف الله بعباده و يريد هدايتهم قبل ان يحل غضبه عليهم،"
"فهمت يا معلم،"
فجأة نظر مقتضى الى صوب سور صور، تأمل مدخلها الرئيسي الذي كان من جهة البحر، انقبض قلبه فجأة وتوقف عن المسير، توضحت امامه رؤية مهيبة جدا، رأى جيوش جرارة غازية تقترب من مداخل صور، و رأى جيش صور يقترب من خط تماس بينه و بين جيش الغزاة، كانوا يحيطون بصور من جميع النواحي و كان جيشها يحجز بينهم و بين بلدتهم، فجأة رآهم يلتحموا بالسيوف بشراسة، رأهم بمعركة شرسة مع بعض و رأى اسوار البلدة تنهار في المعركة، شعر بالحزن و نظر الى السماء قائلا "يا الله اعفي عن هذه البلدة، لطفك يا الله،"
شعر بأشياءا كثيرة في قلبه، و كأن ألهمه الله الى ما يدور في اورقة القصر، "قال فهمت من الرؤيا يا الله، و انا مؤمن بك و خادمك المطيع،"
سال ثائر برهبة "اتكلم الله يا معلم، انت مؤمن و وقور و تحفظ اوامره، "
"ألهمني الله الى شيئ، سيخيم المساء عما قريب، سنأكل ثم لي عمل يجب ان انجزه في هذه البلده، سنرحل بالغد يا بني،"
"ظننت اننا سنقيم بها لبضعة ايام..."
"لو تعلم ما رأيت للتو، لن نستطيع المكوث بها كثيرا، سنرحل مع ظهور اول خيوط شمس الصباح،"
"تعابيرك تغيرت يا معلم، و كأن ما رأيت زادك هم و احزنك جدا، ماذا رأيت؟"
بعد ثلاثة ايام لن يبقى في هذه المدينة حجر على حجر الا و سيهدم، رأيت خراب صور العظيمة،"
نظر ثائر بخوف الى مقتضى، كان يعلم بأنه رجل يخاف الله و يمشي بحسب اصول دينهم اليهودي، كان مؤمن جدا، اجاب "خراب صور، من سيغزو هذه المدينة؟"
"هنالك من سيسكب سخطه عليهم قريبا،"
"يقول النبي داود بسفر المزامير في كتب قومنا "رفعت عيناي الى السماء من حيث يأتي عوني، معونتي من عند الله صانع السماء و الأرض،"
قال مقتضى بصوت عالٍ نحو السماء "اعني يا الله فلعلهم يهتدون الى بِرٍكَ،"
نظر ثائر امامه فلاحظ ان زملائه نصبوا خيمهم، كانت الخيم كبيرة و اهزت قليلا مع نسائم البحر الرطبة و المنعشة، صار ثائر و مقتضى صوبها فلقاهما داود و سيف قائلين "ما جلبتهم لنا للعشاء، فالمساء يحل قريبا،"
قال ثائر "سمك تم اصطياده للتو، هيا لنعد النار و نشويه،"
قال مقتضى "بسرعة، فيجب ان اذهب الى قصر صور،"
********************************
نظر بيغماليون الى اخته اليسار و هي تجلس برفقة ابن عمها تَيٍمْ على مائدة العشاء التي اعدت خصيصا للإحتفال بتتويج اخته، كان على المائدة ايضا شقيق تيم عبداللهيان و والدتهم ليان و الشيخ عاشر باص و زوجته يقين، كانت الفرحة عظيمة بالقصر بمناسبة تتويج اليسار فكانت المائدة تفيض بالذبائح و شراب النبيذ و الفواكه بأشكالها، لمعت الاطباق و الاقداح الذهبية تحت خيوط شمس الظهيرة التي دخلت من نوافد القاعة الكبيرة، ارتفعت اصوات الضحكات بين الجمع بصالة القصر الملوكية فكان تيم بمزاج رائع و كان حديثه يضحك الكل، كان شاب بالعشرينات من العمر و كان ودود الشخصية فلا يلبث ان يكون فاكهة الجلسة اينما ذهب بالقصر، نظر الى البسمات المرسومة على وجه الكل بالرغم من الغيرة التي كادت ان تأكل قلبه، فكابر على ما كان بشعر به و جامل الكل، ابتسم و ضحك مع الجمع و شاركهم الحديث فلم يرد لأحد ان يشعر بما كان يجول بخاطره، كاد ان يجن لحظة ما اعلن والده و هو على فراش الموت عن رغبته بأن تعتلي العرش أليسار، فكان المُلْك له، كان هو وحيد والده و كان بسن يسمح له بالحكم فكان بالخامس و العشرين من العمر، و كان يشعر داخليا بأنه اصلح من شقيقته لحكم صور، و لكنه كان يشعر بأن والده يفضلها عليه دائما، كانت ابنته المدللة و كان يهواها كثيرا، كانت هي دائما الأقرب الى قلبه بالرغم من محاولاته لكسب وده، الا انه لم يفلح بهذا الأمر، و كأنه انجبه من ام ثانية، كان دائما يشعر بهذا التميز فكانت أليسار قبل وفاتها دائما برفقته، لم يكن يدعو باقي نساءه الى خدره بقدر والدتهم فكانت هي المدللة دائما، حتى حينما فاتحته والدته قبل وفاتها بموضوع اعلانه هو ولي للعهد لحكم صور لم يتعاون معها، فكان قلبه مع ابنته المدللة دائما، كره والده جدا لأجل موقفه و ابتعد عنه بأخر سنينه بعد ان رفض تعينه وليا للعهد، و لكنه اخذ ثأره منه،
لم يكن يعلم احدا انه هو من وضع له سموما لثلاثة ايام قبل وفاته، فقد اوصى بنبات علم عنه انه سام جدا من باراري لبنان، فاحضره خصيصا و اسقى والده ماء من منقوعه، فبايام قليلة تدوهرت صحة والده و اصبح طريح الفراش لا يقوى على الحركة، و توفي سريعا ليشعر بيغماليون بالسعادة و الراحة، فبعد وفاة والده بات اقرب الى حكم صور من اي وقت مضى، بقيا امر واحدا و هو ازالة تيم من طريقه، فحتى بتنصيب اخته اليسار ستكون كالقمة السهلة له،

ضحك الجمع على شيئ قاله تيم، فإستيقظ بيغماليون من سرحانه العميق، قال له تيم "لماذا لا تضحك معنا يا بيغماليون، اين ذهبت عنا،"
اعتذر بيغماليون قائلا "اخذ تفكيري امر آخر،" امسك قدح النبيذ الذي امامه و اخذ رشفة منه قائلا "قولوا لي ما المضحك،"
اجاب تيم و هو يسكب بعض من اللحم في طبقه "شقيقتك اليسار، كانت تقول انك غالبا ما كنت تسرق طعامها و انتم صغار، حتى انك كنت تسرق ثيابها و تلبسها و تسير بها في القصر،"
ضحك الجمع مرة أخرى و قال عبداللهيان "ربما منظره بثياب الحريم اجمل،"
اجاب بيغماليون "براءة الطفولة ليس الا يا اخوة،"
قالت ليان "هيا اسكبوا الطعام، سيبرد عما قريب، غالبا ما تغار الأخوة من بعض، و لكن عند الكبر تختلف الأمور،"
سكب الحضور الطعام في اطبقاهم، قالت اليسار و هي تمسك يد تيم "الذكريات تكاد لا تفارقني، ففي كل زاية من قصرنا ذكرى طيبة لي، تربينا جميعا به تحت كنف والدي و كبرنا به و لم يقصر والدي مع احد به، كنا دائما كالأسرة الواحده نعيش مع بعض بكل محبة و استقرار، فوالدي كان السند دائما لنا، و هو السبب بتتويجي اليوم ملكة على هذه البلاد، آمل ان اكون عند حسن ظن الجميع و حسن ظن والدي بي قبل وفاته،"
وقف تيم و رفع قدح النبيذ امام الجمع، قال "لنشرب نخب ملكتنا الجديد،" وقف الجميع الا بيغماليوم، فنظر الى يداي أليسار و تيم و هما فوق بعض،
قالت ليان بسرور "و الملكة تحتاج الى ملك، كانت رغبة اختي ليا ان تكون أليسار زوجة لتيم، فكانت تعلم حبهما لبعض، هيا لنجعل الفرحة فرحتين و نعلن زواج اليسار على تيم، ما رأيك بيغماليون، لندع الأفراح تدخل ديارنا..."
وقف بيغماليون و رمى كأس النبيذ من يده بغضب شديد، نظر اليه الكل بإستغراب شديد، صرخ بوجه الكل قائلا "صور ستبقى ملكها بعهدة اولاد ادونيس، هذا الزواج لن يتم!!!"
قالت له ليان و هي مصدومة من موقفه "عندما طلبت يد أليسار لتيم لم اكن افكر لا بعرش او غيره، فكرت فقط بسعادة ابني تيم،"
قال تيم و هو محتد لبغماليون "انت تعلم جيدا انني احب أليسار، و المرحوم ادونيس يعلم عن حبنا منذ فترة فلم يعترض عليه، انا احب أليسار و هذا هو سبب رغبتي بالإرتباط بها،"
رفع صوته بالقاعة و اجاب "انت تطمع بحكم صور!!! و صور لي و لشقيقتي لنحكمها!!! حكمها كان لوالدي و لن تكون الا لي و لشقيقتي!!!"
قالت أليسار معاتبة بشدة "القلب و ما يهوي يا بيغماليون، انا احب تيم، كما انني بالغة و حرة نفسي، لا احتاج لواصي علي ليقول لي ان كنت استطيع الزواج او لا،"
صرخ بوجههم بشدة "انا لست راضٍ على هذا الزواج!!! و اذا اصريت عليه لن احضر فرحك!!! هذا لو استطعت الإرتباط به،"
صرخت معترضة "اتهددني يا بيغماليون!!! اخي اتهددني!!!"
اجاب تيم بغضب "انت واهم جدا!!! عرش عائلتكم ما همني يوما!!! قلبي يهوى شقيقتك!!! هذا كل شيئ!!! ماذا اصابك!!!"
قال عاشر باص بتأثر شديد "يا سيدي بيغمايلون الملك و الحكم سيكون بيد اختك حتى لو تزوجت تيم، هي من ستحكم بلادها، لا تقف بوجه رغبة والدك..."
"والدي توفي و هو شيئ من الماضي!!! انا لست موافق على هذا الزواج!!! هنالك ألاف النساء في صور و من ارقى طبقات النبلاء!!! الم تجد الا شقيقتي يا هذا!!!"
صرخت ليان "عيب عليك يا بيغماليون!!! انت تتطاول على ابني كثيرا!!!"
قال عبدالهيان محاولا تهدئت الأمور "انت تكبر الأمور يا بيغماليون، نحن لطالما كانت نوايانا سليمة تجاهكم و عشنا مع بعض كعائلة واحدة في اروقة هذا القصر و ما يوما كنا نطمع لا بعرش او بغيره، حتى حينما اعتلى مولاي ادونيس عرش صور في شبابي المبكر كان ذلك بمباركة وجوه عشائرنا و والدي، فقط سُرً لأدونيس شقيقه،"
استدار نحو باب الصالة قائلا "شقيقتي لن تتزوج تيم و هذا آخر شيئ عندي، و يدكم و ما تطال!!!" ضمر في ذاته شرا كبيرا لشقيقته و تيم، سار نحو الباب و لكن ليفاجئ باثنين من الجنود يسيرون نحو الصالة و معهم مقتضى، قال احد الجند و هو يدخل الصالة "مولاتي أليسار! عذرا! هنالك تاجر من ضويف المدينة يصر على مقابلتك انت و العائلة الملكية!"
اجابت آمرة و هي تمسح الدمع من عينيها "فاليتفضل!"
ارتفعت بالصالة طقطة عصاة مقتضى و هو يسير بإتجاه مائدة الطعام، غادر الجند من امام ألسيار و انتظروا عند الباب، أمرت اليسار "تفضل ايها الشيخ، طلبت مقابلتي؟"
قال "شكرا يا مولاتي، مبارك تتويجك ملكة على البلاد،"
اجابت "شكرا لك،"
التفت نحو بغماليون و قال "لماذا يا سمو الأمير تعارض زواج شقيقتك؟"
عاد بيغماليون من الباب و سأل مستغربا "و كيف عرفت انني ارفض زواجها!"
قال تيم "العله سمعنا نتحدث حينما كان بالممر اتيا الى هنا! ثم ما شانك بأمرونا الداخلية؟"
اكمل مقتضى بنبرة معاتبه "انت ستجلب كارثة على قومك، كف شرك عن اختك، فإذلالها و ترتيب المكائد الشريرة لها لن يحل مشكلتك،"
صرخ بيغماليون "الزم ادبك! انت تقل ادبك علينا! ثم كيف سأذل اختي! كلامك غير موزون!"
صرخت اليسار "شقيقي لن يؤذيني! كلامك غير منطقي يا ايها الشيخ! اذا لم يكن لديك امر أخر لتكلمنا به فاذهب بسلام عنا!"
قال محدثا "قرأتُ انفس بعض منكم و انا داخل الى اهنا و احمل اليكم رسالة من الله،"
قال عاشرباص بتوتر "من انت، اراك من حين لاخر و انا اتجول بالسوق، انت لست من بلادنا! هل تعلم ما في الغيب؟"
"انا مؤمن بالله عز و جل و اعبد الله الذي خلق عالمنا و كل ما به و خلق البشر و وحوش الغاب و دواب الأرض و الكائنات بالبحار العظيمة جميعا، و عمل هذا كله بستة ايام، ثم فرغ باليوم السابع من عمله، انا اعبد من صنعني اما انتم فتعدون من تصنعون،"
اجاب عاشر باص "ايماني غير ايمانك ايها الشيخ، و لكن لا مشكلة ايمانية لدي معك، يبدو ان لديك مشكلة آخرى معنا؟"
صرخ بصوت عظيم محذرا "سمو الأمير انت تضمر شرا كبيرا بقلبك، انت على وشك اغضاب الله!!! لا تؤذي اختك!! يكفي ما فعلت من جرائم الى هذه اللحظة!!! انت ستثير غضب الله عليكم!!!"
صرخت ليان على الشيخ "هال جننت!!! ما هي الجرائم التي صنعها بيغماليون!!!"
قال عاشر باص مقاطعا "هذه الاتهامات تحتاج الي ادلة ايها الشيخ! احذر فانت تتهم اميرا في بلادنا"
صرخ بيغماليون "انت تكذب يا هذا!!! سأسجنك على ما تقول!!!"
"انا لا اخافك يا سمو الأمير، انت خاف الله في أختك!!! انها لحمك و دمك!!! احذرك من اذية اختك!!! أبن عمها احق بها ليتزوجها!!! دعها تذهب بنصيبها!!! "
اجابه بغضب شديد "انت تنشر الأكاذيب عني! اخرج خارج القصر! و ان لم تفعل ذلك سأمر الجنود بحبسك و اعدامك،"
"لو تعلم ما الغد الذي ينتظرك لباركة زواج اختك من ابن عمها، و لكن الشر الذي بقلبك كبير، و انا اشعر بقساوة قلبك على اختك فاخاف عليكم من المستقبل، إن نفذت ما في قلبك ستكون قد وقعت على اعدام مملكتك، ها هم على بعد ثلاثة ايام من دياركم، اراهم ينقضون عليكم مثل الجراد على خضرة الأرض، ارى بلدتكم و قد حاصروها بأسلحتهم، اسواركم لن تصمد اكثر من نصف نهارا بالمعركة، سيمزيقوكم و سيسبون نساءكم، انتم اشراف قومكم، افعلوا ما هو حسن لكي يقلدوكم قومكم بالسلوك الحسن،"
صرخ بيغماليون بوجه مقتضى "جيوش من و مملكتنا تتمتع بعلاقات طيبة مع كل الممالك المحيطة بنا!!! اسمع يا هذا، انت عجوز خرف و تضايقني!!!"
سألت اليسار و القلق يرتسم على وجهها "هل لديك اثبات لصحة كلامك!"
قال مقتضى "انت تلبسين ثوب ازرق جميل، و تضعين تاج ذهبي مرصع بالأحجار الكريمة، و لكن ثوبك يبرز صدرك اكثر من اللازم، تستري امامي يا مولاتي،"
ارتفعت اعتراضات من الجمع، اغلقت أليسار الثوب على صدرها، تقدم بيغماليون من مقتضى و دفعه نحو الباب فوقع على الأرض، صرخت أليسار لبيغماليون "ابتعد عنه، فلم يخطئ بحق احد،" اسرعت هي و عاشرباص نحوه و ساعدوه على الوقوف،
نظرت اليه بقلق و هو ينهض و يتأوه من الألم، سال الدمع من عينيها و هي تسأل "شقيقي فتح موضوع توليه العرش مع والدي مرة و بحضوري، يريد لِمُلْك صور ان يبقى بعائلتنا باي ثمن حتى لو ارتكب الحماقات لأجل ذلك، تأثر والدي ان شقيقي يريد حسم الملك من بعده و هو على قيد الحياة، والدي لم يوافقه على الموضوع، منذ ذلك الوقت و والدي غاضب عليه، انا شعرت بطمعه و جشعه للسلطة!"
"بنيتي حسنا فعلت، فشقيقك يغار منك كثيرا، خافي غضب الله الذي اعبد، فغضبه لا يطاق، في داخلك انسان حسن جدا و لكن لن تستطيعي الوقوف امام القدر، هنالك شيطان يجالسك في هذا القصر، انا قلت ما عندي، لو لم يرتكب اية معصية امام الله سيأمر هذا الجيش بتغير اتجاهه و لن يغزوكم إطلاقا، و لكن ان فعلتم الإثم الذي حذرته منه صور ستهدم فوق راس اهلها، استودعكم السلامة،"
صرخ عليه بيغماليون "انت عجوز خرف، انقلع من هذا المكان، أؤذي شقيقتي؟ هذا يهذي؟"
سأل عاشر باص العجوز و هو يتجه الى باب الصالة "من الجيوش التي ستهاجمنا ايها السيد،"
قال و هو يخرج من الباب "سيصلكم مرسال بعد غد و ستعرفهم مولاتي فورا،"
غادر بيغماليون الصالة و هو غاضب جدا، عاد الجمع الى الطاولة و ساد صمت لبرهة من الزمن، فجأة نظر تيم الى الجمع و علق قائلا "يبدو لي انه مصاب بخرف، فكبار السن معرضون لشتى الأمراض، "
قالت أليسار "كان يعرف عنا اشياء لا يعلمها عامة الناس،"
قال عشارباص "لهم دينهم و لنا ديننا، انسوا الموضوع، هو ذهب بسلام، هيا نكمل فرحتنا،"
قالت ليان مؤيدة، "سيتأقلم بيغماليون مع الواقع عاجلا او أجلا، انه غاضب فقط لان والدك لم يجعله ملك على البلاد،"
قالت أليسار انا اعلم ما هو ترياقه، و اعلم ما سيردعه عني، نادت "ايها الحاجب!!!"
دخل جندي بلباس عسكري عليها قائلا "سمعا و طاعتا مولاتي"
قالت له "ارجو ان تعمموا بين الناس بالمدينة خبر زواجي رسميا من ابن عمي تيم ،"
قال الحاجب مطيعا "مولاتي تأمر و نحن ننفذ،"
نظر تيم الى أليسار، تراقصت الفرحة في عينيه، قَبًلَها على وجنتهيا و قال "احبك، و اشكر اللألهة على هذا اليوم لأنك قبلتي به الزواج بي،"....يتبع







تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات