كيف تعامل قدماء المصريين مع التغيرات المناخية؟


جراسا -

كان للتغيرات المناخية دور محوري في سقوط مملكتين في مصر، في حقبة ما قبل التاريخ، واستمر تأثير تلك التغيرات التي تسببت في انخفاض منسوب المياه بنهر النيل، وارتفاع مستويات الجفاف، ونقص المحاصيل الزراعية، لقرون عدة. هذا ما أشارت إليه دراسة أجريت بواسطة عالمين من جامعة "ييل" الأميركية.

وتبرز أهمية هذه الدراسة، التي قام بها كل من نادين مولر، أستاذة اللغات وحضارات الشرق الأدنى، وجوزيف ماننغ، أستاذ التاريخ، في وقت يحظى تعامل قدماء المصريين مع الطبيعة واحترامهم للبيئة باهتمام جلي، ونقاشات في دوائر عدة، لمناسبة استضافة مصر مؤتمر المناخ (COP27) الذي اختتم أعماله السبت، في مدينة شرم الشيخ.

وترجح الدراسة أن المناخ كان العامل الرئيسي في سقوط الحكم في نهايات الدولة القديمة (2700-2200 قبل الميلاد)، فيما كان المناخ إلى جانب عوامل أخرى، أهمها غياب العدالة الاجتماعية، عنصراً مؤثراً في سقوط السلطة من يد البطالمة (305-30 قبل الميلاد).

تركت التغيرات المناخية تأثيرات استمرت لمئات السنين

علامات استفهام

الاستنتاجات التي توصل إليها العالمان في بحثهما الذي استغرق سنوات عدة، ترجح أن التغيرات المناخية التي تسببت في انهيار المملكتين، حدثت نتيجة عوامل طبيعية، وليست بسبب تدخلات بشرية، وهما بهذا يبرآن، ضمناً، قدماء المصريين من التأثير سلباً في البيئة، مثلما فعل الإنسان في بعض الأماكن من كوكبنا في حقب مبكرة من تاريخ البشرية، حيث قام بإحراق الغابات بهدف توفير مساحات للبناء عليها، وفقاً لما أشار إليه إيان سيمونز في كتابه "البيئة والإنسان عبر العصور".

لكن تلك الاستنتاجات، في الوقت ذاته، تضع علامات استفهام حول كيفية تعامل قدماء المصريين مع الطبيعة، وعن تكيفهم مع التغيرات المناخية المفاجئة، وما صاحبها من نقص في الحاصلات الزراعية وصلت إلى حد المجاعة في بعض الأماكن والأزمان.

كان احترام نهر النيل والامتناع عن تلويثه أمراً مقدساً لدى قدماء المصريين

احترام الطبيعة

ويقول أستاذ الآثار بجامعة القاهرة الدكتور أحمد بدران لـ"النهار العربي" إن "قدماء المصريين كانوا يحترمون الطبيعة، ويحافظون عليها، ويفهمونها في الوقت ذاته، فمثلما كانت لديهم معرفة دقيقة بالحسابات الفلكية، كانوا أيضاً مدركين للطقس، وتغيراته، ولديهم مواقيت لفصول السنة".

ويضيف بدران أن اعتماد قدماء المصريين على الزراعة "جعلهم يعرفون المواسم، ويدركون فترات هطول الأمطار، ومواعيد فيضان النيل. وما يؤكد أيضاً إدراكهم للمناخ، أنهم حين كانوا يبنون معابدهم ومقابرهم، يختارون أماكن جافة، لا تقع على مخرات السيول، أو يغمرها فيضان نهر النيل".

النصوص الدينية لدى قدماء المصريين كانت تكشف مدى احترامهم للبيئة التي يعيشون فيها، وتمدهم بعناصر الحياة، وعن هذا يقول أستاذ الآثار: "نجد في النصوص الدينية الخاصة برحلة الحياة والبعث والحساب، أن المصري القديم كان ينكر عن نفسه أن يكون قد لوث مياه النهر، واقتلاع الأشجار، وقتل الحيوانات، باعتبارها خطايا دينية، يعاقب عليها عند الحساب في الآخرة".

أدرك قدماء المصريين مفهوم التوازن البيئي وعرفوا أهمية الحيوانات وقدسوا بعضها

صديق للبيئة

من جانبه، يقول الباحث في علم المصريات محمد محيي لـ"النهار العربي": "كان المصري القديم صديقاً للبيئة، مدركاً لفكرة التوازن البيئي، ويتجلى هذا في فهمه الواضح لأهمية الحيوانات المفترسة في الطبيعة، وأنها تحافظ على توازن النظام البيئي من حولها، لذا لم يكن يهددها أو يقوم بصيد جائر ضدها، ولم يكن يعتبر الحيوانات مسخّرة له، بل كان ينظر إليها باحترام، ويتأمل سلوكياتها وطبائعها".

كان المصري القديم، وفقاً لمحيي، "يحافظ على جريان المياه في القنوات المائية، حتى يتم ري النبات والحيوان، وكان سد تلك القنوات خطيئة دينية تحرمه من دخول الجنة. وكان الحفاظ على جريان المياه ضمن 42 اعترافاً يسميها البعض "قوانين ماعت الاثنين وأربعين" لكن اسمها الصحيح هو الاعترافات الإنكارية، التي يتوجب على الإنسان قولها حتى يدخل الجنة، وفقاً للمعتقدات الدينية وقتها، حيث يقول في ما يخص قنوات المياه: أنا لم أقطع المياه حيث كان لها أن تجري".

ويشير الباحث إلى أن "الحفاظ على الأشجار، وعدم قطعها، والامتناع عن إحراق الغابات، أو تلويث الهواء، كلها أمور تؤكد أن المصريين في فترة ما قبل التاريخ لم يكونوا يهددون البيئة ومن ثم لم يؤثروا في المناخ".

ساهمت التغيرات المناخية في اختراع الإنسان للصوب وتخزين الحبوب

أزمة ودروس

الأزمة التي عاشها قدماء المصريين مع انهيار دولتهم القديمة، بسبب تغيرات مفاجئة في المناخ، أدت إلى انخفاض منسوب المياه في نهر النيل، لفترة قدّرها العلماء بمئات السنوات. تلك المحنة القاسية علّمت المصريين تخزين الحبوب والمحاصيل الزراعية.

وتناول البحث المنشور على موقع "ييل" الدروس المستفادة من التغيرات المناخية، وكيفية تأقلم المجتمع معها، ومنها اختراع التخزين المركزي للحبوب والمحاصيل الزراعية، في بنايات مصممة خصيصاً لهذا الغرض في بعض المدن، ومن بينها مدينة "تل أدفو" جنوب مصر.

دراسة تاريخ المناخ في مصر القديمة، تقدم نظرة ثاقبة لما يمكن أن يفعله البشر مع الأحداث الدراماتيكية في كثير من الأحيان، مثل الجفاف أو التغيرات في درجات الحرارة.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات