جراسا -

انسحاب روسيا من منطقة خيرسون جنوب أوكرانيا، على حدود شبه جزيرة القرم بالبحر الأسود، أثار ردود فعل واسعة داخل أوكرانبا وخارجها، ورصدت الدوائر العسكرية في الغرب، الاحتمالات القائمة وراء الانسحاب الروسي، وطرحت تساؤلات حول دوافع وأسباب الانسحاب من منطقة توفر لموسكو رابطا، من خلال جسر بري، مع شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا من أوكرانيا في عام 2014.

كما سيترتب على استعادة كييف السيطرة على مساحات شاسعة من منطقة خيرسون حرمان موسكو من هذا الممر البري. وسيعني ذلك أيضا اقتراب المدفعية الأوكرانية بعيدة المدى من شبه جزيرة القرم، التي تعتبرها موسكو ذات أهمية حيوية لمصالحها.

موسكو لا تزال تشكل تهديدا


ووصفت بريطانيا انسحاب روسيا من العاصمة الإقليمية الوحيدة التي استولت عليها في أوكرانيا منذ بدء العملية العسكرية في 24 فبراير/ شباط ، بأنه إهانة أخرى لجيشها، لكنها قالت إن موسكو لا تزال تشكل تهديدا. وقال وزير الدفاع البريطاني بن والاس في بيان أمس السبت: «الانسحاب الذي أعلنته روسيا من خيرسون يمثل فشلا استراتيجيا آخر لها».

وأضاف والاس: في شهر فبراير، فشلت روسيا في الاستيلاء على أي من أهدافها الرئيسية باستثناء خيرسون. الآن مع هذا الاستسلام أيضا، فإن الناس العاديين في روسيا بالتأكيد يتساءلون لماذا كان كل هذا؟ إن الجيش الروسي مني بخسائر فادحة في الأرواح مقابل العزلة الدولية والإذلال

مضيفا «بينما نبتهج بالانسحاب، لن يقلل أحد من التهديد المستمر الذي تشكله روسيا الاتحادية»
احتمالات المواجهة مع الغرب في الربيع أو الصيف المقبل
باختصار، فإن ترك خيرسون هو بالطبع حقيقة مؤسفة، وبالتأكيد يضيف مخاطر لروسيا، بحسب المحلل السياسي الروسي البارز، ألكسندر نازاروف.. وقال: «لا أظن أنه يتعين علينا الحكم على مآلات الحرب في أوكرانيا قبل نهاية ديسمبر، وعلى احتمالات المواجهة مع الغرب في الربيع أو الصيف المقبل. تحتاج روسيا إلى كسب الوقت، والصمود حتى نهاية عام 2024، مع استمرار إلحاق أكبر قدر ممكن من الضرر الاقتصادي لأوكرانيا والغرب».

روسيا تستعيد زمام المواجهة خلال شهر



ويرى المحلل السياسي «نازاروف»، أن التخلي عن خيرسون ليس سوى الحلقة الأخيرة من تلك المرحلة، ولكن أوكرانيا لن يكون لديها الفرصة بعد الآن لتحقيق تفوق في القوى البشرية. سيرفع الجيش الروسي في غضون شهر من الآن عدد الجنود المشاركين في الأعمال العسكرية بمقدار ضعفين أو ثلاثة أضعاف، ما سيعيد زمام الهيمنة إلى القوات المسلحة الروسية.

ويضبف: في الوقت نفسه، فالأعمال العسكرية ليست سوى جزء من الحرب، وهي الجزء الأصغر. وأوكرانيا هي مجرد أداة، أو بالأحرى واحدة من الأدوات، واحدة من البيادق، ولدى الولايات المتحدة الأمريكية عدد من هذه البيادق. ومن خلال قتال الجيش الأوكراني، نحن لا نلحق الضرر بالغرب، ولن تؤدي هزيمة الجيش الأوكراني إلى تحقيق النصر على الغرب، بل ولن تنهي حتى المرحلة العسكرية من الصراع، حيث من المرجح أن ينضم إلى الحرب أعضاء أخرى في “الناتو” من شرق أوروبا.
لذلك يجب أن تكون مهمة روسيا إحداث أكبر قدر من الضرر للاقتصاد الغربي، مع تقليل خسائرها في الأعمال القتالية في أوكرانيا.
الجبهة الرئيسية هي الجبهة الاقتصادية


لهذا فإن الجبهة الرئيسية التي يمكن لروسيا أن تكسب فيها الحرب هي الجبهة الاقتصادية، بحسب تقدير ألكسندر تازاروف، وروسيا تعمل بشكل جيد على هذه الجبهة حتى الآن. بل ربما أفضل مما كان متوقعا. ولم يشعر المجتمع الروسي بشكل عام أن البلاد كانت في حالة حرب حتى سبتمبر، قبل التعبئة.

ولكن حتى بعد سبتمبر، فقد أثرت الحرب على قلة من السكان، فيما عاش غالبية السكان حياة طبيعية، حتى بدون انخفاض كبير في مستويات الاستهلاك.

ومن المؤكد أن مورد الاستقرار الداخلي هو العامل الحاسم في حرب الاستنزاف بين روسيا والغرب.
روسيا لم تكن مستعدة للحرب مع الغرب الموحد
وبشكل عام، لا يسع المرء إلا أن يعترف بأن القيادة العسكرية والسياسية الروسية ارتكبت عددا من الأخطاء، والجيش الروسي لم يكن مستعدا بما فيه الكفاية للحرب مع الغرب الموحد، بحسب تعبير المحلل السياسي نازاروف، إلا أن الانتقادات والنقاشات حول التغييرات الضرورية يجب أن تترك لمرحلة ما بعد النصر.