من يوميات مدير قطاع عام ..
كان حجم المخصصات التي ترصد سنوياً للبرنامج كبيرة بكل المقاييس وتفوق كثيراً موازنات بعض الوزارات والمؤسسات الحكومية .... لم يعد البرنامج برنامجاً فقط بل أضحى أشبه بصندوق طوارئ يتم اللجوء إليه لتمويل تنفيذ أي نشاط أو مشروع تظهر الحاجة إلى تنفيذه ولا يتوفر له تمويل ... كان يمنح وزراء التخطيط أهمية ونفوذاً لا يحظى به الوزراء الآخرون ... الأمر الذي كان يؤدي إلى مناكفات وضغوط على الوزارة من جهات متعددة ... كانت وزارة التنمية الاجتماعية تنفذ مشروع إسكان الأسر الفقيرة بتمويل من البرنامج وضمن مشاريعه وأنشطته المختلفة ... كنا نقوم بتحديد المبالغ التي يتم رصدها سنوياً لهذا المشروع ونمارس دوراً اشرافياً من نوع ما على هذا المشروع ... وضعٌ استمر لسنوات منذ اطلاق المشروع حتى تولت السيدة هاله بسيسو لطوف منصب وزيرة التنمية الاجتماعية وهي التي سبق أن تولت منصب أمين عام وزارة التخطيط لعدة سنوات ...
نجحت الوزيرة لطوف بعد جهد كبير بنقل مخصصات هذا المشروع إلى وزارة التنمية الاجتماعية بشكل نهائي وحسمها من موازنة البرنامج ... لِتُخْرِجَ هذا المشروع منذ ذلك التاريخ من عباءة البرنامج وتنهي "الوصاية" التي كانت وزارة التخطيط تمارسها عليه ...
في الوقت الذي كانت فيه العديد من الجهات تخطب ود الوزارة للحصول على تمويل لتنفيذ مشاريع وأنشطة لها ... كان كثيرون يهاجمون البرنامج لأسباب كثيرة بداعي أن البرنامج لا يحقق أهدافه في تعزيز التنمية المحلية ومحاربة الفقر والبطالة ... ولكي تفند هذه المزاعم وترد على هذه التهم فقد سعت الوزيرة سهير العلي لتكليف جهة دولية لتقييم أثر تنفيذ هذا البرنامج .... وقد استطاعت الحصول على موافقة إحدى الجهات المانحة على توفير التمويل اللازم وتولي عملية اختيار الجهة التي سوف تقوم بالتقييم والإشراف على عملها ....
تم اختيار شركة استشارية اجنبية مؤتلفة مع شركة محلية لتنفيذ عملية تقييم البرنامج .... كان فريق التقييم الذي يرأسه خبير أجنبي يضم العديد من الخبراء العرب والأجانب ... كانت مهمتي أن أسهل مهمة فريق التقييم وأن أزوده بما يطلب من الوثائق والبيانات ... وأن أقوم لاحقاً باستلام التقارير التي يعدها الفريق وابداء الملاحظات حولها ...
اجتمعت مع فريق التقييم وقد فوجئت بحديث ومداخلات رئيس الفريق التي كانت تتسم بالفوقية والاستعلاء وكانت مستفزة إلى حد كبير ... وقد تصديت له بما استطعت من قوة ومنطق في الاجتماع الذي حضره موظفو وحدة البرنامج .... وقد خرجت بانطباع سلبي عن المصير الذي سوف تؤول إليه عملية التقييم .... الأمر الذي تأكد لي بجلاء عند استلام مسودة التقرير الرئيسي الذي يتناول إدارة البرنامج ... وقد صعقت عندما وجدت أن التقرير الذي أعده رئيس الفريق شخصياً قد تضمن العديد من المغالطات واستهدف إدارة البرنامج والإدارة العليا للوزارة بالنقد والهجوم غير المبرر والذي لا يدعمه أي أساس مهني أو منطق علمي .... وقد تبين لاحقاً أنه قد تواصل مع خصوم للبرنامج والوزارة أو متضررين من أحدهما أو كليهما ....
أبْلَغْتُ الوزيرة بخلاصة ما تضمنه التقرير لتغضبَ وتوعز للأمين العام بمتابعة الموضوع مع الجهة المشرفة على عملية التقييم ... وليتم لاحقاً اعفاء رئيس الفريق من مهامه واستبداله بآخر .... إلا أن نتيجة ذلك كانت مخيبة للآمال وأعني هنا آمالي أنا شخصياً .... فقد فَهِمَتْ الجهة المشرفة على التقييم رسالة الوزارة بشكل معكوس وخاطئ .... حيث جاءت التقارير النهائية للتقييم مُهادِنَةً وضعيفة مما حرم البرنامج من فرصة للتقييم العلمي والمنهجي السليم ....
استقالت حكومة نادر الذهبي في التاسع من كانون أول 2009 وليخلفه سمير الرفاعي مشكلاً حكومته الأولى بتاريخ 14 كانون أول 2009 والتي تضمنت تعيين د. جعفر حسان وزيراً للتخطيط والتعاون الدولي خلفاً للسيدة سهير العلي التي استمرت في المنصب أكثر من أربع سنوات ونصف السنة ...
استهل د. حسان خدمته في الوزارة بعقد اجتماع لمدراء المديريات والوحدات الإدارية حضرته الوزيرة السابقة سهير العلي ... كان الاجتماع فرصة لتعريف الوزير الجديد بمدراء الوزارة ... وتبادل أحاديث وعبارات المجاملة بين الوزيرين السابقة واللاحق ...
جاء الوزير الجديد من الديوان الملكي الهاشمي وكان يضج حماساً ورغبة في العمل وأن يحدث فرقاً بتحقيق نتائج ملموسة على الأرض ... رغبة لمستها أثناء العرض المرئي الذي قدمته للوزير عن مشاريع وأنشطة البرنامج بحضور موظفي الوحدة بعد أيام قليلة ... حيث طرح الوزير أثناء العرض وبعد نهايته العديد من الأسئلة والاستفسارات التي كان محورها ما الأثر الذي حققه هذا المشروع أو ذلك النشاط وكم فرصة عمل وفر ....
يُرَكِّزُ وزراء التخطيط عادة جهودهم في مجال التعاون الدولي والذي يهدف إلى استقطاب القروض والمنح من الدول الصديقة والجهات المانحة ... إلا أن تزايد معدلات الفقر والبطالة وما ينتجه ذلك من ضغوط على الحكومة قد دفع الوزير الجديد للاهتمام ببرنامج تعزيز الانتاجية الاقتصادية والاجتماعية وخاصة المشاريع والأنشطة المتعلقة بالفقر والبطالة والتنمية المحلية .... كان يقرأ التقارير كاملة ويهتم بأدق التفاصيل ... يسأل يناقش ... أمر جعلني دائم القرب منه وبنفس الوقت رتب عليَّ مسؤوليات أكبر جعلتني أدقق كثيراً في المعاملات والتقارير التي أرفعها إليه ... لكنني استطعت في النهاية كسب ثقة الوزير ثم الفوز بمودته واحترامه لاحقاً ...
أن تكون موظفاً في القطاع العام وبرتبة متقدمة يمنحك الكثير من الحوافز والمزايا ولكنه يتطلب منك التناغم التام مع البيئة والمنظومة التي تعمل خلالها وبخلاف ذلك ستبقى في حالة صدام ومواجهات مستمرة تؤدي في النهاية إلى خروجك من هذه الأجواء إما تنازلاً منك أو رغماً عنك ... أو البقاء صامداً مع تحمل الكلف والتبعات المترتبة على ذلك والتي أبسطها خسارة العلاقات مع المحيطين بك بما في ذلك المرؤوسين وزملاء العمل ...
كان لمدير البرنامج صلاحية التنسيب بتعيين موظفين جدد على حساب البرنامج لينضموا للجهاز العامل في وحدة إدارة البرنامج .... الأمر الذي رتب علي ضغوطاً من زملاء ومعارف من داخل الوزارة وخارجها لتعيين أشخاص من طرف كل منهم ... وقد كنت دائم الرفض لهذه المساعي بسبب عدم الحاجة أولاً ولكون الأشخاص المرشحين لا يتمتعون بمؤهلات وخبرات استثنائية الأمر الذي كان يؤثر سلباً على علاقاتي مع هؤلاء الزملاء والمعارف .... زارني مرة في المكتب أحد مدراء الوزارة حاملاً سيرة ذاتية لأحد الأشخاص طالباً تعيينه لأنه قريب شخص مهم يعمل لدى جهة مهمة ... ولما اعتذرت عن ذلك خرج غاضباً وقطع صلاته معي .... بعدها بأسبوع أو أسبوعين اتصل زميل سابق يعمل لدى مؤسسة حيوية للتوسط لذلك الشخص ... وقد اعتذرت عن ذلك مجدداً مما أثار سخط ذلك الزميل أيضاً ... بعدها بفترة شهرين تقريباً جاءتني معاملة من الأمين العام مرفق بها السيرة الذاتية لذات الشخص لتعيينه في وحدة البرنامج ... قمت بمقابلة ذلك الشخص المحظوظ ... كان لطيفاً ومهذباً ويتمتع بمؤهلات وقدرات متوسطة ... لم تكن الوحدة بحاجة لموظفين جدد ولكون تخصصه بعيد نوعاً ما عن مجال عملنا فقد احتفظت بالمعاملة لدي ولم أقم بالرد عليها .... بعدها بفترة ليست قصيرة ذكَّرَني الأمين العام بالموضوع وقد لمست أن هناك رغبة لديه بل قرار بتعيينه ... مما دفعني للتنسيب بالموافقة على أن يتم التعيين براتب لا يتجاوز حداً معيناً ... ليصدر قرار التعيين بعدها براتب يفوق ذلك بشكل جوهري ....
كانت المطالبات المالية للمشاريع والأنشطة يتم اعدادها من قبل الموظفين المكلفين بمتابعة هذه المشاريع وتلك الأنشطة ... تأتيني المطالبات فأقوم بالمرور عليها بشكل سريع ... وأقوم بتحويلها للمدير المالي للمضي قدماً بإجراءات الصرف فلم يكن لدي الوقت الكافي لتدقيق التفاصيل الواردة بها .... أما المطالبات النهائية فكنت اراجعها بشكل دقيق .... جاءتني مطالبة نهائية تعود لإحدى الجهات الشريكة تقوم بمتابعتها إحدى الموظفات التي هبطت على الوحدة ذات يوم بالمظلة .... فقمت قبل اجازتها بطلب سجل المطالبات السابقة ومقارنتها بقيمة التمويل الكلي لأكتشف بأنه قد تم تجاوز قيمة المخصص لتلك الجهة بمبلغ مائة وخمسة وعشرين ألف دينار ... اتصلت على الفور بتلك الجهة وطلبت تحويل قيمة ذلك المبلغ للوزارة بشكل فوري وهو ما تم فعلاً في اليوم التالي .... لم يكن الأمر مقصوداً ولم ينطوي على سوء نية من الموظفة ولكنه عكس اهمالاً وعدم متابعة دقيقة من طرفها .... لم اتخذ أي إجراء عقابي بحق الموظفة .... فقط قمت بسحب كافة الملفات التي كانت تتابعها وجمدت نشاطها في الوحدة وارسلت لها رسالة الكترونية بذلك .... استشاطت غضباً وبدأت بتوصيل رسائل بطرق مختلفة فيها شيء من التوعد والتهديد ... رسائل مضمونها "هو مين شايف حاله ... هو مش عارف أنا مين" ... لم أعر تلك الرسائل أي اهتمام .... ليتم بعد ذلك بأسبوعين أو ثلاثة استدعائي من قبل الأمين العام ... حيث قمت إكراماً لخاطره بإعادة الأمور تدريجياً إلى ما كانت عليه ...
كنت احتفظ بعلاقات ممتازة مع الجهات المنفذة لأنشطة ومشاريع البرنامج احتراماً لجهودهم ولضمان استمرارهم بالعمل وفقاً لمتطلبات البرنامج وشروطه .... وقد جاءتني معاملة من إحدى الجهات الحكومية التي تقوم بتنفيذ أحد مشاريع البرنامج للموافقة على مكافآت للجنة فنية من موظفيها تتابع المشروع وقد لفت انتباهي أن رئيس اللجنة هو مدير عام تلك الجهة وأن قيمة المكافأة المخصصة له تبلغ اربعمائة دينار شهرياً ... رفضت الموافقة على مكافأة المدير فاللجنة فنية ميدانية ولا دور له فيها ... ولما راجعني ممثل تلك الجهة وطالب بإقرار مكافأة مديره بحجة أن ذلك مغطى بموافقة من رئاسة الوزراء أجبته اصرفوا لعطوفته من موازنتكم .... حاولت جهدي حجب المكافأة غير المستحقة إلا أنني خسرت تلك الموقعة في النهاية .... فكسب المدير المكافأة فيما كسبت أنا عداوته وعداوة موظفيه أيضاً ....
كان حجم المخصصات التي ترصد سنوياً للبرنامج كبيرة بكل المقاييس وتفوق كثيراً موازنات بعض الوزارات والمؤسسات الحكومية .... لم يعد البرنامج برنامجاً فقط بل أضحى أشبه بصندوق طوارئ يتم اللجوء إليه لتمويل تنفيذ أي نشاط أو مشروع تظهر الحاجة إلى تنفيذه ولا يتوفر له تمويل ... كان يمنح وزراء التخطيط أهمية ونفوذاً لا يحظى به الوزراء الآخرون ... الأمر الذي كان يؤدي إلى مناكفات وضغوط على الوزارة من جهات متعددة ... كانت وزارة التنمية الاجتماعية تنفذ مشروع إسكان الأسر الفقيرة بتمويل من البرنامج وضمن مشاريعه وأنشطته المختلفة ... كنا نقوم بتحديد المبالغ التي يتم رصدها سنوياً لهذا المشروع ونمارس دوراً اشرافياً من نوع ما على هذا المشروع ... وضعٌ استمر لسنوات منذ اطلاق المشروع حتى تولت السيدة هاله بسيسو لطوف منصب وزيرة التنمية الاجتماعية وهي التي سبق أن تولت منصب أمين عام وزارة التخطيط لعدة سنوات ...
نجحت الوزيرة لطوف بعد جهد كبير بنقل مخصصات هذا المشروع إلى وزارة التنمية الاجتماعية بشكل نهائي وحسمها من موازنة البرنامج ... لِتُخْرِجَ هذا المشروع منذ ذلك التاريخ من عباءة البرنامج وتنهي "الوصاية" التي كانت وزارة التخطيط تمارسها عليه ...
في الوقت الذي كانت فيه العديد من الجهات تخطب ود الوزارة للحصول على تمويل لتنفيذ مشاريع وأنشطة لها ... كان كثيرون يهاجمون البرنامج لأسباب كثيرة بداعي أن البرنامج لا يحقق أهدافه في تعزيز التنمية المحلية ومحاربة الفقر والبطالة ... ولكي تفند هذه المزاعم وترد على هذه التهم فقد سعت الوزيرة سهير العلي لتكليف جهة دولية لتقييم أثر تنفيذ هذا البرنامج .... وقد استطاعت الحصول على موافقة إحدى الجهات المانحة على توفير التمويل اللازم وتولي عملية اختيار الجهة التي سوف تقوم بالتقييم والإشراف على عملها ....
تم اختيار شركة استشارية اجنبية مؤتلفة مع شركة محلية لتنفيذ عملية تقييم البرنامج .... كان فريق التقييم الذي يرأسه خبير أجنبي يضم العديد من الخبراء العرب والأجانب ... كانت مهمتي أن أسهل مهمة فريق التقييم وأن أزوده بما يطلب من الوثائق والبيانات ... وأن أقوم لاحقاً باستلام التقارير التي يعدها الفريق وابداء الملاحظات حولها ...
اجتمعت مع فريق التقييم وقد فوجئت بحديث ومداخلات رئيس الفريق التي كانت تتسم بالفوقية والاستعلاء وكانت مستفزة إلى حد كبير ... وقد تصديت له بما استطعت من قوة ومنطق في الاجتماع الذي حضره موظفو وحدة البرنامج .... وقد خرجت بانطباع سلبي عن المصير الذي سوف تؤول إليه عملية التقييم .... الأمر الذي تأكد لي بجلاء عند استلام مسودة التقرير الرئيسي الذي يتناول إدارة البرنامج ... وقد صعقت عندما وجدت أن التقرير الذي أعده رئيس الفريق شخصياً قد تضمن العديد من المغالطات واستهدف إدارة البرنامج والإدارة العليا للوزارة بالنقد والهجوم غير المبرر والذي لا يدعمه أي أساس مهني أو منطق علمي .... وقد تبين لاحقاً أنه قد تواصل مع خصوم للبرنامج والوزارة أو متضررين من أحدهما أو كليهما ....
أبْلَغْتُ الوزيرة بخلاصة ما تضمنه التقرير لتغضبَ وتوعز للأمين العام بمتابعة الموضوع مع الجهة المشرفة على عملية التقييم ... وليتم لاحقاً اعفاء رئيس الفريق من مهامه واستبداله بآخر .... إلا أن نتيجة ذلك كانت مخيبة للآمال وأعني هنا آمالي أنا شخصياً .... فقد فَهِمَتْ الجهة المشرفة على التقييم رسالة الوزارة بشكل معكوس وخاطئ .... حيث جاءت التقارير النهائية للتقييم مُهادِنَةً وضعيفة مما حرم البرنامج من فرصة للتقييم العلمي والمنهجي السليم ....
استقالت حكومة نادر الذهبي في التاسع من كانون أول 2009 وليخلفه سمير الرفاعي مشكلاً حكومته الأولى بتاريخ 14 كانون أول 2009 والتي تضمنت تعيين د. جعفر حسان وزيراً للتخطيط والتعاون الدولي خلفاً للسيدة سهير العلي التي استمرت في المنصب أكثر من أربع سنوات ونصف السنة ...
استهل د. حسان خدمته في الوزارة بعقد اجتماع لمدراء المديريات والوحدات الإدارية حضرته الوزيرة السابقة سهير العلي ... كان الاجتماع فرصة لتعريف الوزير الجديد بمدراء الوزارة ... وتبادل أحاديث وعبارات المجاملة بين الوزيرين السابقة واللاحق ...
جاء الوزير الجديد من الديوان الملكي الهاشمي وكان يضج حماساً ورغبة في العمل وأن يحدث فرقاً بتحقيق نتائج ملموسة على الأرض ... رغبة لمستها أثناء العرض المرئي الذي قدمته للوزير عن مشاريع وأنشطة البرنامج بحضور موظفي الوحدة بعد أيام قليلة ... حيث طرح الوزير أثناء العرض وبعد نهايته العديد من الأسئلة والاستفسارات التي كان محورها ما الأثر الذي حققه هذا المشروع أو ذلك النشاط وكم فرصة عمل وفر ....
يُرَكِّزُ وزراء التخطيط عادة جهودهم في مجال التعاون الدولي والذي يهدف إلى استقطاب القروض والمنح من الدول الصديقة والجهات المانحة ... إلا أن تزايد معدلات الفقر والبطالة وما ينتجه ذلك من ضغوط على الحكومة قد دفع الوزير الجديد للاهتمام ببرنامج تعزيز الانتاجية الاقتصادية والاجتماعية وخاصة المشاريع والأنشطة المتعلقة بالفقر والبطالة والتنمية المحلية .... كان يقرأ التقارير كاملة ويهتم بأدق التفاصيل ... يسأل يناقش ... أمر جعلني دائم القرب منه وبنفس الوقت رتب عليَّ مسؤوليات أكبر جعلتني أدقق كثيراً في المعاملات والتقارير التي أرفعها إليه ... لكنني استطعت في النهاية كسب ثقة الوزير ثم الفوز بمودته واحترامه لاحقاً ...
أن تكون موظفاً في القطاع العام وبرتبة متقدمة يمنحك الكثير من الحوافز والمزايا ولكنه يتطلب منك التناغم التام مع البيئة والمنظومة التي تعمل خلالها وبخلاف ذلك ستبقى في حالة صدام ومواجهات مستمرة تؤدي في النهاية إلى خروجك من هذه الأجواء إما تنازلاً منك أو رغماً عنك ... أو البقاء صامداً مع تحمل الكلف والتبعات المترتبة على ذلك والتي أبسطها خسارة العلاقات مع المحيطين بك بما في ذلك المرؤوسين وزملاء العمل ...
كان لمدير البرنامج صلاحية التنسيب بتعيين موظفين جدد على حساب البرنامج لينضموا للجهاز العامل في وحدة إدارة البرنامج .... الأمر الذي رتب علي ضغوطاً من زملاء ومعارف من داخل الوزارة وخارجها لتعيين أشخاص من طرف كل منهم ... وقد كنت دائم الرفض لهذه المساعي بسبب عدم الحاجة أولاً ولكون الأشخاص المرشحين لا يتمتعون بمؤهلات وخبرات استثنائية الأمر الذي كان يؤثر سلباً على علاقاتي مع هؤلاء الزملاء والمعارف .... زارني مرة في المكتب أحد مدراء الوزارة حاملاً سيرة ذاتية لأحد الأشخاص طالباً تعيينه لأنه قريب شخص مهم يعمل لدى جهة مهمة ... ولما اعتذرت عن ذلك خرج غاضباً وقطع صلاته معي .... بعدها بأسبوع أو أسبوعين اتصل زميل سابق يعمل لدى مؤسسة حيوية للتوسط لذلك الشخص ... وقد اعتذرت عن ذلك مجدداً مما أثار سخط ذلك الزميل أيضاً ... بعدها بفترة شهرين تقريباً جاءتني معاملة من الأمين العام مرفق بها السيرة الذاتية لذات الشخص لتعيينه في وحدة البرنامج ... قمت بمقابلة ذلك الشخص المحظوظ ... كان لطيفاً ومهذباً ويتمتع بمؤهلات وقدرات متوسطة ... لم تكن الوحدة بحاجة لموظفين جدد ولكون تخصصه بعيد نوعاً ما عن مجال عملنا فقد احتفظت بالمعاملة لدي ولم أقم بالرد عليها .... بعدها بفترة ليست قصيرة ذكَّرَني الأمين العام بالموضوع وقد لمست أن هناك رغبة لديه بل قرار بتعيينه ... مما دفعني للتنسيب بالموافقة على أن يتم التعيين براتب لا يتجاوز حداً معيناً ... ليصدر قرار التعيين بعدها براتب يفوق ذلك بشكل جوهري ....
كانت المطالبات المالية للمشاريع والأنشطة يتم اعدادها من قبل الموظفين المكلفين بمتابعة هذه المشاريع وتلك الأنشطة ... تأتيني المطالبات فأقوم بالمرور عليها بشكل سريع ... وأقوم بتحويلها للمدير المالي للمضي قدماً بإجراءات الصرف فلم يكن لدي الوقت الكافي لتدقيق التفاصيل الواردة بها .... أما المطالبات النهائية فكنت اراجعها بشكل دقيق .... جاءتني مطالبة نهائية تعود لإحدى الجهات الشريكة تقوم بمتابعتها إحدى الموظفات التي هبطت على الوحدة ذات يوم بالمظلة .... فقمت قبل اجازتها بطلب سجل المطالبات السابقة ومقارنتها بقيمة التمويل الكلي لأكتشف بأنه قد تم تجاوز قيمة المخصص لتلك الجهة بمبلغ مائة وخمسة وعشرين ألف دينار ... اتصلت على الفور بتلك الجهة وطلبت تحويل قيمة ذلك المبلغ للوزارة بشكل فوري وهو ما تم فعلاً في اليوم التالي .... لم يكن الأمر مقصوداً ولم ينطوي على سوء نية من الموظفة ولكنه عكس اهمالاً وعدم متابعة دقيقة من طرفها .... لم اتخذ أي إجراء عقابي بحق الموظفة .... فقط قمت بسحب كافة الملفات التي كانت تتابعها وجمدت نشاطها في الوحدة وارسلت لها رسالة الكترونية بذلك .... استشاطت غضباً وبدأت بتوصيل رسائل بطرق مختلفة فيها شيء من التوعد والتهديد ... رسائل مضمونها "هو مين شايف حاله ... هو مش عارف أنا مين" ... لم أعر تلك الرسائل أي اهتمام .... ليتم بعد ذلك بأسبوعين أو ثلاثة استدعائي من قبل الأمين العام ... حيث قمت إكراماً لخاطره بإعادة الأمور تدريجياً إلى ما كانت عليه ...
كنت احتفظ بعلاقات ممتازة مع الجهات المنفذة لأنشطة ومشاريع البرنامج احتراماً لجهودهم ولضمان استمرارهم بالعمل وفقاً لمتطلبات البرنامج وشروطه .... وقد جاءتني معاملة من إحدى الجهات الحكومية التي تقوم بتنفيذ أحد مشاريع البرنامج للموافقة على مكافآت للجنة فنية من موظفيها تتابع المشروع وقد لفت انتباهي أن رئيس اللجنة هو مدير عام تلك الجهة وأن قيمة المكافأة المخصصة له تبلغ اربعمائة دينار شهرياً ... رفضت الموافقة على مكافأة المدير فاللجنة فنية ميدانية ولا دور له فيها ... ولما راجعني ممثل تلك الجهة وطالب بإقرار مكافأة مديره بحجة أن ذلك مغطى بموافقة من رئاسة الوزراء أجبته اصرفوا لعطوفته من موازنتكم .... حاولت جهدي حجب المكافأة غير المستحقة إلا أنني خسرت تلك الموقعة في النهاية .... فكسب المدير المكافأة فيما كسبت أنا عداوته وعداوة موظفيه أيضاً ....
تعليقات القراء
أكتب تعليقا
تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه. - يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع |
|
الاسم : | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : | |