القوانين العربية تقر المساواة في منح الجنسية


تُعرّف الجنسية بأنها الرابطة القانونية والسياسية التي تربط الفرد بدولته، والتي تُستخدم لتمييز مواطني الدولة عن الأجانب فيها، وذلك لغايات ثبوت الحق في ممارسة بعض الحريات السياسية كالانتخاب والترشح، وتولي الوظائف العامة.
وتعتبر الجنسية مظهرا من مظاهر سيادة الدولة الداخلية، بالتالي فهي تتمتع بالسلطة المنفردة في تقرير شروط منحها ابتداء واكتسابها للمقيمين على أراضيها، وذلك وفق تشريعاتها الوطنية الخاصة بها. وقد تبنى المشرع الدستوري هذا الأسلوب، حيث نص في المادة (5) من الدستور بالقول إن "الجنسية الأردنية تحدد بقانون".
وقد صدر لهذه الغاية قانون الجنسية الأردني رقم (6) لسنة 1954، الذي عرّف الأردني في المادة (3) منه بأنه من "وُلد من أب متمتع بالجنسية الأردنية، ومن وُلد في المملكة الأردنية الهاشمية من والدين مجهولين، ويعتبر اللقيط في المملكة مولودا فيها ما لم يثبت العكس". وبهذا يكون القانون الأردني قد قصر منح الجنسية لأبناء الأردنيين فقط دون الأردنيات، اللواتي يقتصر حقهن في منح الجنسية لأولادهن في حالات استثنائية تتمثل بأن يكون الأب مجهول الجنسية أو لا جنسية له، أو لم تثبت نسبته إلى أبيه قانونا.
ومع تقديرنا لكافة الأسباب التي تتمسك بها الدولة الأردنية لتقييد الحق في منح الجنسية لأبناء الأردنيين فقط دون الأردنيات، نجد أنه من المهم إلقاء الضوء على التطورات التشريعية في الأنظمة العربية المقارنة، والتي تتجه نحو المساواة في منح الجنسية لأبناء مواطنيها، والتي كان آخرها المملكة العربية السعودية.
فقد تقرر قبل أيام إجراء تعديل جوهري على نظام الجنسية العربية السعودية، بحيث أصبح يحق لأبناء السعوديات أن يتقدموا بطلب للحصول على الجنسية السعودية، وذلك ضمن شروط واضحة ومحددة وردت في المادة (8) من النظام بحلته المعدلة في عام 2023، والتي تنص على أنه "يجوز منح الجنسية العربية السعودية بأمر من رئيس مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير الداخلية لمن وُلد داخل المملكة العربية السعودية من أب أجنبي وأم سعودية إذا توفرت الشروط التالية: أن تكون له صفة الإقامة الدائمة في المملكة العربية السعودية عند بلوغه سن الرشد، وأن يكون حسن السيرة والسلوك ولم يسبق الحكم عليه بحكم جنائي أو بعقوبة السجن لجريمة أخلاقية لمدة تزيد عن ستة شهور، وأن يجيد اللغة العربية، وأن يقدم خلال السنة التالية لبلوغه سن الرشد طلبا بمنحه الجنسية العربية السعودية".
ومن الدول العربية الأخرى التي قامت بمراجعة تشريعاتها الوطنية لصالح المساواة في منح الجنسية مصر الشقيقة، التي قامت في عام 2004 بتعديل المادة الثانية من قانون الجنسية رقم (26) لسنة 1975 لتصبح "يعتبر مصريا من ولد لأب مصري أو أم مصرية".
فبعد أن كان القانون المصري يتبنى الموقف التشريعي ذاته الذي يقرره القانون الأردني في استثناء السيدات من منح الجنسية لأولادهن إلا في الحالات ذاتها التي أوردها التشريع الأردني، نجد بأن المشرع المصري قد عدل عن هذا الموقف لصالح تقرير المساواة في منح الجنسية لأبناء المصريين والمصريات.
وقد تأكد هذا الموقف التشريعي المصري في المساواة في منح الجنسية في الدستور الحالي لعام 2014، حيث تنص المادة (6) منه بالقول "الجنسية حق لمن يولد لأب مصري أو لأم مصرية، والاعتراف القانوني به ومنحه أوراقا رسمية تثبت بياناته الشخصية، حق يكفله القانون وينظمه".
وقد توسعت الحماية القانونية في منح الجنسية لأبناء المصريات بموجب قرار المحكمة الدستورية العليا المصرية الصادر في عام 2019، الذي تقرر فيه إعلان عدم دستورية المادة (6) من قانون الجنسية المصري، التي كانت تميز بين المصريين بالتجنس لغايات نقل الجنسية لأولادهم. فالنص المطعون بعدم دستوريته كان يحرم الأم الأجنبية التي اكتسبت الجنسية المصرية بالتجنس من نقل جنسيتها بالتبعية لأبنائها، ويقصر الحق في نقل الجنسية المصرية بالتبعية على أبناء الأجنبي الذي اكتسبها بالتجنس.
وقد اعتبرت المحكمة الدستورية المصرية هذا الحكم القانوني تمييزا غير مبرر بحق السيدات اللواتي يكتسبن الجنسية المصرية، وبأن أوجه المساواة بين الرجل والمرأة يمتد ليشمل حقهم في التمتع بالنتائج القانونية ذاتها المترتبة على اكتسابهم الجنسية المصرية، ومن ضمنها نقل الجنسية لأولادهم.
وقد جاء في القرار الدستوري أن سلطة المشرع الوطني في تحديد شروط اكتساب الجنسية المصرية مقيد بضرورة الحفاظ على تماسك الأسرة واستقرارها، وعدم المساس بجوهر الحقوق والحريات، والالتزام بمبادئ العدل والمساواة.
إن القوانين العربية قد بدأت بسلوك منهج تشريعي مغاير للقانون الأردني، وذلك من خلال تقرير مبدأ المساواة في منح الجنسية الوطنية.


* أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية
laith@lawyer.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات