مَصْدَرُكَ .. بِنَاءً عَلَى مَاذَا ؟!


اتِّصَالٌ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ صَبَاحًا بَعْدَ مُنْتَصَفِ اللَّيْلِ، دَقَّ نَاقُوسِ الْخَطَرِ، الْجَرِيدَةُ قَلَبَتْ رَأْسًا عَلَى عَقِبٍ.

أَسْهُمُ الْجَرِيدَةِ فِي هُبُوطِ ، اسْمُ صَحِيفَتِنَا يَتَلَاشَى شَيْئًا فَشَيْئًا.

مَا الَّذِي جَرَى؟ وَكَيْفَ حَصَلَ ذَلِكَ ، بَعْدَ أَنْ كَانَتْ يُقَالُ عَنْهَا جَرِيدَةٌ "مِثْلَ اللِّيرَةِ الذَّهَبِ" انْقَلَبَتْ فِي لَيْلَةٍ وَضُحَاهَا ، لَا أَحَدَ يُرِيدُ أَنْ يَذْكُرَ اسْمَهَا ، الْجَمِيعَ فِي تَأَهُّبٍ وَفِي حَالَةِ اسْتِعْدَادٍ ، الْجَرِيدَةُ أُعْلِنَتْ حَالَةُ الطَّوَارِئِ.

الصَّحَفِيُّونَ وَالصَّحَفِيَّاتُ انْقَسَمُوا إِلَى قِسْمَيْنِ، الْقِسْمُ الْأَوَّلُ يُحَاوِلُ قَدْرَ الْإِمْكَانِ تَحْسِينَ صُورَةِ الْجَرِيدَةِ، عَنْ طَرِيقِ الْأَخْبَارِ الْعَاجِلَةِ الَّتِي تَتَّسِمُ بِالْمِصْدَاقِيَّةِ.

وَالْقِسْمُ الْآخَرُ يُحَاوِلُ قَدْرَ الْإِمْكَانِ أَنْ يُحْسِنَ صُورَةَ الْجَرِيدَةِ بَعْدَ أَنْ فَقَدَتْ مِصْدَاقِيَّتَهَا بِالْخَبَرِ ؛ وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ نَشَرَتْ الصَّحِيفَةُ ثَلَاثَةَ أَخْبَارٍ عَاجِلَةٍ لَمْ تَتَّسِمْ بِالْمِصْدَاقِيَّةِ، مِمَّا جَعَلَ الْقَارِئَ يُقَلِّلُ مِصْدَاقِيَّتَهُ فِي أَخْبَارِنَا وَيَتَّجِهُ إِلَى جَرِيدَةٍ أُخْرَى يَثِقُ بِهَا فِي نَقْلِ الْأَخْبَارِ لَهُ، وَهَذَا شَيْءٌ طَبِيعِيٌّ جِدًّا ، وَ مَعْرُوفٌ لَدَى الْجَمِيعِ ، لِمَاذَا أَقْرَأُ وَاسْتَمَعَ لِأَخْبَارِكَ الْكَاذِبَةِ ؟ الْقَارِئُ يُرِيدُ أَنْ يُعْلَمَ أَخْبَارَ الْعَالَمِ بِشَكْلٍ سَرِيعٍ وَعَاجِلٍ وَلَكِنْ أَنْ تَكُونَ صَحِيحَةً ، وَ إِلَّا سَيَشْعُرُ أَنَّهُ يُضِيعُ وَقْتَهُ وَجُهْدَهُ وَأَمْوَالَهُ بِشَيْءٍ لَا يَسْتَحِقُّ .

قَرَّرَ مُدِيرُ الْجَرِيدَةِ أَنْ يَعْقِدَ اجْتِمَاعًا طَارِئًا وَعَاجِلًا لِمُنَاقَشَةِ الْمَشَاكِلِ وَالْأَحْدَاثِ الَّتِي حَصَلَتْ لِلْجَرِيدَةِ وَالْعَمَلِ عَلَى إِيجَادِ الْحُلُولِ بِأَقَلِّ وَقْتٍ وَجُهْدٍ مُمْكِنٍ لِإِنْقَاذِ الصَّحِيفَةِ مِنْ الْغَرَقِ أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ...


وَعِنْدَمَا اجْتَمَعَ بِنَا قَائِلًا:

سُرْعَةُ الْوَسَائِلِ الْحَدِيثَةِ فِي نَقْلِ الْحَدَثِ وَحِرْصِهَا عَلَى الْحِفَاظِ عَلَى مِصْدَاقِيَّةِ الْخَبَرِ وَنَقْلِهِ بِمِهْنِيَّةٍ، وَهِيَ مُهِمَّةٌ بَاتَتْ أَصْعَبَ فِي ظِلِّ الصُّعُودِ الْكَبِيرِ لِوَسَائِلِ الْإِعْلَامِ الْحَدِيثِ الَّذِي يُشَكِّلُ مَصْدَرَ الْأَخْبَارِ لِشَرِيحَةٍ وَاسِعَةٍ مِنْ الْمُجْتَمَعِ.

وَمِنْ أَهَمِّ مُؤَشِّرَاتِ الِالْتِزَامِ الْمِهْنِيِّ لِلصَّحَفِيِّ هُوَ اللُّجُوءُ لِلْمَصَادِرِ الْحَقِيقِيَّةِ لِلْأَخْبَارِ، مَعَ الْأَخْذِ بِعَيْنِ الِاعْتِبَارِ الْقَاعِدَةَ الصَّحَفِيَّةَ الشَّائِعَةَ الَّتِي تَقُولُ "إِنَّ قَوْلَ مَصْدَرِ مَا يَحْتَاجُ إِلَى تَأْكِيدٍ مِنْ مَصْدَرٍ آخَرَ، فَأَقْوَالُ أَيِّ مَصْدَرٍ لَيْسَتْ حَقِيقَةَ مُسْلِمٍ بِهَا، لِذَا مِنْ الْمُهِمِّ الْبَحْثُ عَنْ مَصْدَرٍ ثَانٍ لِتَعْزِيزِ مَعْلُومَاتِ الْمَصْدَرِ الْأَوَّلِ وَتَأْكِيدِهَا أَوْ نَفْيِهَا أَوْ التَّشْكِيكِ فِيهَا أَوْ الْإِضَافَةِ إِلَيْهَا .

تَتَحَقَّقُ "مُتْعَةُ" الْبَعْضِ فِي نَقْلِ حَدِيثٍ أَوْ وُجْهَةِ نَظَرٍ مِنْ شَخْصٍ لِآخَرَ ، وَالتَّفَنُّنُ بِإِخْرَاجِهِ عَنْ سِيَاقِهِ الْحَقِيقِيِّ، مِنْ دُونِ إِدْرَاكٍ أَوْ وَعْيٍ لِخُطُورَةِ هَذَا الْأَمْرِ وَتَسَبُّبِهِ بِمُشْكِلَاتٍ كَبِيرَةٍ، رُبَّمَا كَلِمَةٍ قَدْ سَمِعَهَا هُنَا أَوْ هُنَاكَ، قِيلَتْ مِنْ أَحَدِهِمْ فِي لَحْظَةِ غَضَبٍ أَوْ لِأَمْرٍ وَمُنَاسَبَةٍ مَا، لَكِنَّهَا تَصِلُ لِلْآخَرِ حِكَايَةً مُكْتَمِلَةُ الْعَنَاصِرِ، قَدْ لَا تُشْبِهُ الْحَقِيقِيَّةَ بِشَيْءٍ، سِوَى أَنَّهَا طَرِيقٌ لِبِدَايَةِ الْإِشَاعَاتِ .

كَثِيرَةٌ هِيَ الْقِصَصُ الَّتِي سَمِعَهَا أُنَاسٌ مِنْ مُحِبِّي " نَقْلَ الْكَلَامِ" وَنَاقِلُ وُجْهَةِ النَّظَرِ وَلَمْ يُحَاوِلُوا التَّأَكُّدَ مِنْ صَاحِبِ الشَّأْنِ مِنْ صِدْقِهَا أَوْ عَدَمِهِ، أَوْ أَنَّهَا حَدَثَتْ فِعْلًا بِتَفَاصِيلِهَا كَمَا قَالَهَا النَّاقِلُ، وَبِالتَّالِي عِنْدَمَا تَقُومُ الْجَرِيدَةُ بِنَقْلِهَا، يَتَغَيَّرُ مِقْدَارُ ثِقَةِ الْجُمْهُورِ فِي الْجَرِيدَةِ، وَقَدْ تَفْشَلُ لَا قَدَرَ اللَّهِ وَتَنْهَارُ شَيْئًا فَشَيْئًا وَكَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ .

هَذَا مَا يَغْفُلُ عَنْهُ الْكَثِيرُ مِمَّنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَى مَنْ يَنْقُلُونَ الْكَلَامَ، أَوْ وُجُهَاتِ النَّظَرِ . فَالْمُشْكِلَةُ لَيْسَتْ فِيمَا يُقَالُ أَوْ مَنْ يَنْقُلُ وُجْهَةَ النَّظَرِ بِقَدْرِ طَرِيقَةِ نَقْلِهِ وَوُصُولِهِ إِلَى الْآخَرِينَ.

سَأَرْوِي لَكُمْ قِصَّةً، أَتَمَنَّى أَنْ تَشْرَحَ لَكُمُ الْمَوْقِفَ الَّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ الْآنَ وَلَعَلَّهَا تُجِيبُ عَلَى تَسَاؤُلَاتِكُمْ، مَا الَّذِي جَرَى مَعَنَا ؟ وَكَيْفَ وَصَلْنَا إِلَى مَا نَحْنُ عَلَيْهِ الْآنَ ؟


أَحَدُ زُعَمَاءِ الْمَافْيَا اكْتَشَفَ بِأَنَّ الْمُحَاسِبَ لَدَيْهِ كَانَ يَخْتَلِسُ مِنْ أَمْوَالِهِ عَبْرَ السِّنِينَ، حَتَّى وَصَلَ مَجْمُوعُ مَا اخْتَلَسَهُ مَبْلَغَ عَشَرَةِ مَلَايِينِ دُولَارٍ.

الْمُحَاسِبُ كَانَ أَصَمَّا أَبْكَمَ، وَهَذَا كَانَ السَّبَبَ الْأَوْحَدَ لِاخْتِيَارِهِ فِي هَذَا الْمَنْصِبِ الْحَسَّاسِ، فَالْمُحَاسِبُ الْأَصَمُّ لَنْ يَسْمَعَ شَيْئًاً قَدْ يَشْهَدُ بِهِ أَمَامَ الْمَحَاكِمِ.

عِنْدَمَا قَرَّرَ الزَّعِيمُ أَنْ يُوَاجِهَهُ بِمَا اكْتَشَفَهُ عَنْهُ، أَخَذَ مَعَهُ خَبِيرًاً فِي لُغَةِ الْإِشَارَةِ، وَقَالَ لَهُ: قُمْ بِسُؤَالِهِ أَيْنَ الْعَشَرَةُ مَلَايِينِ دُولَارٍ الَّتِي اخْتَلَسَهَا؟! سَأَلَهُ الْخَبِيرُ عَنْ طَرِيقِ لُغَةِ الْإِشَارَةِ، فَأَجَابَهُ الْمُحَاسِبُ بِذَاتِ اللُّغَةِ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ عَنْ مَاذَا يَتَحَدَّثُ الزَّعِيمُ.

قَالَ الْخَبِيرُ لِلزَّعِيمِ: إِنَّهُ يَقُولُ بِأَنَّهُ لَا يُعْرِفُ عَنْ مَاذَا تَتَحَدَّثُ يَا سَيِّدِي.

أَشْهَرُ الزَّعِيمِ مُسَدَّسُهُ فِي وَجْهِ الْمُحَاسِبِ وَقَالَ لِلْخَبِيرِ: اسْأَلْهُ مَرَّةً أُخْرَى.

سَأَلَهُ الْخَبِيرُ ثَانِيَةً بِلُغَةِ الْإِشَارَةِ: سَوْفَ يَقْتُلُكَ إِنْ لَمْ تُخْبِرْهُ عَنْ مَكَانِ النُّقُودِ.

أَجَابَ الْمُحَاسِبُ بِلُغَةِ الْإِشَارَةِ: حَسَنًاً، النُّقُودَ تَجِدُهَا فِي حَقِيبَةٍ سَوْدَاءَ مَدْفُونَةٍ خَلْفَ مُسْتَوْدَعِ السَّيَّارَاتِ الْمَوْجُودِ فِي الْحَيِّ الْخَلْفِيِّ.

سَأَلَ الزَّعِيمُ خَبِيرُ اللُّغَةِ: مَاذَا قَالَ لَكَ؟!

أَجَابَ الْخَبِيرُ: إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّكَ جَبَّانٌ وَمُجَرَّدُ حَشَرَةٍ، وَلَا تَمْلِكُ الشَّجَاعَةَ لِإِطْلَاقِ النَّارِ عَلَيْهِ!

حِينَهَا أَعْمَى الْغَضَبَ الزَّعِيمَ فَأَطْلَقَ النَّارَ عَلَى الْمُحَاسِبِ فَوْرًاً وَانْتَهَى الْأَمْرُ لِصَالِحِ خَبِيرِ لُغَةِ الْإِشَارَةِ.


خُلَاصَةُ الْقَوْلِ :

إِنَّهُ مِنْ الْخَطَأِ الْفَادِحِ أَنْ تَضَعَ ثِقَتَكَ كُلَّهَا فِي نَاقِلِ حَدِيثٍ أَوْ نَاقِلٍ وَجِهَةُ نَظَرٍ وَتِبْنُّ عَلَيْهَا قَرَارُكَ، لَعَلَّكَ تَكْتَشِفُ بَعْدَ حِينِ أَنَّ تِلْكَ الثِّقَةَ لَمْ تَكُنْ فِي مَحَلِّهَا، فَيَكُونُ سُقُوطُكَ مُدَوِّيًاً، وَتَكُونُ خَسَارَتُكَ مُؤْلِمَةً وَفَادِحَةً .

لَا تُصَدِّقْ مَا يُقَالُ مِنْ أَخْبَارٍ سَوَاءٌ عَاجَلَهُ أَوْ لَيْسَتْ عَاجِلَةً مَا لَمَا تَسْأَلُ مَصْدَرًا وَ اثْنَيْنِ وَ ثَلَاثَةً ، فَرُبَّمَا نَاقَلَ الْحَدِيثَ أَوْ نَاقِلُ وَجِهَةِ النَّظَرِ يَتَكَلَّمُ عَنْ نَفْسِهِ.


انْتَهَى الِاجْتِمَاعُ.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات