قروض الإسكان بين الحلال والحرام ..


المهندس عادل بصبوص

أعاد ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي نشر فتوى صادرة عن دائرة الإفتاء العام قبل أكثر من خمس سنوات تحرم شراء شقة سكنية من خلال الحصول على قرض "ربوي" وقد عللت الدائرة فتواها قائلة "لا يعد شراء شقة من باب الضرورات التي تبيح المحظورات لأن ضرورة السكن تندفع بالاستئجار كحال كثير من الناس اليوم ....".

لا أريد أن أدلو بدلوي في هذا الموضوع من باب فقهي أو شرعي فلست مؤهلاً لذلك .... وإنما رغبت بتناوله بحكم خلفيتي المهنية كمهتم وباحث في مجال السياسات الإسكانية وكشخص يؤمن أن توفير السكن للمواطنين لا يقل أهمية عن توفير الغذاء والدواء والكساء لهم .... حاجة أساسية إن تعذر توفيرها للفرد أو الأسرة ينعدم الاستقرار وتغيب الراحة النفسية التي هي متطلب إجباري لممارسة كافة أنشطتنا الحياتية ....

في البداية أود أن أؤكد أن سوق تأجير المساكن غير قادر على تلبية احتياجات كافة الأسر التي لا تستطيع بإمكانياتها الذاتية الحصول على المسكن الملائم سواء بالإنشاء أو الشراء .... فلا أحد من المستثمرين في قطاع الإسكان يقوم بإنشاء مباني وشقق سكنية لغايات التأجير لأن الاستثمار في التأجير هو استثمار طويل الأمد ويتطلب توظيف رساميل كبيرة يتم استرداد عوائدها على فترات زمنية طويلة إضافة إلى ذلك يحجم المستثمرون عن إنشاء مباني ووحدات سكنية لتأجيرها تجنباً للمخاطر الناشئة عن تخلف أو تأخر المستأجرين في دفع ما يترتب عليهم من بدلات الإيجار .... لذا فغالبية المعروض في السوق لغايات التأجير إنما هي وحدات سكنية أنشأها أفراد عاديون ضمن التوسع الأفقي أو العمودي للأبنية التي يقيمون فيها للحصول على عوائد أو دخول شهرية .... أو وحدات سكنية شغرت بسبب اغتراب أصحابها خارج الوطن أو لأية أسباب أخرى ...

قد يغدو "الاستئجار" حلاً ملائماً لذوي الدخول المحدودة للحصول على السكن لو أن الدولة على سبيل المثال تقوم بإنشاء مشاريع ضخمة تتضمن أعداداً كافية من الشقق السكنية لهذا الغرض، أما في ظل الأوضاع الحالية فإن الافتراض بأن الاستئجار هو الخيار البديل الملائم والمتوفر لشراء شقة من خلال قرض "ربوي" هو افتراض غير واقعي ويتجاهل النقص الكبير والحاد في المساكن المعروضة للإيجار في السوق، إضافة إلى أن افتراضاً كهذا قد يحل مشكلة البعض ولكنه لا يحل مشكلة عشرات الآلاف من الأسر الجديدة التي تحتاج إلى وحدات سكنية سنوياً ...

إن توفير المساكن الملائمة للأسر المحتاجة إليها وخاصة من الفئات محدودة الدخل يتطلب حلولاً عملية قابلة للتطبيق وهذه مسؤولية الحكومة ودائرة الإفتاء جزء منها والتي يجب أن تحرص أن تكون الفتاوي الصادرة منها عنصر مساعدة وعون في حل مشاكل المواطنين لا التسبب في تعقيدها ....

لم تشر دائرة الإفتاء في فتواها عما إذا كانت قروض الإسكان التي تمنحها المصارف ومؤسسات التمويل الإسلامية مقبولة لغرض شراء شقة سكنية أم لا .... فإذا كان الجواب نعم فمن حقنا عندها أن نتساءل عن الفرق الجوهري بين القروض "الربوية" والقروض الاسلامية وكلا النوعين يعتمد على استيفاء قيمة القرض كاملاً مضافاً إليها مبالغ كبيرة تسمى عند هؤلاء "فوائد" وعند أولئك "أرباحاً" .... ثم ماذا عن نوع ثالث يختلف في الشكل كثيراً ولا يختلف في الجوهر إلا قليلاً ألا وهو التأجير التمويلي الذي يعتبر الأقساط الشهرية لسداد القرض بمثابة بدل استئجار للشقة لحين سداد كامل القرض .... هل هو حلال أم حرام شرعاً ....

لم يعد الاستئجار هو الحل الآمن والدائم للحصول على السكن بعد أن تم تعديل قانون المالكين والمستأجرين بحيث أعطى الحق لصاحب المأجور بعدم تجديد عقد الإيجار بعد انتهاء مدته المتفق عليها ....

لقد أدت الإصلاحات التي تم تنفيذها في سوق التمويل الإسكاني والتي مكنت البنوك التجارية من منح قروض طويلة الأمد لغايات الإسكان إلى ارتفاع الطلب على الشقق السكنية التي تنتجها شركات الإسكان مما ساهم في زيادة مساهمة القطاع الخاص المنظم "المستثمرين" في تلبية الحاجة السكنية السنوية والتي تقدر بما يزيد عن ستين ألف وحدة سكنية سنوياً ....

إن ما يتوقعه جمهور المواطنين ممن يتصدون للفتوى هو تقديم حلول ومقاربات إسلامية لمشاكل المجتمع واحتياجاته أسهل وأيسر لا بل وأقل كلفة مما يقدمه الآخرون ....



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات