العشائر ونظام الحكم في الاردن :تحول الفرص الى تحديات


الأستاذ الدكتور أنيس الخصاونة
من المعروف أن نظام الحكم في الاردن نظام نيابي ملكي وراثي يستمد شرعيته من الدستورالاردني. وبموجب الدستور فإن الملك ذاته مصونة ولا يخضع للمسائلة القانونية وانه يمارس الحكم من خلال حكومة الأصل ان رئيسها يمتلك الولاية العامة وبالتالي فالحكومة رئيسا وأعضاء يتحملون المسائلة القانونية عن ممارساتهم وقراراتهم ،كما أن الحكومة تخضع للرقابة البرلمانية ممثلة بمجلسي النواب والأعيان والملك.هذه المقدمة لا تضيف جديدا فيما يتعلق بالشرعية التي يستند اليها نظام الحكم والعائلة الحاكمة حيث ان هذه الشرعية مستندة للعقد الاجتماعي الذي اتفق عليه ممثلوا العشائر الاردنية عند قدوم الأمير عبدالله الأول الى معان عام 1920 وللقانون الاساسي عام 1928 ثم الدستور الاردني لاحقا .
القضية محور البحث هنا هي ان القبائل والعشائر الاردنية هي التي استقبل ممثلوها الأمير عبدالله ابن الحسين عند قدومه للاردن وهي التي بايعته أميرا على إمارة شرق الاردن وتبع ذلك التأسيس لدولة وتنظيم شؤونها عبر التوافق على ما اصطلح تسميته أنذاك "القانون الأساسي" الذي تحول لاحقا الى دستور. لقد كان المكون القبلي والعشائري يشكل حجر الأساس في نشوء وتطور النظام السياسي الاردني وقد أدرك الملوك المتعاقبين أهمية البعد العشائري في نشوء وتطور الدولة الاردنية ،كما دأب الملوك على التركيز على العشائر لدعم نظام الحكم والمحافظة على استقراره. ولوقت قريب كانت تشكل القبائل البدوية والعشائر معاقل مهمة لدعم نظام الحكم والعائلة المالكة لدرجة ان التمثيل القبلي والعشائري كان دوما في ذهنية الملك والأجهزة الأمنية عند اختيار بعض الأفراد لمواقع قيادية مهمة ،وما أدل على اهمية البعد العشائري للنظام السياسي من وجود مستشارية خاصة في الديوان الملكي لشؤون العشائر وهي تعنى بشؤون تعليمية ،ومقاعد جامعية ، ومنح مسميات ورواتب للشيوخ وشيوخ مشايخ ،وتقدم النصح للملك في قضايا وشكاوي وتظلمات عشائرية.
منذ بضع سنوات بدأت العلاقة بين نظام الحكم ممثلا بالملك والأسرة الحاكمة والعشائر الاردنية تشهد تغيرات مهمة يبدوا ان النظام السياسي الاردني وأذرعه المختلفة تأخروا كثيرا في قرآتها وتحليلها .لم تعد كافة شرائح القبيلة او العشيرة تشكل مخزون أو معقل مضمون لدعم النظام السياسي ،ولم يعد هناك ولاء "أعمى" للنظام السياسي من كافة فروع وأطياف القبائل والعشائر.
لقد اسهم التطور التعليمي والاجتماعي والمعيشي والتعرض لكافة مستحدثات التكنولوجيا في تغيير انماط التفكير لدى القبائل والعشائر الاردنية ،وقد تراجعت الانتماءات للقبيلة ككل لتصبح للعشيرة وأحيانا للعائلة النووية.نعم تراجعت سلطة الشيوخ والوجهاء على افراد العشيرة واصبحت الولاءات متعددة ومتباينة ويصعب التحكم بها من قبل شخص او سلطة.فنجد في العشيرة الواحدة اتجاهات سياسية متباينة ومتعددة انبثق عنها تراجع في الولاء للعائلة الحاكمة ،وظهرت اتجاهات قومية أو دينية أو فكرية متعددة ضمن العشيرة ،ولم يعد زعيم العشيرة او القبيلة قادرا على بسط سيطرته على افكار ابناء قبيلته وتوجيه ولائهم باتجاه النظام السياسي والعائلة الحاكمة.وللأسف لم يدرك النظام السياسي أو من يقدمون النصح له بأن تغيرا كبيرا قد طرأ على بنيان العشائر وانماط تفكيرها ومدى خضوعها للزعماء القبليين والعشائرين ،وبدلا من ذلك استمر النظام في التعامل مع والتركيز على الشيوخ والقيادات العشائرية التقليدية معتقدا ان ذلك يضمن استمرار الدعم السياسي له.
كثير من القيادات التي يتعامل معها النظام ويقربها منه عبر المناصب والامتيازات والمنافع اصبحت ذات تأثير محدود وأحيانا منعزلة عن السواد الاعظم من ابناء العشيرة ،وبالكاد يمكنهم التأثير على ابناء عمومتهم المباشرين.
شهدت السنوات القليلة الماضية أحداث أظهرت ان العشائر التي كانت تشكل معاقل الدعم والتأييد غير المشروط للنظام السياسي هذه العشائر اصبح فيها تنوع كبير وتمرد على القيادات التقليدية التي يتعامل معها النظام وتنتفع منه وينتفع منها. قبل عامين تقريبا كادت حادثة النائب السابق اسامة العجارمة ان تضع استقرار الاردن على المحك ولم تتمكن القيادات التقليدية من التهدأة ونزع فتيل الأزمة الا بعد تواصل وتفاوض حكومي رسمي مع ابناء العشيرة من الشباب .ونحن الان لسنا ببعيد عن أزمة مشابهة بين أبناء قبيلة كبيرة ومحترمة (بني صخر) حيث تشهد انقسامات وتصدع في بنيان القبيلة على خلفية الرسالة التي وجهها النائب محمد عناد الفايز لولي العهد السعودي والتي تشكك في مآلات المساعدات السعودية للاردن.وتجدر الاشارة الى أن النائب محمد الفايز هو ابن عم رئيس مجلس الاعيان ورئيس الوزراء الاسبق والمقرب من الملك والأسرة الحاكمة فيصل الفايز .
التغيرات الكبيرة التي شهدها الاردن خلال العقود الماضية تركت تداعيات شتى على التكوين العشائري والقبلي وعلى ولاءات العشائر للنظام السياسي ،بحيث اصبحت هذه الولاءات تتأثر باتجاهات وطنية وفكرية بدلا من ولاءات عمياء للنظام السياسي.
لقد فقدت القيادات التقليدية وزعماء القبائل والعشائر قدراتهم وتأثيرهم على الاتجاهات والولاءات السياسية لأبناء قبائلهم وربما لابناء عائلاتهم المباشرة. إن استمرار النظام السياسي الاردني في التعامل مع القيادات العشائرية التقليدية والاستثمار فيها لن يضمن ولاء ودعم العشائر للنظام والأسرة الحاكمة.نعتقد ان تجاوب النظام السياسي مع التغيير البنيوي في العشائر الاردنية يستوجب بالضرورة الاهتمام بشكل اكبر بالأحزاب السياسية كراكائز لاستقرار النظام واستمراريته.إن الاستمرار في التعامل مع القيادات العشائرية التقليدية لن يعزز من شعبية النظام لا بل فقد يثير السخط في اوساط العشائر ذاتها على الأسرة الحاكمة .نعتقد أن الدعم العشائري الذي كان يشكل فرصة(Opportunity) للنظام السياسي في العقود الخمسة الماضية قد تحول الى تحديا (Challenge)من الصعب الاعتماد عليه لتأمين الولاء والدعم للنظام السياسي . وعليه فإن لا بديل للنظام السياسي الا أن يواكب هذا التحول بتحول ملموس ومدروس نحو الأحزاب السياسية ودعمها بنوايا صادقة وحقيقية واحترامها وتعزيز مكانتها والاستماع اليها والتشاور معها بدلا من ملاحقتها والتضييق على بعضها ومحاباة أخرى موالية للسلطة والأجهزة الأمنية....



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات