«التضخم المفرط» يهدد أوروبا بانهيار اقتصادي


جراسا -

ناقش وزراء الاقتصاد والمالية في دول الاتحاد الأوروبي، كيفية مواجهة تضخم قياسي بنسبة 10٪، لا سيما الزيادة في فاتورة الكهرباء، مع مخاوف من حدوث تزايد الركود إذا ساءت مشاكل إمدادات الطاقة.. وبات واضحا أن النقاش حول الوضع الاقتصادي أصبح نقطة ثابتة ومحورية على جدول أعمال الوزراء منذ بداية الحرب في أوكرانيا.

الانهيار الاقتصادي يهدد أوروبا، مع التضخم المفرط، تقوم السلطات المالية في الدول الغربية بمحاولات خجولة لمحاربة التضخم، إلا أنه ومع مواجهة أولى المصاعب، ستعاود اللجوء فورا إلى طباعة النقود غير المغطاة.
ارتفاع مدفوعات الديون والعبء على الميزانية



ويشير الباحث الروسي، ألكسندر نازاروف، إلى رفع البنك المركزي الأوروبي سعر الفائدة إلى 1.25% (في ظل تضخم وصل في ألمانيا إلى 10.9% في سبتمبر الماضي)..ونتيجة للتضخم الزائد على الدخل من السندات بجميع الدول الغربية، بدأ المستثمرون في الفرار من السندات الحكومية، ونتيجة لذلك، ارتفعت الفائدة على السندات الألمانية ذات العشر سنوات لهذا العام من 0.4% إلى 2.3% الأسبوع الماضي، بينما ارتفعت الفائدة على السندات الإيطالية من 0.5% إلى 4.9%.

بمعنى أن مدفوعات الديون والعبء على الميزانية بالنسبة لألمانيا زادت بمقدار 3 أضعاف على مدار العام، وبالنسبة لإيطاليا بمقدار 5.5 أضعاف. وهذا لا ينطبق على الحكومة فحسب، وإنما يطال كذلك الشركات والأشخاص العاديين.
أزمة دول جنوب أوروبا

ولن تتمكن ميزانيات بلدان جنوب أوروبا من خدمة الديون من دون ضخ عشرات المليارات من اليورو شهريا. في الوقت الذي لا يوجد فيه مكان لأخذ المال من أجل ذلك، باستثناء «التيسير الكمي» ـ أي قيام البنك المركزي يضخ الأموال في الاقتصاد عن طريق شراء الأوراق المالية (مثل الأسهم والسندات وأصول الخزانة) من الحكومة أو البنوك التجارية ـ ولإنقاذ جنوب أوروبا، يقوم البنك المركزي الأوروبي بتحويل الأموال من سندات دول الشمال إلى سندات الجنوب. نتيجة لذلك، سيغرق شمال وجنوب أوروبا معا.

طباعة تريليونات من اليورو غير المغطاة



ويضيف «نازاروف»: توشك إيطاليا واليونان وغيرهما من الدول المفلسة على الدخول في أزمة كبيرة في الميزانية والديون، ولمواجهة ذلك سيضطر البنك المركزي الأوروبي لا محالة إلى طباعة تريليونات من اليورو غير المغطاة، والتي ستؤدي بعد بعض الوقت إلى ارتفاع التضخم.

وبطبيعة الحال، أدى كل هذا إلى انخفاض قيمة اليورو مقابل الدولار، حيث انخفض اليورو بنسبة 15% منذ بداية عام 2022، وأكثر من 20% منذ مايو 2021.
لجوء بريطانيا لطباعة النقود وزيادة التضخم

وفي بريطانيا، بدأت رئيسة الحكومة، ليز تراس، «محاربة التضخم» بدعم الطاقة وخفض الضرائب، وكلا المقياسين يزيد من إنفاق الميزانية بنحو 150 مليار جنيه إسترليني، ما يدفع الحكومة إلى طباعة النقود مرة أخرى وزيادة التضخم..في الوقت نفسه، رفع بنك إنجلترا من سعر الفائدة ليصل إلى 2.25% مع تضخم قدره 9.9% في أغسطس.

أدت تلك الإجراءات إلى انخفاض الطلب على سندات الحكومة البريطانية وهروب رأس المال من بريطانيا. وفي سبعة أيام تداول، ارتفع سعر الفائدة على السندات الحكومية لمدة ثلاث سنوات من 3.05% إلى 4.68%، ما أجبر البنك المركزي على استئناف التيسير الكمي والإعلان عن شراء سندات بقيمة 65 مليار جنيه إسترليني.
تفاقم أزمة الميزانية



بالتزامن، يحاول الغرب الانتقال إلى تنظيم الأسعار: أولا، من خلال دعم أسعار البنزين والغاز وغيرهما..وثانيا، من خلال محاولات خجولة في الوقت الحالي لتنظيم الأسعار إداريا، أي أنهم ببساطة سيطلبون من الشركات عدم رفع الأسعار..بطبيعة الحال، فإن الدعم من خزينة الدولة سيؤدي إلى تفاقم أزمة الميزانية، وستؤدي القيود الإدارية إلى عجز وتضخم.

كذلك هناك اتجاه آخر للانهيار وهو صناديق التقاعد الأوروبية، وخاصة البريطانية، والتي تواجه التزامات بالدفع بغض النظر عن الخسائر، حيث يؤدي ارتفاع التضخم وانخفاض المخزونات إلى انخفاض قيمة المدخرات، في حين أن نهاية التسهيل الكمي وتدفقات رأس المال الخارجة تجعل من المستحيل الحفاظ على أهرامات الديون الخاصة بها. لذلك فصناديق التقاعد في طليعة حالات الإفلاس.


الإفلاس المرتقب لأكبر البنوك الأوروبية

يضاف إلى ذلك ـ بحسب تحليل الكسندر نازاروف ـ الشائعات حول الإفلاس المرتقب لأكبر البنوك الأوروبية «كريديه سويس» و«دويتشه بنك»، حيث تعجز البنوك جميعا على البقاء في ظروف يكون فيها سعر الفائدة أقل من التضخم. وأدى توقف التيسير الكمي، وسط تراجع البورصات، إلى حرمانها من مصادرها الأخيرة لتدفقات رأس المال والأرباح. ربما، في الأشهر القادمة، أو حتى الأسابيع المقبلة، قد نشهد انهيار بعض أكبر البنوك والانتشار السريع للأزمة المصرفية، أولا في أوروبا، ثم في كل مكان. ما لم يستأنف، بالطبع، الاتحاد الأوروبي والغرب ككل طباعة النقود غير المغطاة، وأغلب الظن أنهم سيستأنفون، لكن التضخم سيتسارع بشكل حاد بعد ذلك.

باختصار، فأينما نظرت، تتفاقم الأزمة في كل مكان، وفي الشتاء سيضاف إلى كل ذلك أزمة الطاقة.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات