تَمُرُ الأيامُ وتمضي السنين ..


تخرج أخي شحده من الجامعة حاصلاً على بكالوريوس رياضيات والتحق بعد ذلك بمعسكرات القوات المسلحة لإداء فترة الخدمة الإلزامية لمدة سنتين وقد تزامن ذلك مع إنهاء ياسر لإمتحان الثانوية العامة بمعدل 86% والتحاقه بالجامعة الأردنية وحصوله على بعثة من وزارة التربية والتعليم لدراسة اللغة الإنجليزية.

انتهى تنفيذ مشروع اسكان الصحفيين بعد ان قضيت فيه سنتين كاملتين ... وقد لَبَّيْتُ دعوة جمعية إسكان الصحفيين إلى حفل الغداء الذي أقامته في مجمع النقابات المهنية بهذه المناسبة وحضره المهندس حمد الله النابلسي وزير الشؤون البلدية والقروية والبيئة رئيس مجلس إدارة مؤسسة الإسكان – مدير المؤسسة سابقاً- والمهندس شفيق زوايده مدير مؤسسة الإسكان الجديد والسفير العراقي في عمان ... بعدها تم نقلي للعمل في إسكان القضاة وهو ذو تصميم مشابه وعدد بنايات مساو لما هو موجود في إسكان الصحفيين المجاور، ويتم تنفيذه من قبل نفس المقاول.

مر ما يزيد عن عام كامل على زواجنا ولم نرزق بأطفال ... الأمر الذي أثار قلقاً عميقاً لدى زوجتي خاصة عندما كان يتناهى إلى مسامعها بأن صديقات لها أو قريبات ممن تزوجن في نفس الفترة قد حَمَلنَ أو أنجبن... في البداية كنت أضحك كثيراً عندما أراها تُعَّبِرُ عن الخوف والقلق ... فأقول لها لم العجلة يا غالية ... سيأتي الأطفال بعد حين وسيسلبونك الوقت والراحة والكثير من الهدوء ... إلا أن استمرار قلقها قد بدأ يثير القلق في نفسي .... مما دفعنا في النهاية لمراجعة طبيب متخصص ليخبرنا بأن الأمور جِدُّ طبيعية ولا داعي للقلق ... وهو ما أثبتته الأيام فعلاً ... فلم يطل انتظارنا بعد ذلك فقد أكرمنا الله بطفلة جميلة أسميتها هزار على اسم بطلة مسلسل تلفزيوني كنت أتابعه في تلك الفترة ... وليأتي بعدها شقيقها نزار ... ثم شقيقته ميناس وبعد ذلك شقيقهم احمد ...

عملت أحد عشر شهراً في مشروع اسكان القضاة وتم نقلي بعدها إلى مشروع اسكان أبو نصير... وهو اكبر مشروع اسكان متكامل شهدته المملكة ... قام بتصميمه مكتب استشاري سويسري بحيث يضم (6200) وحدة سكنية على مرحلتين .... تمت المباشرة بتنفيذ المرحلة الأولى والتي تتكون من (3650) وحدة في عام 1983 وتم صرف النظر لاحقاً عن تنفيذ المرحلة الثانية بسبب الصعوبات والعقبات التي رافقت تنفيذ المرحلة الأولى من المشروع .... وتم بعد سنوات عديدة تقسيم أراضي المرحلة الثانية وبيعها للمواطنين وقد حققت مؤسسة الإسكان جراء ذلك عوائد مالية ضخمة مكنتها من تمويل مشاريعها وأنشطتها المختلفة لسنوات طويلة بعد ذلك.

عملت في المشروع في البداية في تدقيق مخططات المياه والصرف الصحي ثم رئيساً لقسم التنسيق إضافة إلى متابعة أعمال شركة يابانية قامت بتمديد شبكة هواتف أرضية لكامل وحدات المشروع ثم في دراسة مطالبات المقاولين المتعلقة بالأعمال الإضافية والأوامر التغييرية ومهام عديدة أخرى.
كان اقبال المواطنين على الاستفادة من المشروع ضعيفاً ... مما اضطر المؤسسة لتخفيض أسعار الشقق والوحدات السكنية ولزيادة مدة التقسيط من عشرين إلى ثلاثين سنة إلا أن ذلك لم يجذب إلا اعداداً قليلة من الأسر ... فتم التوجه لتخصيص أعداد من الوحدات السكنية لمنتسبي القوات المسلحة ... غير أن كثيراً من الوحدات السكنية قد بقيت فارغة تنتظر المُشْتَرين .... لم أفكر في التقدم للحصول على وحدة سكنية منها لارتفاع أسعارها ولصغر مساحات الغرف بشكل عام ولرغبتي بالبقاء قريباً من أهلي ...

أدت أزمة غزو الكويت إلى ارتفاع الطلب على المساكن وإلى زيادة أسعارها في السوق مما أدى إلى تهافت شديد للحصول على شقة في أبو نصير ... مما أدى إلى نفاذ كامل الشقق والوحدات السكنية ... عندها شعرت بالندم الشديد على عدم أخذ شقة منها ... حقق مشروع أبو نصير فشلاً ذريعاً على مستوى التخطيط والاستهداف ... لتنقذه في النهاية الحروب وأزمات المنطقة ...

تتابعت الأيام والليالي ... وكبر حجم العائلة الممتدة بزواج المزيد من أبنائها ... ترك ابراهيم الغرفة التي كان يقيم فيها ليسكن في الطابق الجديد الذي أضافه إلى المنزل ... واصبح في الطابق الأرضي ثلاثة أسر صغيرة لثلاثة من الأبناء المتزوجين كل منها تقيم في غرفة واحدة فيما بقيت أمي وأبي والصغار في الغرفة الرابعة ... كانت الكنائن الثلاث يعشن في انسجام ووئام تام ترعاه أمي وتحرص عليه وتوفر له كل أسباب النجاح ... إلا أن ازدحام البيت بمزيد من الصغار قد دفعني للبحث عن مسكن بديل يحقق درجات أعلى من الراحة والخصوصية ...

عَلِمْتُ أن المؤسسة سوف تقوم باسترداد شقة أرضية كبيرة المساحة من شقق اسكان أبو نصير لعدم قيام مَنْ خُصِصَت له بتسديد أي قسط من ثمنها ... فتوجهت على الفور إلى مدير عام المؤسسة وقتها المهندس يوسف حياصات وأبلغته برغبتي بالحصول على هذه الشقة ... وقد وعدني بالإستجابة لطلبي بمجرد الإنتهاء من الإجراءات المتعلقة بها .... بعدها بنحو شهر واحد تم تسليمي مفتاح الشقة وتمت المباشرة باقتطاع اقساط شهرية من راتبي قيمة كل منها (72) دينار.
تنفست الصعداء بعد تخصيص الشقة ... فأخيراً سوف ننتقل من بيت العائلة إلى بيت خاص بنا ... لم يلقى هذا الخيار الكثير من القبول لدى أمي وأبي الذين كانا يرغبان ببقائي على مقربة منهما ...

باشَرْتُ بتجهيز الشقة للسكن وزراعة قطعتي الأرض الأمامية والخلفية الملحقتين بها ... كنتُ أَمُرُ على الشقة بشكل يومي فهي على مقربة من مكان عملي في المشروع ... كانت الشقة ضمن عمارة تتكون من ستة شقق ... ثلاثة شقق كبيرة تزيد مساحة كل منها عن 150 متر مربع يقابلها ثلاث شقق صغيرة تبلغ مساحة الواحدة منها حوالي 86 متر مربع ... وقد تبين لي أن الشقق الثلاث الصغيرة تعود إلى ثلاثة أشقاء لدى كل منهم الكثير من الأبناء والبنات ... لم تعجبني تربية الصغار ولا تصرفات آبائهم ... وبمرور الوقت وتوالي الزيارات بدأت أدرك تدريجياً استحالة العيش ضمن هذه الاجواء ... فكرهت الشقة واتخذت قراراً بتركها ... وهو ما تم فعلاً عندما عرض علي أحد الزملاء التنازل عن الشقة لقريب له مقابل ألف وخمسمائة دينار ... لتعود الأمور إلى نقطة البداية ... فلا بد من إيجاد مسكن بديل عن الإقامة في منزل العائلة ...

في تلك الأثناء وفي اواسط عام 1990 أعلنت المؤسسة عن بعثة دراسية مقدمة من معهد الدراسات الإسكانية في روتردام – هولندا مدتها خمسة شهور للحصول على الدبلوم العالي في الإسكان .... قمت بتقديم طلب للالتحاق بها .... إلا أن المؤسسة قامت بتسمية زميل لي مرشحاً أصيلاً لها فيما تمت تسميتي كمرشح بديل ...

تَغَلَبَتْ في النهاية رغبة أمي وأبي بأن أبقى قريباً منهما ... فقمت بشراء قطعة أرض بمساحة حوالي (400) متر مربع قريباً من مسكن العائلة ... وشرعت في بناء مسكن مساحته حوالي (125) متر مربع ... أتممت بناء العظم وبدأت في إنجاز اعمال التشطيبات النهائية ...

في ذلك الوقت كانت تداعيات غزو العراق للكويت تتصاعد ... قوات عسكرية من عشرات الدول احتشدت في منطقة حفر الباطن بقيادة الولايات المتحدة الامريكية ... طبول الحرب تقرع تمهيداً للهجوم على القوات العراقية وتحرير الكويت ... ردود فعل غاضبة على موقف الأردن المعارض للحرب تطورت إلى فرض حصار بحري ومقاطعة اقتصادية وسياسية ..

في ظل هذه الاجواء شديدة التوتر تم قبولي للالتحاق بدورة هولندا بدلاً من المرشح الأصيل بسبب تجاوزه لسن الاربعين ... كانت الظروف غير مواتية بتاتاً للسفر فالمنطقة على حافة الحرب ... ولَدَيَّ مشروع المنزل الذي لم يكتمل تجهيزه بعد ... لكنها فرصة ثمينة قد لا تتكرر وعَلَيَّ اغتنامها قبل فوات الأوان ... كان عَلَيَّ ان أنجز اجراءات السفر ضمن فترة زمنية قصيرة ... فقد أَعلنَتْ غالبية شركات الطيران عن وقف رحلاتها المتوجهة إلى مطارات المنطقة بما فيها الأردن ... استطعت انجاز كافة الإجراءات خلال فترة وجيزة ... وَدَّعْتُ أسرتي وأطفالي ... وشعرت بالتأثر الشديد وأنا أحضن طفلي الأصغر أحمد الذي لم يكن قد أكمل السنة الاولى من عمره بعد ... ركبت السيارة متوجهاً إلى مطار الملكة علياء الدولي للحاق بطائرة لوفتهانزا المتجهة إلى فرانكفورت ضمن آخر رحلة لشركة طيران أجنبية تغادر من عمان قبل اندلاع الحرب ...



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات