مسؤولية الدولة تجاه الشهداء


فجع الأردنيون خلال الأيام الماضية بفقدان ثلة من نشامى منتسبي جهاز الأمن العام، الذين اختاروا الشهادة والتضحية في سبيل الوطن حفاظا على أمنه وسلامة أفراده. فكانت الفاجعة الكبرى التي أدمت القلوب وأبكت العيون بخسارة شباب أبطال تصدوا لرصاص الغدر والإرهاب بقلوبهم قبل أجسادهم، فسالت دماؤهم الزكية التي روت أرض الأردن الطاهرة.

ويثور التساؤل القانوني الأبرز حول الحقوق التي يتمتع بها أسر شهدائنا الأبطال ونطاق مسؤولية الدولة في مواجهتهم في التشريعات الوطنية. وفي هذا السياق، نجد بأن الدستور الأردني قد جاء خاليا من أية إشارة تتعلق بتكريس حقوق للشهداء والمصابين في العمليات العسكرية والأمنية، ذلك على خلاف الدساتير المقارنة التي تتسابق فيما بينها في توفير أقصى درجات الحماية والتكريم للشهداء وأسرهم. فالمادة (16) من الدستور المصري تنص على أن "تلتزم الدولة بتكريم شهداء الوطن والمحاربين القدماء والمصابين، وأسر المفقودين في الحرب وما في حكمها، ومصابي العمليات الأمنية وأزواجهم وأولادهم ووالديهم، وتعمل على توفير فرص العمل لهم، وتشجع الدولة مساهمة منظمات المجتمع المدني في تحقيق هذه الأهداف".

كما تضمن الدستور التونسي الجديد لعام 2022 إشارة واضحة وصريحة للشهداء في ديباجته بالقول، إن الشعب التونسي قد قدّم جحافل الشهداء من أجل الانعتاق والحرية، فاختلطت دماؤهم الطاهرة الزكية الأرض الطيبة.

وتبقى الحماية القانونية لأسر الشهداء في الأردن مقررة بشكل رئيسي في قانون خاص يسمى قانون صندوق شهداء القوات المسلحة الأردنية - الجيش العربي والأجهزة الأمنية رقم (37) لسنة 2018 وتعديلاته، الذي توسع بشكل إيجابي في تعريف الشهيد في العمليات الحربية ليشمل "كل ضابط أو ضابط الصف أو المرشح أو الفرد أو التلميذ العسكري أو التلميذ أو الشرطي أو المكلف أو المستخدم المدني، الذي يتوفى أو يُفقد بسبب العمليات الحربية أو التدريب أو التصدي للعمليات الإرهابية، أو متأثرا بإصابته بعد نقله منها، أو بسبب عمليات الإسعاف والإطفاء والإنقاذ والتدريب عليها".

وقد أنشأ هذا القانون صندوقا خاصا يسمى "صندوق شهداء القوات المسلحة الأردنية - الجيش العربي والأجهزة الأمنية" بهدف تقديم الدعم لأسر الشهداء، حيث تقوم على إدارته لجنة عليا تتألف من سبعة ضباط يتم اختيارهم من القوات المسلحة الأردنية - الجيش العربي يسميهم رئيس هيئة الأركان المشتركة، وثلاثة ضباط من مديرية الأمن العام يسميهم مديرها، وضابط من دائرة المخابرات العامة يسميه مديرها.

كما ويتشكل بموجب القانون لجنة عسكرية مشتركة خاصة تكون مهمتها تقرير منح صفة الشهيد من عدمه لكافة الحالات التي يتوفى فيها العسكريون والمستخدمون المدنيون من مرتبات القوات المسلحة الأردنية الجيش العربي والأجهزة الأمنية، حيث يتعين على كافة المديريات المعنية إحالة جميع برقيات الحوادث والتقارير الطبية إليها، لغايات إصدار قرارها في الحالة المعروضة عليها.

أما الحكم القانوني اللافت للنظر، فيتمثل في تمويل صندوق دعم الشهداء، الذي يعتمد ضمن موارده المالية على نشامى القوات المسلحة والأجهزة الأمنية أنفسهم، إذ تنص المادة (7) من القانون على إلزامية اشتراكهم في هذا الصندوق، وأن يتم اقتطاع وتوريد اشتراكات شهرية من رواتبهم بنسب مالية تختلف تبعا لرتبهم العسكرية.

كما تتمثل باقي الموارد المالية لصندوق دعم الشهداء من المساعدات والهبات والتبرعات والأوقاف التي ترد إلى الصندوق والتي يجب أن يوافق عليها مجلس الوزراء إن كانت من مصدر غير أردني، ومن عوائد استثمار أموال الصندوق، بالإضافة إلى مبلغ خمسة ملايين دينار يخصص له من الموازنة العامة سنويا، وما نسبته (1%) من مخصصات الأعيان والنواب ومن رواتب الوزراء الشهرية.

وعن قيمة الدعم المالي المقدم للشهداء من الصندوق، فقد نصت المادة (10) من القانون على أن يُدفع إلى أسرة الشهيد مبلغا عاجلا مقداره (20000) عشرين ألف دينار يدفع لمرة واحدة، بالإضافة إلى المساعدات التي تُصرف لهم في الأعياد القومية والوطنية والدينية، وفي أي مناسبة أخرى تقررها اللجنة المشرفة على الصندوق.

إن تعويض أسر الشهداء يجب أن يتجاوز الدعم المالي الذي يتعين إعادة النظر في قيمته، إلى جانب النص صراحة على إلزامية الدولة بتأمين أفضل سبل السكن والعلاج والتعليم والعمل لأبناء الشهداء، وبأن يكون لهم الأولوية على أقرانهم في تولي الوظائف العسكرية والحكومية تبعا لرغباتهم الشخصية وذلك بنصوص واضحة وصريحة في القانون، وعدم الاعتماد على الممارسة المجتمعية الدارجة.

كما يجب إعادة النظر في مصادر تمويل صندوق دعم الشهداء، بحيث لا يقبل أن يتم اقتطاع أي مبلغ من رواتب نشامى القوات المسلحة والأجهزة الأمنية ولو كانت ضئيلة، لتوفير حماية لأسرهم بعد استشهادهم. فتكريم الشهيد والاقرار بتضحياته في حماية الوطن يتنافى مع فكرة إشراكه في المساهمة في الدعم المالي الذي سيقدم لأسرهم بعد استشهادهم.

ويتعين أيضا التفكير في مصادر تمويل جديدة لهذا الصندوق، وذلك بأن يتم الاقتطاع من الأرباح السنوية التي تحققها البنوك وكبرى الشركات التجارية، وذلك لزيادة قيمة الدعم المالي الذي يقدم لأسر الشهداء. فلولا تضحيات الأبطال لما نعم الأردن بأمنه واستقراره، ولما تمكنت رؤوس الأموال الوطنية والأجنبية من جني الأرباح والمكاسب المالية سنويا.

حمى الله الأردن ورحم أرواح شهدائنا، وسيبقى الوطن عصيا منيعا على الإرهاب بتماسك الأردنيين ويقظة نشامى القوات المسلحة والأجهزة الأمنية.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات