بيت البيدر المسكون .. الجزء الثاني


نظرت ليلى سُمْعَانْ الى ساعة الجدار امامها، كانت تشير الى السادسة و النصف صباحا، كان لديها متسع من الوقت لتناول طعام الإفطار فكانت الحصص المدرسية تبدا بالثامنة و النصف، كانت مدرسة القديسين بطرس و بولص شاملة المراحل و تغطي صفوف الثانوية حيث كانت تدرس مواد العلوم و الكيمياء للصفين التاسع و العاشر، كانت مدرستها تبعد عنها خمسة دقائق بالسيارة حيث كانت تقع بنفس قرية عين ابل، و هذا كان لِحُسْن حظها فكانت تستطيع الإستيقاظ و هي مرتاحة لتجهز نفسها للدوام المدرسي و لتتناول طعام الإفطار بهدوء و تروي، لم يكن لديها ازدحام مروري لتحسب له حساب و ليجبرها على الذهاب باكرا الى العمل، فكانت شوارع عين ابل خالية من اية ازدحامات مرورية بعكس أوقات الاعياد الدينية، فكان يتوافد اهلها من بيروت ليشاركوا بها لتشهد شوارعها حركة سيارات كثيفة،
قسمت رغيف الخبز امامها و غَمًسَتْ لقمتها في صحفة اللبنه و الزيت، تناولتها بِنَهَمٍ فكانت جائعة جدا في هذا الصباح، ندهت لأمها "امي ألن تتناولي طعام الإفطار معي؟ ماذا تفعلي بالمطبخ؟"
اجابتها الهام "نعم حبيبتي، انني قادمة، كنت فقط اضع حَلًةُ الحليب على النار لأغليها، فاريد صنع اللبن اليوم بالمنزل و يجب ان يكون الحليب معقما بالغلي، احضرته لي أليس مَتًى منذ ساعة،"
"استيقظت على صوت شاحنتها الصغيرة، ياه انها تعمل منذ الفجر،"
"الحياة اصبحت غالية جدا جدا، تعمل ليلا نهارا كي تستوفي لقمتها،"
"و لكنها تبيع لكل سكان القرية..."
"تشكو لي كُلَمًا تجلب لي الحليب، شركات الألبان اخذت من سوقها الكثير، و هي تكاد تغطي مصاريف مزرعتها، انها مكافحة بهذه الايام مثلنا،"
"هل تعلمي كم سعر ليتر البنزين في لبنان هذه الايام، قد وصل سعر اليتر الى تسعة عشر الف ليرة، سعر صرف الليرة مقابل الدولار وصل الى سبع و اربعون ألف، الغلاء الفاحش يعم البللاد،"
دخلت والدتها الصالة و جلست على الطاولة قائلة "لذلك يا بنيتي اصبحت اصنع اللبن و اللبنة على يداي، و قد جلبت بالأمس سامر الشكرالله ليفلح الأرض التي حول المنزل، سأحاول زراعة الأرض بالبطاطا و البندورة و الخيار، انني احول قدر المستطاع التخفيف من عبئ الشراء علينا،"
الأرض التي حول المنزل تقريبا دنم بأكملها، ستتعبك،"
"يا بنيتي راتبك بالكاد يكفي لتغطية مصروفنا، و منذ فترة و شقيقك لا يحول لنا اية نقود،"
اجابت ليلى و السخرية على وجهها "اذا بحثتي عن السبب فستجيدين انها النساء، زوجته لا تطيقك لأنك كنتي تنتقدي تصرفاتها و لباسها الجريئ حينما زارتنا في آخر مرة،"
"كان هذا الكلام منذ فترة طويلة، و شقيقك بعدها بقيا يُحَوِلْ لنا بعض النقود من حين لآخر..."
"امي هذه اجنبية و عاداتهم غير عاداتنا، لن يكون قلبها علينا، الغربة تُقَصِي القلب و ميشيل مغترب منذ عشرة سنين بأمريكا، و لا يأتي الا مرة كل سنتين او ثلاثة سنين،"
صمتت والدتها قليلا و اخذت لقمة فول بالزيت من صحن كان على الطاولة، نظرت الى ابنتها و فكرت في ذاتها على ما سيكون ردة فعلها لو فاتحتها بأمر العريس مرة ثانية، كانت ابنتها في الثلاثين من العمر و بالرغم من حديث نساء القرية عن انها كبرت بالسن الا انه كان يتقدم لها عرسان من حين لآخر، كانت ابنتها من اجمل نساء القرية فكانت رعبوبة حوراء و ممشوقة القوام، و كان شعرها اسود طويل يلامس منتصف ظهرها، كانت دائما مزينة الإطلالة فلا تحضر قداس في الكنيسة و لا تحضر حفلا بالقرية الا و هي في كامل اناقتها،
جمعت قوتها اخيرا و قالت لها "هنالك حل يابنتي، و منذ فترة و انا اريد الحديث معك مرة آخرى بخصوصه..."
فجـأة تغيرت ملامح ليلى، نظرت الى والدتها بعدم الرضا، قالت بإستياء شديد "امي اذا كنت تقصدين منيب ابن اميمة و جميل دياب!"
"حلمك علي يابنتي، منيب رجل ثري في هذه الايام، و هو الساعد الأيمن لرئيس حزب لبنان الحر، و انت تعلمي من هم بالبلد يا ليلى، الم تري السيارة التي يتجول بها بعين ابل مؤخرا، لديه بي ام حديثه جدا، سعرها بالشيئ الفلاني،"
قالت بنرة هجومية ممزوجة بإستياء شديد "اعلم الأسطوانة يا امي، و لديه بيت رَمًمَهُ و وَسًعَهُ و اصبح من اكبر بيوت المنطقة، و تحيط به قطعة ارض كبيرة، و هو وحيد لأهله، و يقولون انه مرشح لكي يمسك منصب حساس مع ايلي حبيقه رئيس الحزب،"
"استهدي بالله قليلا، الا تعني لك شيئا كل هذه المغريات، انت سترثي بعد اهله بيته و ستتمتعي بكل هذا الجاه و العز، الا تعلمي كم راتبه يا بنيتي، خمسة آلاف دولار في كل شهر..."
"امي انه خادم ملذات ايلي حبيقه، يخدمه بما يطلب، الا تعلمي ان هنالك اشاعات مريبه بأنهم يحومون في كل مناطق الجنوب ينقبون عن كنوز عثمانية و فينيقة مرصوده، الم تَشُكِي بثروة ايلي حبييقه التي برزت فجأة و بتياره الذي اكتسح فجأة مقاعد البرلمان بآخر انتخابات برلمانية، دخل بتحالف قوي مع تيارات شيعية و بَرَزَ حزبه فجأة على الساحة، انهم يجنون ثرواتهم من خلال استخراج الكنوز القديمة و فك رصدها عند سحرة كبار في المغرب، يبيعونها لتجار السوق السوداء، هذا الثنائي ايلي و منيب مريب جدا،"
قالت الهام مجادلة "انها مجرد اشاعات يا بنيتي، انت تعرفي انك تعيشي بقرية و الإشاعات تبرز فيها من حين لآخر، انها اشاعات، منيب تقدم لك رسميا منذ اربعة ايام و لم أَرُدْ لهم خبر بعد، قلت في نفسي انك قد تعيدين التفكير بأمره، رجل ثري و صاحب نفوذ و سيجعلك تتنعمي بالحرير و الرفاه، انه يعبدكِ يا ليلى، ألم تشبعي من عيشة الفقر هذه بنيتي، ان استطعنا تدبير امورونا في هذا الشهر فهل سنحسن التدبير في الشهر القادم؟"
اجابت بإنفعال "لا و ألف لا، هاؤلاء القوم يتاجرون بالحرام و يبيعون ارثنا التاريخي بالاسواق السوداء، انهم تجار حرام، لن أعيش بفلوس الحرام يا امي،" فجأة سالت الدمع من عينيها و اكملت "اتريدين ان اتنعم بفلوس الحرام، لن تنزل جوف حلقي لقمة اشتريها بفلوس حرام،"
نظرت الهام الى ابنتها نظرة جديه و قالت لها "نحن نغرق با بنيتي، و انت جميلة جدا و جمالك جلب لك الحظ، لا ترفسيه بقدميك، الم تفكري بمستقبلك وسط هذا الغلاء الفاحش، نكاد لا نستطيع شراء كيلو من الخضار من دون ان نحسبها جيدا، كيلو الطماطم وصل الى خمس و اربعون ألف ليره، اسطوانت الغاز بنصف مليون ليرة، الليمون بخسمة عشر ألف ليره، دولتنا يسطو عليها الزعران و المحترم غائب عنها، فكري بنفسك و لا تفكري بإنقاذ البلد، لا تكوني مثالية يا غبية فالمُثُلْ لا قيمة لها بهذه الأيام، انظري الى حالك، متى كانت آخر مرة نزلتي بها الى السوق و اشتريتي ثوب جديد لك، السنة الماضية؟"
نهضت ليلى عن مقعدها و نظرت الى امها بصدمة عنيفة، لم تكن تصدق ما تقول لها امها، سال شلال دمع من عينيها و هي تنظر اليها بإستغراب، صرخت بوجهها "هل تبيعيني يا امي لزعران الدولة ّ! ألِمُجَرًدْ انه ثري عندك الإستعداد لتعطيني له، اتعطيني لأول ثري يدق الباب!"
اجابت بغضب "لا تصرخي بوجهي، عيب هذه النبرة مع والدتك، الظروف و قسوتها تحكم علينا، انا لا اجبرك على شيئ، بل اقول لك ان لا تكون ساذجة، الفقر كافر حينما يحل على الإنسان و الشاطر هو من يتخلص منه، انت ستتزوجي و لن تتاجري بالحرام! مازلت احترم ارادتك، و هذا سيبقى بيت والدتك دائما، و لكن من واجبي ان انورك يا بنيتي!"
تركت الهام صالة المنزل و ذهبت الى المطبخ لتنظر بأمر الحليب الذي وضعته على النار و ابنتها تصرخ "كلامك قاسي يا امي،! لا تتوقعي مني ان اقبل هذا العرض! سأكافح و سأعمل بوظفيتين و لن ابيع نفسي لمنيب! ان اعمل صانعة بالبيوت اكنس و امسح أَهْوَنْ لي من ان اكون زوجه لإبن الحرام الذي يبيع ثروات بلاده بالرخيص!" بقيت ليلى واقفة امام الطاولة تفكر بالذي حدث مع والدتها، كم كانت قاسية عليها، لم تتوقع هذا الموقف منها فكانت ابنتها المدللة دائما، شعرت و كأنها تلقت صفعات من امها و هي تجادلها بموقفها، الظروف التي تمر بها البلد كانت صعبة جدا، و لكن لمنيب دياب؟ اساسا لم تشعر بأي شيئ كإمرأة تجاهه،
اخذت حقيبتها من على الطاولة و سارت نحو باب المنزل، فتحته و سارت نحو الشارع، كان هنالك متسع من الوقت لتصل المدرسة سيرا على الأقدام، و لكن كلام والدتها الجاف و موقفها كان يغلي بعروقها،
************************************
"قولي لها انني اريدها للضرورة القصوة يا كاتيا،"
"ستغضب مني جدا ان قاطعت اجتماعها مع السفير الفرنسي،"
اجاب بإلحاح "يا كاتيا قولي لها ان الموضوع ضروري، لن يستحمل الإنتظار إطلاقا،"
"انت تحرجني كثيرا، هي لا تحب ان يقاطع احد اجتماعاتها الا في الحالات الطارئة جدا، فكيف و هو مع سفير؟ قل لي ماذا هنالك، قد استطيع التصرف،"
"انت سكرتيرة، لن تستطيعي التصرف بما لدي، صدقيني، الموضوع خارج صلاحياتك،"
"دقيقة،" نهضت كاتيا من على مكتبها و سارت نحو باب مكتب مديرتها ستيفاني مسحراتي، اخذت نفس عميق و وقفت لدقيقة لتجهز نفسها للدخول الى مكتب مديرتها، كانت ستيفاني رئيسة حزب لبنان الجديد و كانت صاحبة شخصية قوية و نفوذ ضخم بالبلد، و كان لها اسمها و هيبتها بين رؤساء الأحزاب الناشطة بالحياة السياسية بلبنان، فحزبها الثاني من حيث كراسي البرلمان و الثاني من حيث الشعبية بعد حزب ايلي حبيقه، فكان حزبها لا يفرق بين مسيحي و مسلم و درزي و سني و شيعي، و كان لا يؤمن بالطائفية اطلاقا، بل كانت ماضية قدما نحو اصلاحات ضخمة في البلاد فتمثلت ارادتها بإصلاح النظام البرلماني و استبداله بنظام انتخابي يعتمد على تقسيم لبنان الى دوائر من دون كراسي طائفية، فكان النظام التي تنادي به مستوحى من النظام الأنتخابي الأمريكي، فهنالك دائرة و مواطن لبناني فقط و محافظات على اجندتها يسعى النائب الى خدمتها، اما فيما يتعلق بالشأن الديني فكان توجهها لإلغاء اتفاق الطائف حيث اعتبرته نظاما رجعيا متخلفا يسعى لإبقاء لبنان تحت نير طائفية و صراعات لا داعي لها، و كان من خططها تحديث نظام قانوني يسعى لتنظيم امور الحقوق الدينية انطلاقا من روح المواطنة و اعطاء المواطن اللبناني حقه في ممارسة عبادته و اخذ حقوقه الدينية كاملا، الشيئ الوحيد التي كانت تنادي بالمحافظة عليه هو ان يبقى رئيس الدولة مارونيا فهذا ارث سياسيا راقيا جدا، اما بغير ذلك كانت تؤمن بان الحقائب الوزارية يجب ان يتم انتقائها من قبل رئيس الوزراء اعتمادا على الكفاءه و ليس على الإنتماء الحزبي لكي لا يتأثر اداء الولة بالحياة السياسية الحزبية، اما الأحزاب قتبقى شأن سياسي يتعلق بالنشاط البرلماني فقط و الحلول الإقتصادية التي يطرحها،
طرقت كاتيا باب المكتب، سمعت مديرتها تقول تفضل، فتحت الباب و اشارت بالمحمول و هو بيدها الى مديرتها و قالت "سعادتك هنالك امر طارئ،"
نهضت ستيفاني و علامات عدم الرضا على وجهها، كان السفير الفرنسي جالس على طاولة الإجتماعات في مكتبها و معه الملحق الثقافي في السفارة الفرنسية، استأذنت منهم و سارت نحو كاتيا، قالت كاتيا و تعابير التوتر على وجهها، "سامحيني، و لكن معي على المحمول السيد رائد قسيس مدير العلقات العامة في الحزب، يقول ان الأمر عاجل جدا،"
"اخذت المحمول و سارت الى داخل مكتب كاتيا و قالت بعدم رضا "رائد انت تعلم من في مكتبي، آمل ان يكون الأمر ذو اهمية،"
"ارسلت لكاتيا على الواتس اب بعض من الصور، افتحيها فورا،"
"هل جننت؟ أتقاطعني لاطالع بعض الصور؟"
"الرسومات تخص سعادتك،"
نفخت بالهواء بإستياء و قالت"حسن، ساطالعها،"
فتحت تطبيق الواتس اب و دخلت على المحادثة مع رائد، كانت الصور لمظاهرة تأيد حاشدة جدا لحزب لبنان الحر، و حمل العديد من المتظاهرين بعض من اللافتات التي تستهزء بها، فحمل احدهم لافتة تقول "لا للمسحراتية و لا للمطبلاتيه...لبنان سيكون اقوى مع حزب الحريه،" و حملت متظاهرة لافتة آخرى مكتوب عليها "لا لمسحراتية المبادرة الفرنسية، نحن نريد لبنان الحريه،" حملت يافطة آخرى صورة لستيفاتي معالجة بالفوت شوب و هي حامل و بطنها منتفخ، و كتب فوقها "من عاشرتي لكي تحملي لنا مباردة فرنسية قذرة تجردنا من إنتماءاتنا السياسية و الطائفية،"
ارتسم على وجهها خيبة امل كبيرة و هي تراجع الصور، فشعرت بجرح كبير من مضمونها، كانت تعلم جيدا انها تدخل بحرب كبيرة مع رجال لهم مصالح بالدولة، و كانت على يقين ان خصمها الأول كان سياسي قذر الأخلاق لا يلعب بحسب قواعد اللعبة المحترمة اطلاقا، سالت بضعة دمعات من عينيها، اغمضتهم و حاولت بلع شهقات مُرًة كادت ان تنفجر منها، فخافت ان يشعر السفير الفرنسي و مرافقه بقهرها من الذي رأته للتو، اعادت هاتف كاتيا لها، اخذت هاتفها من جيب بنطالها، طلبت ايلي حبيقه، اجابها "اهلا و سهلا ست ستيفاني، انا محظوظ اليوم بإتصالك،"
قالت مرحبة بالرغم من حالتها النفسية "اهلا و سهلا بك سيد ايلي، وصلتني رسائلك في مظاهرة اليوم امام البرلمان اللبناني،"
اجاب شارحا بأسلوب دبلوماسي "هذا رأي عام، و لا استطيع السيطرة عليه تماما ست ستيفاني، لك ان اقدم لك اعتذارا رسميا بالصحف في الغد، انت تعلمي ان لا احد يستطيع السيطرة على الرأي العام،"
اجابت بنبرة محتدة قليلا "هذه مظاهرة تخص مناصروا حزبك، فهذا جزء من الرأي العام و ليس كله، اليس رجالك هم الذيم ينظمون هذه المظاهرات سيد ايلي، فكيف لك ان تضمن لي انها ليست دعابات لطيفة من دعاباتكم، على العموم انا اعلم كيف سأرد عليك..."
"انا اعترذت ست ستيفاني، و اعتذاري هو اعتذار الجنتل مان بالرغم من انني لست مسؤل على موقف كل شخص حتى لو ينتمي لحزبي،"
بقليل من الغضب "اعتذارك غير مقبول، هل تظن ان هذه العبارات التي يحملها هلافيتكم ستستفزني و ستأثر علي؟"
"اذا لم تقبلي اعتذاري فانت حرة، انا لا ارى اي سبب لإستمرار هذه المكالمة بيننا، عن اذنك،"
"لحظة من فضلك، لم انهي كلامي معك، كل هذا الهجوم علي لأنني اثير قضايا رجالكم في البرلمان و حزبكم يعجز عن التصرف بها؟ او ربما لا تريدون التصرف بها ارضاءا لأطراف آخرى، انا سأعلم كيف سأجيبك على ما اقترف رجالكم في مظاهرة اليوم، انا لست بحرب معكم و لكن اسلوبكم سيجعلنا ننتهج نهج آخر معكم..."
اجاب بنبرة محتدة "لا داعي للتهديد، انت تعلمي جيدا انني دائما امد يدي للتحالف معكم لنكسب التأيد بأكثر من قضية تطرح بجلسات النيابة..."
"كيف و رجالكم يعطلون تعديلات قانونية ننادي بها لنستطيع محاسبة الفساد بالمؤسسات الوزارية، الإهدار المالي مريب و كبير في بعضها، ام لأنه و على رأي المثل العربي أني أُكِلْتُ يوم أُكِلَ الثور الابيض، انت تخاف لتصل المحاسبة الى وزارات يمسكها رجال حزبك بالحكومة، كما ان التحقيقات لحالات التسمم التي انتشرت بالمستشفيات الشهر الماضي معطلة بسبب عجز الجهاز الأمني و القضائي عن محاسبة المسؤلين، كيف و حزبكم يعطل هذه الأمور،"
"ألزمي ادبك ست ستيفاني، انت تتخطين خطوط حمراء معي، رجالنا رجال وطن شرفاء، و كيف لي ان اعطل الجهاز القضائي...انت تتهمينني اتهامات ليست بمحلها، انا اول من طلبت محاسبة المسؤلين عن حالات التسمم في بيروت،"
"كلام من دون فعل، سيد ايلي انا اسير بطريق لا رجعت به و هنالك من استخف بسلامة مواطنين بلادنا، هنالك كميات من المواد الغذائية الفاسدة التي دخلت البلد من دون تدقيق و رقابة صحية، كما انني ماضية بطرح اصلاحاتنا التي ننادي بها بالرلمان، ان اردت مساعدتي فاهلا و سهلا، ان لم ترد فكف عن شعارتك الصبيانية و دع اصحاب الافعال تعمل، عموما سنرد عليكم بالإعلام و بجلسات البرلمان القادمة،"
اغلقت ستفاني السماعة و ايلي مازال يقول "اعلى ما في خيلك اركبيه!" طبعت بضعة كلمات لرائد ثم عادت معتذرة الى السفير الفرنسي و الملحق الثقافي بمكتبها،
عادت كاتيا و طلبت رائد من جديد، سألته "ماذا يحصل بالضبط؟ و ماذا ارسلت لك على الواتس اب؟"
*******************************
دخل منيب الى مكتب ايلي حبيقة و قال مستغربا "صباح الخير، لماذا انت غاضب هكذا؟ صوتك و انت تصرخ وَصَلَ الى مدخل المكتب في اول الطابق،" اغلق الباب و جلس امام المكتب على مقعد جلد اسود، كان مكتب ايلي فخم جدا حيث توسطه طقم كنب ذو جلد اسود فاخر و لوحتان فنيتان لرسامة لبنانية كان قد زار معرضها بداعي دعم الفن اللبناني و اشتراها منها، كانت الأولى على الجدار المقابل لمدخل مكتبه، و كانت رسمة لطبيعة خضراء جميلة و لبحيرة بالقرب منها، تخللتها تفاصيل جميلة لسماء فيها بعض السحب البيضاء و عصافير تطير فيها، و كانت اللوحة الثانية لعلم لبنان يتوسطه صورته بدل الأرز، فكان هذا طريقة الفنانة في تقدير عطائه الحزبي بالبلد و لدعم مكتبها، كان في وسط الكنب طاولة خشبية بنية اللون مغطاة بلوح زجاجي شفاف، و كانت تحيط بها طاولات صغيرة بنية اللون، كان مكتبه اسود اللون و كبير و عليه حاسوب محمول و طابعة على جابنه الأيمن، و كان مليئ بالملفات و الاوراق المبعثرة، كانت بالقرب منه خزانة عريضة في داخلها عدة دروع استلمها بمناسبات عديدة،
ضرب كفا بكف و صرخ بغضب "تهدنني! ستيفاني مسحراتي تهددني!،"
اجاب منيب بإبتسامة عريضة "هل رأيت صور و فيديوهات المظاهرات اليوم،"
"رأيتها،" قال فجأة مصدوما "اهو انت؟" هز رأسه بعدم رضا و قال "اخ...اخ...قل لي قبل ان تفعل شيئا كهذا! صحيح انك شيطان ابن شيطان،"
ضحك منيب و اجاب "دواء للذي يقف في طريقنا و للذي يحاول مواجهتك يا معلم، نحن رجالك، و لكن من الواضح انها غاضبة كثيرا،"
"صفعاتها لي ستعلم على وجنتاي لبعض الوقت، و لكن بسيطة، لها رد خاص مني، و لكن ضعني بالصورة قبل ان تلعب لعب كبير مع الكبار يا منيب،"
نهض منيب من على الكرسي و سار صوب ايلي، قال بصوت منخفض قليلا "قلت لك ما هو افضل دواء لها و لكنك اعترضت منذ انتخابات البرلمانية الماضية،"
رد عليه بصوت منخفض "تصويرها مع خطيبها و هي تسهر بالنادي الليلي سيضايقها، و لكن المرحلة تحتاج الى امر سيجعلها تركع لنا او قد يحولها بالرغم عنها الى داعم لنا، هذا حلها الجذري،"
"يا معلم ما رأيك لو نسير بحسب المثل القائل، لو إلتهب سِنُكْ فاخلعه من شروشه لترتاح، لماذا لا تتخلص منها بالكامل، شحنة تي ان تي على اي طريق تسلكه بالعادة..."
قاطعه ايلي "ستيفاني ليست غبية كي تدعنا نتخلص منها بشحنة مواد ناسفة على الطريق، خطرت ببالي و لكن التحريات اثبتت فشل هذا المخطط، ألم ترى اجهزة الحرس الخاص التي ترافقها، كل سياراتها ذات نفس الموديل والفئة و ترافقها خمسة سيارات حراسة حينما تتحرك، لا احد يعرف باي سيارة منها تكون، ثم ان جميع سياراتها تمت معالجتها بمعامل خاصة في الخارج من الأسفل لتقاوم اية متفجرات، سيارتها جميعها محصنة ضد القنابل و التي إن تي، لا ينفع معها هذا الأمر،"
"انا اقترحت هذا عليك لأنني ارى كم تضايقك، راحتك هي غايتي و من دواعي سروري،"
"ليس كل الطيور تؤكل لحمها، بالرغم من ان هنالك قناص لكل منها،"
قال مُطَمْئِناً "عندي قناصين مدربين لهذه المهمة،"
قال بإستياء "لن يتفع يا منيب...لن ينفع، يا ليت لو نستطيع التحلص منها، المشكلة انني تواجهت معها بالإعلام كثيرا و سَتُوَجًهْ اصابع الإتهام لي فورا، سُمْعَتْ الحزب ستنتهي، معاركنا الإنتخابية كانت على جيمع الفضائيات اللبنانية،"
"اذا اتركها تظهر مخالبها قليلا، في كل الظروف نشاطنا الحزبي في السليم و شركاتنا كلها بالسليم، رجالنا بالمرفئ و الجمارك مُدَرْهَمينْ جميعا و يعيشون من خيرك سيد ايلي، ضعها تثبت ان شحنة المواد الغذائية كانت ضمن شحناتك،"
"لا اخفيك اننا نتعامل مع إمرأة اقوى مما اعتدنا عليه، لها علاقات دولية و محلية، بالرغم من انني ند لها الا انها تستطيع مضايقتي لو اختارت، سأكون مطمئن لو لنا جاسوس في داخل عمليات حزبها،"
"ألِهَذِهِ الدرجة انت خائف منها؟"
"منيب كنا بمفردنا على الساحة منذ ثلاثة سنين، و لكن منذ ان قررت ستيفاني الدخول الى الملعب السياسي و هي تتصرف بثقة كبيرة جدا، هل تعلم انها مقربة من الرئيس الفرنسي الحالي؟ اي حركة خارج النزال السياسي ستكون عواقبها وخيمه، هل تعلم انك بعملة الصور استفزيت ستيفاني كثيرا،"
ابتسم ايلي و قال "لطالما كنت كبير و ستبقى كبير، انا لا اخاف عليك، مهما كان ندك قوي فلك طريق معه،"
"اريدك ان تجري تحرياتك عن كل موظف عندها، حتما ستجد من سيعزعملة العَمْ سام اكثر منها، نقودنا جاهزة، افهمتني،اريد اعْيُن لي داخل حزبها فحربي معها قد تطول و لكنني لن اخسرها، و راقب تحركات خطيبها لبعض الوقت، قد يكون ورقة ضغط عليها...او قد نكسر ظهرها به، اريد تقارير عن تحركاته اول بأول،"
تحت امرك يا كبير، و قبل ان انسى، هل تعلم من عاد الى لبنان،"
"من؟"
"سعيد الياس منصور،"
صدم من الأسم قليلا، و لكن بعد برهة من الزمن ارتاحت معالم وجهه و قال"ياه، هذا الموضوع قديم جدا، مازلت تذكر،"
"معلم الخريطة القديمه مازالت بحوزتي، و هي تؤكد وجود الكنز في عين ابل، و انا متأكد ان والده يمتلك النصف الآخر،"
"سنتكلم فيما بعد، و لكن اذا اردت ان تتابع هذه الأمر فعليك ان تحسب كل خطوة مع ابنه، نحن لا نعلم ماذا ستكون ردة فعله حينما يعلم ما قد نطلبه منه،"...يتبع



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات