أسباب نقص المواد الغذائية في الجزائر


جراسا -

تعاني الجزائر مثل العديد من دول العالم نقصاً حاداً في المواد الغذائية جعل السلطات تخشى بسببه على الاستقرار، وخصوصاً أن الحراك السياسي والاجتماعي الذي عرفته البلاد وأطاح بنظام الرئيس عبد العزيز بوتفليقة تواصل ولم يهدأ إلا بفعل الحجر الصحي جراء أزمة الكوفيد- 19. فالجميع داخل السلطة مدركون على ما يبدو بأن فقدان المواد الغذائية سيؤدي إلى ما لا تحمد عقباه، لذلك كان هناك حرص على توفير هذه المواد وسن قوانين جزائية صارمة لردع من يهرّبها سواء إلى دول الجوار أو إلى غيرها.

أكثر المواد التي تشهد نقصاً في الأسواق الجزائرية، الحليب والزيوت النباتية والطحين، إضافة إلى اللحوم الحمراء التي يشكو الجزائريون نقصاً فادحاً فيها منذ فترة طويلة سبقت هذه الأزمة الغذائية التي يعاني منها الكثير من بلدان العالم. وهناك مواد غذائية أخرى غابت ثم تم حل المشكلة بشأنها من خلال الاضطرار إلى الاستيراد، رغم أن الحكومة اتبعت سياسة التقليل من الاستيراد من الخارج قدر الإمكان.

دول الجوار
هناك اعتقاد سائد في الجزائر، أن المواد الغذائية الجزائرية تُهرّب إلى تونس والمغرب، في حين يسود الاعتقاد في البلدين الجارين، الفلاحيين المنتجين والمصدرين للغذاء، أن الجزائر هي من تستقطب المنتجات الغذائية من البلدين وتتسبب لهما في أزمات عذائية. فربع القطيع التونسي من الأبقار المنتجة للحليب، على سبيل المثال، تم تهريبه إلى الجزائر خلال السنوات القليلة الماضية وهو ما أثر سلباً على إنتاج تونس من الحليب والذي تراجع بعدما كانت البلاد تحقق اكتفاءها الذاتي من هذه المادة مع فائض يذهب تصديراً إلى خارج الديار.

كما يذهب البعض في تفسيره للنقص في المواد الغذائية إلى المضاربة التي يقوم بها بعض الوسطاء، من خلال الحصول على المواد الغذائية مباشرة من المنتجين وتخزينها في انتظار ارتفاع الأسعار لبيعها بسعر مرتفع طمعاً بالربح على حساب المواطن البسيط. ولعل عمليات المداهمة الأمنية التي حصلت خلال الفترة الماضية وتم خلالها القبض على مضاربين وحجز كميات هامة من السلع الغذائية لديهم، تؤكد أن الاحتكار هو السبب الرئيسي في غياب المواد الغذائية وليس الجوار.

وذهب مسؤولون جزائريون في هذا الإطار إلى حد اعتبار المحتكرين للمواد الغذائية أنهم "جماعات تسعى إلى زعزعة استقرار المجتمع ومؤسسات الدولة"، وذلك من خلال "زرع اليأس في نفوس المواطنين عبر ضرب قدرتهم الشرائية بصورة مباشرة"، على حد تعبير أحد المسؤولين. وتم أيضاً اعتبار أن عملية احتكار المواد الغذائية قد انتقلت حالياً إلى مرحلة أخرى تتعدى رفع الأسعار، وذلك بسبب وجود قرائن ودلائل تدفع إلى الاعتقاد، بحسب المسؤول الجزائري، أنها أضحت أفعالاً منظمة تهدف الى ضرب استقرار الدولة مباشرة.

الحد من الواردات
ويرى البعض أيضاً أن من أسباب النقص في المواد الغذائية هو قيام السلطات بالحد من استيراد المواد الغذائية بعدما ارتفعت أسعار الكثير من المواد في الأسواق العالمية بسبب تداعيات الحرب الروسية - الأوكرانية التي فاجأت في بدايتها كل دول العالم. فالرغبة في الظهور بمظهر الحكومة الرشيدة التي لا تبذر المال العام يميناً وشمالاً والقادرة على ضغط النفقات وتوفير السيولة المالية من العملة الصعبة كانت له نتائج كارثية وأثر سلباً على حياة المواطن البسيط الذي لم يعد قادراً على إيجاد العديد من المواد في السوق.

ويرى الكاتب والباحث والناشط السياسي التونسي هشام الحاجي في حديث لـ"النهار العربي" أنه كان يُفترض بدولة غنية بالنفط والغاز مثل الجزائر استفادت من الحرب الروسية - الأوكرانية من خلال جني مداخيل هامة من العملة الصعبة بسبب ارتفاع أسعار المحروقات، أن لا توقف استيراد بعض السلع غير المتوافرة في السوق الجزائرية والتي تضرر المواطن بفعل غيابها. كما كان من المفروض، وبحسب الحاجي، أن لا يتم توجيه الرأي العام نحو دول الجوار وصناعة عدو وهمي هلامي عنوانه هذا الجوار الذي "يستهدف قوت الجزائريين" وأمنهم واستقرارهم، لأن زرع الأحقاد بين أبناء الفضاء الجغرافي الواحد سيعود بالوبال على الجميع.

ويضيف الحاجي "أن أزمة فقدان السلع الغذائية في الأسواق هي أزمة عالمية ولا تخص بلداً بعينه وبالتالي لا يجب أن يتحسس أي بلد في الوقت الراهن من فقدانها ظرفياً. وتكمن الحلول على المدى القريب في محاربة الاحتكار واستيراد بعض المواد من الخارج لتغطية العجز، وعلى المدى البعيد في خلق اكتفاء ذاتي من الانتاج المحلي من خلال تطوير القطاع الفلاحي وقطاع الصناعات الغذائية".



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات