«الشيطان الأكبر» أعطى الضوء الأخضر لاغتصاب فلسطين بـ «67 كلمة»


جراسا - طالما بقيت فلسطين في قبضة الاحتلال، تظل ذكرى «وعد بلفور» 2 /11/1917 كاشفة لمخطط «المؤامرة الكبرى» ـ قبل 105 أعوام ـ والتي تعد «أخطر وربما أوقح» مؤامرة في التاريخ الإنساني..وسوف يبقى وزير خارجية بريطانيا الأسبق، أرثر بلفور، «الشيطان الأكبر» الذي دشن أخر جيوب الاستعمار في قلب الوطن العربي، والسطو على تاريخ وجغرافية دولة عربية (فلسطين).

وكان بلفور يعارض الهجرة اليهودية إلى شرق أوروبا خوفاً من انتقالها إلى بريطانيا، وكان يؤمن بأن الأفضل لبريطانيا أن تستغل هؤلاء اليهود في دعم بريطانيا من خارج أوروبا. وقد أُعجب بلفور بشخصية الزعيم الصهيوني «حاييم وايزمان» الذي التقاه عام 1906، فتعامل مع الصهيونية باعتبارها قوة تستطيع التأثير في السياسة الخارجية الدولية وبالأخص قدرتها على إقناع الرئيس الأمريكي آنذاك «ولسون» للمشاركة في الحرب العالمية الأولى إلى جانب بريطانيا.
التمهيد للنكبة الفلسطينية


وعد بلفور الذي تم التعبير عنه لاحقاً بالعبارة الشهيرة «لقد أعطى من لا يملك، وعداً لمن لا يستحق، في غياب صاحب الحق». جاء إيذاناً بتمكين الحركة الصهيونية من أرض فلسطين، والتمهيد للنكبة الفلسطينية بعد ثلاثة عقود من ذلك.. وكان واضحاً أنّ الموقف الاستعماري الإنجليري لم يكن بعيداً عن نشأة المنظمة الصهيونية أو أطماعها، وإحدى المؤشرات المبكرة على ذلك تمثلت في الصلة بين مؤسس تلك المنظمة «تيودور هرتزل» والسفارة البريطانية بفيينا حيث كان يقيم هرتزل ذاته. ومع ذلك؛ فإنّ وعد بلفور جاء منعطفاً تاريخياً، وتتويجاً لسياسة بريطانية عنوانها الهجمة على فلسطين والتمكين لتأسيس المشروع الصهيوني وتشريد أصحاب الأرض.

وتسجل ذاكرة فلسطين.. حين تولى بلفور منصب وزارة الخارجية في حكومة «لويد جورج» في الفترة من 1916 إلى 1919؛ أصدر أثناء تلك الفترة وعده المعروف بـ وعد بلفور سنة 1917 انطلاقا من تلك الرؤية.. في رسالة إلى اللورد ليونيل وولتر دي روتشيلد ـ مصرفي بريطاني، وسياسي صهيوني ـ يشير فيها إلى تأييد الحكومة البريطانية إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.

وفي ما يلي نص الرسالة:


((وزارة الخارجية

في الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني سنة 1917

عزيزي اللورد روتشيلد

يسرني جدا أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة جلالته، التصريح التالي الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود والصهيونية، وقد عرض على الوزارة وأقرته:

«إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جليا أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى..وسأكون ممتنا إذا ما أحطتم الاتحاد الصهيونى علما بهذا التصريح»)).

وهكذا .. (67 كلمة) بعث بها وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور، إلى اللورد روتشيلد، أحد زعماء الحركة الصهيونية في تلك الفترة..غيرت حقائق وثوابت الجغرافية العربية وجنحت بعيدا بمسار التاريخ !!


في سجل التاريخ.. تتحمل بريطانيا (وحدها) مسؤولية اغتصاب الجغرافية الفلسطينية، وتأسيس المشروع الصهيوني في قلب العالم العربي، وكانت بداية «المؤامرة ـ المأساة» مع التخطيط البريطاني لترتيب أمور الشام والانتقال بسرعة للتركيز على فلسطين، وبالتحديد للعمل على إقامة وطن لليهود فيها ، يؤدي دوره المرسوم في الإستراتيجية البريطانية.

مخطط بريطاني يرسم «مستقبل فلسطين»
أثناء الحرب العالمية الأولى طلبت الحكومة البريطانية سنة 1915 من السير «هربرت صمويل» أن يضع تصورا لما ينبغي أن يكون عليه أمر فلسطين بعد النصر، وكتب «هربرت صمويل» بوصفه عضوا في وزارة الحرب ـ إلى جانب كونه يهوديا وصهيونيا أيضا ـ مذكرة بعنوان «مستقبل فلسطين »، تاريخها 5 فبراير/ شباط 1915 ، توصل فيها إلى نتيجتين: إحداهما: إن الحل الذي يوفر أكبر فرصة للنجاح ولضمان المصالح البريطانية، هو إقامة اتحاد يهودي كبير تحت السيادة البريطانية في فلسطين، وأن فلسطين يجب أن توضع بعد الحرب تحت السيطرة البريطانية، ويستطيع الحكم البريطاني فيها أن يعطي تسهيلات للمنظمات اليهودية في شراء الأراضي وإقامة المستعمرات وتنظيم الهجرة والمساعدة على التطور الاقتصادي بحيث يتمكن اليهود من أن يصبحوا أكثرية في البلاد !!

مهمة الانتداب البريطاني.. تأسيس المشروع الصهيوني في فلسطين
وكانت تلك هي الظروف والأجواء التي صدر فيها «وعد بلفور» الشهير في 2 نوفمبر/ تشرين الثاني 1917، وأثناء إعداد وثائق مؤتمر السلام في «فرساي» أصرّت الحركة الصهيونية على ضرورة أن يحتوي قرار المؤتمر بانتداب بريطانيا على فلسطين إشارة واضحة في مقدمته لـ « وعد بلفور» تأكيدا إضافيا بأن المهمة الرئيسية للإنتداب البريطاني هي العمل على إنشاء الوطن القومي لليهود في فلسطين .. ولم يكن في القدس قبل وعد بلفور غير 30.000 يهودي إندمج معظمهم مع أصحاب الوطن من الفلسطينيين، وتحدثوا لغتهم ومارسوا عاداتهم .

الحركة الصهيونية تعلقت بأذيال الموجة الاستعمارية


ومع الانتداب البريطاني لفلسطين فتحت الأبواب أمام هجرة اليهود.. وما حدث يؤكد رؤية المفكر الراحل الدكتور جمال حمدان، بأن الحركة الصهيونية تعلقت بأذيال الموجة الإستعمارية لتركبها وتستثمر المناخ السياسي الإستعماري العام وصولا إلى تنفيذ مخططاتها الخاصة بإنشاء الدولة اليهودية.. وهي نفس رؤية الزعيم العربي الراحل جمال عبد الناصر ـ في كتاب فلسفة الثورة 1954 ـ «بأن إسرائيل، لم تكن إلاّ أثرا من آثار الاستعمار، فلولا أن فلسطين وقعت تحت الإنتداب البريطاني، ما استطاعت الصهيونية أن تجد العون على تحقيق فكرة الوطن القومي في فلسطين، ولظلت هذه الفكرة خيالا مجنونا ليس له أي أمل في واقع».

وفي ذكرى (105 أعوام) على وعد بلفور..لا يزال التساؤل قائما: هل تعتذر بريطانيا عن «الخطيئة الكبرى»؟



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات