فرص عودة "داعش" في ظل الانقسام العراقي


منير أديب

نجح العراق في تحرير مدينة الموصل بالكامل في 10 تموز (يوليو) من عام 2017، بينما أُعلن بالكامل عن سقوط دولة "داعش" بلسان الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 22 آذار (مارس) من عام 2019؛ في الحقيقة كلا الإعلانين لم يمنعا التنظيم من تنفيذ هجماته النوعية بعد التحرير، سواء في الموصل أم كركوك أم نينوى أم ديالى أم صلاح الدين أم العاصمة بغداد، وما حدث في العراق حدث في الشمال السوري، فلا يزال التنظيم يمثل خطراً بخلاياه الخاملة والنشطة أيضاً.

في الحقيقة عند قراءة الأسباب التي أدت إلى نجاح "داعش" في احتلال ثلث العراق أو ثاني أكبر مدينة عراقية، وهنا نقصد الموصل، يتضح لنا أن الانقسام الذي عاشه العراق في هذه الفترة والذي لا يزال يعيشه حتى الآن، هو المتهم الأول في احتلال "داعش"، ولعل بواعث الانقسام زادت بصورة كبيرة خلال الفترة الأخيرة، وهو ما يعيد المشهد العراقي إلى الوراء.

الصراع الشيعي - السني في وقت سابق ربما وفر حاضنة لتنظيم "داعش"، نجح من خلاله في احتلال الموصل مدة ثلاث سنوات كاملة، والآن ربما تمر الذكرى الخامسة لتحرير هذه المدينة، ولكن في ظل انقسام آخر يعيشه العراق، وإن كان داخل البيت الشيعي نفسه، وهو ما قد يؤدي إلى النتيجة السابقة نفسها التي مكّنت "داعش" من إقامة دولته.

تنظيم "داعش" لديه قدرة غير عادية على اللعب على التناقضات والاستفادة منها؛ فالسياسات العراقية السابقة التي وزعت المناصب الحكومية وفق المحاصصة، وبالتالي أخرجت السنّة من المعادلة السياسية، أو قامت بتوزيع المناصب العراقية وفق الهوية والمذهب، أضاعت هيبة الدولة وفرّقت أبناءها، وهنا نجح "داعش" في أن يلعب بهذه الورقة، وأن يستفيد من الوضع السياسي المضطرب.

كل التنظيمات المتطرفة حققت نجاحات في عملياتها العسكرية وقت الأزمات السياسية، فعززت هذه التنظيمات من وجودها وزادت هجماتها ضراوة خلال هذه الفترة، ولعل كتاب "إدارة التوحش" لصاحبه أبو بكر ناجي، والذي يمثل دستور هذه التنظيمات في العنف، وضع خريطة واضحة بخصوص إدارة العنف، منها استغلال الأزمات السياسية والاضطرابات، وإن لم تكن هناك أزمات أو اضطرابات يتم تخليق هذه الحالة، حتى يمكن إيجاد الحالة التي تؤدي إلى نجاح هذه التنظيمات في تحقيق هدفها.

مهام الدول الوطنية والمجتمع الدولي في الوقوف أمام أي انقسامات سياسية حادة ربما تؤدي إلى ظهور تنظيمات العنف والتطرف، يبدو الأمر أكثر خطراً بالنسبة إلى الدول التي ظهرت فيها هذه التنظيمات، لأن عودة التنظيمات المتطرفة إليها قد تكون أسبق من غيرها، وهنا لا بد من الانتباه إلى ضرورة الحدّ من حالة الفوضى السياسية مخافة أن تستفيد منها التنظيمات المتطرفة.

صحيح نجح العراق في تحرير مدينة الموصل قبل خمس سنوات، ولكنه لا يزال يعيش وضعاً أمنياً مضطرباً، ولا تزال خلايا "داعش" منتشرة في العراق شرقاً وغرباً، ولعل هذا يعود إلى أن الوضع السياسي في العراق ليس على ما يرام، ولعل تعقد الأزمة السياسية الحالية بين "التيار الصدري" و"الإطار التنسيقي" أحد تجليات الأزمة، التي لو استمرت لعاد "داعش" مرة أخرى بكل قوته.

الحديث عن أن تنظيم "داعش" لم تعد له حاضنة، وأنه افتقد مصادر تمويله أمر غير دقيق، فقدرة "داعش" مرتبطة بضعف الدولة العراقية، التي تعيش إحدى أصعب مراحلها الآن، ولذلك تغليب المصلحة السياسية العامة للعراق هو الحل الوحيد للوقوف أمام نمو وحش "داعش" الآتي.

"داعش" أشبه بالخلايا السرطانية التي تنتشر بسرعه شديدة داخل الجسد البشري لو وجدت مناعته ضعيفة؛ ارتباط ظهور الورم الخبيث قد يكون في بعض حالاته مرتبطاً بوهن الجسد البشري، فالعاصم الوحيد لمواجهة "داعش" قوة الدولة ومناعة أجهزتها الأمنية.

فالعراق يعيش هذه الحالة في ظل انتشار الميليشيات المسلحة التي تملك السلاح خارج إطار القانون، وكثير من هذه الميليشيات لها أجندات خارجية، فقرارها من خارج العراق؛ هذه الحالة ربما دفعت "داعش" أكثر من مرة للإعلان عن أنه سيعود من جديد، ولعل قوله يحمل رؤية واقعية للوضع العراقي المتدهور في ظل وجود هذه الميليشيات.

صحيح ظهرت تحالفات عراقية واجهت التنظيم المتطرف في العراق عندما أعلن دولته في 29 حزيران (يونيو) من عام 2014، لكن استمرار التحالفات العسكرية على وضعها الحالي منذ تحرير الموصل وحتى الآن قد يُهدد بعودة "داعش"، ولن يكون عاصماً لهذا الوجود، بل سوف يكون محركاً ومحرضاً عليه.

نجح "داعش" في بدايات الصراع المسلح بين "التيار" و"الإطار" في تسلل عناصره بين مدينتي كركوك والسليمانية، شمال العراق، وهو ما يؤشر إلى الخطر المقبل، فالتنظيم ترك رسالته من خلال خطف شابين ونحر أحدهما، وكأن "داعش" يقول هنا إنه قادم لدلالة الظهور من جانب، وعمق الرسالة التي استهدفت أحد هذين الشابين وأبقت على الثاني من جانب آخر.

الحل الوحيد لعدم عودة "داعش" إلى العراق ثانية هو أن تبقى إيران بعيدة من المشهد العراقي بكل تفاصيله، وأن يُترك القرار السياسي للعراقيين، فهم أصحاب الحق وأبناء البيت الذين يملكون القرار، من دون أي إملاء أو تدخل خارجي، والهدف تخفيف حدّة الاحتقان ووضع المصلحة الوطنية الموضع الصحيح من الأزمة دون غيرها.

ما يعيشه العراق الآن هو بمثابة اختبار للقوى السياسية الموالية لإيران ولإيران نفسها؛ فأيهما سوف يُعلي مصلحة العراق فوق أي مصلحة دونها، هل تسد طهران منافذ عودة "داعش" بعدم تدخلها في المشهد العراقي، أم تُعلي القوى الولائية مصلحة الوطن على ولاءاتها المذهبية والسياسية؟ الإجابة عن هذيين السؤالين ربما تجيب عن السؤال الذي طرحه الكاتب في عنوان مقاله عن فرص عودة "داعش" في ظل الانقسام العراقي.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات