ماذا بعد قمة الفرص المغربية - الإسبانية؟


جراسا -

قمة ثنائية "على مستوى رفيع"، دخل معها المغرب وإسبانيا أخيراً مرحلة جديدة من العلاقات الاستراتيجية. حزمة اتفاقيات مالية دشّنت خطاً مالياً للاستثمار، يُرتقب انعكاسُها على قطاعات عديدة يراهن الجانبان عليها. حسناً، وماذا بعد؟ ماذا عن التالي؟ "النهار العربي" سأل من إشبيلية، سي لحبيب شباط، عضو الحزب الاشتراكي العمالي بإقليم الأندلس.

...بدايةً، الصحافة مغربية وإسبانية كتبت طويلاً عن اجتماع القمة بين الحكومتين؛ "ستُعزّز التعاون بين البلدين الجارين على جميع المستويات"، قالت “El País” الإسبانية. الحكومة الإسبانية تتطلع إلى "فرصة عظيمة" يمثلها المغرب لإسبانيا "كشريك في تطوير الهيدروجين الأخضر"، كتبت صحيفة “El Periodico De La Energia” الإسبانية. وذهبت “Minutos 20” بعيداً في الحديث عن فرص ستتيحها الاتفاقيات الموقعة على هامش اللقاء رفيع المستوى للمستثمرين الإسبان في مجالات التجارة، البنية التحتية، والقطاعات الاستراتيجية.

حزمة الاتفاقيات المالية "تجرّ عربة العلاقات الاقتصادية" بين المغرب وإسبانيا، بالعريض عنونت جريدة "هسبرس" المغربية الإلكترونية. "البلدان دشنا خطاً مالياً قياسياً للاستثمارات، يسعى المغرب لتطويرها" قالت.

"شراكة متمزة، متجهة بثبات نحو المستقبل"، هو شعار الدورة الحالية للجنة العليا المشتركة المغربية - الإسبانية. شعار كان بناءً على رغبة الجانبين في "تكريس حوار شفاف ودائم مبني على الثقة والاحترام في التعامل مع كل القضايا ذات الاهتمام المشترك". تصريح رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش نقلته الصحافة المغربية مع صور توقيع الاتفاقيات مع نظيره رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز.

"أصبحت هيكليّة"
"العلاقات المغربية - الإسبانية دائماً تعرف نوعاً أكبر من الانفتاح مع وصول الاشتراكيين إلى السلطة، ويشوبها بعض التوتر مع الحزب الشعبي اليميني بسبب خطاباته السياسية المتشبعة زيادة عن اللزوم بالروح الوطنية والحنينية إلى الاستعمار". هذا ما يستهل به سي لحبيب شباط، عضو الحزب الاشتراكي العمالي بإقليم الأندلس، حديثه لـ"النهار العربي". بحكم التفاعل الحضاري والثقافي والقرب الجغرافي بين البلدين "هناك تقاطع سياسي وأمني قلّ مثله بين دولة أوروبية وأخرى خارج الاتحاد الأوروبي - يقول - فعلاقة المغرب بإسبانيا تجاوزت قضايا متعلقة بالسياسة الخارجية، بل أصبحت بمثابة شأن داخلي للبلدين".

اللقاء الأخير العالي المستوى الذي جمع بين الحكومتين المغربية والإسبانية تُوّج باتفاقيات ثنائية عدة "أصبحت الآن بمثابة بنيان صلب يصعب معه هدم هذه العلاقة في المستقبل مع تغير الحكومات في إسبانيا"، يؤكد سي لحبيب شباط؛ فالعلاقات الإسبانية - المغربية أصبحت الآن هيكيلية بعدما كانت في السابق تتأثر بالظرفية والمتغيرات التي تقع بين الفينة والأخرى بين البلدين، وفق تعبيره.

برأي شباط، ركزت القمة على ما يجمع البلدين لا ما يفرقهما، فما يجمعهما أكبر بكثير، يقول، ونقاط الاختلاف لم تكن عائقاً أمام إبرام تسع عشرة اتفاقية ثنائية. "هذا يُبين مدى نضج هذه العلاقات"، ومدى قدرة المسؤولين المغاربة والإسبان لتجاوز المشكلات والتركيز على ما يجمع وحدة البلدين، و"الجانبان عازمان ويريدان الاستفادة من إمكانياتهما الهائلة لبناء علاقة القرن الحادي والعشرين، لأن هناك تحديات مشتركة بالنسبة للبلدين مرتبطة بمجموعة من الإكراهات ذات أبعاد اقتصادية، وتتجلى في تنويع وتطوير اقتصادياتهما وانفتاحهما على الأسواق الجديدة".

دور فاعل
يمكن للمغرب أن يساعد إسبانيا للدخول إلى بعض الأسواق الأفريقية والعربية، وإسبانيا من جهتها تساعد المغرب في الدخول إلى الأسواق الأوروبية، لأنها بوابة أوروبا ودول أميركا اللاتينية بحكم العلاقة المتينة الجامعة مدريد بهذه الدول، كما يقول "سي لحبيب شباط". هناك إكراهات مشتركة تتعلق بالبيئة، يتابع، فكلا البلدين يعاني قلة المياه، التصحر والاحتباس الحراري. وثمة إكراهات تتعلق بالاستقرار في المنطقة، وبخاصة منطقة الساحل، وهي تؤثر سلباً على أمن المنطقة وأوروبا.

التعاون المشترك بين الجانبين يطال ملفاً مهماً هو الحد من الهجرة غير النظامية والجريمة العابرة القارات، "وهنا إسبانيا والاتحاد الأوروبي يعلمون جيداً أن المغرب في هذا المجال جد فاعل، وأن أجهزته الأمنية لا تقصر في مجهوداتها في هذا المجال"، كما يقول.

البيان المشترك الصادر عن القمة، وفي نقاط عدة، يشير إلى مساعدة إسبانيا للمغرب داخل الاتحاد الأوروبي والمجلس الأوروبي، "ما يعطي بعداً آخر لعلاقة المغرب بأوروبا، بحسب تعبير شباط، لأن إسبانيا بلد مهم ومُحدِّد في هذه الأجهزة الأوروبية، خصوصاً أنها كذلك ستترأس الاتحاد الأوروبي خلال الستة أشهر الأخيرة من هذا العام". وهنا، ثمة "تأكيد لموقف إسبانيا حيال نزاع الصحراء، والمتمثل في تأكيد الطرح المغربي ومساندة إسبانيا للنموذج التنموي الجديد والجهوي المتقدم في المغرب، ما يزكي الموقف الإيجابي لإسبانيا تجاه الصحراء".

بلغة الأرقام
في حديثه لـ"النهار العربي"، يشير سي لحبيب شباط، إلى معطيات وأرقام على خط مدريد – الرباط. المغرب هو أهم شريك لإسبانيا في أفريقيا، يقول، وهو الزبون الأول، حيث إن خمسين في المئة من الصادرات الإسبانية لأفريقيا تتجه إلى المغرب، الشريك الثالث لإسبانيا خارج الاتحاد الأوروبي.

المبادلات التجارية خلال عام 2021 تجاوزت 19 مليار يورو، كذلك صادرات المغرب إلى إسبانيا ارتفعت إلى 28% مقاربة مع 2019. إسبانيا هو المستثمر الثالث في المغرب، وهناك أزيد من ألف شركة إسبانيا موجودة في المغرب، وأكثر من 17 ألف شركة تصدّر منتجاتها وخدماتها نحو المغرب.

تحالف استراتيجي
يختم سي لحبيب شباط حديثه بالقول إن القمة الثنائية تعيد تشكيل المشهد الجيو-سياسي والجيو-استراتيجي في المنطقة؛ فإسبانيا - برأيه - لا تريد أن تتخلى وتترك المجال لقوى أخرى ترسم هذا المشهد، والمغرب عنصر أساسي في هذه التحولات الجيوسياسية بحكم موقعه الاستراتيجي كجسر بين أفريقيا وأوروبا، وبحكم علاقاته المتينة مع الولايات المتحدة الأميركية ودوره الفعال في اقتصاديات دول أفريقية عدة، وكذلك في حماية أمن أوروبا.

...خط الرباط - مدريد يشتغل، يقول شباط، "وهذا الخط لا محالة سيُحرّك محاور أخرى كتمتين العلاقات المغربية الأوروبية". الاتفاقيات الموقعة، برأيه، تحالف استراتيجي بين البلدين بغطاء اقتصادي وأمني.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات