نضال الشباب الإيرانيين من أجل الحرية بات تهديداً للنظام


جراسا -

تنتشر تحذيرات في إيران عبر مكالمات هاتفية ونصوص مصدرها أرقام مجهولة، إلا أن الرسالة واضحة: "رأيناكم في الاحتجاجات. إن شاركتم مرة أخرى، ستواجهون مشكلة. إنه التحذير الأول والأخير".



روت الصحافية الإيرانية البريطانية راميتا نافاي في مقالتها في صحيفة "التايمز" البريطانية تفاصيل عملية تهديد المشاركين في الاحتجاجات، معتبرة انتفاضة الشباب من أجل الحرية التهديد الأكبر للنظام.

وبعد أسبوعين من اندلاع الاحتجاجات في مختلف أنحاء إيران على خلفية مقتل الشابة الإيرانية مهسا أميني (22 سنة) بعد اعتقالها بسبب "لباسها غير المناسب"، يتوسع تهديد المحتجين. وعادة ما يعرّف المتصل نفسه على أنه عضو في الاستخبارات الإيرانية التابعة لـ"الحرس الثوري" الإيراني. ولإضفاء لمسة شريرة، يكشف عن تفاصيل حياة المستهدف تشمل اسم الشارع الذي ظهر فيه خلال الاحتجاجات وعنوان منزله والطريق الذي تسلكه للوصول إلى عملها.



ويبث التلفزيون الحكومي الإيراني مقاطع فيديو لعواقب الانضمام إلى صخب المعارضة المتزايد، منها تدخل القوات المسلحة خلال الاحتجاجات وسحب المشاركين من منازلهم ووضعهم في عربات الانتظار.



ويظهر مقطع فيديو آخر لقطات قريبة من وجوه النساء اللواتي يرفضن ارتداء الحجاب، تزامناً مع وصول موسيقى تصويرية لأفلام الرعب إلى ذروتها. ومرة أخرى، الرسالة واضحة: "نعرف هويتكن ونحن قادمون من أجلكن".





ولا شك في أن تكتيكات التخويف هذه لها تأثيرها على المتظاهرين، وفي الأيام القليلة الماضية، التزم مزيد من الإيرانيين منازلهم. وظهر تغيير طفيف في استراتيجية النظام للتعامل مع أكبر تهديد لوجود الجمهورية الإسلامية منذ انشائها قبل 43 سنة.



وعلى مدى العقد الماضي، كانت الاحتجاجات في إيران تحدث بوتيرة متزايدة، لكنها لم تصل يوماً إلى حجم الانتفاضة الحالية. ولم يواجه النظام قط مثل هذه المعارضة الواسعة والموحدة، التي تضم مختلف الطبقات والمستويات الاجتماعية والاقتصادية والأعراق التي وحدت قواها للمطالبة بما يتخطى الإصلاح الاقتصادي والسياسي: الحرية وتغيير النظام.





وخرج ايرانيون في العقد الرابع من عمرهم إلى الشوارع، وتعرضوا للضرب والغاز المسيل للدموع. مع ذلك، يرفضون السكوت ويقولون إنهم لم يشهدوا الحجم من الغضب والكراهية تجاه الحكومة وقادتها الدينيين. وتحدثوا أن غضب المحتجين من جيلهم وشجاعتهم وتصميمهم لا يُقارن بغضب جيل الشباب الذي يقود الاحتجاجات.



والواقع أن الإيرانيين الشباب ولدوا بعد الثورة التي قادها آباؤهم، ولم يشكلوا معرفة حول النظام السابق. هؤلاء هم أبناء الجمهورية الإسلامية الذين ولدوا وترعرعوا تحت عيون الملالي الساهرة.



واليوم، تنتظر شابات مكشوفات الشعر شرطة مكافحة الشغب، ويصرخن في وجوههم، ويحرقن حجابهن ويقصن شعرهن بينما تهتف حشود من الرجال والنساء: "المرأة، الحياة، الحرية!" و: "الموت للديكتاتور!".



ويواصل آلاف النساء ممارسة الحياة اليومية من دون غطاء للرأس. وقالت شابة تضع أحمر الشفاه في مقطع مصور: "نحن لا نحاربكم فقط أثناء الليل، بل في وضح النهار من خلال تجولنا في الشوارع الرئيسية بدون ارتداء الحجاب".



واللافت أن النظام لم يضطر يوماً إلى التعامل مع عصيان بهذا الحجم من مواطنيه، ما يثير قلقه من التغيرات الاجتماعية التي كانت تتلاشى بهدوء تحت مراقبته.





ونشأت شجاعة الشباب في غرفة النوم أيضاً، حيث عجز الملالي عن مراقبة حياة الإيرانيين العاطفية. وأدى تأثير الثقافة الشعبية العالمية على الجيل الجديد في إيران إلى تحول جذري في السياسة الجنسية. والعذرية، التي تمثل حجر الزاوية في النظام الأبوي الديني الذي تحكمه الشريعة الصارمة، فقدت قيمتها بين الشباب.



وشاعت المساكنة بين الشباب الإيرانيين، ما دفع مكتب المرشد الإيراني الأعلى قبل سبع سنوات إلى اصدار مرسوم أعلن فيه أن هذه الممارسة "مخزية"، آمراً المسؤولين بـ"عدم الرحمة". مع ذلك، أصبح المزيد من الأزواج يخالفون قوانين البلاد.



وشجعت هذه اليقظة الجيل الجديد على الاستيلاء على حريات جديدة وتغيير النظام الاجتماعي بهدوء.



وخلال السنة الماضية، خرجت بعض الشابات إلى الشوارع بدون حجاب. ورفضت نساء كثيرات ارتداءه في السيارات، ما عرضهن لخطر الاعتقال وحتى الجلد.



في النتيجة، أدى مقتل أميني على يد شرطة الآداب إلى إطلاق موجة من الكراهية للنظام الديني في إيران. وحتى اليوم، كان رد فعل النظام عنيفاً، لكنه غير حاسم. وفي وقت أفادت الأنباء عن مقتل ما لا يقل عن 83 شخصاً، لا شك في أن الرقم الحقيقي أعلى بكير.





فالحكومة الإيرانية تتعثر. وصعّبت طبيعة هذه الاحتجاجات على النظام الرد. وعلى عكس الاحتجاجات السابقة، لا نتحدث اليوم عن قادة يجب إسكاتهم، ولا عن مجموعات سياسية يجب سحقها، ولا عن وعود بالإصلاح الاقتصادي لتهدئتها. فربما بدأت هذه الانتفاضة اعتراضاً على انتهاك حقوق المرأة، لكنها على أرض الواقع نتيجة تراكم 43 سنة من الاضطهاد العقلي والجنسي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي.



وفي الوقت عينه، يعرف النظام أن العالم يراقبه، وقد يخشى أن تؤدي عمليات القتل الكثيرة في هذه المرحلة إلى تأجيج غضب المحتجين.



وقال أحد المتظاهرين: "إنهم خائفون منا! هل يمكن تخيل ذلك؟ عندما أخرج إلى الشوارع وألقي نظرة من حولي وأرى الآلاف يحتجون بدون حجاب، أشعر وكأنني أحلم".



النظام هو أيضاً في إحدى المراحل الأكثر ضعفاً في تاريخه، لا سيما في ظل مرض المرشد الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي (83 سنة). وبينما يقال إن ابنه قد يرشح لخليفته، يواجه النظام الديني أزمة في القيادة.



وهذه الأنباء جيدة للانتفاضة. لكن في وقت بات النظام على المحك، يخشى كثيرون من قتال واسع النطاق، باستخدام الإرهاب لتبديد أمل الشباب.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات