خبير: الصهيونية الدينية تنقلب على حكومة الإحتلال لإقامة "دولة الشريعة"


جراسا -

في مراجعته لكتاب "الثورة الثالثة" ليائير نهورئي، عن مخطط الصهيونية الدينية لبلوغ "دولة الشريعة" الصادر مؤخرا، والتي نشرت في مجلة "قضايا إسرائيلية"، اعتبر الباحث في الدراسات اليهودية، د. نبيه بشير، هذا الإصدار إضافة نوعية في المجال كونه يتمتع على حد قوله بمساهمتين مركزيتين؛ تتلخص الأولى في رصد مواد شفهية لقيادات مركزية تنتمي للجناح السياسي لتيار "الصهيونية الدينية"؛ فيما تتمثل الثانية في رصد مواد موثقة تفيد بوجود مخطط في تيار "الصهيونية الدينية" يسعى إلى التغلغل في كافة المؤسسات الحكومية الإسرائيلية، لا سيما في الجيش ومواقع صنع القرار، وكذلك التغلغل الملموس في حزب الليكود واحتلاله من الداخل، وذلك من أجل إحداث "انقلاب في نظام الحكم" وتحقيق الغاية المتمثلة بـ"دولة الشريعة" اليهودية.

وكان بشير قد أشار في أبحاث سابقة إلى هذه المحاولة في إطار رصده للتحولات الجوهرية التي مرت بها الصهيونية الدينية، ومراحل تطور التيار قيد التشكل والمتمثل في ما بات يطلق عليه "الحريدية الصهيونية" أو "الحريدية القومية" واختصارا باللغة العبرية "حَردليم"؛ وهو يفيد في هذا السياق استنادا إلى العديد من المراقبين، بأن التيار "الصهيوني الديني" يعتمد مخططًا إستراتيجيًا منذ نهاية السبعينيات، يرمي إلى التأثير على الوعي اليهودي عمومًا والإسرائيلي خصوصًا، من خلال أنشطة وغرس موظفين ينتمون إليه في مختلف المؤسسات، وتولي وزارات محددة أهمها وزارة التربية والتعليم "للتأثير على الأجيال القادمة عبر صياغة المعارف التي تنكشف إليها وبلورة ذاكرتها التاريخية وهويتها، إلى جانب وزارتي الزراعة والبناء والإسكان لإقامة المستوطنات وتعزيزها والداخلية، لأنها الطرف الأهم في كل ما يتعلق بتحويل الميزانيات والمنح المختلفة والتخطيط للبلدات والمستوطنات الجديدة".

وينقل بشير على لسان عضو الكنيست السابق وأحد مؤسسي حركة "غوش إيمونيم" الاستيطانية، حنان بورات، قوله إن هذا التيار قد وضع إستراتيجية جديدة منذ مطلع الثمانينيات ترمي إلى دفع الأبناء المنتمين لهذا التيار للانضمام للجيش والانخراط في وسائل الإعلام، كخطوة نحو تغيير الوعي والثقافة السياسية في إسرائيل.

ويرى بشير أن تيار "الصهيونية الدينية" حقق نجاحًا كبيرًا، إذ حقق مشروع الاستيطان إنجازات كبرى، فيما نجح التيار بتطعيم الخطاب السياسي العام في إسرائيل بالقيم والتصورات والمفاهيم الدينية، وجر أجزاء واسعة من المجتمع الحريدي المناهض مبدئيًا للصهيونية إلى المشاركة في مشاريع الاستيطان، والتقرب من المجتمع الإسرائيلي بواسطة الخدمة العسكرية أو المدنية، إلى جانب احتلال مناصب مرموقة في وسائل الإعلام المركزية، وإنشاء وسائل وقنوات اعلامية مؤثرة، واستجلاب الدعم المادي الهائل من يهود الولايات المتحدة من اجل تمويل نشاطاته.

لإلقاء المزيد من الضوء على هذا الموضوع في ظل صعود تيار الصهيونية الدينية واحتلاله مواقع مؤثرة في الحكومة المقبل، أجرى موقع عرب 48 هذا الحوار مع الباحث د. نبيه بشير:

"عرب 48": كباحث في الدراسات اليهودية تتبعت أبحاثك تطور هذا التيار... لم تتفاجأ من صعود "الصهيونية الدينية" في الانتخابات الأخيرة؟

بشير: أبحث هذا الموضوع منذ عام 1975، ونشرت مقالات وكتبًا وحذرت أنا وغيري من الخطر المحدق. ولكننا، نحن، لا نريد أن نسمع ولا نريد أن نواجه، وقياداتنا تخاف من أن تعرف لكي لا تضطر للمواجهة والتصدي. الآن لا مجال بعد للتهرب لأننا أصبحنا وجهًا لوجه مع هذا الواقع المتمثل بحكومة ووزارات على غاية من الأهمية.
والمشكلة أننا نفتقر الى أدوات المواجهة، فلم نطور خطابًا لمواجهة الخطاب الديني الصهيوني، ولم نستعد مسبقا للتصدي له ولأخطاره المنتظرة.

"عرب 48": دعنا قبل ذلك نرجع الى أسباب تصاعد قوة هذا التيار..

بشير: بنظرة تاريخية إلى الوراء نرى أن "الحركة العمالية" هي من صاغت الرواية العلمانية الصهيونية، وأنها لم تكن معنية بإبراز الخطاب الديني، بل بتحييده، وإذا ما عدنا إلى ما قبل هرتسل، سنرى أن هذا الخطاب كان حاضرًا، لكن "الحركة العمالية" سيطرت بصورة قوية وحجبت الخطاب الديني وقيدته لعقود من الزمن، إلى أن صعد مناحيم بيغن عام 1977 للحكم وأطلق إساره.


"عرب 48": ولكن الصهيونية العلمانية بنت خطابها، كما نعرف، على الرواية الدينية التوراتية أيضا..

بشير: لكنها كانت تخفي الخطاب الديني وتخجل به، وتحاول تسويق نفسها بواسطة خطاب السعي لإيجاد ملجأ ليهود العالم المضطهدين، لأن هذا الخطاب كان مقنعًا للعالم. ومن أعطى دفعة كبيرة للخطاب الديني الصهيوني هو الراف "كوك الأب" في العشرينيات من القرن الماضي، وهو الذي طور الادعاء أو المفهوم الذي يقول إن كل هذه الأحزاب العلمانية هي أدوات لتحقيق الأهداف الدينية، وهو خطاب أخذ زخمًا كبيرًا بعد احتلال عام 1967، وجاء الراف كوك الابن وأعطاه دفعة أخرى.

لقد أخذت الصهيونية الدينية بعد احتلال 1967 زمام المبادرة وشكلت من خلال حركة "غوش إيمونيم" رأس حربة في الاستيطان الصهيوني في الضفة الغربية، وفي قيادة المشروع الاستيطاني الجديد.

"عرب 48": لقد لعبوا دور المكمل للحركة الصهيونية العلمانية و"إبطال" المرحلة الثانية للاستعمار الاستيطاني في فلسطين، إن صح التعبير...

بشير: من يقرأ أدبيات هذا التيار يدرك أنهم يؤمنون بأن "الخلاص الإلهي" يتجسد في الاستيطان، وأنك كيهودي لا تستطيع أن ترى الخلاص بإشارات إلهية إلا إذا أنشأت استيطانًا واسعًا، وبالنسبة لهم الاستيطان لا يقتصر على الضفة الغربية، بل يشمل كل فلسطين، وهم يعتبرون أن كل مساحة من الأرض لا يوجد فوقها حضور يهودي كأنها ليست لهم، حتى لو كان هذا الحضور رمزيًا. انظر حول مدينة سخنين في الجليل مثلا، أقيمت خمس مستوطنات، وفي مستوطنتين منها، يسكن أربعة أشخاص فقط في كل واحدة.

ما حصل مؤخرًا أن جزءًا كبيرًا من مفكري ومثقفي الصهيونية العلمانية أصبحوا يتماهون مع الخطاب الديني، وهذا دليل على أن الهوية اليهودية العلمانية هي هوية ليست مقنعة بما فيه الكفاية، وأنها عندما تربط نفسها بالتوراة وبنتاج آلاف السنين تصبح مقنعة أكثر.

"عرب 48": تريد أن تقول إن الفكر الديني اليهودي أصبح أكثر طغيانًا وزحف باتجاه "القلاع" العلمانية اليهودية، ويكاد أن يطيح بها..

بشير: صحيح، هذا الأمر يجري بشكل بطيء ولكن مدروس، وهو مخطط له ومغطى بميزانيات وفرها حكم الليكود، بمعنى أنهم يتمتعون بغطاء فكري ودعم مادي حكومي، ناهيك عن الضخ الأميركي الذي يتدفق إليهم من الجاليات اليهودية.

كذلك ظهور الخطاب اليميني المحافظ وتصاعده أميركيًا وعالميًا أعطاهم وأعطى لحكم اليمين الإسرائيلي عمومًا غطاءً عالميًا.

"عرب 48": ربما الخطاب الصهيوني العلماني كان مقنعًا بحدود عام 1948، وغير كاف لمد السيطرة الإسرائيلية على كل فلسطين..

بشير: قمت مؤخرًا بترجمة خطاب لموشيه ديان (الرجل القوي في عهد حكومة إشكول) ألقاه بعد أسبوعين من انتهاء حرب 1967 بحضور دافيد بن غوريون وشمعون بيرس، ويقول فيه "إن الشعب اليهودي في أرض إسرائيل يحتاج إلى مدى حيوي". هذه النظرية مأخوذة من ألمانيا النازية، التي كانت تقول إن الألمان شعب عبقري وجبار ولا يستطيع أن يعيش في مكان ضيق وبحاجة إلى مدى حيوي. هذه كانت ادعاءات النازية.

قال ديان أيضًا إنه لا يستطيع إرجاع هذه الأرض لأنها أرض الأجداد، "الخليل ونابلس وبيت إيل أرض أبائنا وأجدادنا". لاحقا أعطوا هذا الخطاب بعدًا أمنيًا، ولكن في الحقيقة هو خطاب سياسي أيديولوجي عنصري واستعلائي.

"عرب 48": عودة إلى كتاب نهورئي، فهو يتحدث عن مخطط لقلب نظام الحكم في إسرائيل من قبل الصهيونية الدينية..

بشير: صحيح، إنه يتحدث بإسهاب عن هذا المخطط وملامحه والتفاصيل والآليات والأساليب والسياسات المستخدمة لتحقيقه، من خلال السعي للتغلغل في جميع المؤسسات المركزية والسعي إلى قيادتها. ولتحقيق هذا الهدف يتوجب خلق نموذج اجتماعي يعتمد على أنموذج عميق وجدي.

هم يدفعون بهذا المخطط للأمام ككرة ثلج شيئًا فشيئًا. أما كيف يتحقق هذا المخطط الروحاني - الاجتماعي من الأسفل... فهو بواسطة تشكيل فئة من الأشخاص تكبر شيئًا فشيئًا، كمًّا وكيفًا، بحيث من يشاهدهم يسعى للانضمام إليهم في مسيرتهم.

هذا هو المبدأ الأول والرئيس، كما يقول نهورئي، تشكيل هذه الفئة من النخبة وإقامة بؤر توراتية تتوزع في كافة المدن والبلدات الإسرائيلية، وتعمل في مختلف المجالات التربوية و"التطوير" والاستيطان وغيرها.
كما يقضي المخطط باستغلال الخدمة العسكرية من أجل إحداث تغيرات جوهرية في الجيش وفي المجتمع الإسرائيلي، من خلال التأثير على الجيش لتغيير ثقافته وملائمتها لتوجهات الجنود المتدينين، والتأثير على الجندي العلماني باتجاه التقرب من الدين بتأويلاته الصهيونية، واستغلال الجيش من أجل احتلال قلب المجتمع الإسرائيلي وتغييره.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات