بيت البيدر المسكون .. الجزء الرابع


نظر نبيل الصيداوي الى نقاط المطر التي انتشرت على واجهة الزجاج امامه بالسيارة، ابتسم لمنظرها و لمنظر السماء الملبدة بالغيوم فكان منظرها جميل جدا و هي تبلل بلطف الزجاج امامه، ابتدأ البخار يغطي اجزاءا من الزجاج مع اشتداد موجة البرد و الشتاء فاشعل التدفئة بالسيارة، حاول مسح بعض من البخار من على الزجاج بكم معطفه الا انه لم يفلح بإزالته كليا، فأشعل موجه الهواء تحت الزجاج لإذابت ما تبقى عنه، سأل سينثيا التي ابتدأت بإغلاق ازرار معطفها بجانبه "هل تشعرين بالبرد؟"
اجابت و صوتها يرتجف قليلا "منذ دقيقتين شعرت بالبرد و البرق يضيئ السماء، يبدو انها ليلة عاصفة،"
اجاب "تدفئة السيارة تعمل جيدا، ستشعرين بالدفئ بعد قليل،"
أخذت سنثيا دلة قهوة صغيرة كانت ترقد على الكرسي الخلفي، اخرجت من كيس بلاستيكي بجانبها كوب من الكرتون المقوى و ضغطت زر الدلة من فوق، سكبت كوب لنبيل، اخذه قائلا "اثقلت بالمشروب و احتاج لها لكي ابقى في وعيي،"
اجابت سينثيا و هي تسكب لنفسها كوب قهوة "و انا ايضا، اثقلت من شرب الويسكي، مع الأغاني في النادي الليلة و الرقص نسيت كم كوب قد شربت،"
"صفوت كان بمزاج ممتاز الليلة هو و صديقته،"
"الجروب الذي كنا برقفته كان بمزاج ممتاز، لم نشعر بالوقت و نحن نرقص بالنادي، يجب ان نكررها بالويك اند القادم،"
"اين ستذهب بنا يا نبيل؟"
"الى المنزل، كفانا سهر الليلة، انت تعلمي انه يجب ان افتح السوبرماركت باكرا،"
فجأة اضاءت اضواء السيارات بالشارع لافتة مكتوب عليها "اهلا و سهلا انتم بعين ابل،" فجأة برقت فوقهم بضعة صواعق و تبعها صوت الرعد المدوي، انهمر المطر بقوة اكبر، انتشرت بالسيارة اصوات طقطقت المطر و هو ينهمر على هيكل السيارة و على زجاجها بقوة، قالت سينثيا "نبيل، فتحت معك الموضوع اكثر من مرة، منذ اول السنة و البيع بالسوبرماركت قد خف، ارتفاع اسعار السلع لم يعد يناسب الناس و البيع ليس على ما يرام،"
"يا سينثيا قلت لك احب ان اتريث قبل ان ابيع اي تجارة املك، هذا طبع في، فالنفترض ان اصلاح اقتصادي حصل بالبلاد و عاد البيع و الشراء بالسوق الى وضعه السالف، سأندم إن بعت المحل، بالسرعة الندامة، منذ اولى ايام خطبتنا و انت تفتحي معي هذا الموضوع و انا ارفض مبدء البيع حاليا،"
"اخ ما اعندك، انا اخاف عليك كثيرا،"
اخذ نبيل طريق ظهر البيدر و سار ببطئ بالشارع حيث اشتدت الأمطار عليهم اكثر، سألت سينثيا "الى اين انت ذاهب"
قال لها منذ فترة لم نختلي مع بعض، اشتقت لك،"
ابتسمت له و قالت و هي معاتبة، "قلت انك ذاهب الى البيت، انت كذبت علي، هل تريدني الليلة؟"
"اليوم و في كل يوم، احبك،"
"انت تعلم رفضي لما تطلب مني، عُدْ يا نبيل فانا لا احب هذه الطريقة ابدا،"
سار بالطريق نحو بيت البيدر ثم توقف امامه، كانت البوابة امام الأرض الفسيحة التي تتقدم البيت مفتوحة، اهتزت مع قوة الرياح فدخل نبيل الى الأرض و سينثيا تقول "هذا البيت يقولون انه مهجور و مسكون بالأرواح، كما ان الارض ستكون طين و قد تغرز السيارة بالطين،"
"لا تخافي، البيوت المسكونة خزعبلات لا اساس لها من الصحة، كما اننا في سيارة جيب تويوتا حديثة و هنالك دفع رباعي،"
"نبيل لو سمحت انا اريد الذهاب الى منزلي، اوصلني من فضلك،"
سار نبيل مسافة الى داخل الحقول الى ان اصبح بقرب البيت، كان مُعْتِمْ كعادته، ارتفعت بالأجواء فجأة طرقات مدخله القديم و اختلطت مع صوت المطر الكثيف حيث اهتز مع الهواء القوي بالخارج،"
قال لسينثا انا احبك و اشتهيت ان تكونِ بين يداي الليلة، دلليني و لا تبخلي علي بأي شيئ،" نظر اليها بتمعن، كانت إمرأة جيملة بالثامنة و العشرين من العمر، كانت ذات شعر اسود طويل و بشرة بيضاء و عينين عسلية جميلة حدا، كان عطرها الفواح يملأ الأجواء من حوله، كان وجهها جميل جدا و شفاهها الحمراء مغرية بنظره، كانت إمرأة بكل معنى الكلمة الليلة، كانت ترتدي ثوب ازرق غامق ذو اكمام طويلة و لكنه كان قصير يبرز مساحة من فخذيها، ارتدت ايضا معطف طويل غطى معظم جسدها، ما عدا ساقيها فكانا مكشوفين امامه،
سأل نبيل "انت تعرفين انني احبك و لن اسمح لنفسي بأذيتك، و لكن انا ارغب بمعشارتك بعض الشيئ، لا اريد لنا ان نصطدم بأي امر قد يعكر صفو علاقتنا بعد الزواج،"
شَرِبَتْ بعض القهوة الساخنة و هي تفكر بكلام نبيل، لأول مرة منذ خطبتهم تصرف معها بهذه الجرأة فلم تتوقع منه ما فعله الليلة، لم تعلم اذا كان هذا بتأثير المشروب ام كان يريدها فعلا هذه الليلة، قالت له بعد لحظة من التفكير "انت تعلم عاقبة ما تطلبه مني، ان ضعفنا امام بعض و لم نستطع التوقف عند الحدود المطلوبة، ستكون ملزم للزواج مني، انا لاريد ان نتهور و نحن مخطوبين فقط لبعض،"
فجأة برقت صاعقة فوقهم، دوى صوت الرعد و ملأ المكان من حولهم، اقترب منها نبيل و قبل شفتيها، فجأة شعرت شيئا بعواطفها يتحرك بداخلها، و لكنها تمالكت تفسها و ابعدته عنها برفق، قالت له " لو سمحت اعدني الى منزل اهلي، انا غير موافقة..."
انتطرت لدقيقة كي ترى ردت فعله و لكن مكث بمحله ينظر الى الزجاج امامه، ما فعله ايقظ بها شهيتها للغرام، لم تتمالك نفسها سينثيا فإقتربت منه و قبلته، لفت ذراعيها حول جسده و قبلته بحرارة، "همست له قائلة " سامحك الله، ان لم تتزوجني بعد الذي حدث بيننا سأقتلك،"
ضحك قليلا نبيل ثم استمتع بُقُبَلِهَا الرقيقة له، تلاقت شفاههم بصورة متكررة و انغمسا لبرهة من الزمن بما يفعلا الا ان سمعا فجأة طرقات عالية على زجاح السيارة، خافت سينثيا فقالت "نحن لسنا بمفردنا،"
نظر نبيل حوله فلم يرى احدا، قال "يبدو ان شيئاً طار مع الريح و اصطدم بالسيارة،"
"نبيل انا لست مرتاحة لهذا المكان المهجور اساسا، هي لنسير من هنا،"
قال لها "اهدائي، سانزل من السيارة و سألقي نظرة،" صرخت معترضة "سَتُبَلْ ثيابك! لا تنزل و تتكرني بهذا المكان المهجور!"
قال لها "اهدائي قليلا،" فتح باب السيارة و نزل منها، انغرز حذاءه بالطين لمسافة و انهمر عليه المطر الكثيف و هو يسير حول السيارة ينظر لعله يجد من طرق الزجاج، و لكنه لم يجد احد، قال بصوت مرتفع قليلا "هل هنالك احد هنا؟" و لكن لم يجبه احد، عاد الى السيارة و جلس على كرسي السائق، مسح حذائه بعتبتها و اقفل الباب جيدا، قال مُطَمْئِناً "أرأيت حبيبتي، طار شيئ مع ريح و ارتطم بالسيارة، اهدائي،" اقترب منها ليقبلها مرة ثاينة، اغمضت سينثيا عينيها قليلا حينما لامستها شفاه نبيل، فجأة انقبض قلبها في صدرها، شعرت فجأة بعدم ارتياح، فتحت عينيها و نظرت الى الزجاج الأمامي، اطلقت صرخة من الرعب هزت السيارة، ابتعد عنها نبيل مذعورا و قال "ماذا دهاك،"
صرخت سينثيا و هي تشير الى الزجاج الأمامي، نظر نبيل امامه، زلزلت كيانه موجة رعب كبيرة لمنظر الجمجة التي كانت تنظر اليهما، كانت ترقد على زاوية الزجاج الامامي من الأسفل، قال و قلبه يخفق بسرعة من الخوف "هذا امر مريب جدا،" نزل من السيارة و امسك بالجمجمة، القاها بعيدا عن السيارة و عاد اليها، اغلق الأبواب من جديد و قال "يبدو انني سأسمع نصيحتك و نغادر المكان فورا، سأعيدك الى المنزل،"
فجأة سمعا شيئ يصطدم بالسيارة من الخلف، صرخت سينثيا و هي تنظر مع نبيل الى الوراء، ارتعبا لمنظر هيكل عظمي و هو يرتطم بالسيارة، كان يطرق الزجاج الخلفي للجيب بيديه العظمية، صرخ نبيل "بسم الله من هذا المكان،" اشعل محرك السيارة و حاول تحريكها الى الخلف، دارت الدواليب عبثا لتغرق بمكانها بالطين من دون ان تتحرك بهما، اشعل الدفع الرباعي و حاول من جديد فتحركت السيارة اخيرا، اهتزت يمنتا و يسارا لبضعة ثواني ثم صعدت بقوة الى الأعلى، تحركت الى الخلف بعزيمة كبيرة، صرخت سينثيا "بسرعة يا نبيل، يكاد قلبي يتوقف من الخوف،"
استدار بمِقْوَدْ السيارة الى اليسار ليصلح من وضع الجيب، فجأة ارتجف جسد سينثيتا من الخوف، نظرت الى الهيكل العظمي و هو يصطدم من جهتها ببابها، تحول صراخها الى عويل و هي تنظر الى جمجته و يديه و هما تطرقا الزجاج بجانبها، ادار نبيل مِقْوَدْ السيارة الى اليمين و حركها نحو البوابة، صرخت سينثيل بجنون و الهيكل العظمي يجري بجانبها و يرتطم ببابها "اسم الصليب!!! يا رب ساعدنا!!!" داس نبيل دواسة البانزين و اسرع نحو البوابة، اطلق المحرك هدرة مدوية و نثرت الدواليب كميات ضخمة من الطين من حولهم و نبيل يقود بسرعة محاولا تفادي الإنغراز من جديد، اشعل كاميرا فيديو خاصة بالجيب و نظر الى الوراء، رأى عدة هياكل عظمية تجري ورائهم بسرعة مخيفة، قال و الهلع يسيطر عليه "اقتربنا من الوابة يا سيثنيا، لا تخافي، البسي حزام الآمان، هيا،"
وضعت سينثيا حزام الآمان مع اقترابهم اكثر من البوابة، اختفت الهياكل العظمية من الشاشة و نبيل يسرع الى الشارع، تعدا البوابة بعد دقيقة من القيادة الجنونية و دخل الشارع الرئسي بقرب البيت، استدار بالجيب في الشارع الي اليمين فاطلقت الدواليب زعيق عالٍ سمع بالرغم من صوت الرعد الذي توالى فوقهم من العاصفة، حذفت قوة الطرد الجانبي الجيب الى اقصى يمين الشارع لتتفاجئ سيارة امام نبيل بدخوله المفاجئ، صرخا نبيل و سينثيا بجنون و هما ينظران الى السيارة و هي تقبل عليهم، تدارك السائق خطورة الموقف فالتف بسيارته حول الجيب فداس نبيل البنزين و اصلح مِقْوَدْ السيارة الى عكس اتجاه الجيب فسيطر عليه أخيرا، سار لمسافة بعيدا عن البيت ثم توقف على طرف الشارع و هو يلهث بسرعة من الموقف، قال و هو يتنفس الصعداء "الحمدلله، كانت هذه اول مرة ادخل هذا المكان، و ستكون آخر مرة،"
وضعت سينثيل يدها على قلبها و صرخت شاكرة الله "الحمدلله، ابتعدنا عنها، نشكر العذراء الطاهرة، كدنا ان نصطدم بالسيارة لولا لطف الله، هياكل عظمية، جماجم، نحن كنا وسط مصيبة يا نبيل،"
"حَرًمْت ان اختلي بك يا سينثيا، هذه خطيتك، لننتظر يوم الزفاف، كانت لحظة ملعونة نجونا منها، عاقبني الله على خطوة خاطئة كنت سأتخذها معك،" قال و هو يمسح الدمع من عينيه "سامحيني، ارجوك،" فجأة راى نبيل سيارة تتوقف ورائهم بالمرآة بجانبه، نزل منها رجل بمظلة و سار صوبهم، فتح له زجاج السيارة، قال الرجل "مرحب، هل انتم على ما يرام،"
"اعتذر منك على تهوري بالقيادة، فقدت السيطرة على السيارة بسبب الاسفلت المبتل، و لكن بفضل فطنتك اثناء القيادة تفادينا كارثة،"
"من التفافك بالشارع اعتقدت انك قد خرجت من بيت البيدر المسكون،"
"لا لم اقترب منه، و ما عمري دخلته،"
فجأة سألت سينثيا "هل هو مسكون كما يقولون،"
"العديد من اهالي المنطقة اخبروا بما لا يَسُرْ حينما دخلوه، قدمنا به عدة مرات شكاوي و لكن البلدية و مُلاكه عجزوا عن بيعه، ربما سيهدوه يموما ما، انا ساترككم برعاية الله، هل سيارتكم تعمل، هل تحتاجون الى مساعدة،"
"كل شيئ تمام، شكرا لك و لذوقك بالسؤال علينا،"
اشعل نبيل محرك الجيب بينما عاد الرجل الى سيارته قائلا لهم "اهلا و سهلا،" سار بطريقه عائدا الى بيت سينثيا،
**************************************************************
نهضت ستفاني مسحراتي من السرير على صوت طرقات على باب غرفة نومها، نظرت الى هاتفها الخلوي الذي كان على المنضدة بجانب سريرها، كانت الساعة الواحدة ظهرا، اخذت محرمة من علبة المحارم بجانبها و مسحت الدمع من عينيها، قالت آمرة "تفضل بالدخول،" دخلت صانعتها الإثيوبية الى الغرفة و بيديها صينية طعام انيقة جدا، اقتربت منها و وضعتها على السرير بجانبها، سألت بنبرة حنونه "هل تأمريني بشيئ آخر،"
نظرت اليها و تعابير الحزن و الإرهاق تملئ وجهها، اجابتها بنبرة مرهقة "لا شيئ يا حسناء شكرا،"
وقفت حسناء بتردد لما يجب ان تفعل، فنظرت اليها ستفاني و قالت "هل هنالك شيئ؟"
اجابت "والدتك اتصلت ثلاثة مرات في هذا الصباح، تسأل عنك بصورة متكررة منذ جنازة المرحوم،"
"ان اتصلت مرة ثانية قولي لها انني سأكلمها لاحقا، لا اريد الحديث مع احد حاليا، ان اتصل ناس من الحزب قولي لهم انني سأتصل بهم بالغد،"
قالت بقلق شديد "تحت امرك، و لكن لأربعة ايام تعيدين لي الصينية و نصف الطعام عليها، شهيتك التي ضعفت بالايام الماضية تقلقني،"
"لا تقلقي علي، انا بخير، و لكن لا نفس لي للطعام،"
كانت اللهجة اللبنانية طاغية على حسناء فكان والدها لبناني و والدتها اثيوبية، اكملت بتعاطف كبير "انت تبكين بصورة هستيريا منذ اربعة ايام، أُمُرُ بجانب غرفتك بصورة متكرره و انا انظف المنزل و الممرات لأسمعك في كل مرة تبكين بمرراة منذ عزاء المرحوم، حتى والدتك تتصل من فرنسا و هي في قمة قلقها عليك، حتى لم تكلمي اهلك مؤخرا، الى متى يا ست ستفاني، والدتك لم تعد تأخذ بكلامي فقالت لي بآخر مكالمة انها ستأتي الى لبنان بطائرتها الخاصة بعد غد،"
نظرت اليها ستفاني و الحزن يخيم على وجهها، دمعت عينيها و هي تستمع الى حسناء فكانت اسيرة احزانها لدرجة كبيرة كادت ان تخنقها، قالت لها و هي تبكي "انا فجأة رأيت شركة خطيبي على التلفاز ببث حي و مباشر و النيران تستعر بها، و كانت النيران تشويه داخل مكتبه، منظر النياران و هي تحرق الشركة لا يغيب عن ذهني يا حسناء، الوجع الذي في قلبي طعمه مُرْ و يكويني في كل لحظة، اشعة شمس الصباح التي تشرق علي ترهقني لأنني على قيد الحياة في كل يوم و في قلبي كل هذا الوجع على خطيبي، فعليا وجع مر و مؤلم لا اتمناه لاي انسان لا للعدوي و لا لصديقي،"
"اشعر مع كل اخٍ تطليقيها و انت تبكين المرحوم، و لكن لا تجعليهم يكسروا ظهرك، انت سند لمليون طلال في لبنان من جراء فسادهم، انت نائبة لميلون مواطن و مواطنه تكويهم الأوجاع من جراء قلة اخلاقهم و نشاطاتهم المريبه داخل البلد،"
"قد كسروها يا حسناء، اتركيني و شأني، عودي الى عملك، قد لا اكمل العمل النيابي،"
"انا لا اناقشك بحقك بالنوح على الراحل طلال، انا اقول لك ان تتقوي بالله، ستمر الايام عليك و ستخف احزانك و سترين معنى كلامي..."
سارت نحو الباب ثم توقفت، نظرت الى ستيفاني، فتحت فاه لتتكلم فقالت لها ستفاني "انا عندي صداع يا حسناء، لا اريد ان تكلميني بهذا الموضوع بعد الآن،"
"اسمعيني كمواطنة لبنانية، اليس هذا حقي عليك،"
قالت لها بقليل من العصبية "تفضلي،"
"انا اعمل عندك منذ سنة ست ستيفاني، هنالك امر لا تعرفيه عني، انظري الي جيدا،"
نظرت اليها ستيفاني و قالت "لا ارى سوى إمرأة امامي، ماذا تقصدين؟" قالت بغضب "حسناء انا متعبة الأعصاب، قولي ما تريدين بصورة مباشرة،"
"لا يَغُرُكْ سنى الصغير، تزوجت باكرا، انا بالأربعين من عمري الآن،"
اجابت ستيفاني بنبرة عصبية "هل ستحكي لي قصة حياتك، لا تتعاملي معي بصفة شخصية، عودي الى عملك،"
اكملت حسناء الكلام متجاهلة حديث ستيفاني "كان عمري ثمانية عشر سنة حينما زفتني والدتي على عريسي في لبنان، هل تعلمي ان والدي سياسي كبير في لبنان و مازال يظهر على الفضائيات و يمارس حياته السياسية؟"
جلست ستيفاني بالسرير قليلا و نظرت بإستغراب الى حسناء، اكملت صانعتها و تعابير الحزن على وجهها "اثناء شبابه و عزوبيته دخل على والدتي بسبب شهيته للنساء و انجبني منها، كانت مستورة الحال بغرفتها في ذات ليلة حينما دخل على غرفتها في حالة سكر فلم يكن يعلم تماما ما يفعل، كانت والدتي صانعة في قصرهم، و حينما علمت والدته بحمل والدتي و بسبب انهم من العائلات الكُبَارْ في لبنان و من العائلات السياسية العريقة ضغطت على ابنها ان يتبرأ منا، كانت إمرأة ذات علاقات نافذة و كانت تتجبر بكل من حولها، فاعطت والدتي مبلغا صغيرا و طردتها من قصرهم، والدتي سرعان ما وجدت نفسها بالشارع و هي حامل بي، مكثت لأسبوع تنام بالشارع على الرصيف و هي حامل الى ان علمت صديقة لها بأمرها، فجن جنونها بما اصابها، فكلمت لها السيدة التي كانت تعمل عندها، و سرعان ما قبلت بأمي كي تعمل عندها، فكان الله لنا عون، الذي ليس له اب له رب يحميه، اما والدي فلم يسأل عنا، انجبتني والدتي على خير و كبرت و هي تعمل صانعة ببيت هذه العائلة الغنية، كانت معاملتهم احسن من عائلة والدي و احسنوا الينا، فاكْمَلْتُ دراستي المدرسية بفضل سخائهم، و لكن والدتي شعرت بدنو اجلها بسبب مرض اصابها فزوجتني بعد تخرجي من المدرسة فورا، كانت تريد الإطمئنان علي لأنني كنت وحيدتها، و عشت لبضعة اشهر انا و زوجي معا قبل ان اكتشف انه سكير لا ينفع ليكون رب لأسرة، و لكن بالرغم من هذا الأمر مرت بنا السنين و انجبت ولدين منه، عمار و سند، عمار عمره عشرين عاما، و كان سند عمره اثنين و عشرين عاما، تطلقت من زوجي بعد فترة، قلم يعجبه هذا الأمر فإنتقم مني و اخذ اولادي مني بعد فترة قصيرة من طلاقي،"
سألت سنيفاني "ماذا تقصيدين بكان، ماذا حل بسند؟"
اكملت و الدمع بيعينها "سند مات و هو بعز شبابه، بعد طلاقي اكملوا اولادي مدرستهم في رعاية زوجة اب كانت تعاملهم معاملة قاسية، و لكن رغم قسوة الظروف عليهم كبروا في لبنان ليجدوا ماذا ست ستيفاني؟ فساد يسرق رزقهم قبل ان يدخل الى جيوبهم، بلد لا يوفر لهم عمل و يجبرهم لأنهم فقراء على الهرب للعمل في بلاد الغربة، دولة تقودها افاعي خبيثة و لئيمة تجري وراء السرقات و الإختلاسات و تنهش قوتهم بوحشيه، و حتى حينما فعلوها و سافروا لم يجدوا طائرة لتقلهم مثل باقي البشر المحترمين ليعيشوا بالغربة، فهرب سند منذ سنتين مع مجموعة من المهاجرين و هو بريعان الشباب عبر مركب من مراكب الموت، فغرق بهم لأنه كان قديم فلم يستحمل السفر الى اوروبا، فانقلب بهم و غرق ابني في عرض البحر،"
بكت حسناء و هي تتذكر احزانها المريرة، اكملت و الشهقات تقطع حديثها "سماحيني يا ست ستيفاني لأن دموعك قلبت علي المواجع فانا و انت ضحايا فساد قذر، انت ترينني ابتسم لك في كل صباح و انا احضر لك الطعام و انظف لك المنزل، و تأتين بالليل بعد ساعات العمل لتجدي كل شيئ جاهز بالمنزل، السُفَرْ الأنيقة و ثيابك التي ارسلها الى المصبغة للتنظيف، احذيتك التي ألمعها بيداي احتراما لك، الآيام تمر علي و انا احبس دموعي و احزاني في داخل صدري فانا خادمة، اخدم في قصور اسيادي و من غير مسموح لي ان ابكي و ان افضفض احزاني، يجب علي ان اكون مثل الجهاز الألكتروني اعمل حينما يريدون شيئا مني اسيادي، و لكن لو تعلمي بركان القهر الذي يغلي بصدري، فانا انحرمت من والدي الحقيقي فانا بالنسبة له و للمجتمع ابنة حرام، و لكن الذنب ليس ذنبي ان كان والدي فاسدا لم يرق قلبه علي،" فجأة ضربت حسناء صدرها بقبضتها و بكت بمرارة "و لم اجد جثة ابني لأدفنه بحسب شرع الله، ابني فلذة كبدي، فَتُلِيَتْ صلاة الغائب عليه بالمسجد ست ستيفاني، حتى حرموني من جثة ابني لأبكي عليه و ادفنه بيداي...اتعلمي مناذا يحل بالذين يغرقون بعض البحر و لا معين لهم، يموتون غرقا و تترك اجسادهم لاسماك القرش لتنهشها!!! استخسروا فينا الدموع لنبكيها على امواتنا!!!"
نهضت ستيفاني من سريرها و اتجهت صوب حسناء، حضنتها بحنو و هي تبكي، عادت الدموع الى ستيفاني و قالت لها "حبيبتي كل منا ذاق المر من فسادهم، اشعر معك فصدقيني إن بكيت دموعا على ابنك انا بكيت الدم و الدموع على خطيبي، حرموني من فرحة ان اقف بين ذراعيه بفستان الزفاف،"
قالت حسناء و هي بين ذراعي ستيفاني "قصقصوا جناحاي، كسروا ظهري بموت ابني يا ست ستيفاني، انكويت بنار جهنم و انا ابكي على ابني، لو تعلمي ما هو المرار و انا افكر بابني و هو يغرق بعرض البحر مثل المسكين و انا عاجزة عن فعل شيئ لأجله، لم اودعه لا قبل و لا بعد ان فارق الحياة يا ست ستيفاني!" فجأة نظرت حسناء الى ستيفاني و أكملت "تقوي لأجلي و لأجل آلآف يتكلون عليك لتقفي بوجه فسادهم!"
"انت تطلبي من المستحيل، انا ست مكلومة على فقيدي الغالي، انا أَعْجَزْ مما تتخيلي،"
"ست ستيفاني انت نائبة عن الشعب فلا تجعيلهم يستقوا عليك،"
سارت ستيفاني الى الوراء قليلا و نظرت الى شرفت غرفة النوم، اخذت محرمة و مسحت دمعها و قالت "انا خائفة، في هذه المرة بكيت على خطيبي، اخاف بالمرة القادمة ان ابكي على من هو اقرب علي منه،"
"انت و بضعة نواب صوت المواطن الشريف في مجلس البرلمان، انت صوتنا في مجلس البرلمان، اخاف بعد الذي حصل معك ان تصمت اصوات ما تبقى من شرفاء امتنا، ان كسروك سيكسروا صوت الكل...انت لا تدركين ان دماء طلال برقبتك ان سكتي لهم،"
نظرت اليها و صرخت بوجهها "كلامك كالصياط على جسدي يا حسناء! ارحميني و اسكتي! الاتعلمي انني ابكي عليه لأنني انا السبب بوفاته، لو دفنوني معه كان ارحم لي مما امر به الآن!" امسكت رأسها بيدهيا و قالت بصوت عالِ "انا السبب فلولا هاجمت ايلي حبيقه بالبرلمان لما كان مات، نظرات امه لي بالعزاء كان بها اللوم لي، لاول مرة تنظر الي و كأنه تريد خنقي على ما فعلت بإبنها،"
اجابت بنبرة حازمة "انت كنت تقومين بمهامك، ان هاجمك الفاسدون فلستِ من قتلتيه،"
صرخت سنيفاني قائلة "يكفي! انت جبارة يا حسناء! اتريدنني ان ادوس على آلأمي و اعود الى عملي! منذ بضعة ايام دفنت من كان سيكون زوجي..."
"هم السبب، ظلمهم حَوًل قلبي الى قطعة حجر، من كثرة بكائي على ابني تحولت اعصابي الى احجار فما عدت اشعر بشيئ سوى رغبتي بالإنتقام منهم، قلبي مات من شدة الحزن، و لكن لِكَيْ لا تفهميني خطئا انا لم اطلب منك ان تدفني انسانيتك، انا طلبت منك ان تكوني قوية بوجههم، ان لا يشعروا انهم كسروك لأن الملايين في لبنان يَـتَـقَوُنْ بك، انت صوتهم بوجه الفساد في لبنان، لم يبقى مثلك الا بضعة اشخاص فإذا ذهبتم سيذهب لبنان معكم.."
اقتربت منها و ركعت عند قدميها و قالت "اقبل قدميك ان تسامحيني على جرأتي معك، ارجوك سامحيني و لا تستغني عن خدماتي، لا اعلم كيف تملكتني الجرأة لاخاطبك بهذا الاسلوب، انها النار التي تأكل قلبي على ما قاسيت،"
امسكت يدها ستيفاني و انهضتها عن الأرض، اكملت حسناء "اغرزي مخالبك بهذه الافاعي...ألَسْتِ صديقة للرئيس الفرنسي،"
"الرئيس الفرنسي طلب اصلاحات منا، و وعد بدعم بلادنا اقتصاديا، و لكنه لن يرسيل جيشه ليحارب الأحزاب التي تخزن سلاحها بلبنان، قال لي لن نشن حربا بمفردنا على من يسطو على بلادكم، و لكن ان استجمع لبنان قواه و انتخبتم رئيس جديد فعليه ان يعيد الدولة الى قوتها، و حينها سندعم لبنان اقتصاديا، و عدني بدعم اقتاصدي منقطع النظير لنا، اذهبي الآن يا حسناء، و اعدك ان افكر مليا بما قلتي، اشكرك على كلامك، و اطمئني لن استغني عنك، انت لم تفعلي شيئ لكي احاسبك بهذه القسوة،"
امسكت يدها لتقبلها و لكنها سحبت يدها و سارت معها نحو الباب، فاجابت حسناء مطيعة "تحت امرك سيدتي،"
غادرت حسناء الغرفة، جلست ستيفاني على السرير تفكر بالكلام الذي دار للتو، شعرت و كأن صانعتها معها حق بما قالته، و لكنها بالوقت الحالي كانت ضعيفة جدا لاية مواجهة مع غريمها، كانت تحتاج الى وقت لتلتئم جراحها، كم هَدًتْهَا حادثة مقتل طلال، كانت تشعر بآلآم ألف خنجر تمزق جسدها من الظروف التي تمر بها، انهارت بالمطعم انهيار كلي من الصدمة و لم تقوى بعد بيت الأَجْر على الخروج خارج غرفتها، شعرت برغبة شديدة بإعتزال الحياة السياسي فتيقنت ان من يمسك برئاسة بعض الأحزاب في لبنان هم قتلة و مجرمون و لا يمتهنوا مهنة السياسة إطلاقا، شعرت لوهلة ان المطلوب منها ان تكون مثلهم لتجاري ما يفعلون...و هذا ما عاهدت نفسها حينما اسست حزبها على ان لا تفعله، ان تترك اللعب السياسي و تتحول الى قاتلة، شعرت بضيقة كبيرة و كلام حسناء يدور في رأسها، كم كانت بحاجة الى ان تكون بمفردها، جلست على السرير و نظرت الى التلفاز امامها، كانت فضائية لبنان الدولية تبث نشرت للإخبار، و فجأة ظهر الرئيس الفرنسي حيث كان يتكلم بمؤتمر صحفي برفقة سفير لدولة اوروبية كان يزور بلده، ابتسمت للفكرة فبضعة ايام في فرنسا قد تساعدها بالتحسن، امسكت هاتفها الخلوي و طلبت والدتها، انتظرت لتجيبها و لكن من دون فائدة، كانت تريد منها ان تلغي سفرها حيث قررت هي السفر لفرنسا، كانت تعلم ان والدتها ربما بإجتماع مهم فلذلك تعذر عليها الرد على اتصالها،

ذهبت الى غرفة ملابسها و بحثت عن حقائب سفرها، وجدتها بزاوية من الزوايا، اخذتها و وضعتها على سريرها، فتحت ابواب خزانتها و ابتدأت بوضع ملابسها فيها، فجأة و هي تستدير من سريرها نحو خزانتها لمحت وجها مألوفا لها على التلفاز، التفتت الى الشاشة و نظرت جيدا لها، كانت السيدة لمياء حشمه من دار البر لرعاية اليتيم تتحدث عبر الهاتف للإعلامي نبيل قباني من المحطة، تفاجئت بالشريط الإخباري اذ كتب عليه "وفاة عشرة اطفال من دار البر للأيتام بعد سباحتهم بشاطئ ملوث بالمواد الكيميائية،" اخذت جهاز التحكم عن بعد و رفعت الصوت و هي مصدومة فكانت تتبرع لهذه الدار من حين لآخر بما استطاعت، عادت اليها دموعها و هي تستمع الى مديرة الدار حيث كانت تجيب على سؤال من الإعلامي و هي تبكي "لست متفائلة كثيرا من قدرة الشرطة على الإمساك بالمتسبب بهذه الكارثة فهذا بحر كبير والشاطئ اللبناني يمتد عليه من شمال البلاد الى الجنوب و يمكن لأي مصنع او لأي جهة رمي هذه النفايات في مياهنا الإقليمية حتى من اي نقطة من شواطئنا، لذلك المرارة تأكل قلبي مرتين، بوفاة ابنائي الأعزاء حيث كنت اصطحبهم برحلة الى الشط ليمارسوا السباحة حيث كان الجو لا يزال دافئا و البحر هادئا في هذه الايام، فاردت لهم الترفيه قبل بدء موسم الشتاء، و المرارة الثانية سنشعر بها مع مرور الوقت حيث لن تمسك شرطة الدرك بالفاعلين، فمن الواضح ان هذا جرم محلي..."
قاطعها نبيل " سيدتي كم اعمار الأطفال الذين قتلوا بهذه الحادثة المؤسفة؟"
"كانوا جميعهم بين السنة العاشرة و الثانية عشرة، كان برفقتهم مشرفتين من الحضانة متمرستان بتعليم السباحة و الألعاب الرياضية،"
"ست لمياء هل فعليا اكدت التقارير الأولية من مستشفى القلبين الأقدسين في الأشرفية ان الوفيات كانت نتيجة سموم كيميائية؟"
"هذا الأمر صحيح، الأطفال كانت تسبح بمياه ملوثة بمخلفات كيميائية، و لا نعلم بالضبط مصدرها، الشرطة اكدت هذا الأمر من خلال تحرياتها، اما عن نوع هذه المواد فسيصدر تقرير مفصل بها، و لكن لا اخفيك ان الخبراء الذين اتوا من مختبرات بأمر من الدرك شكوا بأنها قد تكون مخلفات من مصانع تصنيع البلوتونيوم، هذا ما وردني من مصادر خاصة لي من قيادة امن الدرك،"
قال الإعلامي مصدوما "ليس هنالك مصانع للبلوتونيوم في لبنان، هذه المخلفات اكيد انها من خارج بلادنا، اسرائيل نفسها بكرهها للعرب لم ترمي باي سابقة مخلفات سامة كهذه في مياهنا الإقليمية،"
لم تستطع ستيفاني سماع اكثر، فاخفضت التلفاز، سارت و هي مصعوقة نحو كرسي كان بقرب طاولة صغيرة في غرفتها امام زجاج الشرفة، جلست عليه فشعرت بدوار كبير في رأسها من هول الموقف، اطفال ابرياء ايتام يسبحون في شاطئ في بيروت ينتهي بهم الحال و هم اموات، قالت في ذاتها "لو شياطين كانت سترحم احباب الله من شرها،" ابتدأ الدمع ينهمر من عينيها بشدة و هي تتذكرهم بالدار و هم يلتفوا حولها لياخذوا الهدايا بالعيد الماضي منها، اغمضت عينيها و الدموع تنهمر منهما و صرخت باعلى صوتها "منكم لله يا كفر يا ظلمه يا اعداء الله!!!!" نظرت الى السماء و صرخت بأعلى صوتها "حسبي الله و نعم الوكيل باليد التي امتدت و افرغت هذه المواد على شواطئنا!! نحن على ابواب صيام الشهر الفضيل!! و تريدني حسناء ان اقف بوجههم، اقف بوجه ابليس؟! ابليس من فإبليس تلميذ معكم!" نظرت الى التلفاز من جديد و قرأت الشريط الإخباري "ورود المزيد من حالات التسمم الى المستشفيات بسبب السموم الكيميائية، و اقفال الدرك لعدة شواطئ بسببها،" كان الإعلامي يكلم عبر الهاتف سامي الفرزلي، نظرت الى الشاشة بغضب عارم فكانت تعلم انه من انصار احزاب تتكتل بالبرلمان ضد مشاريعها القانونية،
فجأة رن هاتفها، اخرجته من جيبها و نظرت الى الشاشة، كانت والدتها، اجابت باكية "ألو امي،"
"حبيبتي ستيفاني، هل هذا ما استحقه منك، اربعة ايام لا تجيبي على استفساراتي الا مرة واحدة، مت من الرعب عليك،"
"انت دائما مشغولة امي، انا بأمس الحاجة اليك، انا متعبة جدا بعد وفاة طلال، اريدك بجانبي،"
"مشغولة بنيتي جدا، انت تعلمي انني رئيسة مجلس ادارة مجموعتنا و اكاد لا اجد وقت لتناول وجبة غذاء لنصف ساعة، اكاد اختنق من ضغط العمل، و بالرغم من هذا سلمت مهامي الى نائبي لثلاثة ايام و انا ساكون عندك بعد غد،"
"امي انا متعبة جدا، الغي حجزك، سأزور فرنسا لأسبوعين من الزمن، انا متعبة كثيرا،"
"بنيتي انا اريد راحتك، اذا كنت سترتاحين بهذا الأمر فانا سأفعل ما تريدين، و لكن هل تفكرين بإعتزال الحياة السياسية؟"
"اشعر ان هذا قد يكون قراري النهائي، و لكن لم اتخذه بعد، اريد فترة ارتاح منها من عناء العمل،"
"بنيتي انت محزونة على فراق خطيبك، رحمه الله قبكيت عليه انا ايضا كثيرا، و لكن الهروب من الواقع لن يجدي نفعا، انت تحيبين بلدك و العمل السياسي، انت بنيتي و انا اعرفك جيدا، سرعان ما ستذهب هذه الغيمة بعيدا عنك و ستندمين على قرارك، ضغوطات الحياة كثيرة، و لكن لا احدا يهرب من عمله، الوفاة قد تصدمنا خصوصا اذا كان الذي فارقنا عزيز علينا، لكن لا احد يهرب ليحل مشكلة كهذه، لا تأخذي قرارات و انت مشوشة يا بنيتي،"
"امي الذنب يلاحقني في كل حين انني السبب بوفاة طلال، لو لا الذي فعلته بالجلسة الماضية بمجلس البرلمان لما كان توفي..."
"لا تحملي نفسك ذنب كهذا، طلال كان ضحية فاسد منحل القيم و المبادئ، انت واجهتيه بأدلة كادت ان توقعه بكارثة فحاول ترويعك و ترويضك عن طريق قتل طلال، ايلي جبان و مجرم دولي و لو الأدلة التي قدمتيها بالمجلس قدمتيها لأي محكمة محلية او دولية كانت ستسجنه فورا، لا تنوليه مراده، ايلي يريدك اكثر من اي وقت مضى ان تبتعدي عن طريقه، لا تنكسري امامه..." فجأة سمعت اصوات حديث خارج قصرها، فتحت باب شرفتها و نظرت الى بوابة قصرها، كان عنصر من عناصر امنها يتحدث الى رجل بسيارة اميريكة، سمعت والدتها تقول "آلو...آلو..."
اجابت "امي انا هنا، هنالك يبدو ضيف لي، ها هو يخرج من سيارة اميريكة عليها على ما يبدو لوحة فرنسية،"
"سيرافقك من الان و صاعدا..."
قاطعت والدتها "من سيارفقني؟"
"يدعى آيفان، الا تعرفيه؟ انه حارسي الشخصي، ارسلته اليك،"
"و من سيحرسك انت؟"
"انا عينت بديل قوي مثله، هذا الرجل لديه سبعة احزمة سوداء بالكاراتيه، و يتقن فنون قتالية كثيرا، يديه مسجلة انها سلاح فتاك بالدولة الفرنسية و الروسية، انه من احسن حراس شركة سيرجي...أتذكريه الميلياردير الروسي،"
"سيرجي الذي تقدم لخطبتي منذ ثلاثة سنين،"
"انه هو، حينما سمع ما حل بطلال انزعج كثيرا بالرغم من انه سمع انه خطيبك، انه جنتل مان و ابن عائلة و مهذب جدا، اصر علي بنقل آيفن للبنان ليحرسك و نصحني بحارس آخر ند له،"
"انا مصدومة، اشكريه جدا، لا اخفيك انني خفت على نفسي و عليكم بعد الذي حل بطلال،"
نظرت ستيفاني الى المارد الذي نزل من السيارة فجأة، تكلم مع حارس البوابة قليلا ثم عاد الى السيارة،
"هل اطمئنيتي اكثر يا بنيتي، انت ابنتي و لن ادع شر يصيبك بإذن الله، أمرته بكسر يد و ساق اي شخص يتعرض لك، هل تعلمي انه يستطيع ثني قضبان الفولاذ بيديه، سيستلم طاقمك الأمني من الآن و صاعدا،"
"امي شكرا لك،"
"سرجي حزن كثيرا على مصابك، قال لي ان ارسل لك بطاقة عمله، و قال لي ستيفاني انه يرحب بإتصالك بأي لحظة، و وعدني بأنه سيساعدك باي امر تريدينه مهما كان، ارسلت لك بطاقته على الواتس اب، انت تعلمي انه يمتلك مليارات تستطيع اعمار لبنان بأكملها، قال لي ان لا تقلق من شيئ فالسفارة الروسية ستكون في ظهرك باي امر تريدين، هل تعلمي انه ضحك حينما تحرى عن حسابات ايلي حبيقه، انه يدخرها ببنك سويسري يمتلكه هو و اشخاص من عائلته،"
"يكفيه حرب بلاده مع اوكراينا، لن ازعجه الا للشديد القوي، كما أنني لا افكر بالإرتباط اطلاقا الآن..."
"سيرجي ليس غبيا، فوصلته اخبار الغزو الروسي لأوكرانيا مسبقا، فنقل جزءا كبيرا من حساباته الى سويسرا، ثروته مازالت على مايرام بالرغم من حرب اوكرانيا، انا انقل لك محبة شخص يحاول ان يكون سندك وسط محنتك، أه سامحيني ، لا يهدء لي بال بدقيقة راحة، العمل لا يرحم، عندي اجتماع ضروري الآن، هل مازلت ترغبين بالسفر الى فرنسا؟ خذي القرار المناسب و اخبريني،"
"امي كلامك جعلني اراجع قراراتي فجأة، قد لا اسافر، اخبري سرجي عن امتناني له و سأتصل به شخصيا لأشكره، سلام،"
اغلقت الخط مع والدتها و اتصلت بالعقيد الياس بركات من شرطة الدرك، اجاب هاتفه الشخصي ”آلو،"
"سيادة العقيد كيف حالك،"
"انا بخير،"
"انا ستيفاني مسحراتي،"
"اهلا و سهلا ست ستيفاني، رحم الله فقيدك الغالي، الخبر صدمنا جميعا بشرطة الدرك هنا، تعازينا القلبية لك،"
"شكرا على تعازيك سيادة العقيد،"
"لم استطيع القدوم شخصيا الى بيت العزاء بسبب الضغوطات الأمنية التي نحن بها، انا تحت امرك و تحت تصرفك بما تطلبين،"
"شكرا لك، اريد ان تعطي اوامرك لحرس مجلس البرلمان بساحة النجمة ان يفتحوا لي ابوابه، و سأجلب معي بعض المواد التي تخص الجلسة القادمة،"
"تحت امرك ست ستيفاني، سأقول لهم ان يسمحوا بموكبك بالدخول ممتى ما حضرت، حتى لو بالصباح الباكر، و سأقول لهم ان لا يفتشوا سيارتك حتى، غالية و الطلب بسيط و رخيص نائبتنا،"
"الف شكر لك يا بيك، لساني عاجز عن شكرك،"
"ست ستيفاني نحن بالخدمة، فلم تغيبي عن البال منذ السهرة التي التقيتك بها في فيلا سليم لحود،"
"شكرا لك، و صدقا انت انسان يصعب نسيانك، انت انسان راقي الحضور، لك مني كل احترام و تقدير،"
"ست ستيفاني انت دائما مرحب بك بأوي وقت بمكتبي،"
"ألف شكر با يبك، ألف شكر لك،"
انهت ستيفاني المكالمة و هي مصدومة من الذي يحصل معها، مات طلال منذ بضعة ايام و ها العشاق مازالت تطلب ودها و تريد مواعدتها، ملياردير روسي يعيش مثل اوناسيس زمانه و حساباته لا تأكلها النيران من ضخامتها، و ما زال مهتم بها، و ضابط بالدرك اللبناني له هيبته بالدولة..."يتبع...
**********



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات