"الطاقة الكونية" .. قوة طبيعية خارقة أم علم زائف؟


جراسا -

تتزايد أعداد المهتمين بـ"الطاقة الكونية" في مصر، على نحو متسارع، في الآونة الأخيرة. ويؤكد متخصصون في هذا المجال ومتحمسون له أن تلك الطاقة لها مفعول السحر، وتعتمد على قواعد يمكن إثبات صحتها بالتجارب العلمية، لذا فهم يطلقون على طيف واسع من تطبيقاتها: "علوم الطاقة".

ويقول متخصصون في "الطاقة الكونية" إن الطاقة هي سر الحياة في هذا الكون، وأنها موجودة داخل الكائنات وتحيط بها مثل الهالات، ويؤكدون أنه بالإمكان استخدامها بواسطة الإنسان في مجالات عدة، مثل العلاج من الأمراض، والتخلص من الضغوط النفسية، والآلام البدنية، وتطوير الذات، بل وفي بعض الأحيان يؤكدون أنها قادرة على تحقيق أمنيات مستحيلة.

لكن في الوقت ذاته، ثمة أكاديميون وباحثون في مجالات معترف بها أكاديمياً، مثل الفيزياء، وعلم النفس، والطب، وغيرهم، يعتقدون أن "علوم الطاقة"، تقع ضمن "العلوم الكاذبة"، لذا فهي لا تدرّس في الجامعات والمؤسسات التعليمية المعترف بها رسمياً.

تبدو المسألة محيرة للغاية، فمن ناحية، هناك أشخاص متحمسون لـ"علوم الطاقة"، بعضهم جربها بنفسه ونجحت معه، وبعضهم يعمل بها ويسعى لإثبات صحتها علمياً، وعلى الجانب الآخر، يشكك المتخصصون المنتمون لعلوم راسخة أكاديمياً في صحة "علوم الطاقة"... وهو ما يطرح تساؤلات عن حقيقتها وهل هي حقاً قوة خارقة يمكن للإنسان أن يطوعها لصالحه؟ أم هي مجرد علوم زائفة تعتمد على الوهم والإيحاء؟

"علوم كاذبة"

ومن بين المشككين في "علوم الطاقة"، الدكتور نسيم مجدي الباحث في الفيزياء النووية وفيزياء الكونيات بجامعة "ستوني بروك" الأميركية، فهو يعتبر أن هذا المجال يقع ضمن "العلوم الكاذبة".

الباحث الذي نشر، قبل أسابيع قليلة، نتائج بحث معملي مهم تحت عنوان "ما الذي يحفز تقلبات التدفق في حطام تصادم الأيونات الثقيلة؟"، أجراه في معامل "بروك هيفين" تحت رعاية وزارة الطاقة الأميركية، يرى أن "علوم الطاقة، والجذب، هي من العلوم الكاذبة التي بدأت تلقى رواجاً في المنطقة العربية، أنها تتحول لاحقاً إلى خرافة، وتضر بالعقل والوعي الجمعي بعد ذلك".

ويقول الباحث لـ"النهار العربي": "الحديث عن الطاقة، والقدرة على جذب الأشياء الجيدة، وإبعاد الأشياء السيئة، هي أمور تم ترويجها تحت مسميات علمية، لكنها ليست علماً، لأن العلم يعترف فقط بالأشياء التي يمكن اختبارها بشكل متكرر".

ويضيف: "الأشياء التي لا يمكن إخضاعها للاختبار، ويمكن تكرارها معملياً، هي علوم كاذبة، لا يمكن الاستدلال بها. من يروّجون لما يسمى بعلوم الطاقة يدعون أنهم يستطيعون تغيير تفكير الإنسان، وتغيير مستقبله، من خلال تصدير بعض الأفكار الإيجابية إليه، هذه الأشياء لا يمكن قياسها، ويصعب تكرارها، ومن ثم لا علاقة لها بالعلم".

اقتباس وتزييف

من جانبها، تتبنى استشارية الصحة النفسية الدكتورة منى حمدي وجهة نظر مقاربة، فهي تعتقد بأن ما يسمى بعلوم الطاقة، ليس علماً حقيقياً، وأن كل ما يدعيه العاملون في مجال الطاقة أنه علم جديد، ومستقل، موجود بعلم النفس، ولكن يتم التعامل معه بأسلوب علمي، طبي ونفسي.

وتقول استشارية الصحة النفسية لـ"النهار العربي": "نعم توجد طاقة بالجسم، وهي نوعان: طاقة نفسية، وطاقة مادية، وكلاهما يخضع للعلاج بالعلاج الدوائي، والعلاج النفسي المستمد من نظريات علم النفس المثبتة عالمياً".

وتضيف حمدي: "بالنسبة الى تجارب البعض، التي يسوقها للتدليل على صحة هذه العلوم الوهمية، من أنه تم شفاؤه، فهذه إيحاءات ذاتية وشخصية، وفعل قوة الاعتقاد والتصديق".

وتشير الاستشارية إلى أن "اضطرابات المزاج، والأمراض النفسية كلها، مصدرها معروف علمياً، ولا خلاف عليه، وهو خلل في المواد الكيميائية المسؤولة عن المزاج والحالة النفسية، مما يترتب عليه تشوش في الأفكار والمشاعر، والعلاج يكون ثنائياً في غالبية الاضطرابات والأمراض النفسية والمزاجية: دوائي كيميائي، بجانب النفسي المستند الى نظريات العلاج النفسي. ما عدا اضطرابات الشخصية التي يتم علاجها نفسياً فقط".

العلاج بالطاقة وقوانين الجذب وما شابه، حسب رأي حمدي "هي مجرد أفكار واجتهادات غير مثبتة، وموجودة بالفعل في نظريات العلاج النفسي، ولكن تحت مسميات أخرى، تعتمد على تغيير المنظومة الفكرية والشعورية للفرد، وتوجيهه لأنشطة تحفز الطاقة الايجابية والتعافي، وعلى رأسها العلاج المعرفي السلوكي، والعلاج الجدلي".

وتؤكد أن نوعي العلاج هذين "هما أكثر نظريات العلاج النفسي المثبتة علمياً، والمحققة لنجاح، وبها من التقنيات وأساليب وفنيات العلاج ما يغطى الجانب الفكري المعرفي والسلوكي، والطاقة الحركية، والأنشطة العلاجية، وتمارين للتنفس والاسترخاء والتأمل وتركيز الطاقة واليقظة الذهنية".

تجارب ناجحة

يؤمن كريم سعيد وهو صحافي اقتصادي، بتأثير "الطاقة" في الإنسان صحياً ونفسياً، ويقول لـ"النهار العربي": "نعم أؤمن بأن الطاقة لها تأثير فينا، من الناحيتين النفسية والجسدية، ولكن تبقى كعامل مساعد فقط، ولا يمكن الاعتماد عليها كلياً في العلاج".

ويضيف: "لقد استخدمت تقنية Brain waves واشتركت في بعض الخدمات المدفوعة عبر الإنترنت، وقد كانت تساعدني كثيراً في تصفية ذهني، والاسترخاء، بل وفي بعض الأحيان كنت أصل لمرحلة النشوة، وكذلك كنت استمع إلى ASMR وهي مقاطع صوتية من الطبيعة، وكانت تساعدني على الاسترخاء والنوم سريعاً".

تساعد ASMR بعض الناس على الاسترخاء
أما جولستان حميد، وهي صحافية متخصصة في مجال الصحة، من المهتمين بهذا المجال، تقول لـ"النهار العربي" إنها كانت تلجأ لـ"الطاقة" لتحسين حالتها المزاجية، وكانت تشعر بتحسن "حقيقي".

تجربة عملية

لا يستسلم المتخصصون في مجال الطاقة للتشكيك في "علومها"، ويعتبر معظمهم أن هذا التشكيك ناتج من تسلل بعض المحتالين إلى المجال، ما ساهم في تشويه سمعته، أو نتيجة لمحاربة شركات الأدوية وغيرها لهذا النوع "الفاعل" من العلاج.

ومن بين هؤلاء الدكتور محمد النمر وهو معالج متخصص في مجال الطاقة يبلغ من العمر 68 عاماً، كان يعمل استشارياً للتخدير في أحد المستشفيات الحكومية المصرية، واتجه لمجال العلاج بالطاقة بعد تقاعده، وكان عمره حينئذ 64 عاماً، واللافت أن بناته الثلاث، وهن متخصصات في مجالات متنوعة من الطب، يعملن في "الطاقة الكونية" أيضاً، وربما من أبرزهن وأكثرهن شهرة الدكتورة سحر النمر.

قبل أيام قليلة، نشر النمر (الأب) تدوينة على صفحته في "فايسبوك"، دعوة لعلاج 10 حالات من مرضى لوكيميا (سرطان الدم) مجاناً، واشترط أن يوافقوا على نشر فحوصاتهم وتحليلاتهم الطبية، قبل العلاج، على مواقع التواصل الاجتماعي، وأن يسمحوا بنشرها بعد العلاج.

وقال اختصاصي الطاقة لـ"النهار العربي": "إن البعض يشكك في صحة العلاج بالطاقة، على الرغم من أنه مستخدم في عدد من دول العالم، بما في ذلك دول أوروبا، وأميركا، والصين، وغيرها".

وأضاف المعالج بالطاقة: "من خلال هذه التجربة العملية، التي سوف تضم 10 أشخاص يقيمون في أي مكان من العالم، وسأقوم بعلاجهم من بعد، سنجعل النتائج هي الحكم في ما بين المؤيدين والمعارضين لمجال العلاج بالطاقة، فالعبرة دائماً تكون بالنتائج".



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات