الطريق الى التالي



تتوالى الأيام علينا ونحن في صراع محموم معها، نسعى بكل ما أوتينا من قوة لتحقيق المزيد من النجاحات، والتغلب على الصعوبات، ومواجهة التحديات، وزيادة مكاسبنا المادية والمعنوية.

ومن الممكن وصفُ حياة الإنسان على أنها سعيٌ دؤوب وجري متواصل، لا يكل ولا يمل من الجري خلف الأعمال المختلفة من أجل الوصول الى هدفه الذي حدده مُسبقاً في مرحلة ما من مراحل حياته.

لو نظرتَ الى البشر من حولك؛ ستلاحظ بأن الجميع يبحث عن التالي، بغض النظر عن الطرق المختلفة التي يسلكونها، والمهارات المتعددة التي يتسلّحون بها، فالبعض أدرك مبكراً أن العلم والتعليم هو السبيل الأمثل لمواجهة المتغيرات المختلفة للحياة، والبعض الآخر وجد أن الحرفة هي السبيل الأقصر والأسرع للوصول الى الغنى والنجاح.

وهنالك البعض ممن إعتمد على ما وجد من المال حوله للإنطلاق في بدايته نحو الأعمال والإستثمار، ولكن كما أسلفت سابقاً؛ إختلفت الطرق؛ وتوحدت الأهداف.

ويمكنُ تلخيص الهدف الى نسعى إليه جميعاً في كلمة واحدة وهي: "التالي"، الجميع يتسابق الى التالي، الشهادة العلمية التالية، الولد التالي، البيت التالي، السيارة التالية، المال التالي، الترقية التالية، بل لتجد اللص الذي يمتهن السرقة قد يبحث عن السرقة التالية، والغشاش يرتب من أجل عملية الغش التالية، وهو تماماً ما أشار اليه الرسول الكريم في الحديث النبوي الشريف حين قال عليه الصلاة والسلام: "لو أن لابن آدم وادياً من ذهب، أحب أن يكون له واديان".

إن سعي الإنسان لتحسين أوضاعه الاقتصادية والعلمية والإجتماعية واجبٌ عليه، وعليه أيضاً أن يسعى لتحسين أوضاع مَن حوله من أهله وأسرته وجيرانه ومجتمعه، ولكن كيف نقوم بالموازنة بين واجب السعي نحو التالي، وخطورة الإنزلاق نحو المطالب الدنيوية التي لا تتوقف؟

يتمثل الأمر في القناعة فقط، وهو السعي نحو تحصيل المزيد من الأرباح المختلفة، ولكن بأساليب لا تتعارض مع الشريعة، كعدم تحقيق الأرباح المادية من التجارة الحرام أو الربا أو السرقة، أو عدم الغش في الإمتحانات للحصول على الشهادات العلمية، وعدم البخس أو التطفيف في سلع الآخرين وهكذا.

وعلى العكس من القناعة هنالك الطمع، الطمع في جمع المال أو السلطة أو النفوذ أو العلم وغيرها، وقد يلجأ الإنسان هنا الى أساليب لا يقبلها الدين أو العُرف لتحقيق تلك الأرباح، مثل أن يحرم إخوانه وأخواته من حقهم في الميراث، أو أن يستولي على أموال الآخرين بالقوة والإكراه، أو أن يتخذ من الكذب وحلف الأيمان وسيلة لإقناع الآخرين وغشهم.

ولهذه الحالة من التطرف والغلو في "الطريق الى التالي" حل وحيد أشار اليه الرسول الكريم في تتمة الحديث المذكور آنفاً حين قال عليه الصلاة والسلام: "ولن يملأ فاه إلا التراب، ويتوب الله على من تاب"، وهي إشارة واضحة ممن لا ينطق عن الهوى الى أن الطمّاع لن يتوقف عن السعي المحموم إلا عند وفاته ووضعه في قبره، وأن يهال عليه التراب ليملأ فاه.

ولا يزال باب التوبة مفتوحاً لمن أدرك تعديه وتغوله في سعيه نحو التالي على حقوق الآخرين، بأن يرد الحقوق الى أصحابها، وأن يسعى الي تحسين أوضاعه بالطرق الحلال، التي تضمن له السلامة وتحل عليه البركة.




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات