بين الحزمة والتعزيز ..


بحلول منتصف عام 2001 كان مشروع تطوير البنية التحتية في المناطق الفقيرة ما زال قيد التنفيذ .... أما مكونات برنامج حزمة الأمان الاجتماعي الأخرى فكانت في مراحلها النهائية .... في ذلك الوقت كانت الوزارة في عهد الوزير جواد حديد قد قطعت شوطاً مهماً في التحضير لمرحلة ثانية من البرنامج تشمل التوسع في تنفيذ بعض المكونات بعد اجراء بعض التعديلات عليها مع إضافة عناصر ومكونات أخرى جديدة ... وقد تم في ذلك الوقت اعداد وثيقة تتضمن التصور العام للمرحلة الجديدة المقترحة ... تم عرضها على مجلس الوزراء الذي وافق في مطلع آب من ذلك العام على تنفيذ مرحلة ثانية من برنامج حزمة الأمان الاجتماعي.

جرى تعديل وزاري على حكومة علي أبو الراغب أواخر شهر تشرين أول من عام 2001 جاء بموجبه د. باسم عوض الله وزيراً للتخطيط .... لم يأتِ عوض الله الذي كان رئيساً للدائرة الاقتصادية في الديوان الملكي الهاشمي منفرداً إلى الوزارة ... فقد رافقه فريق يضم سبعة إلى ثمانية أشخاص ممن كانوا يعملون بمعيته قبل ذلك ... ليصبحوا موظفين في الوزارة ..... ولكن ليس كأي موظفين فقد كانوا يضربون بسيف الوزير البَتَّار .... مزهوون بشيء من سلطة ونفوذ ...

أجواء جديدة ومختلفة طغت على الوزارة في العهد الجديد ... أصبح معها الطابق الخامس حيث يقع مكتب الوزير منطقة لا تهدأ تعج بالحركة دوماً ... حركة ونشاط يستمر في كثير من الأيام حتى ساعات متأخرة من الليل ...

طلب الوزير عوض الله من مدير وحدة حزمة الأمان الاجتماعي د. غيث فريز أن يقدم عرضاً مرئياً بحضور كافة موظفي الوحدة عن الانجازات المتحققة في تنفيذ المرحلة الأولى من الحزمة وعن عناصر ومكونات المرحلة الثانية التي أقرتها الحكومة مؤخراً ...
استغرق العرض قرابة ساعة كاملة ... قاطع الوزير فيها مراراً بالسؤال حيناً أو بالتعليق والانتقاد في أغلب الأحيان .... بصورة عصبية وحادة تعكس عدم القناعة والرضا ... ليخرج مدير الوحدة وموظفوها بعدها بانطباع مفاده أن لا مستقبل لهذا البرنامج في عهد الوزير الجديد ... وأن المرحلة الثانية من البرنامج قد تم دفنها وإهالة التراب عليها في تلك الجلسة ... على الرغم من موافقة مجلس الوزراء عليها منذ شهرين اثنين فقط ... لم يستمر مدير الوحدة بعد ذلك في منصبه سوى أسبوع واحد أو أسبوعين فقط ... قدم استقالته بعدها وغادر إلى موقع آخر .... ليتم تعيين أحد زملائنا في الوحدة بديلاً له ....

لم يمضِ على وجود عوض الله في الوزارة سوى شهرين اثنين حتى قام برفع مقترح إلى مجلس الوزراء يتضمن التنسيب بإلغاء المرحلة الثانية من حزمة الأمان الاجتماعي والموافقة على اطلاق مبادرة بديلة باسم "برنامج تعزيز الانتاجية الاقتصادية والاجتماعية" تهدف إلى زيادة انتاجية الفئات المستهدفة من المواطنين وتحسين ظروف معيشتهم في مناطق إقامتهم من خلال إقامة مشاريع انتاجية مولدة لفرص العمل ومساعدة المواطنين على اقامة مشاريعهم الخاصة ... وخلال عشرة أيام وافق المجلس على اطلاق البرنامج الجديد ورصد مبلغ (25) مليون دينار لتمويل أنشطته خلال عام 2002 ... كما تم الغاء المرحلة الثانية من حزمة الأمان الاجتماعي من قبل نفس الحكومة التي أقرتها ووافقت عليها قبل أربعة أشهر فقط ...

تم إنشاء وحدة لإدارة البرنامج الجديد في الوزارة وتم تعيين مدير لها براتب يبلغ حوالي ثلاثة آلاف دينار ... لم يستمر في عمله سوى شهور قليلة فقط ... ليترك منصبه بشكل مفاجئ دون تقديم استقالة أو إشعار مسبق بذلك ... فتم تكليف مدير وحدة الحزمة القيام بأعماله ... ليصبح مديراً للوحدتين "الحزمة والتعزيز" لفترة محدودة من الزمن تم بعدها دمج الوحدتين ضمن وحدة واحدة تحت اسم "وحدة إدارة البرامج الانتاجية" ....

تم تكليفي بمتابعة المبادرات والأنشطة المتعلقة ببرنامج "التعزيز" ذات الصلة بقضايا البنية التحتية والإسكان ... إلى جانب متابعة استكمال تنفيذ مشاريع تطوير البنية التحتية في المناطق الفقيرة التي كانت في مراحلها الأخيرة .... وتقديراً للدور الذي قمت به في متابعة تنفيذ تلك المشاريع فقد تمت دعوتي لزيارة مقر البنك الدولي في واشنطن في كانون أول 2002 وحضور ملتقى للخبراء تم عقده في تلك الفترة ....

كنت أعمل في وزارة التخطيط بموجب عقد يتم تجديده سنوياً فيما استمرت علاقتي بمؤسسة الاسكان كموظف أصيل لديها معار لوزارة التخطيط ... وبموجب هذه الصفة تم ترفيعي من قبل المؤسسة في عام 2003 إلى الدرجة الخاصة ... وتم صرف جواز سفر خاص لي "جواز سفر أحمر" بموجب التعليمات التي كانت سارية في ذلك الوقت .... خطوة فرحت بها كثيراً .... واحتفلت بها مع موظفي الوحدة بتناول كنافة "حبيبه" الساخنة اللذيذة .... وكنت أود بعدها لو أعلقه على صدري خلال جيئتي وذهابي في الوزارة كي يرى الجميع جوازي الأحمر والذي لم يكن يحمل مثله في الوزارة وقتها سوى الوزير والأمين العام .... أصبحت أترقب أي فرصة للسفر للخارج كي استمتع بالميزات و"البرستيج" الذي يوفره ذلك الجواز في المطارات وعند نقاط الحدود فألوح به لدى الاقتراب من موظفي الجوازات عند المغادرة وعند الوصول ..... لكن "يا فرحة ما تمت" كما يقولون فقد تم تعديل قانون الجوازات بعد عدة أشهر فقط تم بموجبه سحب هذه الجوازات من موظفي الحكومة حاملي الدرجة الخاصة ... ولم يتح لي السفر به ولو مرة واحدة رغم أنني قد سافرت قبل الحصول عليه بفترة قليلة إلى كل من الولايات المتحدة وسويسرا والمغرب ... وبعد سحبه إلى عدة دول أخرى ....

ازداد عدد الموظفين في "وحدة إدارة البرامج الانتاجية" ... عدد منهم انتقل اليها من أقسام ومديريات الوزارة وآخرين موظفين جدد تم تعيينهم دون مراعاة لمعايير وأسس التوظيف والاستقطاب ... كنت الشخص الثاني في الوحدة بعد المدير وكنت بالتالي مطلعاً على كافة الأنشطة التي يتم تنفيذها من قبل الوحدة .... وبسبب خبرتي في مجال طرح العطاءات وإحالتها فقد كنت المرجع الأول للوزارة في هذا المجال ... وكنت عضواً في كافة لجان العطاءات الخاصة التي كان يتم تشكيلها لمختلف المشاريع والبرامج التي كان يتم تنفيذها من خلال الوزارة أو عن طريقها ... وهو أمر استفدت منه مادياً بسبب المكافآت التي كان يتم صرفها لأعضاء هذه اللجان ...

كذلك تَوَلَّيْتُ الملف المتعلق بمشاريع إسكان الأسر الأشد فقراً التي كان يتم تنفيذها من خلال الوحدة والتي تطورت لاحقاً إلى مبادرة إسكان الأسر العفيفة التي يتم تنفيذها حالياً من قبل الديوان الملكي الهاشمي ... وقد كان هذا الموضوع يحظى باهتمام ملكي خاص ... حيث كانت هذه المشاريع تنفذ بتوجيهات ملكية سامية وتحظى بزيارات من جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين ... زيارات كان يحرص مُدرائي على عدم إتاحة الفرصة لي لحضورها أو المشاركة فيها .....

كانت السرعة والارتجال هي السمة المصاحبة لتنفيذ كثيرٍ من المشاريع والأنشطة ضمن البرنامج .... سمة لا تتناسب أبداً مع التصدي لقضايا الفقر والبطالة التي تحتاج إلى نَفَسٍ طويل وجهود كبيرة متراكمة ... كان الهوس بإرضاء المسؤولين وأصحاب القرار من خلال حرق المراحل واستعجال النتائج هو المحرك الرئيسي الذي يفرض نفسه في أغلب الأحيان ....

كان العمل في الوزارة يستحوذ على كل وقتي وجهدي .... لم أكن أغادر الوزارة مع نهاية الدوام وإنما بعد ذلك بساعة أو ساعتين ... كل ذلك كان يتم على حساب راحتي الشخصية وعلى حساب عائلتي .... لم أكن أعطي كثيراً من الوقت والجهد لمتابعة تحصيل أولادي في المدارس .... كانت ثقتي بقدراتهم عالية ... ولم يكن يساورني الكثير من القلق بهذا الخصوص ... اجتازت ابنتي الكبرى هزار امتحان الثانوية العامة في عام 2003 لتلتحق بعدها بالجامعة الأردنية لدراسة تخصص الأراضي والمياه والبيئة في كلية الزراعة ... ولتسير على نفس الخطى وترتاد ذات الأماكن والساحات التي ارتادها والدها قبل نيف وعشرين عاماً ....



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات