الصراع على التاريخ والكنيسة بين روسيا وأوكرانيا


جراسا -

تداخلت صور الصراع بين أصوات المدافع وأصوات أجراس الكنائس ، داخل أوكرانيا.. وتحت مظلة الصراع على التاريخ والكنيسة بين روسيا وأوكرانيا.. تداخل بين جبهة القتال وجبهة الصلوت الكنسية!! وبينما تواصل القوات الروسية عملياتها العسكرية داخل اوكرانيا، فإن التوترات بين البلدين تتصاعد أيضا من خلال صراع آخر تدور فصوله في أروقة الكنائس الأرثوذكسية المتنافسة.

ومشهد «الانشقاق الكنسي» يعبر عنه بوضوح، يوجين كلاي، الأستاذ بكلية الدراسات التاريخية والفلسفية والدينية بجامعة ولاية أريزونا، بأن كنيستين أرثوذكسيتين مختلفتين تدّعيان أنهما الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية الحقيقية للشعب الأوكراني، وتقدم الكنيستان رؤيتين مختلفتين بشكل لافت للنظر إلى العلاقة بين الشعبين الأوكراني والروسي.
رؤيتان للتاريخ
وبات واضحا، منذ أن ضمت روسيا، شبه جزيرة القرم، في العام 2014 توتر العلاقات بين البلدين بوجه خاص، وانعكست هذه التوترات في المقاربات المختلفة جدا للكنيستين تجاه روسيا.. ويعبر التنافس بين الكنيستين الأرثوذكستين، عن رؤيتين تاريخيتين مختلفتين للعلاقة بين الروس والأوكرانيين.

في نظر بطريركية موسكو، فإن الروس والأوكرانيين شعب واحد؛ لذلك يجب أن توحدهم كنيسة واحدة.
والكنيسة الأرثوذكسية في أوكرانيا لها وجهة نظر مختلفة تماما، ورفض مطران كييف وعموم أوكرانيا، المتروبوليتان إبيفاني، بشدة «التقاليد الإمبراطورية الروسية»، وقال: إن الأوكرانيين شعب منفصل بثقافة فريدة، لذا يحتاجون إلى كنيسة مستقلة.
والخلاف الكنسي ..لا يزال مصدرا للجدل الديني والثقافي بين روسيا وأوكرانيا.

الأمن الأوكراني يشن حملة ضد الكنائس الأرثوذكسية


وتحت مظلة مناخ من الجدل الديني والثقافي، شنت أجهزة الأمن الأوكرانية حملة أمنية واسعة ضد الكنائس الأرثوذكسية في العديد من المدن الأوكرانية..وصرح النائب في البرلمان الأوكراني، أليكسي غونتشارينكو، بأن وحدة خاصة تابعة لجهاز أمن الدولة الأوكراني أجرت عمليات تفتيش وتدقيق داخل مرافق ومقتنيات كنيسة ميلاد المسيح التابعة للكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية في إيفانو فرانكوفسك، قبل ثلاثة أيام، في 25 نوفمبر / تشرين الثاني الجاري.

وبدورها ادعت إدارة جهاز أمن الدولة الأوكراني في منطقة إيفانو فرانكوفسك، أن عناصرها نفذوا «مهمة أمنية تتعلق بمكافحة التجسس والأنشطة التخريبية داخل حرم الكنيسة».
وفي تاريخ سابق ـ يوم 22 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري ـ اقتحمت أجهزة الأمن الأوكرانية حرم كنيسة «كييفسكا بيتشيرسكايا لافرا» في العاصمة كييف، وحرم ديرين آخرين، وأبرشية سارني التابعة للكنيسة الأرثوذكسية في منطقة ريفنا.

استجواب أكثر من 50 راهبا
وأوضح القائم بأعمال الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية، المطران أنتوني، أن أجهزة الأمن استجوبت أكثر من 50 راهبا، وصادرت «رسائل الفصح» التاريخية التي تعود للبطريك كيريل الأول، الذي كان يترأس كنائس موسكو وسائر الكنائس العاملة بميثاق «كييفسكايا روس»، كما صادرت كتبا قديمة باللغة الروسية، وجميع الوثائق التي تحمل وصايا أباطرة الكنيسة والمنددة بانشقاق الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية عن الروسية.

ومنذ بداية العملية الروسية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، تشن أجهزة الأمن الأوكرانية حملة شرسة ضد الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية التابعة لبطريركية موسكو، وصادرت العديد من ممتلكاتها ومقتنياتها.
الأمن الأوكراني يدعي العثور على «أدبيات موالية لروسيا» في الكنيسة الأرثوذكسية


وقبل أيام ـ 23 نوفمبر/ تشرين الثاني ـ أصدر جهاز الأمن الأوكراني SBU بيانا بنتائج عمليات التفتيش التي قام بها في كنائس وأديرة الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية، بما في ذلك دير كييف بيتشيرسكايا لافرا.

وجاء في البيان أن الضباط قاموا بأنشطة ميدانية في دير كييف بيتشيرسكايا لافرا وديرين آخرين في منطقة ريفني، وكذلك في مباني أبرشية سارني التابعة للكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية، حيث عثروا على «أدبيات موالية لروسيا»، وأموال: (أكثر من 2 مليون غريفنا – 54 ألف دولار) و100 ألف دولار، وعدة آلاف روبل روسي.. وأشار البيان إلى أنه خلال الإجراءات الأمنية في مقرات الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية، تم معاينة أكثر من 350 مبنى كنسي، ومقابلة 850 شخص بعناية، بينما التحقيق مع 50 شخصا من قبل جهات مكافحة التجسس، بما في ذلك باستخدام جهاز كشف الكذب.

وكان جهاز الأمن الأوكراني قد فتح، 13 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، قضية جنائية بشأن واقعة ترتيل المصلّين لترانيم قديمة عن روسيا في إحدى كنائس الدير التابعة للكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية.
البرلمان الأوكراني يطرح مشروعا لحظر الكنيسة الأرثوذكسية الروسية
وطرح البرلمان الأوكراني مشروع قانون لحظر الكنيسة الأرثوذكسية الروسية في أوكرانيا..وقال النواب الذين طرحوا مشروع القرار، إنهم يريدون حظر جميع المنظمات التي هي جزء من الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، أو تلك التي تدين «بالتبعية لها في الأمور القانونية والتنظيمية وغيرها»

وصرح هؤلاء النواب، بأن ما تم العثور عليه في دير «كييف بيتشيرسكايا لافرا» يشير إلى «تشكيل عش للكرملين مناهض لأوكرانيا».
استقلال «كنيسة أوكرانيا الأرثوذكسية»
وقد تم إنشاء هيكل منظمة منشقة تدعى «كنيسة أوكرانيا الأرثوذكسية» مكون من منظمتين منشقتين عن الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية نهاية عام 2018 بمبادرة من الرئيس الأوكراني السابق بيترو بوروشينكو، وبطريرك القسطنطينية بارثولوميو، بالتعارض مع الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية. وفي عام 2018، أعلن المجمع الكنسي للبطريركية المسكونية عن منحه استقلالا لـ «كنيسة أوكرانيا الأرثوذكسية»، ما أدى إلى قطع التواصل ما بين الكنيسة الأرثوذكسية الروسية والبطريركية المسكونية، وفي مطلع عام 2019، وقع بارثولوميو، بطريرك القسطنطينية المسكوني على «وثيقة توموس» التي اعترفت رسميا بـ «كنيسة أوكرانيا الأرثوذكسية» المشكلة حديثا.

ومع ذلك، فإن «كنيسة أوكرانيا الأرثوذكسية» هي في واقع الأمر تابعة لبطريركية القسطنطينية، ومعظم الكنائس الأرثوذكسية المحلية الخمسة عشر في العالم لا تعترف بقانونيتها.
الكنيستان القديمة والحديثة


الكنيسة الأقدم والأكبر هي الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية التابعة لبطريركية موسكو. ووفقا لإحصاءات الحكومة الأوكرانية، كان يتبع لهذه الكنيسة أكثر من 12 ألف أبرشية (وحدة في النظام الكنسي يرأسها الأسقف أو المطران) في عام 2018، وهي فرع من الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، وتخضع للسلطة الروحية للبطريرك كيريل بموسكو، وكثيرا ما أكد البطريرك كيريل وسلفه البطريرك ألكسي الثاني، مرارا وتكرارا حرصهما على الروابط القوية التي تربط شعبي أوكرانيا وروسيا.

وعلى النقيض من ذلك، تحتفل الكنيسة الثانية الأحدث، وهي الكنيسة الأرثوذكسية لأوكرانيا، باستقلالها عن موسكو، بمباركة البطريرك المسكوني ورئيس أساقفة القسطنطينية وروما الجديدة برثلماوس (مقره في إسطنبول)، إذ اجتمع مجلس رسمي في كييف في ديسمبر/كانون الأول 2018، وأنشأ الكنيسة الجديدة، وانتخب قائدها، المتروبوليت إبيفاني. وفي يناير/كانون الثاني 2019 اعترف البطريرك برثلماوس رسميا بالكنيسة الأرثوذكسية لأوكرانيا كعضو منفصل ومستقل ومتساو في شركة الكنائس الأرثوذكسية العالمية.
جذور تاريخية
في كل من روسيا وأوكرانيا، فإن «المسيحية الأرثوذكسية» هي التقليد الديني السائد. ووفقا لمسح أجرته مؤسسة «بيو» الأميركية عام 2015، فإن 71% من الروس و78% من الأوكرانيين عرفوا أنفسهم بأنهم أرثوذكس، وتظل الهوية الدينية عاملا ثقافيا مهما في كلا البلدين.

ويرجع المسيحيين الأرثوذكس في كل من روسيا وأوكرانيا تحولهم الديني إلى أمير كييف الأكبر عام 988 بعد الميلاد؛ الأمير المعروف باسم فلاديمير الأول عند الروس وفولوديمير عند الأوكرانيين، الذي جعل إمارته (كييف روس أو روس الكييفية) أمة مسيحية أرثوذكسية، ومنها انتقلت إلى سكان «خقانات روس» (الأراضي السلافية الشرقية) بعد تعميده من قبل المبشرين المسيحيين من القسطنطينية عاصمة الإمبراطورية البيزنطية آنذاك، لتصبح كييف بعد ذلك أهم مركز ديني للسلاف الشرقيين.

وبعد أن دمرها المغول عام 1240، سقطت كييف في حالة تدهور حتى مع ازدياد قوة جارتها الشمالية، موسكو. وبحلول عام 1686، احتلت روسيا شرق أوكرانيا وكييف، وفي ذلك العام نقل بطريرك القسطنطينية رسميا سلطته الروحية على أوكرانيا إلى بطريرك موسكو.
وحاول بعض المسيحيين الأرثوذكس الأوكرانيين إنشاء كنيسة مستقلة في أعوام 1921 و1942 و1992، وفشلت هذه الجهود إلى حد كبير، ولم تحظ الكنائس التي شكلوها باعتراف المجتمع الأرثوذكسي العالمي.

وفي القرن الـ20، طالبت حركة قومية متنامية باستقلال أوكرانيا ويشمل ذلك الكنيسة والدولة. وعلى الرغم من أن أوكرانيا أصبحت دولة مستقلة في عام 1991، فإن الكنيسة الأرثوذكسية الوطنية الوحيدة المعترف بها عالميا ظلت خاضعة لموسكو.
أزمة أوكرانياالكنيسة الأرثوذكسيةانشقاق كنسيروسياكنيسة كييفكنيسة موسكو



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات